حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية (/showthread.php?tid=8497) |
عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية - ابن سوريا - 10-19-2007 مقال مهم نُشر لهذا العدد في شهرية "اللوموند ديبلوماتيك" الفرنسية. عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية نضالات الفلاحين الدائمة التجدّد بشير صقر* بهانجوف تارسير** مواصلةً هجمتها ضدّ أيّ شكل من أشكال الاحتجاج، حلّت الحكومة المصريّة في منتصف أيلول/سبتمبر جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان. كما كانت في نيسان/إبريل الماضي قد قامت بتصفية دار الخدمات النقابيّة والعمّاليّة، في حين شهد البلد أوسع حركة إضرابات عمّالية تضربها منذ عقود. في الأرياف أيضاً، يناضل الفلاّحون المصريّون ضد التدمير الحاصل لنظام الإصلاح الزراعي الذي كان جمال عبد الناصر قد أطلقه منذ 1952. عندما ذهب إرنيستو تشه غيفارا إلى مصر في العام 1965، لماذا أخذه الرئيس جمال عبد الناصر إلى كمشيش، القرية المعشّشة في قلب دلتا النيل في محافظة المنوفيّة؟ ولماذا قصدها سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر بدورهما بعد عامين، وكذلك فعلت بعثة من جمعيّة فيا كامبيسينا [1] في العام 2005؟ فكمشيش تحتلّ موقعاً فريداً - بين كفر المصيلحة، مسقط رأس الرئيس حسني مبارك، في الشمال؛ وميت أبو الكوم، مسقط رأس أنور السادات، في الجنوب الشرقي؛ ودنشواي التي كانت مسرحاً لانتفاضة ضد الاحتلال البريطاني في العام 1906، في الشرق. لكن ما هو أهم هو أنّ هذه القرية ترمز إلى النضالات الفلاحيّة التي قامت في مصر، وتحمل آثار انتصاراتهم الماضية بقدر الصعوبات التي يواجهونها راهناً. ففي أرياف ما قبل ثورة عام 1952 [2]، حيث كان أغلب الفلاحين يشهدون ظروفاً معيشية بائسة وظروف عمل قاسية جداً، كان يوجد إلى جانب زراعة صغيرة "حرّة" لكنْ فقيرة، قطاعٌ زراعي واسع على النموذج الإقطاعي. وكان الفلاّحون يحتلّون في هذا النموذج، وضعية الـ"المرابعين، أنصاف الأقنان". وكانوا يعيشون ضمن "العزب"، وهي أراضٍ شاسعة كانوا يجمّعون فيها مع عائلاتهم داخل أكواخ، ويزرعون أراضي الأسياد التي يديرها متولٍّ عليها. لم يكن هذا العمل يُقاضى بأجر، لكنْ كان يمنحهم جزءاً من الأرض بصفّة مؤقتة، يعملون فيها لحسابهم الخاصّ، على نحوٍ كان يسمح لهم بالكاد بالعيش مع عائلاتهم. كمشيش، التي لم تكن استثناءاً، كانت خاضعة لسيطرة عائلة الفقّي. وفي نهاية الأربعينيات، كانت هذه العائلة تمتلك زهاء 600 هكتار، أي ما يعادل ثلثي أراضي القرية. كما كانت تسيطر على التعاونية الزراعية التي أُسِّست في العام 1936، ومن ثَمَّ على توزيع القروض والبذار والأسمدة على المزارعين الصغار - وكانت هذه السيطرة تسمح لها، بالترافق مع سلطة البلديّة، بممارسة تبادل إجباريّ للحصص الزراعية، ومصادرة الأيدي العاملة لإنجاز الأعمال على أراضيها، وخصّ نفسها بامتيازات في مجال الريّ. خمسة أعوام من "السلم الاجتماعي" خلال تلك الحقبة، ثمّ بصورةٍ أكثر إلحاحاً في نهاية الحرب العالمية الثانية، فرض الإصلاح الزراعي نفسه. وفي 9 أيلول/سبتمبر 1952، أي بعد أقلّ من شهرين على تسلم الضبّاط الأحرار السلطة بقيادة جمال عبد الناصر، أصدر هؤلاء قانوناً يحدّ بصرامة من حجم الملكيّات الزراعية، فكان ذلك بدايةً للإصلاح الزراعي. في كمشيش، تمكّن آل الفقي - على غرار كبار الملاّكين في العديد من القرى الأخرى- من التفلّت من تلك الإجراءات في البداية. وقد لجؤوا حتى العام 1961 إلى العديد من الخدع ليحملوا على الاعتقاد بأنّ ملكيّتهم العقارية الخاصة لا تتخطّى السقف الذي جرى تحديده، في حين كان كلّ من أعضاء العائلة يمتلك أكثر من الضعف. وفي مواجهة هذا الوضع، منذ نهاية العام 1952، انخرط طلاّب شباب وفلاّحون من القرية في نضالٍ أطلقه وقتها صلاح حسين مقلد، الذي كان ينتمي إلى عائلة من الملاّكين المتوسّطين الذين افتقروا. وقد دعوا مجمل الفلاحين إلى استعادة الأراضي التي اشتراها منهم آل الفقي بأسعارٍ منخفضة، مستغلّين إفلاس العديد منهم على أثر أزمة الثلاثينيات. واندلعت خلال العام 1953 مواجهات مسلّحة لا تزال محفورة في ذاكرة الجميع. وقد وُضِعَ صلاح حسين في الإقامة الجبرية في شبين الكوم، مركز المحافظة، في نهاية العام 1953، ثمّ سُجِنَ مدّة أكثر من عام لانتمائه المزعوم إلى جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يُحرَم من حقوقه المدنية حتى نهاية العام 1965. ذلك أنّ الحكومة، بالرغم من مواقفها المبدئيّة "المعادية للإقطاعيّة"، لم تكن تحبّذ تطوّر حركة فلاحيّة مستقلّة. غير أنّه، في تموز/يوليو 1961، اتّخذ النظام الناصري منعطفاً حاسماً مع إصدار "المراسيم الاشتراكية" التي أدّت إلى مصادرة أملاك