حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
موقف ابن حزم الأندلسي من المنطق - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: قضايا اجتماعيــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=60)
+---- المنتدى: ساحة الأعضاء الجدد (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=18)
+---- الموضوع: موقف ابن حزم الأندلسي من المنطق (/showthread.php?tid=8383)



موقف ابن حزم الأندلسي من المنطق - boulefaa - 10-26-2007

المقدمة:
يندرج هذا البحث ضمن تاريخ المنطق، ذلك أنّه سيتعرض لعلم من أعلام الحضارة الإسلامية في المغرب الإسلامي، ألا و هو "ابن حزم الأندلسي"، الفقيه و المتكلم، و عالم الأصول، بل الموسوعي فكراً و ثقافة. حيث عارض هذا الأخير علماء عصره لا في مذاهبهم الفقهية بل في تصوراتهم الكلامية و الفلسفية، فانبرى لجدالهم و مقارعتهم بالحجة و البرهان.

و الملفت للانتباه أنّ "ابن حزم" ظاهري المذهب، إذ عُرف عنه تمسكه بالنّص و مناوئته للقياس الأصولي و مقارعته لفقهاء المالكية الذين اعتمدوا عليه في أبحاثهم و فتاويهم، و مع ذلك فقد ألّف في المنطق دفاعاً عنه و تقريباً له و نشر تعاليمه و منهجه، الأمر الذي يدفعنا لطرح الإشكالية التالية:

ما سبب كتابة "ابن حزم" لمؤلفه "التقريب لحد المنطق و المدخل إليه..."؟ و هل وافق "أرسطو" أم خرج عنه و خالفه في بعض المسائل؟ و هل أثبت عدم مخالفة المنطق للشريعة الإسلامية؟ و لماذا رفض القياس الأصولي؟ و هل فعلاً يفضل القياس الأرسطي على القياس الأصولي؟

و سنحاول في هذا البحث المتواضع الإجابة عن هذه الأسئلة بعون الله U.



ترجمة حياته و أهم مؤلفاته([1]):
هو "أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم" ولد في قرطبة عام 384 هـ، قال بعض المؤرخين أنّ أصله فارسي، و خالفهم بعض المستشرقين في ذلك و منهم "سانتشت" الذي اعتبره إسباني الأصل، إلاّ أنّ التدقيق في نسبه يكذب هذا الزعم الأخير فقد ذكر "ابن حزم" بيتين من الشعر يبيّن فيهما نسبه إذ يقول:

سما بي ساسان و دارا و بعدهم ¯ قريش العلي و أعياصها و العنابس

فما أخرت حرب مراتب سؤودي ¯ و لا قعدت بي عن ذرى المجد فارس.

إذ يفتخر بأصله الفارسي كما لا ينكر نسبته للعرب، لقد كان "ابن حزم" عالماً، سبر النّاس وخبرهم، عاش حياة مترفة في بيت أبيه، كما كان وزيراً، إلاّ أنّه زهد في الدنيا و عكف على التصنيف و العلم، حيث ترك العديد من الكتب في مجالات متفرقة نجمل منها ما يلي:

1. التقريب لحد المنطق و المدخل إليه بالألفاظ العامية و الأمثلة الفقهية.

2. الفصل في الملل و الأهواء و النحل.

3. المحلى.

4. الإحكام في أصول الأحكام.

5. النبذة الكافية في أصول الفقه.

6. مراتب الإجماع.

7. الأخلاق و السير.

8. طوق الحمامة.

9. الناسخ و المنسوخ في القرآن الكريم.

10. جمهرة أنساب العرب.

أسس المذهب الظاهري حيث نادى برفض القياس الأصولي الذي يعتمده الفقه الإسلامي التقليدي، إذ تمسك بضرورة الاعتماد على الأدلة الشرعية الواضحة من قرآن و سنّة. بل كان صاحب مشروع فكري أراد من خلاله إعادة تأسيس الفكر الإسلامي من فقه و أصول و فلسفة... وهذا ما ذهب إليه كل من "محمد عابد الجابري" و "أبو يعرب المرزوقي"([2])

لهذا واجه حملات شديدة، حتى أنّ مصنفاته قد أحرقت و مُزقت علانية، و ذلك لكراهية الفقهاء له و لكتبه، و رغم ذلك كان أشد إصراراً على بيان ما يعتقده من آراء و أفكار. توفى في عام 456 هـ .

موقف علماء عصره من المنطق و رده عليهم:
عرف المسلمون المنطق الأرسطي من خلال ترجمة المؤلفات المنطقية الأرسطية، والشروح التي حاولت توضيح المنطق كشروح "ثيوفرسطس" و "أوديموس"([3])، كما عرف العرب كتاب "إيساغوجي" لـ"فرفوريوس الصوري"([4])، إلاّ أنّ المسلمين انقسموا إلى فريقين:

متحمس للمنطق و داعٍ لدراسته و تعلمه، كـ"الكندي" و "الفارابي" و "ابن سينا".

و رافض للمنطق و محارب له، و هؤلاء يمثلهم الفقهاء، بل حرّم بعضهم الاشتغال به كما فعل "ابن صلاح".

و لعلّ هذا ما دفع "ابن حزم" لبيان عدم صحة هذا الموقف و خطأ هذا النفور من صناعة المنطق، الأمر الذي حمله على كتابة كتابه الموسوم "التقريب لحد المنطق و المدخل إليه" حيث قسم مواقف العلماء من المنطق إلى أربعة و هي:

1. موقف من حكم على كتب المنطق أنّها تحوي الكفر و الإلحاد دون أن يطالعوها ويفقهوا معانيها.

2. موقف يعادي المنطق لجهله به و يعتبر هذياناً و هذراً من الأقوال و هؤلاء يدخلون في دائرة « من جهل أمراً عاده».

3. قوم درسوا المنطق بعقول مدخولة و أفهام سقيمة فلم يفهموا و استخفوا به لعجزهم عن إدراكه.

