حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
عصر السلطة الجديدة . - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: عصر السلطة الجديدة . (/showthread.php?tid=7290) الصفحات:
1
2
|
عصر السلطة الجديدة . - بهجت - 01-08-2008 ( الجزء 1 من 3 )
المعرفة هي بذاتها سلطة . فرانسس بيكون ." إن السلطة التي تحددنا و تميزنا بشكل كبير كأفراد و أمم ، هي ذاتها في طريقها إلى شكل جديد ." الفين توفلر مقدمة : الزلزال الكبير . في عام 1989 انهارت الإمبراطورية السوفيتية مسببة دويا هائلا و محدثة فراغا شاسعا في السلطة غير مسبوق في النظام العالمي ،و تولد عن ذلك كله ثقوب سوداء مفتوحة لسلطة جديدة ، ليس فقط في الإمبراطورية السوفيتية بل و حتى في مناطق بعيدة عانت من فراغ القوة نتيجة إنحسار القوة السوفيتية مثل الشرق الأوسط ، و لكن هذا الإنفجار كان مجرد الجزء الطافي من جبل الجليد ،و الذي يخفي تدهورا عميقا و لكنه غير واضح في القوى الأخرى ، ففي الولايات المتحدة كانت تجري عملية إنتقال السلطة على حساب مؤسساتها الوطنية الكبرى المسيطرة مثل جنرال موتورز و IBM و شبكات التلفزيون الكبرى مثل IBC,CBS,NBC ، فأصبحت تلك المؤسسات تقاتل من أجل بقاء مشكوك فيه ، و بينما كانت أمريكا قادرة عام 1945 على تمويل إعادة بناء أوروبا المدمرة و اليابان خلال مشروع مارشال ، فلم تستطع القيام بنفس الدور مع دول أوروبا الشرقية بما في ذلك روسيا بعد إنهيار الإمبراطورية السوفيتية ، وعلقت هذا الواجب الثقيل في رقبة الشركاء الأوربيين أساسا ، كما تنامت لحد الظاهرة نزعة الولايات المتحدة الأمريكية في إيجاد حلول للمشاكل العالمية تتفق مع مصالحها بإستخدام أموال غيرها ، كما حدث في حرب الخليج في عام 1991 و أزمة المكسيك 1995 ، في نفس الوقت كانت الصناعات اليابانية العملاقة التي تنتمي إلى ما يسمى الموجة الثانية تتآكل أمام صناعات الموجة الثالثة ، و صاحب ذلك تقلص فجائي في سلطة المؤسسات الثلاث الأسطورية التي صنعت المعجزة اليابانية ، وهي الحزب الليبرالي الديمقراطي و وزارة التجارة الدولية و الصناعة ( الميتي ) و إتحاد أرباب الأعمال ( الكيدانرين ) ، أما في أوروبا الغربية فقد تحولت السلطة باستمرار في اتجاه ألمانيا على حساب لندن و باريس وروما ،و لم يجد الجميع حلا سوى الإسراع بالإتحاد الأوروبي ،و هذا الإتحاد سيؤدي إلى أكبر نزوح للسلطات الوطنية التي يمارسها أعضاء الإتحاد إلى المنظمات الأوروبية في بروكسل ، وفي ظل تطورات بعينها يمكن أن تشهد بروكسل أكبر تجميع للسلطة في التاريخ .هذه التغيرات الكونية الكبرى أعادت طرح كل شيء تقريبا بما في ذلك معنى السلطة و ممارستها . ما هي السلطة ؟. إن السلطة تعريفيا هي المرادف للقوة على الصعيد الداخلي ، و هي تعني إستخدام القوة في دفع الناس إلى التصرف بشكل يتوافق مع أهداف حائزها ،أو يمتنعون عن العمل بما يناقض أهدافه ، و يقول برتراند راسل في عبارة عقلانية بسيطة " يمكن تعريف السلطة بأنها إحداث تأثيرات مقصودة " ، هذه السلطة لا تنشأ بمجرد إمتلاك مهارات ووسائل حيازة القوة ، بل تستدعي أيضا المهارة في توظيف تلك القوة . يدرس العسكريون و صناع الإسترتيجية العديد من النظريات التي تتناول عناصر القوة / السلطة و تصنيفها و تقيمها بما في ذلك التقيم العددي للمقارنة بين القوى الشاملة للدول و الأنظمة و التكتلات العسكرية ، و لكن هناك عناصر لا يمكن قياسها ضمن القوة التقليدية ، مثل الترابط الوطني و نوعية الدبلوماسية وكل ما أسماه ( كلاوتزفيتز) الآداب الوطنية ، و هناك مفهوم مكثف لعناصر السلطة يقدمها المفكر الأمريكي الفين توفلر في كتابه الشهير Power Shift ، و يذهب فيه إلى أن مصادر السلطة ثلاث هي بالتتالي التاريخي : العنف و المال و المعرفة ،وهذا التقسيم مناسب كقاعدة لدراسة السلطة . طبيعة السلطة/ القوة . إن القوة في حقيقتها ليست موضوعية مصمتة ،و لكنها تختلف بإختلاف تصورنا لها و لأنفسنا و للآخرين ، و بهذا فالبعد النفسي للقوة بالغ الأهمية ، و لأن القوة غير قابلة للقياس الدقيق فمفهوم القوة غير مؤكد أكثر من أي وقت مضى ، القوة موجودة بالقطع و لكنها غير مدركة سوى بآثارها ، و في عالمنا اليوم سنجد أن المعرفة تسيطر بالفعل على العناصر الأخرى (العنف و الثروة) معا بدرجة مذهلة ، فالأسلحة الذكية و الصواريخ كروز و أنظمة الدفاع الجوي ، هي نتاج الثورة المعلوماتية ، في المقابل لا يمكن لأي نظام إنتاج الثروة بدون كم هائل من المعلومات المبرمجة ، رغم هذا فالعلماء يؤكدون أن أنظمة الذكاء الإصطناعي ما زالت في مراحلها البدائية لما هو متوقع لها . عصر السلطة الجديدة . - بهجت - 01-10-2008 ( الجزء 2 من 4 )
