حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
«اعترافي» لتولستوي : المنقذ من الشكوك والضلال - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: «اعترافي» لتولستوي : المنقذ من الشكوك والضلال (/showthread.php?tid=6574) |
«اعترافي» لتولستوي : المنقذ من الشكوك والضلال - سيناتور - 02-20-2008 ابراهيم العريس - الحياة كان يعبر سن الخمسين حين استبدت به أزمة روحية وفكرية عنيفة. أزمة كادت تقضي عليه وعلى فكره مودية به إما الى الجنون أو الى الانتحار. أو هذا ما يقوله لنا، هو بنفسه، في عدد لا بأس به من نصوصه سواء أكانت هذه النصوص روايات أو قصصاً، أو مجرد أفكار يدونها على الورق. بل كأن الأمر كله يبدو وكأن الأزمة استبدت به كي تتحول الى نص مدون على الورق. غير أن أزمة الخمسين تلك لم تكن – بالنسبة الى تولستوي – من نوع الأزمات العاطفية الوجدانية التي تتفرع عن أزمة وجودية تتعلق ببلوغ المرء ما يشبه سن اليأس، بل كانت أزمة فكرية خالصة لا علاقة لها بأي غرام أو بوضع عائلي. فتولستوي كان أكثر عمقاً من أن يقع فريسة أفكار مثل تلك التي يقع فيها غيره من البشر. أو هذا ما كان هو يعتقده على الأقل. ومن هنا، وكما كانت الحال مثلاً، قبله بمئات السنين مع المفكر المسلم أبو حامد الغزالي، اذ انتجت أزمة مماثلة لديه كتابه الأشهر «المنقذ من الضلال» انتجت أزمة تولستوي كتاباً مشابهاً – على أكثر من صعيد – اطلق عليه عنوان «اعترافي». * في البدء كان يتعين على كتاب «اعترافي» أن يكون توطئة لكتاب آخر كان يشتغل عليه تولستوي في تلك الآونة (أوائل ثمانينات القرن التاسع عشر) عنوانه «ما هو ايماني»، غير أن النص سرعان ما اتخذ حياته الخاصة ليصبح كتاباً مستقلاً يمكن الباحث أن يجد فيه جذور ذلك «الدين» الذي سيخيل الى تولستوي دائماً انه ابتكره وسيكون بالنسبة اليه «دين الشعب» مقابل دين السادة أو رجال الدين كما سنرى. أما هنا فنذكر بداية ان هذا النص ما إن انجز حتى راح قراء تولستوي وأصدقاؤه يتناقلونه مكتوباً في نسخ عدة، اذ منع نشره بأي حال من الأحوال – من جانب الكنيسة كما من جانب السلطات الحكومية – داخل روسيا، ليعود في سنة 1884 ويطبع ولكن في سويسرا، وراحت نسخه تهرب الى داخل روسيا. والحقيقة أن قراءة هذا النص تضعنا مباشرة أمام أجوبة أساسية تتعلق بفكر تولستوي كما تجلى خلال العقود الأخيرة من حياته. وهو الفكر الذي كمن وراء نصوصه الكبرى التي دوّنها بعد ذلك معطياً فيها للناس، للبشر العاديين مكانة أساسية، مبدّياً أفكارهم على أفكار أهل النخبة وأهل مختلف أنواع اليقينيات. ومنذ الصفحات الأولى في ذلك النص رسم لنا صاحب «الحرب والسلم» و «البعث» تلك الأزمة الروحية التي عاشها حين بلغ الخمسين من عمره. وهي أزمة ولدت لديه منذ اللحظة التي أدرك فيها الكاتب ان «الدين الذي نعيشه نحن معشر المثقفين والكتّاب، انما هو دين يقف خارج الحياة الحقيقية التي نعيش. انه دين نحفظه ونحافظ عليه لفظياً، لكننا لا نعيشه في سلوكنا على الاطلاق... وانطلاقاً من هنا يعترف تولستوي لنا، بأنه نقد ذلك النوع من الإيمان اللفظي منذ كان في السادسة عشرة من عمره. غير ان فقده الإيمان لا يعني انه لم يعد يؤمن بشيء ما، حتى وإن بات عاجزاً عن ان يقول لنا كنه ذلك الشيء الذي بقي يؤمن به. انه لا ينكر وجود الخالق، لكنه في المقابل يبدو عاجزاً عن معرفة كينونة هذا الخالق. وهو لا ينكر بالطبع أياً من تعاليم السيد المسيح... غير انه لم يعد قادراً على تفسير هذه التعاليم ومما تتكون – في اثناء ذلك كان يبدو له ان ايمانه الحقيقي اليقيني انما هو الإيمان بالكمال. ولكن، ما هي غاية ذلك الكمال، سؤال ما كان في