حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
اقرع الباب الاخير لمحمود يعقوب - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79) +--- الموضوع: اقرع الباب الاخير لمحمود يعقوب (/showthread.php?tid=6438) |
اقرع الباب الاخير لمحمود يعقوب - ليلاء - 02-26-2008 اقرع الباب الأخير.... قصة قصيرة (للكاتب) محمود يعقوب انسى الدنيا برمتها ولا انسى ( عباس الاطرم ), مزنة الصيف التي تصب نبيذا , تنعشنا بنداها , وتروي الطرقات القاحلة بالحانها الحرة العذبة , الحان تبلِِّ صدانا في هجير الصيف . من حمّام السوق حتى بيوت الاطفال المختونين , نتحلق حوله سرب عصافير نزقة , وعلى وقع مزماره الخلاّب , صغارا وكبارا نقرع الارض باقدامنا الحافية .. نقرعها حد الجنون ! .. كالمزنة .. تُنزل قَطرها اولاً .. فتشيع الفرحة , تنبثق الزغاريد من اعشاشها , وتطير الحلوى فوق رؤوسنا كالفراش .. كالفراش مجنحةً بالوانها القزحية .. ويتقدم موكبنا بعض الشيء , فتنهمر الالحان وتسيل .. تسيل في الشوارع .. تسيل في الازقة .. ونغرق فيها هياما !.. اسرتنا تلك الايام بفتنتها , واخبلنا مزمار ( الاطرم ) . لكني الان .. الآن على وجه التحديد , اقبض بكفي المضطربة على لفافة سحري العظيم , اجوس تلك الطرقات بكل آلامي وعلتي , ابحث عن ( عباس الاطرم ) , القاه او لا القاه , سأضل ابحث عنه .. مُذ عدت من رحلتي العصيبة النكدة وانا ابحث عنه , تلك الرحلة التي ابتدأت في ذاك الشهر من عام الفئران , مثلما طُلِبَ مني , او مثلما تطلب علاجي .. ذهبت اعيد طبيبا جراحا .. ذهبت قبل يوم من موعدي , لامهد لنفسي إجراء عملية جراحية ..في عصر ذلك اليوم كنت في عيادته المكتظة بالمرضى .. مرضى جاءوا من كل جهات الوطن . جلست طويلا حتى خيم الظلام , ولم يحن دوري بعد .. واخذت احس بضيق غامض وقلق مبهم , ينفذ سهمه في صدري , لااعرف سره . وفيما كنت مستغرقا اتأمل الشارع من خلل النافذة الضيقة , دوّت اصوات توقف سيارات مسرعة اسفل البناية , محملة برجال تقافزوا منها كالفئران حالما توقفت . اعقب ذلك تصاعد وقع خطوات مسرعة على السلّم متجهة نحونا , في الدور الثاني , ومالبثوا ان تزاحموا عند باب العيادة باسلحتهم الغريبة . انطلقوا كالسهام الى غرفة الطبيب .. انطلقوا بلا تردد عبر صفيّ الكراسي التي كنا نشغلها في صالة الانتظار , مخلفين فينا الرعدة والوجوم !.. بلا تردد اقتحموا غرفته . ماتت كل الاصوات وحبست كل الانفاس , وفي غضون لحظات ارتفعت اصوات الشتائم والصراخ . خرج احدهم متراجعا الى الخلف يجر الطبيب من شعر رأسه ويتبعه الاخرون .. وفي وسط الصالة , وامام عيوننا المرعوبة , ركله احدهم واسقطه , ثم وثبوا جميعهم عليه وثوب الاسود الهائجة وملكوه بايديهم كما يُملَك العجين .. ويبدو ان الرجل فقد وعيه اخيرا , لم اعد اسمع له صوتا غير الانين المختنق الذي يسيل مع خيوط دمائه من فمه المفتوح , وكان من السهل ان ارى ايديهم قد تلوثت بدمه . حملوا الطبيب بعد ذلك ورحلوا .. حملوه هكذا .. اختلسوه من اختلسوه من مرضاه ورحلوا في اوار