4. و القسم الرابع و هم الذين يمثلون الموقف الصحيح لأنّ لهم أذهان صافية و أفكار نقية، فعرفوا المنطق و أفادوا منه و دافعوا عنه([5]).

بعد أن حدّد طبيعة و منطلق كلّ المواقف المعادية للمنطق شرع في الرّد عليها، حيث بدأ في كتابه "التقريب لحد المنطق..." بالإجابة عن السؤال الذي يعترض به الفقهاء و علماء الحديث، إذ يقول هؤلاء أنّ السلف الصالح من الأمّة و علمائها لم يعرفوا هذا العلم و لا اشتغلوا به، فيرد "ابن حزم" بلفت الانتباه إلى أنّ علم المنطق مرتبط بالفكر و البرهان، و هذا ما يجعله مستقراً في النفس، و بالتالي فالتركيبة و الطبيعة البشرية تبرره، فمادام النّاس من طبعهم التفكير دون أن يعلمهم أحد ذلك، و مادام هذا العلم تهذيب، و تنظيم لما غرس فينا بالفطرة فهذا يبرر الاشتغال به ولا يعقل أن يعاديه الشرع، فيقول: « فإن قال جاهل: هل تكلم أحد من السلف الصالح في هذا؟ قيل له: إنّ هذا العلم مستقر في نفس كل ذي لب، فالذهن الذكي واصل بما مكنه الله تعالى فيه من سعة الفهم، إلى فوائد هذا العلم، و الجاهل متسكع كالأعمى حتى ينبه عليه، و هكذا سائر العلوم»([6]).

و يضيف حجة ثانية هي أنّه لا يجوز اعتبار أنّ ما لم يظهر عند السلف و لم يشتغلوا به مرفوض، فالنحو مثلا لم يعرف عند السلف حتى حدث اللّحن في اللّغة و ضعف اللّسان العرب فأوجب ذلك وضع علم يضبط اللّسان و يعلم النّاس النحو.. و لعلّ هذا ما يبرر الاشتغال بالمنطق رغم أنّ السلف لم يعرفوا هذا العلم لتبدل الظروف و ظهور مشاكل اقتضت إيجاد حلول لها([7]).

و أخيراً فما دام المنطق يساعدنا على البرهنة على الحقائق من خلال الأساليب التي يقدمها، و مادامت الحقائق التي نتجت عنها من خلق الله U، و مادام أنّ الشرع يحثنا على معرفتها فهذا يعطي مشروعية إسلامية للأبحاث المنطقية.

لكن هذا الرد الإجمالي لم يعف "ابن حزم" من التفصيل في الرد على الفرق الثلاثة التي ذكرها:

أ‌- فبالنسبة للفريق الأول، الذي اعتبر المنطق كفراً و زندقة فردّ عليهم بذكر آية من القرآن يقول فيها الله U: } وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً { [الإسراء36], و يزيد في تذكيرهم بسرد نص الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه رسول الله r: { من قال لأخيه يا كافر فقد باء بهما أحدهما} [صحيح البخاري (أدب: 73)]. و معنى هذا أنّ هؤلاء حكموا على المنطق بأنّه كفر و إلحاد و هم في الحقيقة لم يقفوا عليه و لم يدرسوا ما جاء فيه و بالتالي فهم يحكمون بجهل على المنطق.

ب‌- أمّا الفريق الثاني فيرد عليهم بضرورة إفهامهم و عدم تركهم في جهلهم فهذا لا يليق بالإنسان.

ت‌- أمّا الفريق الثالث فيجب أن يكشف لهم عن حقيقة المنطق و ما عجزوا عن فهمه وإدراكه ليكون ذلك سبيلا لهدايتهم([8]).

دوافع "ابن حزم" للتأليف في المنطق:
لقد ذكر "ابن حزم" الدوافع التي حملته على التأليف في المنطق و شرحه و بيانه نجملها فيما يلي:

صعوبة النصوص المنطقية المتداولة في عصره، و سبب ذلك تعقيد الترجمة، لذلك أراد أن ييسر المنطق، و يبسطه للمتعلمين حيث يقول: « فلما نظرنا في ذلك وجدنا من بعض الآفات الداعية إلى ذكرنا تعقيد الترجمة فيها و إيرادها بألفاظ غير عامية و لا فاشية الاستعمال، و ليس كلّ فهم تصلح له كلّ عبارة، فتقربنا إلى الله U بأن نورد معاني هذه الكتب بألفاظ سهلة بسيطة يستوي إن شاء الله في فهما العامي و الخاصي و العالم و الجاهل، حسب إدراكنا و ما منحنا خالقنا تبارك وتعالى من القوة و التصرف، و كان السبب الذي حدا بالسلف من المترجمين إلى إغماض الألفاظ و توعيرها و تخشين المسلك نحوها، الشحّ منهم بالعلم و الضن به»([9]).

الغرض التعليمي:

فتقريب المنطق للعامة بالألفاظ السهلة يستهدف نشر ثقافية منطقية ليس بين المتعلمين بل بين العامة أيضاً([10])، فقد سجل "ابن حزم" ملاحظة هامة أنّ العلم ضاقت دائرته و ساد الجهل، لذلك حاول تقريب المنطق و تبسيطه للطلاب.

بيان فوائد المنطق:

فقد عمى أهل عصره على فوائد المنطق، بسبب جهلهم له و ترديدهم لأحكام غير مؤسسة، و التي روجت لأباطيل تصف المنطق بكل ما هو سلبي، فكان الغرض من الكتاب بيان الجوانب المفيدة من المنطق حيث يقول: « و ليعلم من قرأ كتابنا هذا أنّ منفعة هذه الكتب ليست في علمٍ واحدٍ فقط بل في كلّ علم، فمنفعتها في كتاب الله U، و حديث نبيه r، و في الفتيا و الحلال والحرام و الواجب و المباح، من أعظم منفعة... و ليعلم العالمون أنّ من لم يفهم هذا القدر فقد بعد عن الفهم عن ربّه و عن النبي r، و لم يجز له أن يفتي بين اثنين لجهله بحدود الكلام، و بناء بعضه على بعض، و تقديم المقدمات التي تصدق مرّة و تكذب أخرى، و لا ينبغي أن يعتبر بها»([11])، فيظهر من هذا النّص أنّ فائدة المنطق لا تتوقف عليه لوحده بل تتعدى إلى غيره من العلوم، ليس فقط الشرعية منها بل حتى الكلام و النحو و الطب و الهندسة و النجوم...