وأراضي 4 آلاف عائلة، يزيد مجموعها على 50 ألف هكتار. وفي كمشيش، استلزم الأمر ستة أشهر لإحصاء جميع الأراضي المُتنازَع عليها، لكنّ اللّجنة التي عُيّنت لهذه الغاية أقرّت بأنّ المساحة التي تملكها عائلة الفقي تتخطى كثيراً السقف الذي يحدّده القانون. فصُودرت أملاكها بالكامل وأُعيد توزيعها على 200 فلاح صغير من القرية، كما وضِعَ آل الفقي في الإقامة الجبرية في الاسكندريّة. منذ ذلك الحين، أصبحت كمشيش مثالاً للسلام والعدالة التي استتبّت أخيراً في الأرياف، بفضل تطبيق مبادئ الإصلاح "الاشتراكية". غير أنّ هذا "السلام الاجتماعي" لن يدوم سوى خمسة أعوام. وعندما عاد صلاح حسين، بعد أن استعاد حقوقه المدنية، إلى كمشيش في العام 1966، اعتُبر مُحرّضاً شيوعياً خطيراً ووُضع تحت مراقبة الأجهزة الأمنيّة. فكتب في نيسان/أبريل رسالةً إلى الاتّحاد الاشتراكي العربيّ، الحزب الأوحد، للمطالبة بمصادرة قصور تخلّى عنها "الإقطاعيّون"، لكي يأووا فيها المراكز الاجتماعية التي تُعنى بالتعليم والصحّة. وبعد تسعة أيام، في 30 نيسان/أبريل 1966، قُتل خلال "مشاحنة". وسرعان ما اتُّهم شخصان من الفرع الرئيسي لعائلة الفقي باشتراكهما في هذه الجريمة، لكنّ العدالة لن تطول سوى معاونين صغار لهم. لدى تنفيذ إصلاح العام 1961، كان للحكومة أيضاً أهداف سياسيّة: الانتهاء من سلطة "الأرستقراطية العقارية الكبيرة"، حليفة الحكم الملكي السابق، عن طريق تدمير قاعدتها الاجتماعية والاقتصادية. بيد أنه، نظراً إلى المناصب السياسية والإدارية العديدة التي كان لا يزال يشغلها، أو شغلها حديثاً خلال الستينيات، سواء على المستوى المحلّي أم المناطقي، أعضاء هذه الأرستقراطية العقارية أو ورثتهم، يمكن أن نقول بأنّ هدف الحكومة لم يتحقّق إلاّ على المستوى الوطني. من جهة أخرى، ومنذ العام 1961 - العام الذي صدر خلاله القانون الثاني للإصلاح الزراعي و"المراسيم الاشتراكية"-، جرى تصنيف الأراضي التي صُودرت من الملاّكين الكبار إلى فئتيْن مختلفتيْن. الفئة الأولى تتعلّق بالأراضي التي صُودرت من المالكين غير المقيمين عند تطبيق قانونَي الإصلاح الزراعي: هنا يمكن للفلاحين الذين يستثمرون الأرض أن يصبحوا مالكيها بدفع 40 قسطاً سنوياً إلى الحكومة. أما الفئة الثانية فتتعلّق بالأراضي التي جرت مصادرتها خلال الستينيات، في مرحلة تجذّر النظام الناصري: هنا لم يعد بإمكان المالكين استخدامها كما يحلو لهم، مع أنها بقيت ملكاً لهم. فقد وضعت تحت سيطرة الدولة، يديرها قسم الحراسة القضائيّة وهيئة الإصلاح الزراعي التي كانت تؤجّرها إلى مستثمرين صغار وتدفع ثمن إيجارها إلى الملاّكين الكبار. بعد وفاة عبد الناصر في العام 1970، أطلق الرئيس الجديد أنور السادات، بدءاً من أيار/مايو 1971، "حركة تصحيحيّة"، بدأت بعمليّة "إزالة الناصريّة". وهكذا، جرى التصويت في حزيران/يونيو 1974 على قانون يلغي الحراسة القانونيّة المرتبطة بـ"المراسيم الاشتراكية". وقد نصّ هذا القانون بكلّ بساطة على إعادة 60 ألف هكتار إلى أصحابها أو التعويض عليهم بسخاء. ولكن لم تخلُ هذه العمليّة من الصدامات. فالفلاحون الذين يتمتّعون بعقود إيجار دائمة، لقاء مبلغ رسميّ ثابت ومتواضع جداً، قد منعوا المالكين من إخراجهم. وفي كمشيش، توصّلت عائلة الفقي ليس فقط إلى استعادة أراضيها المصادرة، بل حتى المنزل العائلي الذي كان قد جرى فيه تأسيس مدرسة وعدد من المراكز الاجتماعية. كما مُنِعَت السيّدة شاهندة مقلد [3]، أرملة صلاح حسين التي ترأست، منذ حزيران/يونيو 1971، حركة الاحتجاج المناطقيّة، من الإقامة في القرية؛ وتعرّضت بعدها للسجن عدّة مرّات. اليوم، تُحصي كمشيش 40 ألف نسمة، وزوّدت المدينة التي اغتنت بفعل عائدات الهجرة من دول الخليج منذ العام 1990، بثلاث صيدليّات، وبحديقة عامّة مسوّرة بحائطٍ يعتليه سياج حديدي، كان تقدمة من السيّدة سوزان مبارك، زوجة الرئيس. وإلى جانب الحديقة، يقوم رمزٌ للصراع العنيد ضدّ "الإقطاعية": وهو أحد القصور الذي تركته عائلة الفقي. لكنّ العديد من المناضلين الفلاحين، المعزولين، المهدَّدين، المحاصَرين، المسجونين، المعذَّبين، المنبوذين والمقتولين أحياناً، دفعوا غالياً ثمن النضال الذي خاضوه خاصّة من أجل حق تملّك الأرض. وبعد خمسة وخمسين عاماً على أولى الإصلاحات الزراعية، يستمرّ العديد منهم بالعيش في الخوف من أن يتعرّضوا، بين ليلةٍ وضحاها، للطرد من منازلهم. في الواقع، سجّل القانون الزراعي الجديد الذي اعتُمِدَ في العام 1992، تغييراً عميقاً في العلاقات بين المالكين ومستأجري الأراضي الزراعية. لكنّه لم يُطبَّق إلا بدءاً من العام 1997، بعد مرحلةٍ انتقالية دامت خمس سنوات، يُفترَض أن يرتفع خلالها إيجار الأرض تدريجيّاً من 7 إلى 22 ضعفاً لمعدّل الضريبة العقاريّة. بعدها