Array"غزو أجزاء من السوق التجاري لقوة ما تعادل الغزو العسكري لإقليم من أقاليمها". "كيف يكون لدول الجنوب دورا في نظام دولي لا تتفاوض حوله بينما تتأثر به كلية ؟." [/quote] سلطة العنف . إن مفهوم القوة كما نعرفه حتى وقت قريب نشأ من خلال إشكالية الحرب و السلام ، و لكن هذا المفهوم لم يعد ملائما لعصر التجارة و العولمة ، فاللعبة لم تعد استراتيجية- عسكرية و لكنها إقتصادية- ثقافية ، و لهذا لم يعد هناك عاقل يفكر في السلطة كقوة عنيفة يفرض بها إرادته على الغير ، فالعنف لم يعد له نفس الأهمية القديمة و السلطة القائمة عليه هشة سريعة الإنهيار ، و لعله من الملاحظات الموحية أن السمة المميزة للحروب المعاصرة هي إمكانية تحقيق إنجازات عسكرية مع إنعدام المكاسب على الصعيد السياسي ، و هذه النتيجة تبدوا صائبة لو راجعنا نتائج إستخدام العنف المطلق في الصراعات المعاصرة . إن كل إنجازات إسرائيل العسكرية و بعضها حاسم كحرب 1967 لم تحقق لها شيئا يذكر ، فالأمن الإسرائيلي اليوم أبعد منالا من أي فترة سابقة ، نفس الفشل في تحقيق الأهداف السياسية صادف القوة العسكرية الإنجليزية الفرنسية في مصر 1956 ،والأمريكية في فيتنام و العراق ، و القوة السوفيتية السابقة في تشيكوسلوفاكيا و أفغانستان ، نفس الظاهرة تبدوا الآن أكثر وضوحا في نتائج أنشطة الإرهاب الإسلامي ، فبعض تلك العمليات الإرهابية كحوادث 11 سبتمبر ، و تدمير السياحة في مصر في التسعينات ، و تفجير السفارات الأمريكية و المصرية ، و عمليات الذبح الجماعية في الجزائر و التفجيرات الإنتحارية في العراق تعتبر إنجازا فريدا في جسارة العنف الجامح ، و لكنها في النهاية لا تؤدي إلى أي مكاسب سياسية ، بل على النقيض فهي تدفع المسلمين الأصوليين -بل ربما كل المسلمين- دفعا إلى حرب خاسرة ضد العالم كله . السلطة الإقتصادية . هناك مفكر اقتصادي هام هو ( البيرت هيرشمان ) وجه الإنتباه إلى العلاقة بين النفوذ الذي يتمتع به بلد ما وهيكل التجارة الخارجية الخاص به ، و نعلم الآن أن غزو أجزاء من السوق التجاري لقوة ما تعادل الغزو العسكري لإقليم من أقاليمها ، و أن التركيز التجاري الشديد للغاية يؤدي إلى التبعية السياسية ، و لعل أوضح مثال لذلك هو العلاقة بين اليابان و الولايات المتحدة ، فرغم أن مجمل التجارة اليابانية زاد خلال 30 سنة بنسبة 167% مقابل زيادة 7% فقط للولايات المتحدة ، فهذا لم يعط لليابان التفوق في علاقاتها بأمريكا لأن نحو ثلث التجارة اليابانية تتجه لأمريكا ،وهذا يوجب على اليابان تقديم تسهيلات كبيرة للولايات المتحدة . و تبقى الحقيقة التي لا ندركها بسبب خداع الخطاب التجاري ،و هي أن العلاقات التجارية هي علاقات قوة بين الدول ،و الثروة الناجمة عن المكاسب التجارية تضاف إلى رصيد السلطة ، فالقوة الناجمة عن الثراء ليست هدفا في حد ذاته بل دائما تسخر لأهداف أخرى . إننا نعيش الآن بالفعل على أعتاب أكبر إنتقال للسلطات في التاريخ الإقتصادي كله ، و تتجلى أول علامات هذا الإنتقال فيما يسمى ( شركات المستقبل المرنة ) ، فعالم الأعمال يتعرض الآن لأكبر هزة منذ الثورة الصناعية . وفي الواقع فإن ظهور إقتصاد المعرفة كان إشارة بدء سباق محموم بين النظم الإقتصادية المتقدمة ، و كشف عن تداعي الأنظمة الإقتصادية الإشتراكية ، وها هو يقلب علاقات القوى في كل مكان من العالم . هكذا أصبح للقوة مفهوم أكثر نضجا و ملائمة لعصر جديد ، فهي تعني الآن كونها أداة لصياغة إطار التبادل التجاري الدولي ،و بالتالي تحديد شكل الحياة على الأرض ، كما أن اللعبة لم تعد لعبة صفرية ، بمعنى مهزوم خاسر أو منتصر رابح على طول الخط ، بل هي لعبة أكثر توازنا حيث تترك فرصة للطرف الأضعف كي يحمي مصالحه ولو جزئيا ، و ببساطة يمكن أن نرى أن القوة تحولت لتكون تحويل إحدى المزايا التي يملكها طرف ما إلى نتائج إيجابية لصالحه ، و بهذه الصفة فالقوة تمارس خلال عملية سياسية و قد