و أخيراً فاهتمام "ابن حزم" بالمنطق هو جزء من اهتمامه بالبيان الذي تأسس عليه المنهج الظاهري الذي ينطلق من النّص لاستنباط الأحكام منه، و رفض التأويل إلاّ على مقتضى اللّسان العربي، و بذلك يحاول استيعاب المنطق في مشروعه الظاهري الذي يهدف إلى إعادة الاعتبار لسلطان النّص و الثقة باللّغة و بالتالي بالعقل، بعيداً عن الغنوصية و العرفان كما هو شائع في الحركات الصوفية([12])،و هذا ما أكده "الأزهري ريحاني" بقوله: « فظاهرية ابن حزم ليست مجرد مذهب إيديولوجي سياسي معارض للباطنية (الشيعة و المتصوفة)، بل هي بديل معرفي ابستيمولوجي لإنتاج المعرفة و الثقافة الإسلامية يستند منهجياً لمنطق أرسطو و مرجعياً للقرآن الكريم و السنّة كنصوص»([13]).

كتاب "التقريب لحد المنطق" بين التقليد و التجاوز:
قد يضن القارئ لعنوان كتاب "ابن حزم" (التقريب لحد المنطق و المدخل إليه...) أنّه مجرد شرح و عرض لمنطق "أرسطو"، بل هو إعادة قراءته و تقريبه من الشريعة، «فالمشروع الحزمي الرامي إلى تكييف المنطق بعلوم الشرع»([14])، فلم يكتف "ابن حزم" بالعرض بل اعتمد النقد « إما ببيان ملا يوافق و ينطبق غرض أرسطو أو ما لا يوافق اللغة و هذا موجه للمترجمين»([15])، و لذلك سنعرض مضمون الكتاب من ناحيتين و هما كالآتي:

المقاربة اللغوية:
لقد اعتبر الدكتور "عبد الله العروي" أنّ "ابن حزم" استوعب المنطق الأرسطي من خلال وضوح لغة شرحه له و تعليقه عليه([16])، لكن هذا غير كافٍ فوضوح الشرح و العبارة لا يعني بالضرورة الاستيعاب، بل غرض "ابن حزم" من ذلك هو "التصحيح التداولي" أي جعل المنطق مقبولا في التداول العربي الإسلامي([17])، و هذه المهمة (التقريب اللّغوي للمنطق ) سارت وفقا لما يلي:

الطبيعة البيانية للمنطق:
فالمنطق عند "ابن حزم" علم بياني حيث قال عنه: « و من لم يعلم صفات الأشياء المسميات الموجبة لافتراق أسمائها و يحدّ ذلك بحدودها فقد جهل مقدار هذه النعمة النفسية و مر عليها غافلا عن معرفتها معرضاً عنها و لم يخب خيبة يسيرة بل جليلة»([18]). فهو ليس مجرد دراسة للفكر المجرد بل دراسة للتفكير انطلاقاً من اللغة([19])، فهو يحاول وصل المنطق بالبيان العربي عكس ما جاء على لسان "أبي سعيد السيرافي" الذي ناضر "متى بن يونس" حيث جاء في مناظرته أنّ المنطق نحو يوناني لا يلزم العرب الاشتغال به و تعلمه، و هذا الربط بين المنطق والبيان العربي بغرض جعلهما يشتركان في الإعجاز الخطابي، فكتاب "التقريب لحد المنطق" بدأه "ابن حزم" بآيات قرآنية لا ليبرر السياق العقائدي لمشروعه المنطقي بل غرضه استخراج تعريف للمنطق من النّص القرآني فذكر الآيتين التاليتين:

} الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ{2} خَلَقَ الْإِنسَانَ{3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ{4} { [الرحمن ]، و قوله تعالى: } وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا { [البقرة 31]، و البيان عند "ابن حزم" هو إدراك للفروق بين الأشياء و استخراج وجوه التباين بينها([20]).

أنواع البيان و وجه علاقته بالمنطق:
قسم "ابن حزم" البيان إلى أربعة مراتب و هي:

1) بيان الوجود: فما هو موجود حقاً يمكن تمييزه.

2) بيان العقل: تمييز الأشياء بتعقل صفاتها.

3) بيان الصوت: استخدام اللغة المنطوقة في نقل ما تميّزه النفس.

4) بيان الإشارة: استخدام إشارات مرسومة كالكتابة أو مرئية كالحركات و غيرها في تبليغ ما تميزه النفس.



و بهذه المراتب يطابق "ابن حزم" بين مدلول المنطق و مدلول البيان([21]).

ضبط الألفاظ المنطقية:
يحاول "ابن حزم" إزالة اللّبس الحاصل بتبيان صورة الألفاظ المستعملة في المنطق ومضمونها الاصطلاحي عن طريق:

وصل الصيغة الصرفية بالمدلول الاصطلاحي: ففي اللغة العربية كل صيغة صرفية لها مدلولها الخاص، لأنّها قوالب تصب فيها مادة الفكر، فلفظة «الوجود» التي يراد بها في المنطق الموضوعات التي وقع عليها حدث الوجود لتفيد اسم المفعول «الموجودات» فبدّل "ابن حزم" هذا اللفظ بلفظ آخر هو «العالم» حيث يقول: « ينقسم العالم إلى أقسام مختلفة» بدل « ينقسم الوجود إلى أقسام مختلفة»([22]).