يجري تحديد سعر الإيجار في السوق الحرّة، ومن ثَمَّ يصبح ممكناً طرد المستأجرين العاجزين عن دفع المبلغ المطلوب. من جهةٍ أخرى، لا تعود عقود إيجار الأرض متوارَثة ودائمة، بل يجري تحديد مهلة زمنية لها (أدنى مهلة رسمياً هي سنة واحدة)؛ أما إيجار الأراضي السنويّ، فيسدّد نقداً وكاملاً عند توقيع عقد الإيجار، أي حتى قبل الحصاد. هكذا، وسط غزارة التقارير التي خصّصت لإصلاح القطّاع الزراعي، لم يهتمّ أحد لمصير ضحايا هذه السياسات. هذا القانون، الذي كان يستهدف مليون مستثمر زراعي على الأقلّ (من أصل الثلاثة ملايين الذين تمّ إحصاؤهم في مصر) - أي بتعبيرٍ آخر زهاء 6 ملايين شخص، أو واحد على تسعة من مجمل سكان البلاد-، يعبّر عن تلاقٍ للمصالح بين المالكين والنيوليبراليّين في مصر. فهو يسمح للمالكين بإعادة تقييم إرثهم العقاريّ، عن طريق رفع ملموس للإيجار أو عن طريق إمكانيّة التصرّف بالأراضي على هواهم. ويسمح للنيوليبراليّين بمدح آليّة العمل الحرّة للسوق التي تعود إليها جميع "مزايا" النظام العقاريّ الجديد. فقد قدّمت إعادة تقييم الإيجارات لهم ميّزتيْن كبيرتيْن: من جهة تشجيع البحث عن ربح ٍأكبر تدرّه الأرض المستثمَرة، أي تحديث وتكثيف للإنتاج؛ ومن جهة أخرى، "إزالة" الاستثمارات الصغيرة جداً وغير المربحة واحتمال ضمّها إلى الاستثمارات العصرية. في الوقت نفسه، جرى وصف النظام السابق بشكلٍ كاريكاتوريّ: كان المالكون يتعرّضون لـ" الاستغلال" من قبل المستأجرين "غير الآبهين" الذين كانوا يكتفون بتكديس أرباح الاستثمارات الضخمة، مُستفيدين من أسعار الإيجار الزهيدة، لكي يشتروا في النهاية الأراضي بأسعار متدنّية، بعد أن يكونوا قد حملوا المالكين على الإفلاس... مواجهات محدودة دون تفاقم الأمور أمّا الواقع فقد اختلف كثيراً عن هذا الوصف: إذ تمارس الاستثمارات الصغيرة زراعة مكثّفة جداً؛ ومردوداتها هي من أفضل المردودات في بلدان الجنوب، ويمكن جني الحصاد ثلاث مرّات سنوياً من قطعة أرض زراعيّة. وإذا كان المالكون الصغار يسعون أولاً للاكتفاء الذاتيّ، من أجل تأمين الغذاء الضروريّ لعائلاتهم، فهم يهتمّون أيضاً بتحقيق أقصى حدّ من الأرباح عن طريق تنويع الإنتاج المخصّص للبيع، لأّنّه يترتّب على ذلك مخاطر، ناجمة خصوصاً عن تقلّبات أسعار السوق. من ناحية أخرى، تمّت عادةً ملاحظة أنّ المستأجرين يستثمرون في العمل وفي المنتجات المخصّصة لتحسين خصوبة الأراضي، ومن ثَمَّ تحسين مردودها، عندما يشعرون بأنهم مضمونون لإيجارات طويلة الأمد. إذ كيف يمكن لمستأجرين قابلين للطرد بعد عام مجرّد التفكير بالقيام بذلك - هذا إن كان بدل الإيجار يترك لهم إمكانيّة فعل ذلك؟ التصويت على قانون العام 1992 قد أدّى إلى هواجس واضطرابات في أوساط الفلاحين المعنيّين؛ ولكن، لمّا كان قسمٌ لا بأس به منهم لم يعلموا به إلاّ بشكل متأخّر، لم تترقّب الصحافة أعمال شغب كبرى إلاّ عند دخوله في حيّز التنفيذ، في تشرين الأول/أكتوبر 1997. ولكن لم تحصل وقتها مثل هذه الأعمال، إلاّ بعض المواجهات التي اندلعت في العديد من القرى - مواجهات محدودة، دون تفاقم الأمور، أتت ردّاً على عمليّات طرد قسريّة للفلاحين الذين كانوا يعارضون رفع الإيجار. وقد أحصى مركز الأرض لحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية مقرّها في القاهرة [4]، خلال ثلاثة أعوام (1998-2000)، 119 قتيلاً و846 جريحاً و1409 عملية توقيف مرتبطة بعمليّات طرد المزارعين وبنزاعات أخرى متعلّقة بالوصول إلى الأراضي الزراعيّة. في الواقع، كان عدم توسّع "سلسلة التفجيرات" - والذي عزته الحكومة وقتها إلى عمل "لجان المصالحة" التي أُلِّفت بمبادرة منها- مرتبطاً بمنع قيام أيّ نقابة مستقلّة، وكان مردّه كذلك إلى هيمنة وفعّالية أجهزة المخابرات والمراقبة والقمع. ويمكن أيضاً تفسير ذلك بالتشعّب الكبير للعلاقات الاجتماعية في الأوساط الريفية - خاصّةً وجود سوق تجارية موازية، كانت الإيجارات فيها قبل ذلك مرتفعة جداً، وعلاقات زبائنيّة تربط المالكين بالفلاحين المستأجرين، ووجود مالكين صغار غير مستثمرين، وليس فقط مالكين غير مقيمين في أراضيهم. بيد أنّ قانون العام 1992 الزراعي قد غيّر جوهرياً من حياة الفلاحين. فمنذ ذلك التاريخ، زاد الإيجار العقاري بمعدّل عشرة أضعاف، وبات يبلغ أحياناً ثلث أو نصف العائد السنوي الخام للاستثمار. ويُقدَّر بأنّ ثلاثة أرباع المستثمرين الصغار، الذين كانوا يستأجرون الأراضي في العام 1996، قد عدلوا عن ذلك؛ ويعود السبب، في أغلب الأحيان، إلى تراكم الديون عليهم. وفي الواقع، تُفيد العديد من الشهادات بأنّ الديون تتثاقل على الفلاحين على نحوٍ يمنعهم من دفع الإيجارات الجديدة. وقد جرت عمليّات بيع كبيرة للمجوهرات والماشية، كما تحاول الأسر الحدّ من مصاريفها بكافة الوسائل: إلغاء اللّحم من الغذاء اليومي، سحب ولد من المدرسة كي يعمل... وفي المقابل، تعزّزت فئة الأراضي المستثمرة التي تزيد مساحتها على 10 فدادين [5]، سواء بأعدادها أم بمساحتها، على حساب الاستثمارات الصغيرة. وهكذا، عاد انعدام المساواة في توزيع الأراضي الزراعية، الذي كان قد وُضِعَ له حدّاً بين العامين 1952 و1980، ليستقرّ بين هذا التاريخ والعام 1990، ثم ليتزايد مجدّداً كما في الأيام الخوالي، أي في الأعوام الأخيرة لـ"النظام البائد"! خلال العقد الماضي، تعرّضت محافظة المنوفية، التي تقع فيها كمشيش، لـ"تفجّرات اجتماعية" عديدة مرتبطة بالأرض. وكان سبب تلك التفجّرات، التي لم تأتِ وسائل الإعلام على ذكرها، ألاعيب العائلات المالكة القديمة. فقد بادرت هذه الأخيرة، اعتماداً على قانون العام 1992، إلى استعادة أراضٍ كانت سابقاً ملكاً لها أو وضع اليد على أراضٍ أخرى كانت تطمع بها. وأثارت هذه العمليات مواجهات عنيفة جداً في أغلب الأحيان بين الفلاحين، والمأجورين أو قوات الشرطة الذين استُدعوا لنجدة تلك العائلات، وقد استُتبعت هذه المواجهات باعتقالات عديدة، وبحالات سجن تعسّفي - ترافق أحياناً بالتعذيب- وبمحاكمات جائرة ترافقت مع عقوبات ثقيلة. وبحسب مركز الأرض لحقوق الإنسان في القاهرة، نتج عن ذلك، بين العامين 2002 و2004، 171 قتيل و 1624 عمليّة توقيف. الأحداث التي وقعت عام 2005 في سراندو، وهي قرية من 10 آلاف نسمة في شمال غرب الدلتا [6]، تجسّد تلك التحديات. فقد استغلت عائلة صلاح نوّار الضبابية القانونية المحيطة بالـ 2100 هكتار من الأرض التي كانت موجودة بحوزتها قبل العام 1952، لتبادر إلى استعادة أراضيـ"ها" بالقوّة. وبفعل ذلك، شهد السكان المحلّيون، بين 5 كانون الثاني/يناير و15 آذار/مارس، كابوساً حقيقياً، فقد خرّبت الشرطة المنازل، ناشرةً الرعب في قلوب السكان، وأوقفت العديد من الرجال بتهمة حيازة أسلحة وإتلاف الحصاد ومحاولة قتل رجال من قوى الأمن العام. وجرى اعتقال عشرات الأشخاص، من بينهم امرأة تبلغ الأربعين، توفيت في 14 آذار/مارس بعد تعرّضها للتعذيب. وعلى بعد 200 كلم في الشمال الشرقي، شهدت عزبة مرشاق العام الماضي حوادث خطيرة أخرى [7]. فمع أنّ الفلاحين المستفيدين من الإصلاح كانوا قد دفعوا، بين العامين 1964 و2005، الأقساط السنوية المفروضة لامتلاك أراضٍ أُعطيت لهم، فقد رفضت هيئة الإصلاح الزراعي منحهم وثائق مُلْكية. واستفاد المالك السابق من الأمر لفتح ملاحقات قضائيّة بحقّهم، وكلّما كان يربح الدعاوى كان يطردهم، مُستعيداً نحو نصف الـ42 هكتاراً التي أُخِذَت منه. وفي غضون ذلك، وبعد أن تمّكن الفلاحون أخيراً من الحصول على وثائقهم، استأنف الذين طُردوا الأحكام المصدرة بحقّهم. لكن، ولأنّ هذه الاستئنافات لا تُعلّق الحكم الصادر، دخلت 17 عربة شرطة وعشرات من رجال الشرطة، باللّباس المدنيّ، إلى قطعة أرض ليباشروا عمليّة طردٍ أخرى، في 21 أيار/مايو 2006. هكذا حاصر رجال الأمن ستين شخصاً من سكان عزبة مرشاق، كانوا قد سارعوا، برفقة صحافيّين، إلى مساندة الشخص المُقيم فيها، ثمّ فرّقوهم بالعصي والقنابل المُسيلة للدموع، حتى أنّهم رموا نساءً في إحدى السواقي. وجرى اعتقال 25 شخصاً، وجُرح صحافيّ. غير أنّه، وللمرة الأولى، لقيت الحادثة أصداءً في الخارج، بفضل وجود الصحافة في المكان، إضافةً إلى لجنة دعم للفلاحين تأسّست في كمشيش في العام 2005 - وشاركت في حزيران/يونيو من العام نفسه في المنتدى الاجتماعي الأوروبي الذي عُقد في برشلونة. وتحت ضغط فاكسات الاحتجاج التي فاضت بها السفارات المصريّة، أُطلق سريعاً سراح الفلاحين المعتقلين، وجرى العدول عن الملاحقات القانونيّة بحقّهم؛ وجرى نقل ضابط الشرطة الذي قاد هذه العمليّة القمعيّة العنيفة جداً. قرّر حينها الفلاحون عدم إجراء اتفاقيات فرديّة بعد اليوم مع المالكين السابقين، بل مواجهتهم جماعيّاً عن طريق القانون. وبذلك جرى قطع مرحلة أولى في الصراع ضدّ إعادة النظر في مكتسبات الإصلاح الزراعيّ في كمشيش. * صحافيّ ** عالم إناسة [1] ملاحظة النشرة العربية: وهو اسم حركة الفلاّحين العالمية، راجع: http://viacampesina.org [2] في 23 تموز/يوليو 1952، قامت حركة الضباط الأحرار بقيادة العقيد جمال عبد الناصر بالانقلاب على الملك فاروق المرتبط بالمملكة المتحدة والمعتبر مسؤولاً عن الهزيمة في وجه إسرائيل في عام 1949. وستعلن الجمهورية في حزيران/يونيو 1953. (3) إقرأ سيرتها على موقع لوموند ديبلوماتيك بالفرنسية www.monde-diplomatique.fr/2007/10/SAKR/ [3] إقرأ سيرتها على موقع لوموند ديبلوماتيك بالفرنسية www.monde-diplomatique.fr/2007/10/SAKR/ 15183، ملاحظة النشرة العربية: نشرت دار ميريت في مصر مذكّراتها: "من أوراق شاهندة مقلد"، إعداد وتقديم د. شيرين