تمتد لأعوام طويلة ، و من الأمثلة على تلك الممارسات المفاوضات المتعلقة بالتجارة الدولية أو ديون العالم الثالث و أسعار المواد الخام و حماية البيئة ، فالقوة تتحول لتكون شيئا مثل القدرة على تحديد جدول الأعمال ، و تثير هذه القوة الناعمة مخاوف دول الجنوب و تفرض عليها قلقا مؤرقا أكثر من القوة العنيفة ، فكيف يكون لمثل تلك الدول دور في نظام دولي وهي لا تتفاوض حوله بينما تتأثر به كلية ؟. سلطة التكنولوجيا . إن القوة التكنولوجية هي أكثر من أن تكون إمتدادا للقوة الإقتصادية ، فالتكنولوجيا أصبحت تشكل أنماط التنظيم الإجتماعي في كل مكان من العالم ، وهي تفعل ذلك ليس فقط من خلال نشر نماذج سلوكية جديدة و لكن أيضا من خلال خلق توقعات جديدة ، فالتكنولوجيا أفرزت ظاهرة التشيؤ أو عبادة الأشياء ، حيث يصبح إمتلاك منتجات التكنولوجيا شبقا لا يشبع لمن يملكها ومن لا يملكها على السواء ، و العجز في إمتلاك التكنولوجيا المتقدمة لا يهدد الثراء في الدول المتخلفة تكنولوجيا فحسب ، بل أيضا يهدد قدرة تلك المجتمعات على التأثير الدولي و الذي يمكن تحديده في ثلاثة عناصر تتأثر كلها بالتكنولوجيا و هي : الخيارات العسكرية و النفوذ السياسي و الإشعاع الثقافي ، أكثر من ذلك فنقص التكنولوجيا المزمن سيؤدي في النهاية أيضا إلى فقدان السيادة و الإستقرار ، و هكذا أصبحت القدرة على خلق تكنولوجيا جديدة و استيعابها هي مقياس النمو ، فهي التي تحدد معياري السيطرة و التبعية . تتميز السلطة التي تتيحها التكنولوجيا لحائزها أنها سلطة فوق قومية و عابرة لها ، فهي ليست محلية تضاف إلى سلطة الدولة ، و لكنها سلطة كونية منتشرة بإنتشار قدرة التكنولوجيا المستخدمة على الحركة و الإختراق ، فالشركات الكبرى تتخطى بنشاطها الطابع الإقليمي ، وهي لا تقتصر الآن على التصدير الذي يخدم الدولة و يمكن أن تؤثر فيه ، بل هي تقوم باستثمارات كبيرة في أقاليم أخرى خلال شركات متعددة الجنسية غالبا ، هذه المشاريع تخضع لسيطرة الشركات و ليس لدولة بذاتها ،و لهذا نجد أن سوق التكنولوجيا هو سوق تنافسي عنيف ، تتصارع فيه الشركات الكبرى و الدول على قدم المساواة ، فتأثير الشركات التكنولوجية الكبرى لا يمكن مقارنته سوى بنفوذ الدول الصناعية ذاتها . عصر السلطة الجديدة . - محارب النور - 01-11-2008 يُحكى إنَ: كان يعيش في جزيرة مالطا فيليسوف أسمة (تاليس أو حسب اللفظة العربي طاليس) وبالطبع وهو يعيش في مالطا سُمي بالطاليس المالطي او تاليس المالتي ..كان الناس يضحكون عليه ويقولون : ماذا تنفع تأملاتك هل تجلب لك الخبز والزيت إلى البيت جد عملاً فهو اجدى لك ؟؟ . وهو حسب عُرف الحكماء يغرق في صمتاً طويل معَ إبتسامة عريضة .. وزادت هذة التعليقات فحب ان يرد عليهم . وكان المتعارف علية إنَ في موسم جني الزيتون كانت المعاصر تعمل بشكل جيد ولكن لا احد يعرف كيف سوف يكون الموسم هل هو جيد ام هو سيء.؟ لا احد يملك القدرة على التبنؤ ..لذلك المعاصر كانت تعيش حالة من التقاتل من اجل عصر الزيتون في حالة كون الموسم جيداً وحالة ركود سيء في حالة كون الموسم سيئاً . طاليس وهو يملك المعرفة قدر ان يعرف اي موسم سوف يكون جيداً وأحب ان يضرب مثل قوي كون المعرفة نافعة .. في سنة من السنين دفع إيجار كل المعاصر وصار هو المحتكر لعملية العصر .. ضحك الناس عليه وقالوا له : ومن يقول إنَ الموسم سوف يكون جيداً ؟؟ . لم يرد عليهم .. وصدق تبنؤا الرجل وكان الموسم من اقوى المواسم والحصاد وفير ولكن المعاصر ملك له ..ولم يقبل ان يعصر زيتونه واحدة فهو المالك الوحيد للمعاصر .. قال لهم: هذة منفعة المعرفة ... أسف يا عملاق قطعت عليك سير حديثك الرائع الذي لا اشبع منة زيرك :redrose: عصر السلطة الجديدة . - العلماني - 01-11-2008 بهجت ألف وردة لمواضيعك الغنية ، وكل سنة وانت طيب (f) Array يُحكى إنَ: كان يعيش في جزيرة مالطا فيليسوف أسمة (تاليس أو حسب اللفظة العربي طاليس) وبالطبع وهو يعيش في مالطا سُمي بالطاليس المالطي او تاليس المالتي .. زيرك :redrose: [/quote] يعني "طاليس" من "مالطا" يا "محارب النور"؟ ما طلع معك شي تاني:)؟ ... راجع معلوماتك يا صاحبي (f) واسلموا لي العلماني عصر السلطة الجديدة . - بهجت - 01-12-2008 الأخ العلماني .