وصل المدلول اللّغوي بالمدلول الاصطلاحي: كلما ارتبط المدلول الاصطلاحي للفظ ما بمدلوله اللغوي سهل إدراكه و فهمه، لكن لو كان بينهما انفصال عسر إدراكه، و هذا ما وقع فيه علماء المنطق باستعمال ألفاظ يختلف مدلولها الاصطلاحي عن مدلولها اللّغوي مثال: لفظة مقولة «الملك» للدلالة على أشياء لا تكون عادة من الملك كالأعضاء و الهيئة الجسمانية و الانفعالات، فصرفها "ابن حزم" عن ذلك باستخدامها في مدلولها العادي كالمال و غيره الذي يدخل في ملك الإنسان([23]).

إبدال مصطلحات متمكنة بدل مصطلحات قلقة: كثيراً ما يستخدم علماء المنطق صيغاً مركبة غير مألوفة مثل: «يقال عن» و «يحمل عن » بينما يستخدم "ابن حزم" مصطلحات متمكنة مثل «يسمى»، و لذلك عمد إلى استبدال المصطلحات البعيدة التي لا يتبادر معناها إلى الذهن بأخرى معتادة مثال: «المحصّل» للدلالة على المعرفة المعلوم، و «غير المحصل» للدلالة على النكرة المجهول([24]).

إنشاء مصطلحات غير مسبوقة: حرص على أن تكون بسيطة سهلة يفهمها العامي و العالم، كما يراعي فيها تطابق المبنى و المعنى مثال: للتعبير عن الأصناف المتغايرة يستعمل مصطلحين هما: «التغاير في الموجودات» و «التغاير في الكيفيات»([25]).

ترسيخ الأمثلة:
لجأ "ابن حزم" في هذا إلى تغيير الترتيب و تغيير العناصر و استخدام أمثلة و ذلك من خلال:

تغيير ترتيب الأمثلة: فالمناطقة عادة ما يذكرون أمثلة لا يراعون فيها التركيب العربي كقولهم: «زيد مشى» أو « زيد يمشي» بتقديم الاسم على الفعل تأثراً بالمثال اليوناني، بنما "ابن حزم" يفعل العكس بقوله: « قام زيد» فيراعي الترتيب المألوف في العربية إلاّ إذا وجدت قرينة مقامية تقتضي تقديم الاسم على الفعل([26]).

تغيير عناصر الأمثلة: غلب على المناطقة استخدام جمل اسمية يصرح فيها بالرابطة مثل قولهم: «زيد يكون أو يوجد عالماً» فاستبدل "ابن حزم" ذلك بجمل فعلية و أسقط ذكر الرابطة فتكون الصيغة « إيجاب المحمول للموضوع» و جعل الجملة الخبرة اثنينية مثل: «كان محمد وزيراً»([27]).

استخدام أمثلة متداولة: فقد كان غرض "ابن حزم" من كتابه إدخال الأمثلة الفقهية نظراً لغلبة الثقافة الفقهية في تلك العصور و الغرض الثاني حتى يستفاد من المنطق في الفتيا و معرفة الواجب و الحلال و الحرام([28]).

التقريب المعرفي:
نحاول في هذا المبحث بيان الإضافات التي أدخلها "ابن حزم" على المتن الأرسطي بحيث خالفه في بعض المسائل لا لأنّه لم يفهمه كما زعم ذلك "صاعد الأندلسي" حيث قال في ذلك: «ممن اعتنى بصناعة المنطق خاصة من سائر الفلاسفة، أبو محمد علي بن أحمد بن حزم... و ألف فيه كتاباً سماه "التقريب لحد المنطق" بسط فيه القول على تبيين طرق المعارف... و خالف فيه أرسطوطاليس واضع هذا العلم في بعض أصوله مخالفة من لم يفهم غرضه و لا إرتاض في كتبه، فكتابه [التقريب لحد المنطق] من أجل هذا كثير الغلط بين السقط»([29]) و هذا رأي المستشرق "أرنالديز"، لكن هذا حكم قاس و متسرع «بل في غاية الفساد»([30]), و سنعرض بعض المسائل التي تظهر فيها المخالفة منها:

ربط المنطق بالشرع:
لم يوافق "ابن حزم" فقهاء عصره على أنّ المنطق الأرسطي مخالف للدين الإسلامي حيث لجأ لصب المقولات و المفاهيم المنطقية في قوالب إسلامية و يحقق بذلك غرضين، الدفاع عن المنطق و تقريبه من الشرع، و من أمثلة ذلك تقسيم عناصر الأشياء إذ يقول: « اعلم أنّ عناصر الأشياء كلّها أي أقسامها في الإخبار عنها ثلاثة أقسام لا رابع لها:

1) إما واجب و هو الذي قد وجب و ظهر أو ما يكون مما لابد من كونه كطلوع الشمس كلّ صباح و ما أشبه ذلك، و هذا يسمى في الشرائع "الفرض اللازم".

2) و إما ممكن و هو الذي قد يكون و قد لا يكون، و ذلك مثل توقعنا أن تمطر غدا و ما أشبه ذلك و هذا يسمى في الشرع "الحلال" أو "المباح".

3) و إما ممتنع و هو الذي لا سبيل إليه كبقاء الإنسان تحت الماء يوماً كاملاً... و هذا القسم يسمى في الشرع "الحرام" أو "المحظور"([31]).

فواضح من هذا التقسيم أنّ الأشياء إما واجبة أو ممكنة أو مستحيلة، و لكل صنف ما يقابلها في اصطلاحات الأصوليين "فرض" "مباح" "حرام".

و لعل الأمثلة الفقهية التي اعتمدها في بيان الأقيسة الحملية خير دليل على أنّه لا يجد حرجاً في تأصيل المنطق و صبغه بصبغة إسلامية و منها:

« مثال شرعي:

الشكل الأول:

كل مسكر خمر بعض المملوكات حرام وطئها

كل خمر حرام و كل حرام ففرض اجتنابه.