الرعب والآلم الرهيب !.. رحلوا , ترامى لنا صوت سياراتهم مولية , لم ينبس احد منا بحرف واحد , كنا باهتين , متيبسين كالخشب , بقينا هكذا لدقائق حتى تجرأت امرآة كانت تضع في حضنها صبياً مريضا , قالت بصوت متهدج : - مالذي يمكن ان يفعله رجل كبير ووديع مثله حتى يرمى بكل هذا التهور ؟.. وفي اليوم الثاني سمعت بقية القصة .. سمعتها حتى الدفن !.. وساعتها تأكد لي ان سبب ذلك الضيق الغامض والقلق المبهم اللذان ماكانا غشياني الا لان نجمة انطفأت , نجمة زاهرة كالذهب الابريز هوت تاركة هالتها وحيدة حيرى في كبد السماء !.. وفي حومة حزني واضطرابي واشتداد علتي , اخذتني الاقوال .. اخذتني كما السيوف البتارة .. الاقوال التي وقفت اتلقفها لتقطعني اربا .. بلا اتفاق بدوا انهم كانوا متفقين .. كلهم حكوا القصة ورووها بصيغة واحدة .. الناس وانباء الوكالات كلها , تكلموا بصيغة الافعال المبنية للمجهول , قالوا عن الجرّاح انه ( شُتِمَ , ضُرِبَ , جُرِحَ , خُطِفَ , ثم قُتِلَ , واخيرا دُفِنَ ) , حتى الدفن بني للمجهول ايضا !.. وقفت مشدوها بين هذه الافعال ومزعزعاً , العن المعرفة الكبرى واستغرب ما جرى للغة الام !..امن المعقول ان تبنى الافعال المكشوفة للمجهول ؟.. كيف .. اولم يحدث هذا تحت قبة السماء وامام انظار الله والنجوم والقمر ؟.. تماسكت قليلا , واستجمعت بعض صوابي وسرت إلى دكان قريب جلبت منه كيسا , رحت الملم شتات الافعال المنية للمجهول المبعثرة على الألسن واعبأها فيه . وغادرت فندقي فورا . وفي يوم اخر .. كنت في المقبرة ابحث عن قبر طبيبي .. وأمام ضريحه الوقور جثوت باكيا بكاء الغريب امام الغريب .. وخُيّلَ لي انه حفر قبره بمبضعه , واراح نفسه فيه بفخر وجلال , ولهذا السبب بالتأكيد بُنِيَ الدفن للمجهول ايضا . حين حل الظلام , عدت متلصصا الى المقبرة ثانية , حاملا كيس الافعال وقصبة قوية جوفاء , اعتنيت كثيرا بانتقائها .. لانني كنت قد قرأت في الكتب القديمة ان دفن الكلمات والأشياء تحت جثمان الميت عشرة أيام يمكن أن يحيلها سحرا عظيما .. لهذا تسللت الى القبر خلسة , ونبشته بترفق , ودسست الكلمات والقصبة تحت الجسد الشهيد .. داومت عشرة ايام متوالية , اجثوا فيها عند القبر هامسا , متبتلا , ومرددا اقوالا حفظتها من تلك الكتب .. حين انهيت هذا الطقس السحري , استخرجت اشيائي من القبر . وامامه تضرعت طالبا الصفح والغفران . انتحيت جانبا بين القبور , بدأت اهذب القصبة وابريها واقلمها , ثم ثقبتها بضعة ثقوب بدراية واتقان , حتى استحالت بين يدي مزمارا سحريا , وتناولت الافعال المبنية للمجهول وادخلتها فيه .. وحين نفخت فيه قليلا كاد يجن جنوني لهول السحر .. لففته بقماشة بيضاء كالحرز المصون , وعدت ادراجي الى مدينتي .. وهاانذا احمل هذه اللفافة السحرية العظيمة , هي كل عتادي ودوائي , ادور من شارع الى شارع ومن زقاق الى زقاق , ابحث عن (عباس الاطرم ) .. أظل ابحث عنه جزعا .. القاه او لا القاه ساظل ابحث عنه كي امنحه المزمار السحري ليقود الفئران بعيدا منقول ليلاء (بذرة لا زالت تنمو) |