(f) كل سنة و أنت منور نادي الفكر و بكل خير .. محارب النور(f).. الأخ الغائب عن نادي الفكر منذ مدة .. الحاضر في كل مناقشة جميلة . خذ هذه من العالم القديم أيضا لتعرف كم نحن محظوظون ؟. في العالم القديم كتب القديس أوغسطين يصف أستاذه القديس امبرواز دي ميلان بأنه أذكى رجل في العالم لأنه كان قادرا على القراءة دون تحريك شفتيه ، أي معجزة خارقة ؟. لم يكن أسلافنا أميين فقط بل كانوا لا يعرفون الأرقام ، و هناك نص منسوب للقديس أوغسطين يدعوا فيه المسيحيين إلى تجنب من يعرف الجمع و الطرح لأنهم عقدوا عهدا مع الشيطان ، إن أبسط المهارات التي نمارسها اليوم احتاجت إلى تراكمات طويلة من التطور الثقافي امتدت لمئات السنين ، فكيف ترانا اليوم و نحن نخزن البيانات و البرامج على الكمبيوتر و نتصل بأبعد مكان في العالم متى نريد ، أليست هذه هي السلطة الحقيقية ؟. عصر السلطة الجديدة . - بهجت - 01-12-2008 ( الجزء 3 من 5 ) " إن إمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات ذهنية " . و نستون تشرشل "لقد حل رأس المال البشري محل رأس المال الدولاري" . ميخائيل ميلكن "لم يعد الوقت يساوي مالا فقط ، بل هو يساوي ثروات حقيقية و سلطة مهيمنة ". سلطة المعرفة . في كتاب ( ألف يوم A Thousand Days) لأرثر شيلزنجر Schlesinger المؤرخ الرسمي لرئاسة جون كينيدي ، يذكر كيف انتقل الإداري الشاب روبرت ماكنمارا المنتخب حديثا مديرا لجنرال موتورز إلى إدارة كينيدي ليصبح وزيرا للدفاع ، و بدلا من القيام بوظائفه التقليدية كوزير مدني لوزارة من العسكريين ، راح يدس أنفه في صميم الشؤون العسكرية بواسطة فريق من الشباب حديثي التخرج الذين مازالوا يرتدون الجينز و كان منهم ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الان ، لم يستطع الجنرالات الضجرون إخفاء غضبهم من مشاهدة صبية في عمر أولادهم يقلبون خططهم و يكتبون بعض الملاحظات ،و لكنهم في النهاية وقفوا مشدوهين أمام طوفان الخطط و البرامج الجديدة التي تستخدم فنيات من نوعية ( Project Evaluation & Review Technique ) المعروف باسم (PERT) ،وحتى بعض الأساليب المستخدمة في الإقتصاد مثل (SECOND BEST) ، في النهاية لم يجد الجنرالات مفرا من التسليم ليس خضوعا لقوة القانون و لكن تسليما لسلطة المعرفة و انظمة المعلومات و فنيات التخطيط الجديدة ، لم يمض وقت طويل حتى استطاع هؤلاء الشباب أن يغيروا كل أنظمة التسليح و حتى القتال في البنتاجون و أن يضعوا كبار القادة في مقاعد الطلبة من جديد ،و ان يضعوا اول إنسان فوق سطح القمر بعد سنوات محدودة ، كان ذلك كله إيذانا ببزوغ فجر جديد ، فجر السلطة الجديدة ( سلطة المعرفة ) التي سطعت فوق أقوى مؤسسة عسكرية في العالم . هناك أفكار عديدة تدور حول العلاقة بين السلطة و المعرفة ،و كلها تنتهي إلى حقيقة أن سلطة المستقبل هي المعرفة ، و لا يجادل كثيرون اليوم أن السيطرة على المعرفة ستكون العنصر الحاسم في الصراع على السلطة ، و لن يكون ذلك على طريقة أشرف مروان خلال ابتزاز الآخرين بالصور الجنسية الفاضحة و لكن على طريقة بيل جيتس في ابتكار أنظمة المعلومات ، إن سلطة المعرفة ستمتد في العمق من داخل المؤسسات البشرية المحلية إلى آفاق الصعيد العالمي . من أكثر الأفكار التي قرأتها عمقا و طرافة ، تلك التي تتناول العلاقة الوثيقة بين الطريقة التي ينظم بها شعب ما أفكاره و الطريقة التي ينظم بها مؤسساته ، و التي تؤكد أن الطريقة التي ننظم بها المعرفة ننظم بها الناس أيضا ، فالمعرفة المتخصصة المتدرجة تؤدي إلى بناء مؤسسات متخصصة ذات مستويات قيادية متعددة ، و المعرفة العشوائية تصنع مؤسسات مترهلة فاسدة عديمة الكفاءة ، أي أننا نصنع الحياة على نمط معارفنا . تتميز المعرفة بكونها مصدرا للقوة لا ينضب ، يضاف إلى ذلك أنه من بين كل العناصر المكونة للسلطة تنفرد المعرفة بأنها وحدها القادرة على التكيف مع مختلف الإستخدامات ، كما يمكن للمعرفة أن تحل محل موارد أخرى . إن كثيرا من التغيرات التي تحدث على نظام المعرفة تتحول مباشرة إلى مكاسب إقتصادية ، وهناك حقيقة تؤكد أنه كلما غيرنا العلاقة بين المعرفة و الإنتاج اهتزت أسس الحياة السياسية و الإقتصادية في المجتمعات البشرية و تبدلت كلية . أصبحت النظم المعلوماتية مكونا رئيسيا في الهياكل الحيوية مثل النظم المصرفية و الدفاعية و الطاقة ، و على