فكل مسكر حرام فبعض المملوكات فرض اجتنابها



الشكل الثاني:

كل ذبح لما لم تملكه فقد نهيت عنه بعض الآباء كافر

ليس شيء مما نهيت عنه حلالا ليس أحد تجب طاعته كافراً

فليس ذبحك لشيء لم تملكه حلالا بعض الآباء لا تجب طاعته.

الشكل الثالث:

كل قاذف محصنة فاسق كل مرضعة خمس رضعات حرام

كل قاذف محصنة يحد بعض المرضعات خمس رضعات أم

فبعض الفاسقين يحد فبعض الأمهات حرام»([32]).

رأيه في القضية المهملة:
القضية المهملة هي القضية غير المسورة أو التي لا يبيّن الحكم عدد الأفراد الذين يقع عليهم، إلاّ أنّ "ابن حزم" قال بإمكانية إحلال القضية المهملة محل القضية المسورة منطلقاً من اللغة العربية حيث قال: « و ذكر الأوائل أنّ المهملات لا تنتج كما ذكرنا في المتغيرات سواء بسواء، و هذا في اللّغة العربية لا يصح، و إنّما حكى القوم عن لغتهم لكنا نقول أنّ المهملة ما لم يبين الناطق بها أنّه يريد بعض ما يعطي اسمها أو لم يمنع من العموم بها مانع ضرورة فإنّها كالمحصورة الكلية»([33]).

فقولنا: الإنسان حيٌ، تفيد الكلية الموجبة لأنّ وظيفة أل(التعريف) هي ذاتها وظيفة الأسوار التي تفيد العموم([34]).

التفريق بين العام و الخاص:
جعل "ابن حزم" التمييز بين الخاص و العام مهمة مناطة باللغة فللتفريق بين الجنس والنوع و الفصل يكفي الإجابة عن الأسئلة التالية: في قوله: « فهذه الثلاثة الأقسام هي: ذاتيات كما قدمنا بيان ذلك أن تقول: ما هذا فيقال لك: جسم. فتقول: أي الأجسام هو؟ فيقال: النامي، فيقال: أي النماة هو؟ فيقال: ذو السعف و الخوص و الورق و الجريد...»([35]).

تصور خاص لمقولة الجوهر:
إنّ تصور "ابن حزم" للجوهر يتضح في قوله: «أول الرؤوس العشرة التي قدمنا أنّها أجناس الأجناس، لأنّه حامل لها و باقيها محمول فيه وهو قائم بنفسه، و هي غير قائمة بنفسها»([36]).

و صفة الجوهر أنّه لا ضد له فإن وصف بالتضاد فذلك راجع لتضاد كيفياته التي يحملها، الأمر الذي يخرج الباري تعالى من أن يكون ضداً لخلقه ذلك أنّه لا كيفية له.

و الصفة الثانية في الجوهر أن لا تجد فيه جوهراً أشد أو أضعف من غيره، و إنّما الشدّة والضعف تكون في بعض الكيفيات التي يحملها الجوهر و يعطي مثالا على ذلك بقوله: « والجوهر لا يقال فيه أشد و أضعف، أي: لا يكون حمارٌ أشد في الحمارية من حمار آخر...»([37])، و بهذا لا يطلق على الله U لفظ الجوهر « لأنّه تعالى ليس حاملاً لشيء من الكيفيات أصلاً»([38])، الأمر الذي دفع بـ"ابن حزم" للتدقيق في تعريف الجوهر فقال: « و رسم الجوهر هو أن نقول: إنّه القائم بنفسه القابل للمتضادات»([39]).

فالملاحظة تظهر حرص "ابن حزم" على أن لا تؤدي مفاهيم و مقولات المنطق إلى مصادمة العقيدة الإسلامية و هذا ما يدخل في إطار التأصيل الإسلامي للمنطق لكي يتوافق مع العقيدة و الشريعة.

تبني النظرة الاسمية:
لقد اعتبر "أبو يعرب المرزوقي" "ابن حزم" من أوائل المسلمين الذين تبنوا وجهة النظر الاسمية، فالكليات ليست تجريدات ذهنية تطابق عقلا فعالاً كما قال "أرسطو"، و لا هي عقولا مفارقة لها منظومتها الفيضية كما زعم "أفلوطين"... فموقف "ابن حزم" أنّ الكليات مجرد أشخاص حيث يقول: « ليس النوع و الجنس شيئاً غر الأشخاص و إنّما هي أسماء تعم جماعة أشخاص اجتمعت و اشتركت في صفاتها و فارفتها سائر الأشخاص فيها، فلا تظن غير هذا كما يظن كثير من الجهال الذين لا يعلمون»([40]).

فـ"ابن حزم" لا يعترف بالجوهر خلف الأعراض أو الكيفيات الموجودة في الأجسام إذ يقول في نص آخر: « الإنسان الكلي و جميع الأجناس و الأنواع ليس شيء منها غير أشخاص فقط، فهي الأجسام بأعيانها إن كان النوع نوع أجسام، و هي أشخاص الأعراض إن كان النوع نوع أعراض و لا مزيد»([41]).

فالحقيقة عند "ابن حزم" ليست ترابطية و لكنها تطابقية، أي تطابق الوجود الواقعي و هذا ما سيضمن تناسقها و يمنحها القدرة على الاستنباط، الأمر الذي يفسر حرص "ابن حزم" على صدق المقدمات في القياس صدقا واقعيا، لهذا نفر من الصورية و تحفظ في استعمال الرموز لأنّه لا سبيل من التحقق منها واقعياً([42]).

