نادي الفكر العربي
العمق - قصة قصيرة - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79)
+--- الموضوع: العمق - قصة قصيرة (/showthread.php?tid=797)



العمق - قصة قصيرة - الغريكو2 - 03-08-2009



http://www.alkhaleej.ae/portal/7bc1ed17-ac...82be68c550.aspx رابط رابط القصة في جريدة الخليج الاماراتية
راجعو موقع الجريدة لمعرفة الكاتب و القصة.

إبداع ... مطلب العمق


قصّة: باتريك زوسكيند - ترجمة: ابتسام المعلا
[center][/center]

في معرضها الأول، تلقّت فتاة شابة من “شتوتغارت”، ترسم بشكل جميل، ملاحظة من ناقدٍ لم يكن يقصد بها سوءاً، بل كان يريد تشجيعها، إذ قال “إنّ ما تقومين به ممتع ويدلّ على موهبة، غير إنه يفتقر إلى العمق”.


لم تفهم الفتاة الشابة ما قصَدَه الناقد، وسرعان ما نسيت ملاحظته تلك، غير أنّ إحدى الصحف نشرت بعد يومين تغطية للمعرض كتبها الناقد نفسه، ذكر فيها أن “ الفنانة الشابة تملك قدراً كبيراً من الموهبة، وأن النظرة الأولى لعملها تخلّف الكثير من الرضا، إلاّ أنها للأسف ينقصها بعض العمق”.


آنذاك، بدأت الشابّة تفكّر في الأمر. ألقت نظرة على لوحاتها، ونقّبت في ملفاتها القديمة، ومرّت على جميع رسوماتها، حتى تلك التي مازالت تعمل عليها، ثم أغلقت زجاجة الحبر، ونفضت ريش الرسم، وذهبت لتتمشّى.


في المساء ذاته، كانت مدعوة لحفل، وقد بدا أن جميع من كان هناك قد قرأ التغطية وحفظها عن ظهر قلب، وقد تحدثوا مراراً عن المتعة التي تخلّفها أعمالها عند النظرة الأولى، مما يؤكد على موهبتها. لكن من خلال تلك الهمهمة الخلفيّة، ومن خلال أولئك الذين وقفوا وقد أعطوها ظهورهم كان يمكن للفتاة، إن هي أصغت جيداً، أن تسمعهم يقولون “لا عمق هناك. إنها تفتقر إلى العمق. هذه هي المسألة. إنها ليست سيئة لكن من المحزن أن يعوزها العمق”.


طوال الأسبوع التالي لم ترسم الفتاة شيئاً. جلست بصمت في شقتها، مكتئبة، وفي رأسها سؤال وحيد، طوّق بأذرعه الأخطبوطية جميع الأفكار المتبقية: لماذا ينقصني العمق؟


في الأسبوع الثاني، حاولت الفتاة أن ترسم مجدداً، غير أنها لم تفلح إلاّ في إخراج بعض الخربشات الخرقاء. وفي بعض الأحيان، لم تكن قادرة حتى على مجرد تخطيط بسيط، ثم بدأت ترتجف إلى حد لم تستطع معه أن تغمس الريشة في زجاجة الحبر، ثم بدأت تنتحب، وتصرخ قائلة “نعم. إنّ تلك حقيقة. أنا مجرّدة من أيّ عمق!”.


في الأسبوع الثالث بدأت تتصفّح كتيبات الرسم لدراسة أعمال بعض ذوي الحرفة، وتزور قاعات الفن ومعارض الرسم. قرأت كتباً في نظريات الفن، وقد طلبت من البائع في إحدى المكتبات أن يستخرج لها أكثر الكتب عمقاً في المكتبة، وقد أمدها بكتاب لشخص يدعى فينجشتاين، غير أنها لم تستطع أن تواصل قراءته واستيعابه.


في أحد معارض المدينة، الذي كان تحت عنوان (خمسمائة عام من الرسم الأوروبّي)، انضمّت الشابّة إلى مجموعة من طلبة المدارس الذين كان يأخذهم أستاذ الفن في جولة حول المعرض. فجأة، وعند مرورهم بلوحة حبرية لليوناردو دافنشي، وجدت نفسها تتقدم الصّف وتسأل المدرس “معذرة.. لكن، هلاّ شرحت لي ما إذا كانت هذه اللوحة تحمل أي عمق؟”.


ابتسم لها مدرس الفن، وأجاب “أيتها الشابة، إذا كنتِ تتعمدين الإيقاع بي فعليك أن تطرحي سؤالاً أفضل من ذلك!”، وقد انخرط الصفّ إثر ذلك بالضحك، بينما عادت هي إلى شقتها وانخرطت بالبكاء.


لقد أصبحت الفتاة غريبة الأطوار، إذ قلّما تغادر مرسمها، رغم أنها لا تستطيع العمل، وأخذت تتعاطى أقراصاً لتمنع نفسها من النوم، فيما لا تدري ما الذي يجعلها راغبة في الاستيقاظ، وعندما تتعب فإنها تنام على الكرسي، لأنها كانت خائفة من أن تغطّ في نوم عميق إن هي استلقت على سريرها. ثمّ إنّها انساقت وراء الشراب أيضاً، وكانت تترك الضوء مفتوحاً طيلة الليل، ثم كفّت عن الرسم. عندما اتصل بها بائع اللوحات من برلين ليسألها عمّا إذا كانت لديها لوحات جديدة، صرخت على الهاتف “أتركني وشأني. إنني خالية من العمق!”.