المستوى العالمي تبين أن تجارة خدمات المعلومات و الملكية الثقافية تمثل حاليا تجارة دولية لا تقل عن تجارة السيارات و الأجهزة الإليكترونية مجتمعة ، فمكاسب شركة مايكروسوفت السنوية مثلا تضعها في مكان يسبق اليونان من حيث الناتج القومي الإجمالي ، و كثير منا يتذكر أن الملك عبد الله الثاني عندما شرع في تحديث الأردن تفاوض مع ( بيل جيتس ) رئيس شركة مايكروسوفت (الذي تقدر ثروته ب 44 مليار دولار) و ليس مع أي من رؤساء الدول . إن المعرفة المتقدمة تضاعف من سرعة إنجاز العمليات ، و الثورة المعلوماتية أدت إلى خفض إحتياجات رأس المال بالنسبة لكل وحدة منتجة أو خدمة حيوية ، و في ظل الإقتصاد الحر السائد يكتسب هذا الإتجاه أهمية جوهرية ، فهذا يعني أن بلدا فقيرا كالهند، يمكنه حاليا التخلص من مشاكله بنفس رأس المال الذي لم يكن كافيا منذ 10 سنوات أو 15 سنة سابقة ، لقد حل رأس المال البشري محل رأس المال الدولاري ( ميخائيل ميلكن ) ، و تؤدي ثورة المعرفة إلى تخفيض الجهد البدني كعنصر من عناصر الإنتاج ، فالمعرفة تحل محل العرق في تكوين الثروات ، ومع ارتفاع قيمة المعرفة هذا الإرتفاع الهائل سنرى حرب المعلومات تندلع في كل مكان من العالم . هناك تعبير ياباني شائع يقول أنه مع امتداد الشبكات الإليكترونية تنتقل السلطة ، وهذه الحقيقة ليست قاصرة على اليابان ، ففي الولايات المتحدة و أوروبا يبنون شباكتهم الإليكترونية بحماس بالغ ، و الإعتقاد أن الشبكات الإليكترونية هي مجرد وسيلة سريعة لتبادل المعلومات مثل إعتبار موزارت مجرد عازف بيانو بارع ، فالشبكة تتيح للشركات الكبرى تكوين نوعا من الترابط الخلاق ، في شكل أشبه بعزف السيمفونيات . أما على الصعيد العالمي فإن تقدم عمليات التبادل الإليكتروني تؤدي إلى تعديلات جذرية في الممارسات الإقتصادية ، لقد نجحت الإتصالات في تخطي حدود الدول التي كانت تعزل المؤسسات و أحيانا تقوم بمسح تلك الحدود ، إن أي شركة أو مجموعة إقتصادية تتمكن من تأمين سيطرتها على المراحل الأساسية من الشبكات المغلقة ، ستمتلك على الفور سلطة إقتصادية و بالتالي سلطة سياسية كبيرة . سلطة الوقت . في ظل الثقافة التي تتشكل الآن و القائمة على أنظمة المعرفة المتقدمة يصبح الوقت ذاته منتجا له قيمته الخاصة ، و أصبح هناك زمن ضئيل جدا يفقد بعده المنتج الجديد أي قدرة على المنافسة أمام موديلات أكثر تقدما ، إن تسارع التغيرات تحدث تحولات عميقة في المجتمعات تفوق قدرتها على التكيف و التوافق ، وتدفعها إلى عمليات إعادة هيكيلية واسعة للسلطة ،و هناك حقيقة قد تبدوا غريبة للوهلة الأولى هي أن التسارع الشديد يحدث بذاته تغيرات خاصة بمعزل حتى عن طبيعة التغيير المعني ، فالتسارع الشديد في أنظمة الإتصال لم تؤثر فقط على النسق الوظيفي لها ، بل أثرت على مجمل العلاقات المجتمعية و السياسية نفسها . هذا التسارع لا يمكن التعبير عنه بدقة بالشكل التقليدي القائل أن (الوقت يساوي المال) ، كما يفضل الموظف المرتشي في العالم الثالث أن يقول وهو يطلب زيادة ملموسة في مقدار الرشوة !، بل هو يعني قانونا إقتصاديا جديدا ، يقول أنه مع التسارع الكبير في النشاط الإقتصادي فإن وحدة الزمن تساوي قدرا أكبر من المال ، فلم يعد الوقت يساوي مالا بل هو يساوي ثروات حقيقية و سلطة مهيمنة . عصر السلطة الجديدة . - بهجت - 01-13-2008 (الجزء الرابع )
ماذا تحكم يا سيد ؟ أجاب الملك ببساطة شديدة : " أحكم كل شيء " . أكزوبري " نعمل بسلام من أجل الاستيلاء على العالم". من إعلان لشركة Singer الألمانية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تحولات السلطة . يمكن لمن شاء أن يتسائل طالما كانت عملية إنتقال السلطة تتم على مر التاريخ و في مختلف الحقب بشكل دوري و طبيعي تماما ، حتى أنه يمكن أن نختزل التاريخ الإنساني في تاريخ إنتقال السلطة ، فما هو الجديد الآن كي نطرح قضية تحول السلطة ؟. الجديد النادر هو .. أننا نشاهد الآن نظام السلطة على إمتداد العالم بأسره وهو يتفكك خلال نفس الحقبة الزمنية ، ليس هذا فقط بل أنه مع إنتقال السلطة إلى لاعبين جدد ، تتغير أيضا طبيعة السلطة و تنقلب قواعد لعبتها جذريا ، فلم يشهد العالم تحولات في أشكال و ممارسات السلطة كما يحدث الآن ، تلك التحولات لا تحدث عند القمة فقط و لكنها تنتشر خلال