تفضيل القياس الأرسطي على القياس الأصولي:
إنّ "ابن حزم" يولي أهمية كبرى لبناء الشريعة على القطع، و كل ما يتعارض مع القطع فإنّه يتحول عنه إلى ما يضمن له تلك الخاصية، و قد يظهر هذا الاتجاه بشكل واضح في مبحث القياس، فقد رفض "ابن حزم" القياس الفقهي لينتقل عنه إلى القياس الأرسطي ظناً منه أنّ الأول ظني مذموم، و الثاني برهاني مقبول، و الخصائص التي أضفت على القياس الظنية هي:

أنّه ليس قياساً و إنّما هو عبارة عن استقراء ناقص، و تسميته بالقياس تعتبر مغالطة من قبل بعض الفقهاء: « اعلم أنّ المتقدمين يسمون المقدمات قياساً فتحيل إخواننا القياسيون حيلة ضعيفة سفسطائية و أوقعوا اسم القياس على التحكم و السفسطة فسموا تحكما بالاستقراء المذموم قياسا»([43]).

و مما أضفى على القياس الفقهي الطابع الظني أنّه يعتمد في استخراج علله على مسالك عقلية – استقرائية لا تظفر بالجزئيات فتجيء ناقصة. و من هنا تأتي ثورة "ابن حزم" على الفقهاء و النحاة لأنّهم اعتمدوا مثل هذه الطرق و هي كلها استدلالات ظنية لا تفي بالقطع.

إنّ ما يضمن لـ"ابن حزم" القطع بل الحقيقة هو تجاوز القياس الفقهي (الاستقراء) إلى القياس المنطقي لاعتماد هذا الأخير على قضايا مستمدة من أوائل العقل و الحس.

لقد سبق و أشرنا أنّ "ابن حزم" انخرط في مذهب ظاهري، و كان عليه أن يؤسسه على قاعدة عقلية صلبة، فالظاهرية الحزمية تريد البقاء عند النّص، و لكي تكمل هذا النسق لا بد لها من رفض القياس الفقهي، و الأخذ بالقياس المنطقي لأنّ هذا الأخر يضمن لها الانسجام التام مع الظاهر، و في الأخذ بالقياس الأرسطي ما يمكنها من تجاوز التعليل. و تجاوز القياس الفقهي والأخذ بالأرسطي يضمن كذلك لـ"ابن حزم" تجاوز دليل الخطاب بمفهومه المخالف و الموافق، لأنّ القضية التي يتألف منها « لا تعطيك أكثر من نفسها»([44])، هذا ناهيك عن النتيجة التي تضمن لـ"ابن حزم" تجاوز نقل حكم الأصل إلى الفرع لأنّ النتيجة لازمة عن المقدمتين السابقتين.

و السبب الثاني الذي حمل "ابن حزم" على رفض القياس الفقهي أنّه يصنف الموجودات إلى أنواع تختلف عن بعضها البعض بالماهيات عكس التصور الذري الذي يرجع الموجودات إلى الجوهر الفرد، و بالتالي تقصر القياس في مجرد ربط الأجزاء بعضها ببعض مادام لا يوجد أنواع و أجناس، فالقياس الأصولي ينتقل من نوع لآخر بدعوى العلّة التي تجوز الانتقال من نوع لآخر يختلف عنه، و هذا ما لا يقر به "ابن حزم"([45]).

و بالتالي فإبطال القياس الأصولي الناشئ من إبطال العلّة، لذلك قصر الأدلة في القرآن والسنّة و الإجماع (أي ما أجمع عليه العلماء لوجود نص)، و أخيراً الدليل، و هذا الأخير يجب أن يؤخذ من النّص لكن ببينة منطقية، أي: يعتمد على مقدمتين و نتيجة([46]).

بالإضافة إلى ذلك فرفض القياس الأصولي عند "ابن حزم" ناشئ أيضاً عن قناعة هي أنّ الشريعة اكتملت بانقطاع الوحي و وفاة رسول الله r، و لا مجال للإضافة بما يستحدثه الأصوليون من أقيسة، بل يجب الاكتفاء بالاستنباط و الاستنتاج و هذا لا يوفره إلاّ القياس المنطقي لأنّه يضمن عدم التقول على الله U و الإضافة إلى شرعه ما ليس فيه، فالقياس الأرسطي « لا يعطينا أكثر مما هو موجود في المقدمات و متضمن فيها»([47]).



الخاتمة:
بعد هذا العرض المقتضب نختم البحث باستنتاج مايلي:

أولا: لقد وعى "ابن حزم" عالمية و إنسانية المنطق، عكس ما اعتقده النحوي "سعيد السيرافي" الذي اعتبر المنطق نحو يوناني، و لعل العبارة التالية تثبت ذلك: « فإنّ من السلف الحكماء قبل زماننا جمعوا كتبا رتبوا فيها فروق وقوع المسميات تحت الأسماء التي تتفق جميع الأمم في معانيها و إن اختلفت في أسمائها التي يقع بها التعبير عنها، إنّ الطبيعة واحدة و الاختيار مختلف شتى...»([48]).

ثانيا: عمد "ابن حزم" على اعتبار المنطق علم بياني حيث قال: « أي البحث في كيفية وقوع الأسماء و مسمياتها» فهذه المقاربة البيانية اللغوية سمحت لـ"ابن حزم" بتبرير مشروعية المنطق في العالم الإسلامي على غرار النحو و علوم اللغة، و بالتالي الرّد على الذين حرموا الاشتغال به بحجة أنّ السلف لم يفعلوا ذلك، كما صوب بعض الأخطاء الناشئة من الترجمة غير الدقيقة التي لم تراع التراكيب العربية فعصت على الأفهام، ليس هذا فقط بل حاول حل بعض الصعوبات التي صادفها المناطقة قبله كمسألة الرابطة في القضية الحملية.

ثالثا: حاول الاستفادة من المنطق خاصة القياس في المحاجة و البرهنة لأنّه دخل في جدال فقهي حيناً و كلامي أحياناً أخرى، بل و فلسفي مع مختلف الفرق و الاتجاهات السائدة في عصره. فـ"ابن حزم" لم يأخذ بالمنطق كطريقة في الاستنباط، و إلا لما أمكنه الاستنباط لأنّ المنطق يهدف بالأولى إلى إقامة البراهين على حقائق معلومة، فهو من هذا الجانب غير منتج للأحكام، و لكن من جهة أخرى يبرهن على الأحكام، و لهذا فاستغلال "ابن حزم" للمنطق كان استغلالا جدلياً، و هذه ضرورة تفرض على "ابن حزم" الذي نصب نفسه خصما لكل النحل و الملل.