أبو النجا، القاهرة، 2006. وقد تمّت مصادرة الكتاب وأقام آل الفقي دعوى قضائية لمنعه ولحبس شاهندة مقلد. راجع مجلّة وجهات نظر: http://www.weghatnazar.com/publicat... والأهالي http://al-ahaly.com/articles/06-11-... وتضامن http://tadamon.katib.org/node/19 . كما كتب عنها أحمد فؤاد نجم الأبيات التالية: يا شاهنده وخبرينا يا ام الصوت الحزين يا ام العيون جناين يرمح فيها الهجين وكتب زين العابدين فؤاد: كمشيش بتنفض من ترابها الموت الدم ناشع، م الجدور، للصوت الأرض أرض الفلاّحين ولا حد قدّ الفلاّحين [4] Land center for human rights : www.lchr-eg.org [5] الفدان يساوي 0,42 هكتار. [6] ملاحظة النشرة العربية: سراندو في مركز دمنهور في محافظة البحيرة، راجع رسالة "مرقب حقوق الإنسان" الدولي على موقع إسلام أون لاين http://www.islamonline.net/arabic/n... وتقرير مركز الأرض http://www.hrinfo.net/egypt/lchr/20... [7] ملاحظة النشرة العربية: عزبة مرشاق بدكنس (محافظة الدقهليّة)، راجع: الكرامة http://www.al-karama.com/index.php?... عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية - بنى آدم - 10-19-2007 لا عزيزى طارق شكرا على الموضوع القيم قانون الإصلاح الزراعى الذى اصدره ناصر له من المزايا الكثير لكنه أيضا حوى عيوبا قاتله سأعرج على عيب واحد فقط وهو المثار بالأعلى .. مالك الأرض منذ 50 سنة لا يستفيد منها اطلاقا وكل ما يأخذه ملاليم زهيده لا تكفى حتى تربية ابنائه والسؤال هنا : إذا كان هناك مؤاجر يؤجر الأرض من المالك ووقع معه عقدا لمدة سنة مثلا ........ تمام أريد ان اعرف ما الحكمة التى ارتآها قانون الإصلاح الزراعى فى ان المؤاجر يظل بالأرض رغما عن مالكها ويظل الإيجار كما هو ملاليم لا يتغير بمرور عشرات السنون ويموت المؤاجر ويأتى ابنه ويظل العقد ساريا رغما عن صاحب الملك اى ان عقد الإيجار الذى كان من المقرر ان يستمر سنه واحدة استمر 50 سنة وتوراثه اجيال علما بأن 90% من اصحاب الأملاك الذين نتحدث عنهم هم اصلا فلاحون وليسوا ارستقراط ولا حاجة فلاحون عملوا بصنعة ما فأجروا ارضهم او سافروا للخارج أو اصيبوا بالأمراض فأجروا ارضهم ولا زالت سيئات ذلك القرار ( الإصلاح الزراعى ) تطارد ملايين المصريين فرغم ان الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق تمكن بجرأة يحسد عليها من ان يعيد تلك الأراضى الى ملاكها الأصليين بعد عقد ايجار دام عشرات السنون دون اى وجه حق الا انه مازال هناك مشكلة اكبر واعوص وهى مشكلة ايجار المساكن وفيه نفس المشكلة تجد بيتا بالقاهرة او محلا كبيرا مثلا وايجار البيت - ثلاثة شقق - بحوالى 7 جنيهات ( دولار واحد ) ثم زار ووصل حوالى 30-40 جنيها والمؤاجرون لم ولن يخرجوا رغم ان بعضهم اشترى اراض بالجوار وبناها أبراجا الا انه لن يخرج وعندما يموت يورث البيت لأولاده كمؤاجرين مثله وبهذا فصاحب البيت الأصلى والذى يلعن الزمان والحكومة والثورة والإصلاح ليس له الا الله فأولاده كبروا واجروا شققا بمبالغ كبيرة نسبيا من 400 إلى 1000 جنيها ايجار رغم انهم يمتلكون الشقق الا ان قانون الإصلاح الأعمى الذى كان كل همه تدمير الملكية بمصر وتحديدها حتى اوصلها للصفر بالفعل مع الشكر:97: عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية - ماجن - 10-19-2007 كلام جميل يؤرخ عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية - ابن سوريا - 10-19-2007 عزيزي بني آدم؛ أتفق معك، وأعتقد أن المقال أيضاً يتفق بأن القانون الذي صدر وقتها لإصلاح الوضع لم يكن مثالياً، ولكن الأمور يُفترض بها أن تتدرج نحو الأفضل، لا أن تنخسف وتنتكس. فمن ناموس الأشياء التطور، ومن ديدن الإصلاحات أن تبدأ ناقصة وعرجاء. وفضل تلك الإصلاحات أنها أسست للمبدأ الذي يجب أن تسير عليه الأمور. بينما نرى أن الأوضاع والقوانين والممارسات تتدهور بدلاً عن أن تتصاعد في إيجابياتها ووتيرتها البانية للعدل والمساواة وتحسين الأوضاع. لكل عصر ظروفه الخاصة، وممارساته الخاطئة التي لا ينكرها أحد، ولكن لا أعتقد أنه يمكننا أن ننكر أن ما حدث كان قفزة نوعية لناحية تحسين أوضاع الفلاحين. خالص تحياتي. طارق (f) عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية - thunder75 - 10-19-2007 مرحبا طارق قرأت المقال الذي كتبته بعناية واسمح لي بهذا التعليق البسيط هناك مادة أو مبحث في علم الاقتصاد يسمى "بالإقتصاد الزراعي" ، الذين يدرسون هذه المادة يعرفون جيدا أن المشروع الزراعي يكون مجدي من الناحية الاقتصادية كلما زادت رقعة الأرض الزراعية بل ويتحول إلى استثمار ونشاط اقتصادي حقيقي بالملايين والمليارات وقد تقوم عليه اقتصاديات دول بأسرها وشركات انتاج زراعي عملاقة ، بسبب ما يعرف بوفورات الحجم