كانت بين وقت وآخر تلعب بالصلصال، من دون أن تشكّل شيئاً معيناً، فقط تغمس رؤوس أصابعها فيه، وقد تصنع كتلاً تشبه الزلابية. ثمّ أهملت نفسها، ولم تعد تعتني بمنظرها، فيما تركت شقتها تؤول إلى أسوأ حال.


بدأ أصدقاؤها يشعرون بالقلق، وقالوا “إن علينا مساعدتها. إنها تنزلق في الكآبة. امّا أنها تعاني أزمة شخصية أو أنّ لديها مشكلة فنيّة أو ربما تكون متأزمة ماليّاً. إذا كان الأمر الأول هو الصحيح، فلا حول لنا فيه، وإذا كان الأمر الثاني فيجب أن تتغلّب عليه بنفسها، أما إذا كان الأمر هو الثالث فإن علينا أن نتعاون في جمع مبلغ مالي لها، غير أنّ مثل هذا الأمر سيكون محرجاً لها”.


وعليه، فقد قرروا أن يقتصروا على دعوتها للعشاء أو للحفلات، وهي دعوات رفضتها، متذرّعة بأنها تحتاج إلى الوقت للعمل. غير أنها لم تكن تعمل، بل كانت تجلس في الغرفة، محدّقة إلى الأمام، ويدها تعجن الصلصال.


في إحدى المرّات، كانت قد بلغت من اليأس حدّاً جعلها تقبل واحدة من الدعوات، وبعد المساء أبدى شاب، انجذب إليها، رغبته في أن ترافقه إلى منزله، وقد رحّبت بالأمر، لأنها تبادله الإعجاب نفسه، لكنها حذّرته من أن عليه أن يكون مستعداً لحقيقة كونها لا تحمل أي عمق، وإثر سماع ذلك، استأذنها الشاب منصرفاً.


إن الفتاة الشابة، التي كانت ترسم يوماً ما بشكل جميل، بدأت تعطب بشكل ملحوظ. لم تعد تخرج أبداً، وغزتها السمنة لنقص حركتها، بينما ساهم الكحول والأقراص في إصابتها بالهرم المبكّر، ثم بدأت شقتها تتعفّن، وأصبحت تفوح منها رائحة لاذعة.


كانت قد ورثت ثلاثين ألف مارك، عاشت عليها لثلاث سنوات، سافرت خلالها إلى نابولي من دون أن يدري أحد بالظرف الذي قادها لذلك، وإذا حاول أحد أن يسألها، فإنه لا يفوز بغير دمدمة غامضة كإجابة عن سؤاله. وعندما استنفدت كل رصيدها المالي، قامت الفتاة بخرق جميع لوحاتها في منتصفها، ثم تسلّقت برج مبنى التلفزيون الذي يبلغ ارتفاعه 139 متراً، وهوت منه إلى العمق. ولأن ريحاً عاتية كانت تهبّ في ذلك اليوم، فإنها لم ترتطم بالميدان الحجري أسفل المبنى، بل حملتها الريح عبر حقل الشوفان إلى نهاية الغابة، حيث هبطت على أشجار التنوّب. وبالرغم من ذلك، فقد ماتت على الفور.


أحاطت الصحف هذا الحدث بكثير من الاهتمام. فواقعة الانتحار كان لها مسار غير اعتيادي، إذ تعلّق الأمر بفنّانة واعدة، وقد بدت الحالة الكارثية لشقتها جديرة بالتصوير، حيث آلاف الزجاجات الفارغة، والخراب الذي عمّ الأرجاء، واللوحات الممزّقة، وكتل الصلصال على الجدار، بل الفضلات في زوايا المكان. بعض الصحف ذهبت إلى وضع عنوان رئيسي ثان، وأخرى أخرجت الخبر على شكل تقرير في صفحتها الثالثة.


وفي صفحة المراجعات الفنّية، كتب الناقد السالف الذكر، فقرة صغيرة أبدى فيها حيرته من أن تعمد تلك الفتاة الشابة إلى وضع نهاية شنيعة كتلك لحياتها. ثم أردف “وعلينا نحن، الذين تلقينا تلك الصدمة أن ندلي بشهادتنا فها هي فتاة موهوبة لم تجد لديها القوّة الكافية لفرض نفسها على المشهد الفنّي. إنه لا يكفى أن يحظى الإنسان بدعم الجمهور وبروح المبادرة الشخصية، حيث على المرء أن يهتم مبدئياً بخلق صلة مع العالم الإنساني، ويدعم ذلك بفهم لمجال الفن. ومن المؤكد أن جوهر هذه المأساة كان مغروساً عندها منذ وقت طويل، ألم يكن مُدركاً في أعمالها الأولى البسيطة ذلك النزاع الداخلي المريع. ألم يبد جلياً في استخدامها القصديّ والمميّز للتقنيات المختلفة، المسّ الاستفزازي الذي انقلب على نفسه، تلك الثورة الداخلية التي تعتمل في نفسها، وهي ثورة بالغة العاطفة لكنها عقيمة أيضاً، ثورة الإنسان على كينوته؟ تلك الرغبة القاتلة، أو لأقُل المتهوّرة، في طلب العمق؟”.





* باتريك زوسكيند، كاتب ألماني معاصر، له روايته ذائعة الصيت، التي تحوّلت إلى فيلم يحمل العنوان نفسه “العطر”، إضافة إلى “الكونترباص”، “الحمامة”، “عن الحب والموت”، “قصّة السيد سومر”، ومجموعة قصصية بعنوان “ثلاث قصص وصورة تأمليّة”، والمأخوذة هذه القصّة من طبعتها الإنجليزية




العمق - قصة قصيرة - Narina - 03-08-2009


:redrose:


العمق - قصة قصيرة - الغريكو2 - 03-09-2009

شكرا نارين