رابعاً: أنّه لم يتمكن من تجاوز منطق "أرسطو" حيث اكتفى بمخالفة بعض مبادئه لأنّها لم تتناسب و قناعاته العقائدية و المذهبية، و من ذلك أنّه لم يقبل استخدام الرموز بدل الكلام الطبيعي ظناً منه أنّ ذلك يحد من قدرتنا على تبّين الصدق، و لذلك حرص على الأمثلة الواقعية الفقهية، ليس هذا فحسب بل حاول أن يسند المنطق للسان العربي بحيث أنّه يحدد نوعية القضية من خلال تركيبها اللغوي، الأمر الذي سيحد من المنطق و يجعله من جنس الأبحاث النحوية.

خامساً: لقد عمل "ابن حزم" على أدلجة المنطق من خلال تأسيسه على قناعات ذات صلة بالعقيدة و باللغة من جهة و هذا سيزيد من نفور من يخالف "ابن حزم" في القناعات من المنطق بل سيحاول تقويضه الأمر الذي يفسر انقسام المسلمين بين معارض و مؤيد للمنطق، و مازال قسم كبير من الفقهاء في هذا العصر يتوجسون خيفة من المنطق لاعتقادهم بارتباطه بميتافيزيقا معيّنة.



فهرس المصادر و المراجع:
القرآن الكريم.

المصادر:

1) ابن حزم الأندلسي:

التقريب لحد المنطق و المدخل إليه...، تحيق إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، ط 1.

المراجع:

1. الأزهري ريحاني:

النحو العربي و المنطق الأرسطي دراسة حرفية تداولية، اتحاد الكتاب الجزائريين، جانفي 2005.

2. أنور خالد قسيم الزعبي:

ظاهرية ابن حزم (نظرية المعرفة و مناهج البحث)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الأردن، 1996.

3. داود سليمان:

نظرية القياس الأصولي، دار الدعوة الإسكندرية، 1984.

4. علي سامي النشار:

مناهج البحث عند مفكري الإسلام، دار المعارف، القاهرة، ط 3، 1978.

5. سالم يفوت:

ابن حزم و الفكر الفلسفي بالمغرب و الأندلس، المركز الثقافي العربي، 1986.

6. صاعد الأندلسي:

طبقات الأمم، مطبعة التقدم، مصر، د ت ط.

7. طه عبد الرحمن:

تجديد المنهج ف تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 2.

8. عبد الله العروي:

مفهوم العقل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء 1996.

9. وديع واصف مصطفى:

ابن حزم و موقفه من الفلسفة و المنطق و الأخلاق، المجمع الثقافي أبو ظبي،الإمرات العربية المتحدة، 2000.

المجلات:

1. محمد جلوب فرحان:

أصالة الأبحاث المنطقية عند ابن حزم، مجلة دراسات عربية، العدد 5، مارس 1988.

البحث المنطقي عند السهروردي، مجلة دراسات عربية، بيروت، عدد 1، تشرين الثاني، 1986.

2. نعمان بوقرة:

نحو مشروع ثقافي أصيل في فكر ابن حزم الأندلسي، مجلة إسلامية المعرفة، السنة 5، العدد 18.

3. مصطفى الوظيفي:

ابن حزم بين الأخذ بالمنطق الأرسطي ورفض القياس الفقهي (دراسة في دوافع التأليف)، مقال نشر في مجلة الفكر

مواقع إلكترونية:

http:// ar.wikipedia.org/wiki.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] )- وديع واصف مصطفى، ابن حزم و موقفه من الفلسفة و المنطق و الأخلاق، المجمع الثقافي أبو ظبي،الإمرات العربية المتحدة، 2000، ص 22 و ما بعدها.

[2] )- http:// ar.wikipedia.org/wiki.

[3] )- علي سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام، دار المعارف، القاهرة، ط 3، 1978، ص 24-25.

[4] )- محمد جلوب فرحان، البحث المنطقي عند السهروردي، مجلة دراسات عربية، بيروت، عدد 1، تشرين الثاني، 1986، ص 105-106.

[5] )- ابن حزم الأندلسي، التقريب لحد المنطق و المدخل إليه...، تحيق إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، ط 1، ص

[6] )- المصدر السابق، ص 94.

[7] )- المصدر السابق، ص 95.

[8] )- المصدر السابق، ص 98-99.

[9] )- المصدر السابق، ص 100.

[10] )- محمد جلوب فرحان، أصالة الأبحاث المنطقية عند ابن حزم، مجلة دراسات عربية، العدد 5، مارس 1988، ص 111.

[11] )- ابن حزم، التقريب لحد المنطق، ص 102.

[12] )- نعمان بوقرة، نحو مشروع ثقافي أصيل في فكر ابن حزم الأندلسي، مجلة إسلامية المعرفة، السنة 5، العدد 18،ص 89 و ما بعدها.

[13] )- الأزهري ريحاني، النحو العربي و المنطق الأرسطي دراسة حرفية تداولية، اتحاد الكتاب الجزائريين، جانفي 2005، ص 201.

[14] )- سالم يفوت، ابن حزم و الفكر الفلسفي بالمغرب و الأندلس، المركز الثقافي العربي، 1986، ص 201.

[15] )- المرجع السابق، ص 206.

[16] )- عبد الله العروي، مفهوم العقل، المركز الثقافي العربي، 1996، ص 119-120.

[17] )- الأزهري ريحاني، النحو العربي و المنطق الأرسطي، ص 231 و ما بعدها.

[18] )- ابن حزم، التقريب لحد المنطق..، ص 94.

[19] )- سالم يفوت، ابن حزم و الفكر الفلسفي، ص 204.

[20] )- طه عبد الرحمن، تجديد المنهج ف تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ص 332.