أما حين يكون هذا المشروع هو بضعة مئات أو آلاف من الأمتار المربعة فهو في أغلب الأحيان يكون مشروعا غير مجدي اقتصاديا ماذا يعني هذا الكلام ، يعني أن تفتيت الملكية الزراعية إلى ملكيات صغيرة والذي قامت به ضباط ثورة يوليو في مصر والانظمة الاشتراكية كان ضربة قاتلة ومدمرة لهذا القطاع أدت لانهيار الانتاج من الناحية الكمية والنوعية الذين قاموا بهذا العمل اعتقدوا للوهلة الاولى انهم يقيمون العدالة الاجتماعية ويعيدون توزيع الثروة دون ان يخطر ببالهم ان هذه الثروة تفقد قيمتها الانتاجية عندما تتقسم مما أدى لهجر معظم الفلاحين للأرض لأن الفرصة الاقتصادية البديلة في المدينة كانت افضل التي لا يملكون ما يكفي من المال لاستثمار الارض التي بالكاد تجعلهم يعيشون على الكفاف من انتاجها ، ولن اتحدث عن ظاهرة مصارف وبنوك الاقراض الزراعي والتي دائما ما يعجز أكثرية صغار المزارعين عن سداد القروض التي يأخذوها سلام عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية - بنى آدم - 10-20-2007 Arrayوفضل تلك الإصلاحات أنها أسست للمبدأ الذي يجب أن تسير عليه الأمور. بينما نرى أن الأوضاع والقوانين والممارسات تتدهور بدلاً عن أن تتصاعد في إيجابياتها ووتيرتها البانية للعدل والمساواة وتحسين الأوضاع. [/quote] نعم عزيزى طارق كان يجب ان تكون نقلة تتبعها نقلات وتعديلات ولكن يبدو حكامنا لهم رأى آخر وانا احس احيانا اننا غير موجودون فى عقول هؤلاء الناس we are not there Arrayيعني أن تفتيت الملكية الزراعية إلى ملكيات صغيرة والذي قامت به ضباط ثورة يوليو في مصر والانظمة الاشتراكية كان ضربة قاتلة ومدمرة لهذا القطاع أدت لانهيار الانتاج من الناحية الكمية والنوعية [/quote] قال الكثيرون هذا الكلام ولكن بصوت خافت خوفا وطمعا .......... وبالطبع لم تتم مناقشة الآثار الجانبية للقانون ولم نتحرك فيه قيد انملة وكما ذكر طارق بالأعلى لم تتبعه اى تكميلات ولا استدراكات لمعايبه لكم جميعا :45: عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية - حسام يوسف - 10-20-2007 الاجراءات التى اتخذها ناصر تمثل اصوله وانتماءاته كبرجوازية فلاحية صغيرة فهو يقسم الارض الى ملكيات صغيرة فردية فى حين ان الاجراء الاشتراكى كان يحتم بناء شركات كبيرة للزراعة المصنعة الكبيرة عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية - ابن سوريا - 12-17-2007 تعقيب لأحد كتاب المقال صدر هذا العدد في اللوموند ديبلوماتيك. عودة حول مقال "عودة إلى النظام البائد فى الريف المصرى" لاحقاً لنشر مقال السيدين بشير صقر وبهانجوف تارسير "عودة إلى النظام البائد في الأرياف المصرية، نضالات الفلاحين الدائمة التجدّد" في عدد تشرين الأول/أكتوبر 2007، وردنا من الكاتب بشير صقر رسالة تتضمّن توضيحات ننشر منها النقاط الأساسيّة. كانت ثورة الجيش عام 1952 تستهدف تنحية الملاك العقاريين وعلى رأسهم ملك مصر عن السلطة السياسية فى محاولة للتخلّص من بقايا العلاقات الإقطاعية الموجودة فى الريف، وفى هذا السياق صدر قانون الإصلاح الزراعي (رقم 178) فى أيلول/سبتمبر 1952 (...). وقد شاب قانون الإصلاح الزراعى الأول كثيراً من العيوب، منها سماحه للملاّك العقاريين بالتصرّف فيما زاد عن الحد الأقصى للملكية الذى حدده القانون (200 فدان للفرد، 300 فدان للأسرة) فى بحر 5-7 سنوات، وحقّهم فى الحصول على تعويضات ذات فوائد مصرفية، علاوةً على تسرب أخبار القانون قبل صدوره من داخل مجلس قيادة الثورة مما أتاح لكثير من الإقطاعيين تهريب مساحات كبيرة من أراضيهم، وتهرّب كثير منهم من تطبيق القانون حتى صدور قانون الإصلاح الزراعي الثاني عام 1961، فضلاً عما شاب تطبيق القانون من تواطؤ الأجهزة الإدارية مع الإقطاعيين .. بل وتواطؤ أجنحة داخل مجلس قيادة الثورة نفسه. وقد أدّت هذه الأمور كلّها إلى كثيرٍ من المشاكل للنظام الجديد مما دفعه لاتخاذ إجراءات لوقف نشاط كبار الملاك العقاريين الذين صودرت أراضيهم بينما أغلب ثرواتهم لم تمسّ وقد تمثّلت هذه الإجراءات في التالي: انتزاع أجزاء أخرى من أراضيهم والتحفّظ عليها بقانون الطوارئ و تأجيرها لفقراء الفلاحين وتحصيل إيجارها وإعادته للملاك العقاريين، بحيث ظلّت هذه المساحات ملكاً لهم لكن إدارتها تقوم بها الدولة ممثّلة فى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي. عزل عددٍ منهم عن المناصب الإدارية فى الريف وإبعادهم خارجه تماما. تطبيق العزل السياسى على العديد منهم. وبذلك أصبح الفلاحون المنتفعون من أراضي الإصلاح الزراعي نوعين: الأوّل: هم المستفيدون من الأراضي المصادرة بقانون الإصلاح الزراعي 178/1952 وهؤلاء يتملّكون الأرض بعد أن يدفعوا ثمنها على 40 قسطٍ سنوى يحصلون بعدها على وثائق الملكية، وتعرف هذه الأراضى