وسعه أبداً أن يجيب عنه. في البداية اذاً اعتقد تولستوي أن ما هو مستحق لإيمانه هو الكمال الأخلاقي. بعد ذلك واتته فكرة لاحت له أساسية: ان الكمال يقوم على مبدأ أن يكون المرء هو الأفضل... ولكن ليس أمام الخالق، ولا أمامه هو نفسه، بل أمام الناس. وهكذا انطلاقاً من فكرة «الأفضل» هذه، تمخض فكر تولستوي عن ان على المرء أن يكون راغباً في أن يصبح الأكثر شهرة، الأكثر أهمية، الأكثر غنى. واذ يبدأ المرء بمحاولة أن يكون كذلك، سيسرّه أول الأمر ان يصفق الناس لفضائله وأن يبتسموا لعيوبه طالما ان مكانته تجعله في منجى من أن يحكموا عليه. هذه الأفكار راودت تولستوي، اذاً، لفترة في صباه. غير أنها كانت أفكاراً سابقة على الزمن الذي راح يختلط فيه بأهل الأدب والفكر. ولاحقاً اذ اختلط بهذا العالم بدأ يدرك ادعاءاتهم ومزاعمهم ويدوّنها في داخل فكره، ودائماً من منطلق نقدي رافض. وها هو الآن وقد صار في الخمسين يقول لنا كيف انهم يصدقون وبقوة انهم يعلمون الناس ولكن من دون أن يدركوا هم أنفسهم ماهية تلك الأمور التي يزعمون تعليمها للبشر. والحقيقة ان تولستوي سيقول لنا وهو في الخمسين من عمره انه كان يفعل فعلهم. وظل يفعل هذا حتى اليوم الذي استبدت فيه شكوكه به. وها هو «يعترف» أمامنا عنه، ونيابة عن المثقفين: انهم يتحدثون عن تعليم مفاهيم التقدم... يبدو ان التقدم صار بالنسبة الى تولستوي مفهوماً مجرداً... حكماً مسبقاً لا جدوى منه. وهكذا اذ أدرك صاحبنا هذه الحقيقة بدأت الشكوك تنتابه: وانطلاقاً من هنا لم تعد الحياة تعني، بالنسبة اليه شيئاً. لقد فقد احساسه بها. وبدأت فكرة الانتحار تراوده – بحسب ما يروي لنا نفسه – وبات عليه أن يبذل جهداً كبيراً كيلا ينتحر... لأنه صار يهجس ليلاً ونهاراً بالموت والانتحار وقد أحس من حوله وفي داخله خواء فكرياً كبيراً. غير انه ذات لحظة وقد أدرك ان العلم، نفسه، الذي كان في تلك الحقبة محط أنظار كل أصحاب الرؤى المستقبلية، وصل الى اكتشاف ما: وجد بعض أجوبة لدى كبار مفكري الماضي بدءاً من بوذا وسقراط الى شوبنهاور... لدى هؤلاء اكتشف ان الحياة شر كبير وهكذا وجد نفسه أمام واحد من أربعة حلول: المجابهة أو الاذعان الروائي والانتحار أو أخيراً الاعتراف بالضعف وتوقع ما سيلي ذلك الاعتراف... ما يعني ان يعيش الحياة يوماً بيوم حتى وان كان ايمانه بالعدم قد سيطر عليه تماماً. على هذا النحو كان تولستوي قد وصل – كما يقول لنا في «اعترافاتي» – أو «اعترافي» – الى ذروة أزمته الروحية، لكنه تمسك بأمل أخير: ماذا لو كانت محاججته هذه مخطئة في كليتها؟ لقد كان مجرد طرح هذا السؤال على نفسه حلاً ارتضاه وبدأ ينتظر ما ينتج لديه. في تلك اللحظة بالذات حدث له، كما يروي، ان ألقى نظرة على الجماهير الشعبية. وهنا كانت المعجزة: لقد اكتشف ان هذه الجماهير تنظر الى الحياة والدين على أنهما شيء واحد. واكتشف ان الدين هو بالنسبة الى هؤلاء البشر الشيء الوحيد الذي يعطيهم امكان العيش، أو قبول العيش كما هو. وفي معنى آخر: من دون قبول الدين وقبول فكرة الخالق، ليس ثمة من حاجة الى الحياة نفسها... لن تكون ثمة حياة بالأحرى. وهنا بات واضحاً لتولستوي أن الدين الحقيقي لا يجب البحث عنه في الكتب أو لدى المثقفين بل لدى الشعب. وبالتالي على المرء أن يختلط بالشعب كلياً. هذه الفكرة صارت، على الفور أشبه بترياق بالنسبة الى تولستوي الذي سرعان ما راح، بالتالي يعيش مع الناس، على طريقته وزالت شكوكه وعبرت الأزمة. ولئن كان هنا الكاتب أو المفكر الكبير قد عبر عن هذا كله بالتفصيل في ذلك الكتاب، فإنه في الحقيقة عبر عنه في كل النصوص التي راح يكتبها منذ تلك اللحظة. alariss@alhayat.com |