كل المستويات. لا شيء أصدق تعبيرا عن تحولات السلطة من عبارة الفين توفلر :" أن السلطة التي تحددنا و تميزنا بشكل كبير كأفراد و أمم ، هي ذاتها في طريقها إلى شكل جديد ." ، و لا يحتاج الأمر لفراسة خاصة كي نلاحظ أفول السلطة بأشكلها التقليدية في هياكل المجتمعات الدولية كما في الحياة الإقتصادية ، و من المثير للتأمل أن نراقب إنتقال السلطة و هو يتم بشكل متسارع جعل الأحداث المتلاحقة هي التي تدفع زعماء العالم بدلا من أن يتحكموا فيها ، و هناك مؤشرات قوية تدعونا إلى الإعتقاد أنه خلال السنوات القادمة ستكتسب القوى التي تسعى لتفكيك الأنظمة الإجتماعية التاريخية كالدولة و الأسرة و الأديان مزيدا من القوة و العنف و التأثير . إن العالم كله يشهد ما يمكن أن نطلق عليه عملية إعادة هيكلة العلاقات بين مكوناته ، هذه العملية تتم بشكل مكثف للغاية و غير مسبوق و سوف يترتب عليها نتائج نادرة الحدوث في التاريخ ، ربما يكون أهمها وصول سلطة جديدة و ليس فقط نقلا للسلطة في إطار السلطات التقليدية ، هذه العملية ستؤدي إلى تحول السلطة و تغير طبيعتها بشكل جذري ، فالسلطة ستكون سلطة ناعمة و لكنها حازمة ، سلطة العقل و المعرفة كما تنبأ و نستون تشرشل في عبارته الشهيرة :" إن إمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات ذهنية " . لم يعد الجنرالات وزعماء العشائر يقودون الآن سوى الشعوب المتخلفة ، و حتى رجال المال سيتوارون قريبا في الظل ، قائد المستقبل لن يكون ذلك الرجل صاحب الكريزما الذي يلهم الجماهير ، و لكنه مدير الأنظمة الرقمية فائقة السرعة ،و مبرمج الشفرات الوراثية ، و مخطط مشروعات المراحل المتزامنة ، و العالم في الكيمياء الحيوية ، بل و حتى بعض قادة المستقبل سيأتون من العالم الإفتراضي مباشرة ، و الحكومات الإليكترونية المنتشرة في العالم اليوم ستكون كلها حواسب ذكية ،و سينعدم العامل البشري بعواطفه و أحقاده السخيفة . تحولات السلطة في الشرق الأوسط. تحدث عملية تحول السلطة بشكل أو آخر على إمتداد العالم كله ، و الأمر ليس بعيدا عنا كما ربما يعتقد البعض ، ففي الشرق الأوسط نعاصر تبدل واضح للسلطة من قوة العنف إلى سلطة المال ، و يرتبط بذلك التحول إنتقال السلطة من مراكز القوة العسكرية التقليدية في مصر و إسرائيل إلى منابع الثروة البترولية و مخازن الفوائض النقدية في السعودية و إيران ، هذا الإنتقال ليس عارضا نتيجة ضعف في الإرادة السياسة المصرية كما نفهمه عادة ، و لكنه انتقال طبيعي نتيجة تبدل في طبيعة السلطة و محتواها ، لقد انتهى الزمن الذي كان العرب ينتظرون فيه نتائج الحروب بين مصر و إسرائيل لتقرير مصيرهم ،و أصبح هذا المصير مرتبطا بالمفاوضات داخل الأوبك و بين السعودية و أمريكا ، و أيضا مرتبطا بالتدفقات المالية الإيرانية المتجهة إلى حلفائها ، فعوائد تصدير البترول تمول كل شيء يتحرك أو يقال في المنطقة من التفجيرات الإرهابية حتى الجهود المبذولة لمقاومتها ، ومن فتاوى القرضاوي حتى تخاريف مقتدى الصدر . عندما نتحدث عن انتقال السلطة إلى السعودية فهذا يعني بشكل ضمني انتقال السلطة للأصولية الإسلامية و دعم الإرهاب الديني ، فالإرهاب كما نعلم يقيم عرشه على سطح من الذهب الأسود ، ومع كل طفرة في أسعار البترول تمتلأ العواصم العربية و حتى العالمية بالجثث . شهد العام الماضي تدفقات مالية هائلة إلى دول الخليج بسبب مبيعات البترول المرتفعة ، و بلغت التراكمات المالية في دول الخليج حوالي تريليون دولار ، وهذه مبالغ تفوق كثيرا قدرة السلطات المحلية على السيطرة بل و حتى قدرة جهات المراقبة الدولية على ذلك ، و هذا يعني تلقائيا زيادة غير مسبوقة في قوة مراكزالتطرف الديني و العمليات الإرهابية بدءا من هذا العام ، يعني أيضا أن يبقى لبنان بلا رئيس و أن ينتقل مهدي عاكف إلى قصر جديد ،و أن تسيطر حماس على كل السلطة الفلسطينية ، و أن تصبح كتب زغلول النجار و خطب ابن لادن مقررات دراسية في الدول العربية الفقيرة . نظم السلطة الهيكلية. تشهد الأزمنة الحديثة نوعا غير مسبوق من السلطة ، و هي السلطة التي لا تنتج خلال السعي و الإرادة ،و لكنها سلطة تتولد بشكل طبيعي نتيجة هيكلية العولمة حتى بدون رغبة أو إرادة و غالبا بلا عدوانية تجاه الآخرين ، مثل تلك السلطة هي نتيجة شكل الإطار الذي يتخذه النظام