بـ"أراضي الإستيلاء". والثاني: هم الفلاحون المستأجرون للأرض المنتزعة من الملاّك العقاريين بقانون الطوارئ رغم بقائها ملكاً لهم من الناحية القانونية (...) وتعرف هذه الأراضى بـ"أراضي الحراسة".. أي التي وضعت تحت الحراسة بقانون الطوارئ. هذا ولأن أراضي أسرة الفقي الإقطاعية بكمشيش بمحافظة المنوفية بوسط الدلتا قد تّمت مصادرتها جميعاً بسبب تهرّب الأسرة من تطبيق قانون الإصلاح الزراعى طيلة المدة من 1952 وحتى 1961، الذي كان أدّى إلى اشتعال المعارك المسلّحة بين الفلاحين والإقطاع (...) حيث قام آنذاك أنور السادات عضو مجلس قيادة ثورة الجيش الذي كان متواطئاً مع الأسرة الإقطاعية بنفسه باعتقال العديد من فلاحي القرية (...). وقد أسهم صلاح حسين (الطالب الجامعي آنذاك) مع عددٍ من زملائه الطلاب والفلاّحين فى تصعيد المقاومة وكشف تهرب الأسرة الإقطاعية من قانون الإصلاح الزراعي، عبر تثقيفهم للفلاحين وقيادتهم فى كل المعارك (...) فتمكّنوا من السيطرة على الجمعية التعاونية الزراعية فى القرية والتف حولهم كل الفلاحين وتم عزل الإقطاعي عن منصب العمودية (الإدارة المحلية)، بل وإبعاد رؤوس الأسرة الإقطاعية عن المحافظة وعزلهم سياسياً. لكن ما حدث فى كمشيش كان استثناءً لما حدث فى مصر كلها، حيث أن ثورة الجيش هي التى صادرت أراضى الملاك العقاريين (الإقطاعيين). بينما بقي الفلاحون فى موقع المتفرجين سواء بالنسبة لإجراءات مصادرة الأراضي أو إجراءات التحفّظ عليها. وما حدث بالنسبة للإصلاح الزراعي(...)، حدث أيضاً حين الإجراءات الثورية (التي سمّاها النظام الجديد بالإجراءات الاشتراكية) عام 1961 فى المدن بالنسبة لتمصير الممتلكات الأجنبية أو تأميم الشركات الصناعية الكبرى للقطاع الخاص، التى صارت نواة القطاع العام بعد ذلك. حيث تم كل ذلك بواسطة الدولة بعيداً عن مشاركة الجماهير. وبسبب عدم مشاركة الجماهير هذه(...)، كان من السهولة بمكان الإرتداد عن الإجراءات وإعادة الأراضي لملاّكها الكبار السابقين، وكذلك بيع القطاع العام فيما بعد للقطاع الخاص بعشر ثمنه. فبعد وفاة عبد الناصر قام أنور السادات بإصدار القانون رقم 69 عام 1974 الذى يرفع الحراسة عن الأراضي والممتلكات التى تحفّظت عليها الدولة فى الحقبة الناصرية بقانون الطوارئ .. وهو الذى شكل الخطوة الأولى فى إعادة النوع الثانى من الأراضي (أراضى الحراسة) لملاّكها الأصليين أو لورثتهم . أمّا الخطوة الثانية فقد أتت فى عهد مبارك؛ حيث كان القانون فى عصر السادات لا يسمح بطرد المستأجرين من الأراضي المستأجرة طالما يقومون بدفع الإيجار فى مواعيده.. لذلك صدر القانون رقم 96 عام 1992 الذي ألغى -اعتباراً من 1997- كل عقود الإيجار غير محدّدة المدة واستبدلها بعقود إيجار محدّدة المدة. وبذلك تمّ طرد مئات الآلاف من المستأجرين من الأراضى المستأجرة خصوصاً أراضي الحراسة (...). ليس هذا وفقط بل وصل الأمر إلى حد طرد الفلاحين الذين يزرعون الأرض التي صادرها قانون الإصلاح الزراعى ووزّعها تمليكاً عليهم، يدفعون (أو دفعوا) ثمنها للدولة على مدى 40 سنة بل والتي حصل ملاّكها الكبار من الإقطاعيين أصلاً على التعويض المقرّر بعد مصادرتها. ونعود لقرية كمشيش، لنشير أن أهمّ شخصيتين فى الأسرة الإقطاعية لم ترثا معاً من والدهما عام 1947 أكثر من 52 هكتارا (116 فدان)، بينما وصلت أملاكهما فى عام 1952 إلى حوالى 600 هكتاراً (1445 فدان)، بما يعنى أن اغتصاب أراضي الفلاحين وتسخير فقرائهم للعمل فى أراضي الإقطاعيين دون مقابل تقريباً، كانتا هما الوسيلتان المستخدمتان فى تضخيم ملكية الأسرة. لذلك اهتمّ صلاح حسين وزملاؤه بتثقيف الفلاّحين وتوعيتهم بالأسس التى يقوم عليها النظام الإقطاعي (...)، وكيف أنّه لا يعمل على تنمية المجتمع الريفى الذى يسيطر عليه ويثرى منه بل يبدّد ناتج جهد الفلاحين فى الأمور الترفية والمظهرية ويكتنز الأموال ويُبقى على تخلّف الإنتاج وفى سبيل ذلك يرتبِط بكل القوى الرجعية فى داخل المجتمع وخارجه .. ولذلك تتراكم أسباب الثورة عليه من الفلاحين المسخّرين فى أرضه ومن كل القوى المتطلعة للتقدّم والتنمية والمساواة والحرية، كما اهتم صلاح حسين فى تثقيفهم بتوضيح أن ملكية الأرض وتسخير الفلاحين هما اللذان يبنيان قوة الإقطاع الاقتصادية ونفوذه، ومن ثمّ لابد للفلاحين أيضاً من قوّة اقتصادية ونفوذ مضادّين للانتصار عليه وإطلاق طاقات الجماهير فى إنهاض المجتمع وتمتّعه بثمار عمله وبالعدل والحرية. لكل ذلك تمكن من لمّ شمل فلاحى القرية وتوحيد كلمتهم حتى أزاح الأسرة الإقطاعية من القرية. وهداه تفكيره لتثقيف الفلاحين بفكرة المزارع الواسعة التى يتعاون الفلاحون فى تجميعها من حيازاتهم الصغيرة وزراعتها معاً واقتسام محصولها بنسبة ما يمتلكه كلّ فلاح فيها ليتمكّن الفلاحون من