[21] )- المرجع السابق، ص 333.

[22] )- المرجع السابق، ص 334.

[23] )- م س، ص 334-335.

[24] )- م س، ص 335.

[25] )- المرجع السابق، ص 335-336.

[26] )- م س، ص 336.

[27] )- م س، ص 336-337.

[28] )- م س ، ص 337.

[29] )- صاعد الأندلسي، طبقات الأمم، مطبعة التقدم، مصر، د ت ط، ص 182.

[30] )- طه عبد الرحمن، تجديد الفكر في تقويم التراث، ص 332.

[31] )- ابن حزم، التقريب لحد المنطق، ص 195.

[32] )- ابن حزم، التقريب لحد المنطق، ص 240- 242.

[33] )- ابن حزم، التقريب لحد المنطق، ص 221.

[34] )- الأزهري ريحاني، النحو العربي و المنطق الأرسطي، ص 249-250.

[35] )- ابن حزم، التقريب لحد المنطق، ص 109.

[36] )- المصدر السابق، ص 144.

[37] )- المصدر السابق، ص 144.

[38] )- المصدر السابق ، ص 145.

[39] )- م س، ص 145.

[40] )- م ص، ص 130-131.

[41] )- نقلا عن: خالد قسيم الزعبي، ظاهرية ابن حزم (نظرية المعرفة و مناهج البحث)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الأردن، 1996، ص 57.

[42] )- المرجع السابق، ص 70-71.

[43] )- مصطفى الوظيفي، ابن حزم بين الأخذ بالمنطق الأرسطي ورفض القياس الفقهي (دراسة في دوافع التأليف)، مقال نشر في مجلة الفكر، على شبكة الأنترنت، نقلا عن: ابن طلموس، كتاب المدخل لصناعة المنطق، المطبعة الأبرقية، مدريد، 1916.

[44] )- داود سليمان، نظرية القياس الأصولي، دار الدعوة الإسكندرية، 1984.

[45] )- الأزهري ريحاني، النحو العربي و المنطق الأرسطي، ص 255- 256.

[46] )- المرجع السابق، ص 257.

[47] )- م س، ص 258.

[48] )- ابن حزم، التقريب لحد المنطق، ص 98.



موقف ابن حزم الأندلسي من المنطق - عصام الدين المهندس - 10-31-2007

الاخ الفاضل :

تحية و احترام بحث قيم.....

سؤال او اكثر

هل تاثر فلاسفة غربيون بابن حزم ؟

هل هناك فرق بين القياس الاصولى و القياس الفقهى ؟؟؟

و هل كتاب "التقريب لحد المنطق"
موجود على الشبكة ؟؟

و لك كل الشكر


موقف ابن حزم الأندلسي من المنطق - boulefaa - 11-03-2007

شكرا للعضو "عصام الدين المهندس" على إهتمامه بالموضوع و إطلاعه عليه و أعتذر على تأخري في الرد على أسئلته لانشغالي و هاك الأجوبة
أما عن سؤالك الأول الخاص بالفلاسفة الذين تأثروا بابن حزم، لا يمكنني الجزم بذلك لأنّ الأمر يتطلب تدقيقاً علميا و مع ذلك فقد استوقفني عنوان كتاب الدكتور "محمد عبد الله الشرقاوي" (منهج نقد النص بين ابن حزم و سبينوزا) إذ يوحي ذلك بوجود تأثير من ابن حزم على سبينوزا في نقده لكتاب العهد القديم، و لذلك فالفكرة توحي بإمكانية بحث تأثير ابن حزم على مفكري أوربا خاصة الذين تعلموا في الأندلس و عاشوا بين المسلمين، أو أنّ هذا التأثير إنتقل إلى أوربا من خلال ما أخذه فلاسفة و مفكرين يهود عاشوا في الأندلس بين المسلمين.
أما عن سؤالك الخاص بالفرق بين القاس الأصولي و القياس الفقهي، أظن أنك تقصد القياس الأصولي و القياس المنطقي، لأنّ ذلك الذي تعرض له هذا البحث المتواضع، إذ يعتقد بعض الدارسين أنّ ابن حزم فضل القياس المنطقي على القياس الأصولي، لأسباب مذهبية أو إيديولوجية، كما أن هناك دافع معرفي دفعه لذلك
أما عن الفرق فيمكن إن أوجزه فيما يلي:
يتركب القياس الأصولي من الأصل (و هو الذي نقيس عليه) ثم الفرع (و هو الذي نريد أن نقيسه على الأصل) و العلة (أي ما يسمح بنقل الحكم من الأصل إلى الفرع) و أخيراً الحكم (أي النتيجة التي نتوصل إليها )
أما القياس المنطقي فيتألف من مقدمتين و نتيجة نصل إليه عن طريق الضرورة المنطقية التي توجبها بعد التسليم بالمقدمتين
أما من حيث القيمة المعرفية فالقياس الأصولي يماثل في المنطق ما يطلق عليه القياس التمثيلي (أي ذلك النوع من القياس الذي ينتقل من حكم جزئي إلى حكم جزئي آخر لوجود تماثل بينهما) الأمر الذي يجعل النتيجة غير يقينية بل ظنية
بينما القياس المنطقي فيتميز باليقين لأنه يعتمد على الضرورة المنطقية كما أنّه ينتقل من مقدمة كلية إلى نتيجة جزئية متضمنة في المقدمة مما يجعل الحكم موثوق به، و هذا ما يطلق عليه المناطقة المعاصرون بتحصيل الحاصل.
أما عن وجود كتاب التقريب لحد المنطق على النت فهناك عدة مواقع تسمح بتحميل رسائل ابن حزم التي يدخل من ضمنها كتابه التقريب لحد المنطق مثل: المكتبة الشاملة
و في الأخير أود أن تجد في هذا الرد ما يفيدك


موقف ابن حزم الأندلسي من المنطق - - ANTI - 11-04-2007

جزاكم الله خيرا