التجاري العالمي ،و لهذا يطلق عليها البعض ( قوة الإطار أو الهيكلية ) ، خلال هذا الإطار أو الهيكلية و نتيجة السيطرة الطاغية ، يحدد بعض اللاعبين قواعد الإقتصاد السياسي العالمي بما في ذلك هوامش المناورة لباقي اللاعبين ، و تحدد (سوزان سترنج) الإخصائية البريطانية في الإقتصاد السياسي الدولي عناصر القوة ( الهيكلية ) في أربع عناصر حاكمة هي : الأمن و المعرفة و الإنتاج و التمويل ، وهذه القوة الهيكلية مرتبطة بالأنماط السلوكية أكثر من ارتباطها بالنظم السياسية ، بمعنى أنها تعمل مستقلة عن السلطات الإقليمية للحكومات ، و تتميز بأنها تعمل خلال لاعبين خارج نطاق الإقليم كالإعلام و المشاريع و المصارف و هكذا ، وهي تمارس تأثيرها على الأفراد مباشرة ، و تشكل معالم إمبراطورية كونية عاصمتها واشنطن ، فالولايات المتحدة تنفرد بالقدرة على اللعب على عناصر القوة الأربع جميعا ، في هذه البيئة من القوى الهيكلية تتجمع القوة و السلطة في تحالف ضيق للغاية إلى الحد أن قوة بحجم أوروبا و بكل تطورها ، تخاف من بناء تحالف أمريكي ياباني لإدارة التكنولوجيا و التجارة العالمية يستبعدها ولو نسبيا . كما ربما يتذكر بعض الزملاء أننا تعرضنا في شريط سابق إلى أن النظام العالمي ينقسم إلى عدد من الأنساق الوظيفية الفرعية ، و تتفاوت درجات القوة لأي لاعب بين تلك الأنساق فلم يعد ممكنا إحراز القوة المطلقة في كل الأنساق الوظيفية للاعب بعينه مهما كانت قوته ، و تثار الآن مسألة تحويل القوة من مجال إلى آخر ، أو ما يطلق عليه fungibility ، و بالتالي فيمكن لقوة عظمى مثل الولايات المتحدة تعاني كثيرا من مشاكل نقدية تحويل جزءا من قوتها العسكرية و الحمائية إلى مزايا إقتصادية تحصل عليها من قوى تجارية عملاقة و لكن بلا قدرات عسكرية عالية مثل ألمانيا و اليابان . عصر السلطة الجديدة . - بهجت - 01-21-2008 ( الجزء الخامس ) Array"نحن نقرر من الذي يعيش ، ونحن نقرر من سيموت!".جون بوتنغ ، رئيس مدراء بنك فيرست بنسلفانيا الأمريكي. " إن روحك هي العالم بأسره " . أوبانيشاد سامافيدا –كتاب مقدس . [/quote] نادرة هي تلك الكتب التي تتناول السلطة كموضوع لها بشكل منفصل حتى في الغرب ، و أيضا من النادر أن تخصص لتبدلات السلطة مقالات مستقلة كهذا الشريط ، لهذا فلم أتوقع أن يحظى بشعبية كبيرة ، فنحن غير معتادين في مجتمعاتنا سوى على سلطة العنف ، و استشراف تبدلات لتلك السلطة هو نوع من الترف الفكري كما نعتقد ،و لكننا نتعامل مع هذا العالم الرحيب و كجزء منه حتى لو كنا على محيطه البعيد ، هذا العالم يتغير و يتبدل بسرعة ،و إذا كنا لا نؤثر فيه فنحن نتأثر به ،و إذا كنا لا نغيره فهو يغيرنا ، فعلى الأقل لنحاول فهم ما يحدث حتى لا يداهمنا الطوفان . القيادة و الهيمنة . هناك غموض يحيط بدور الولايات المتحدة ضمن النظام العالمي ، وهو غموض تستثمره الدبلوماسية الأمريكية لتحقيق أهداف ربما تتجاوز إمكانياتها الحقيقية ، ولا يجب أن ننخدع بدور الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية و قيادة تحالف دولي لطرد العراق من الكويت ،ولا حتى بغزو العراق و السيطرة على أفغانستان ، فالقوة حتى ولو كانت عظمى ليست مرادفة للهيمنة ، هذه القوة تعطي لحائزها بالفعل إمكانيات أكبر في تحديد قواعد اللعبة و التنافس على إحراز النقاط ، ولكنها لا تلغي التنافس ذاته ولا الفشل و التخبط في مسارات خاطئة، فأمريكا بدأت مغامرتها الفاشلة في الشرق الأوسط في نفس الوقت الذي وصلت فيه إلى قمة السلطة المنفردة . هناك دائما خلط بين الزعامة أو القيادة leadershipو الهيمنة hegemony، فالهيمنة هي زعامة قائمة على القبول العام ، ففي أي نظام يقوم على الهيمنة ، تعرض القوة المسيطرة أسس وقواعد النظام المنشود في ثوب عالمي و تسعى لإقناع الجميع به كنظام مفيد للكافة ، بل وقد تضطر إلى تقديم تضحيات ثقيلة أحيانا من أجل تسويق رؤيتها المتعلقة بالنظام ، ولا تعمل الهيمنة في إطار علاقة القوة الفجة ،و لكنها نوع من التشارك في مجموعة القيم و المعايير و المصالح مع الأقل قوة ، بل و حتى تقوم القوة المهيمنة بتقديم بعض الإمتيازات و المعاملة التفضيلية للأقل نموا ، و بهذا المفهوم هيمنت أمريكا على العالم الغربي خلال الحرب الباردة . و نظام الهيمنة قد يكون داخليا تحت شعار ( المصلحة