نادي الفكر العربي
كما يريد السلطان - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78)
+--- الموضوع: كما يريد السلطان (/showthread.php?tid=6770)



كما يريد السلطان - سمير بن يونس - 02-07-2008

اليوم كالعادة كان يوما مرهقا الى حد بعيد , انا بعكسك توجهت الى مكان العمل باكرا قابضا على كاس القهوة ارتشفه على مهل وانا اجوب شوارع الحارة متأملا زرافات التلاميذ الذين سرعان ما يحولون يومي الى جحيم مستعر , وصلت المصنع قبل الثامنة بعشرين دقيقة ... قبل بدء النهار فاجانا صاحب العمل باجتماع طارىء وقد وبخ عماله الكادحين بانهم لم يواظبوا على احد قوانين البطريرك الجديدة والتي سنها مؤخرا.. وهي ان لا يتناول اي من العمال شيئا من الطعام او الشراب في ساعات الصباح الاولى .. لماذا ؟لان الطعام والشراب يلهيان العمال عن تحضير مواد البناء كما يجب, وقد منعت القهوة تماما , لا بل اعلن عن تحريمها في مكان العمل , وقد توعد مدير المصنع بالويل والثبور وعواقب الامور لمن تسول له نفسه باعداد ذلك السائل الاسود الشهي والذي يداعب خياشيمي كل صباح.. القهوة,, .. هذا كان اخر تجديد في الناموس الشرائعي للبطريرك الذي سبق له ان حرم السكر واللون الاحمر وضحكات الصباح لانها بدع كما يقول ولقد حرمها باصدار فرمانات خاصة وقع عليها فقهاء الحارة الذين عادة يعملون بعد حلول الظلام ويستترون في قصر الطريرك بعد منتصف الليل بقليل ويصكون فرمانات التحريم كما يشاء البطريرك.
بشكل او باخر تلاشت ساعات النهر بكسل تحت اشعة الشمس الربيعية الدافئة , في بعض اللحظات حاولت الهاء العمال المحاذين لي بحكايات قديمة قراتها في جريدة عتيقة منع تدوالها منذ ايام السلطان برقوق احد سلاطين المماليك والذي في عهده غرق العالم الكبير ابن خلدون . في بعض الحالات ولكي اثبت ولائي المطلق للسلطنة صرخت وزمجرت على العمال الذي يتبعون لي حتى ملات الممر الطويل بصراخي اللا متناهي... المهم ان ينتهي النهار بحلوه وبمره,, حاولت ان اسرق بعض اللحظات لكي اقرا صفحات من روايتي التي اخبئها في حجري وهي رواية كانها نائمة للكاتب الفذ الياس خوري ولكنني فشلت في استيعاب شيء من الكتاب لما يجول في خاطري من امور جسام.. عندما حل المساء وارخى بسدوله علينا ودعت النهار الذي توارى في ثنايا حلم بعض الجائعين الحالمين برغيف خبز مدور يشبه الشمس التي تودع نهارها المهزوم وتستسلم لاخر خيوط الشفق الاحمر.خطوت نحو سيارتي وانا احمل احزاني ووجعي اليومي في حقيبتي الثقيلة والتي تئن تحت ثقل الكتب والكراريس المختلفة الان احاول ان ارسم صورتي بهذه الكلمات المتثائبة بثقل قبل ان اخلد للنوم ليس قبل ان اقرا بعض الصفحات المسكونة باحلام ميليا بطلة قصة الياس خوري كانها نائمة .