خلق قوّة اقتصادية خاصّة بهم. وهنا أدركت أجنحة فى النظام الحاكم ممّن تتعاطف مع الإقطاع والقوى الرجعية أن صلاح حسين قد تجاوز الخطوط الحمراء التى حدّدها النظام، كما شعر الإقطاعيون أن كل استعداداتهم للعودة للريف بثورة مضادة تترافق مع غزوٍ أجنبى ستبوء بالفشل إذا ما استمرّ هذا النشاط وانتشرت عدواه فى الريف .. فكان التخلّص من صلاح حسين فى كمشيش والدسوقى أحمد فى المنيا هما الوسيلة الوحيدة لذلك. بعدها كانت حرب حزيران/يونيو -التى توقّعها صلاح حسين- عام 1967 ولقى فيها النظام الحاكم هزيمةً قاسيةً أسفرت عن تصاعد كثير من الميول والأصوات الرجعية التى كانت تعمل فى صمتٍ قبل ذلك. وبدأت مرحلة جديدة فى حصار البؤر الناشطة فى المجتمع ومنها كمشيش، فرفضت أجهزة الأمن إقامة احتفال ذكرى استشهاد صلاح حسين فى قرية كمشيش ولما احتجّ زملاؤه اعتقل النظام منهم 37 فرداً لعدة شهور، كما انتهت محاكمة المتّهمين باغتياله عام 1968 بتبرئة الأسرة الإقطاعية وإدانة اثنين من صغار المتهمين. وبعد تولي السادات مقاليد الحكم أصدر قرارا بإبعاد (21) من قادة القرية عن كمشيش وطردهم إلى محافظات بعيدة.. كما استهدف بعضهم بالإعتقال فيما بعد. وقام بإلغاء عدد من قوانين الزراعة لحصار صغار الفلاحين.. تتعلّق برفع دعم الدولة عن مستلزمات الإنتاج الزراعي، وزيادة ضرائب الأطيان ومن ثم رفع الإيجارات الزراعية، ورفع فائدة القروض الزراعية، والتفريط في زراعة القطن المصري طويل التيلة، وتنفيذ توصيات الصندوق والبنك الدوليين في المجال الزراعي والغذائي حتى أصبحت مصر تستورِد الجزء الأعظم من غذائها من الحبوب وغيرها، وازداد الحصارعلى فقراء الفلاحين وقاسوا من انخفاض العائد من زراعة الأرض. ثمّ جاء مبارك ليزيد الطين بلة.. ويصدر القانون 96 لسنة 92(...). ويرفع إيجار الأراضي. واستخدم ورثة الإقطاعيين نفس القانون لطرد الفلاحين من أراضي الإستيلاء التي تملّكوها بعد دفع كامل ثمنها للدولة (...). وقد لعبت الدولة بواسطة أجهزة الأمن وأجهزة الحكم المحلّي دوراً هاماً في إجبار الفلاحين على تسليم الأرض المستأجرة لملاّكها القدماء.. كما حدث مؤخراً في قرية مرشاق بمنطقة دكرنس شمال شرق دلتا النيل.. من هنا تجتهد لجنة التضامن مع فلاحي الإصلاح الزراعي التي أتشرّف بعضويتها والتي تأسّست في 30 سبتمبر 2005 وتضمّ عديداً من الممثلين لقرى مصرية ناشطة في الكفاح الفلاحي منها كمشيش ودكرنس وميت شهالة وسراندو وغيرها في دعم الفلاحين لمقاومة طردهم من الأراضي التي يزرعونها وتحسين شروط عملهم وتعمل على توعيتهم وتنظيمهم وخلق أواصر التضامن فيما بينهم. ومع المنظمات العالمية الثورية للفلاحين. ويهمنا أن نؤكّد في إيجاز إلى الأسباب العميقة لعملية الإرتداد عن الإصلاحات الزراعية التي تمّت اعتباراً من يوليو 1952 وللحالة التي باتت عليها المقاومة الفلاحية وهي: انعدام مشاركة الفلاحين (جمهوراً وقيادات) وتنظيمات اليسار المصري في إجراءات مصادرة الأرض من الإقطاعيين بقانون الإصلاح الزراعي، أو التحفّظ عليها بقانون الطوارئ.. وانفراد سلطة يوليو 52 بتنفيذ العملية كاملةً. تهرب الإقطاعيين من تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي وتسرّب أخباره لهم قبل صدوره، ووجود عيوب متعدّدة بالقانون مثل فترة السماح في التصرّف في الزيادة من الأرض عما حدّده القانون وتعويض الإقطاعيين واشتراط تسديد كامل الثمن لحصول الفلاحين على مستندات الملكية.. إلخ. حالة التخلّف الشديد للفلاّحين سواء على الصعيد المهني أو السياسي أو النقابي وافتقارهم لقيادات حقيقية تأخذ بيدهم وتنير لهم الطريق وتشاركهم في الكفاح. عدم تجريد الملاك العقاريين من مقومات القوة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية بشكلٍ حقيقي والإكتفاء بانتزاع جزء من أراضيهم دون سائر مصادر الثروة والقوّة. انعدام الحريات الديمقراطية ومصادرة الحياة السياسية بالدرجة التي أوقفت تطوّر وعي الفلاحين والشعب، وحرمانهم من بناء تنظيماتهم السياسية والنقابية المدافعة عن حقوقهم ووجودهم الفاعل. ارتباط النظام الحاكم في عهد السادات ومبارك بالقوى النيوليبرالية المحافظة على الصعيد العالمي وضلوعه في مخططات ربط الإقتصاد المصرى بعجلته.. ومحاصرته لكل القوى السياسية الرامية لإنجاز استقلال مصري حقيقي عن هذه القوى. عنوان المايل: basheer_sr@gawab.com sakrbash@yahoo.com عنوان مايل لجنة التضامن مع فلاحي الإصلاح الزراعي egyptianpeasantsolidarity@gawab.com موقع لجنة التضامن مع فلاحي الإصلاح الزراعي: www.tadamon.katib.org كما نشر الأستاذ بشير حديثاً دراسة مطوّلة على موقع اللجنة، تحت عنوان: "لماذا لا يقاومون طردهم من الأرض... بالشدّة اللازمة؟ الفلاحون... بين جبروت النظام الحاكم وطراوة اليسار". |