الوطنية ) و أيضا دوليا من أجل تحقيق الأمن و السلام الدوليين ، فهل الولايات المتحدة قادرة أن تكون مركزا لمثل تلك القوة المهيمنة الخيرة سواء ضمن تحالف ثلاثي يشمل معها اليابان و أوروبا أو ضمن مجموعة السبع أو الثمانية G8 أو غيرها من التحالفات ؟. من وجهة نظري أرى أن اصطناع تنظيمات تخضع للهيمنة الأمريكية كان دائما مؤقتا و هشا وغالبا قليل الجدوى ، إن فكرة النظام العالمي الذي يكون خاضعا لقوة مهيمنة واحدة ، تحدد له معايير العدل و الظلم و ما هو صحيح و ما هو خطأ ،و أن تكون تلك القوة قادرة على تطبيق المعايير بالقوة أو الإغراء ، هي فكرة خطرة جدا و غير ممكنة على المدى البعيد ، بل هي أيضا أبعد ما يكون عن تحقيق الإستقرار و الأمن و السلام الدوليين ، إن لعبة الأمم أصبحت تتسم بالتعقيد البالغ ،و من المستحيل على لاعب واحد مهما كانت قدراته أن يفرض إرادته على كل الأنساق الوظيفية بصفة دائمة . السلطة و الإنسان . في ظل المناخ الإقتصادي السائد ، يتجه الإنسان المعاصر بشكل متزايد ليصبح خاضعا لسلطة غير محددة ولا منتخبة تحدد له شكل الحياة و نوعيتها دون إرادة منه وربما أيضا دون أن يعلم ، هذه السلطة تمارسها تحالفات استراتيجية و صناعية و تجارية كبرى، وهي تمتلك القوة/ السلطة بحيث ترسم خرائطا جديدة للنمو و لنوعية الحياة و ممارستها ، ومن المخيف أن نرى آليات شبيهة بالإنتخاب الطبيعي تمارسها سلطات تتشكل الآن و تحدد بها الشعوب التي لها حق البقاء و من عليه أن يدخل كتب التاريخ الطبيعي ، ولا يمكن فهم هذه القوى سوى بالمقارنة بالتحالفات السياسية و الحربية العظمى القديمة التي كانت ترسم الخرائط الجغرافية السياسية على اتساع العالم كله ، و هذا الطابع المنتشر الغامض للسلطة هو الذي يغذي الأوهام ، فعندما تكون هناك حاجة لتحديد العدو تنتشر الأوهام و تزدهر صناعة النماذج الشريرة ،و هكذا ظهرت فكرة إمبراطورية الشر و المسلمين الأشرار أو تحالف الشر الإسلامي الكونفوشيوسي .لقد أكد كارل ماركس أن السلطة هي لمن يملك وسائل الإنتاج ، و قارن في ذلك وضع العامل الحرفي الذي يملك صندوق العدة بأجير الصناعة الذي يعمل على أدوات لا يملكها بل هي ملك للرأسمالي صاحب المصنع ،و قد حرض ماركس العمال على إمتلاك المصانع كأدوات الإنتاج الضرورية لتملك السلطة ، و الآن نحن نعيش تحول مثير للسلطة في مواقع العمل ، فنحن نشهد نوع جديد من العمال المستقلين الذين يمتلكون وسائل الإنتاج ليس في عدة العمل ،و لكن داخل رؤوسهم ، حيث سيوجد في المستقبل أهم مصادر الثروة و السلطة . تكوين السلطة و المستقبل . سوف يعتمد تكوين السلطة في المستقبل على عدة عناصر يمكن التنبوء بها من الآن نتيجة ظواهر عديدة ،وهذه العناصر مجتمعة تحدد النظام الجديد لخلق القوة / السلطة ،و بمجرد أن تتجمع هذه الأجزاء معا سوف تتقوض هياكل السطة القائمة منذ العصر الصناعي . 1- ستكون القوة نظاما محليا و دوليا في نفس الوقت ، فالقوة تولد في المجتمع المحلي و لكنها تنمو و تتكامل في الفضاء الدولي . 2- تعتمد القوة على المعلوماتية بشكل عضوي و أساسي ،وهذا يعني سرعة و كفاءة تبادل البيانات و المعلومات و المعرفة ، خلال أزمنة محدودة للغاية . 3- ستتراكم الثروة اعتمادا على نموذج جديد من الإنتاج ، فسوف يتم الإنتقال من الإنتاج بالجملة إلى الإنتاج المرن بالطلب حسب الحاجة الفعلية . 4- ستقلل المعرفة أهمية عوامل الإنتاج التقليدية كالأرض و العمل البدني و المواد الأولية و رأس المال ،وسوف تتكثف السلطة حيث النظم المعرفية فائقة الكفاءة . 5- الإعتماد على المعلومات الإليكترونية كوسيلة التبادل الحقيقية بديلا عن النقود . 6- أن تخضع السلع و الخدمات للمواصفات القياسية ، و تزداد بالتالي أهمية المعلومات التي تبنى عليها المعايير . 7- نهاية البيروقراطية و استبدالها بأشكال متطورة من فرق العمل المرنة و نظم المعلومات الحرة . 8- تعدد و تنوع الوحدات و الأشكال التنظيمية ،و التعامل المبرمج بين الأنظمة المختلفة . 9- مع المعلوماتية سيملك العاملون نصيبا حاسما في وسائل الإنتاج ( داخل رؤوسهم ) و بالتالي ستختفي مشاكل العمل التقليدية كالبطالة . 10- سيقود أنظامة السلطة كلها ليس رجل المال ولا الجنرال أو العامل البروليتاري المناضل ،و لكن المبتكر الحر القادر على المعرفة و الفعل. |