حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
من لا يشك ليس إنساناً - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79) +---- المنتدى: مواضيـع منقــولة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=25) +---- الموضوع: من لا يشك ليس إنساناً (/showthread.php?tid=8632) |
من لا يشك ليس إنساناً - Gkhawam - 10-11-2007 كامل النجار الشك هو خلاف اليقين، وهو كذلك صُديع أو كسر صغير في العظم، والعرب تقول شكّه بالرمح تعني ثبّته بالرمح. والشكشكة هي السلاح الحاد (القاموس المحيط للفيروزآبادي). فنرى من هذا التعريف أن الشك هو السلاح الحاد الذي يستعمله العقل ليصل إلى اليقين، وهو الصدع أو الكسر في حائط الإيمان، كالكسر في العظم. ولذا يقول الفلاسفة إن الشك يقود إلى الإيمان الصحيح. وكل الكائنات الأخرى الحية من حيوان ونبات وميكروبات وطيور وغيرها لا تشك ولا تؤمن وإنما تتصرف بالفطرة التي تمليها عليها جيناتها بما اكتسبته من سلسلة التطور. فإلإنسان الذي لا يشك لا ينتمي للجنس البشري وإنما لفصيلة الحيوان أو النبات. والشك لم ينشأ مع الإنسان منذ البداية لأن دماغ الإنسان البدائي كان تقريباً نصف حجم دماغنا الآن ولم يكن يتسع للشك. ولما اخترع الإنسان البدائي الأديان أصبح مطمئن البال بالتفسيرات الغيبية والسحر وما إلى ذلك ولم يتطرق الشك إليه. وعندما ازداد الدماغ حجماً وبدأ لإنسان يفكر ويتأمل واستقر في مجتمعات كبيرة وتعلم التفكير، ظهرت الأديان التي تزعم أن الآلهة تعيش في السماء، وظهرت معها الأساطير الدينية التي اخترعها الناس وصدقوها. حاولت هذه الأساطير تفسير الخير والشر فعزت الخير للآلهة الخيريين والشر للآلهة الشريرين الذين، في أغلب الميثولوجيات، تقتلهم آلهة الخير. وبنهاية آلهة الشر كان لابد للشر أن يستمر في العالم فاخترع الإنسان الشيطان ليحل محل الآلهة الشريرين. وبما أن كل الأديان منذ القدم وحتى مجيء الإسلام اعتمدت الأسطورة الميثولوجية كأساس لتفسير العلاقة بين الخير والشر، استمر الشيطان في احتلال مركزه المهم في دفع الناس إلى ارتكاب الشر. وكلمة شيطان مشتقة من اللغات السامية القديمة، من الحروف ش ط ن، وتعني "يتهم". وبظهور الديانة اليهودية وبدء بني إسرائيل تمردهم على موسى، كان لابد لموسى ورجالات دينه من إيجاد وسيلة يثبّتون بها الإيمان في قلوب بني إسرائيل، فاتخذت كلمة "شيطان" في اللغة العبرية معنى Advocate وتعني "مناصر" أو "مؤيد" أو "محامي". فكان كل من يشك في شيء قاله موسى يصبح محامي الشر والمدافع عنه ، أي يصبح شيطاناً. وجاءت المسيحية مكملة لليهودية فثبّتت مفهوم الشيطان الذي يدفع الإنسان للشك ولفعل الشر. وبمجيء الإسلام أصبح الشيطان قبيلة كاملة تنقسم إلى عدة بطون منها الجن، المسلم والكافر، ومنها إبليس وأهله. وأصبح إى تفكير في أمور الدين وحياً من الشيطان الذي يجب أن يستعيذ منه المسلم. ولكن الشك تطور مع تطور الدماغ البشري وأصبح ملازماً لكل ذي عقل. ولذلك شك الأنبياء أنفسهم في رسالاتهم. فنجد إبراهيم مثلاً شك في وقتٍ من الأوقات وطلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، فقال له ربه: ألم تؤمن؟ فقال: بلى. ولكن ليطمئن قلبي. فاطمئنان القلب يتساوى مع الإيمان. فكل من يؤمن بدين إيماناً صادقاً يتحتم عليه أن يتقبل كل شيء فيه بدون تفكير كي لا يتطرق الشك إلى قلبه، أي كي لا يوسوس له الشيطان كما يقول المسلمون. ومحمد نفسه قد عرف الشك في بداية رسالته وكاد أن يُلقي بنفسه من على قمم الجبال بعد موت ورقة بن نوفل وتوقف الوحي، حتى أتاه جبريل وطمأنه بأنه رسول الله. وخامره بعض الشك وكاد أن يذعن إلى الكفار فخاطبه ربه (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) (يونس 94). و يبدو أن شك محمد لم يزل يراوده فكرر القرآن عليه نفس الآية في آل عمران 60. ثم قال له (والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين) (الأنعام 114). وكذلك قال له (وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً) ( الإسراء 3). ولأن محمد قد عرف الشك بنفسه، فقد أتى بعدة أحاديث عن الشيطان الذي يسبب الشك. يقول ابن باز (كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين حتى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الله أعانه عليه فأسلم فلا يأمره إلا بخير) (فتاوى بن باز، ج3، ص 253). وهذا الحديث يثبت أن كل إنسان، حتى الأنبياء، يخامرهم الشك في وجود إله في السماء. ولأن الشيطان هو الذي يسبب الشك، فقد حاول النبي قتله حتى يتخلص المسلمون من شكوكهم. روى النسائي على شرط البخاري عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حتى وجدت برد لسانه على يدي ولولا دعوة سليمان لأصبح موثقا حتى يراه الناس") (نفس المصدر، ص 251). وطبعاً لم يكن بمقدور محمد قتل الشيطان لأن الشيطان هو الفكر والتأمل. ويظهر أثر فشل محمد في قتل الشيطان في استمرار الشك في عقول أصحابه، فعندما سمع أبي بن كعب رجلاً يقرأ القرآن بغير ما تعلمه هو من رسول الله، أخذ الرجل إلى محمد وقال له إن هذا الرجل يقرأ بغير ما أقرأ وزعم أنه تعلمها منك. فطلب النبي من الرجل أن يقرأ، فقرأ، فقال النبي: هكذا نزلت. ثم طلب من أبي بن كعب أن يقرأ، فقرأ، فقال: هكذا نزلت. فشك أبي بن كعب فيما قاله محمد، وقال (فوجدتُ في نفسي وسوسة الشيطان، حتى احمرّ وجهي. فعرف ذلك رسول الله (ص) في وجهي، فضرب بيده في صدري، ثم قال: اللهمّ أخْسئ الشيطانَ عنه") فمحمد قد عرف أن أي تفكير منطقي فيما أتى به قد يقود الناس إلى نكرانه، ولذلك طلب من الله أن يعيذ أبي بن كعب من الشيطان، أي من التفكير. وشك كذلك عبد الله بن أبي سرح، كاتب الوحي، وارتد عن الإسلام بسبب شكوكه. ولأن الشك دائماً في السر حتى لا يطلع عليه الآخرون، جاء القرآن بآيات مثل (يعلم السر وأخفى) (طه، 7). ولما أحتج المسلمون أن الله يعلم سرائرهم ويحاسبهم بها حتى إن لم يعملوا بما أسروا، أتاهم محمد بحديث يقول (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدّثَتْ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) (فتاوى بن باز، ج7، 54). فالذي يفكر ولكن لا يعمل بما توصل إليه ولا يتحدث به للآخرين، أي يشك ولكن لا يُظهر شكه للآخرين، قد يغفر له الله ذلك. ثم، حتى يقطع الشك بالقين، قال لهم بعد غزوة تبوك (وخَيْرُ مَا وَقَرَ فى القُلوبِ اليَقِينُ، والارْتيابُ مِنَ الكُفْرِ) (زاد المعاد لابن قيم الجوزية، ج3، ص 294). فالتفكير أصبح كفراً. وكل هذا الاحتياط لم يمنع كبار المسلمين من الشك ولكنهم لم يظهروا شكهم مباشرةً وإنما جعلوه في شكل محاورة بين الله وإبليس، إذ يقول إبليس إن الله علم قبل خلقي أي شيء يصدر عني ويحصل مني فَلِمَ خلقني أولاً؟ وما الحكمة في خلقي؟ (الملل والنحل للشهرستاني، ص 11). فإذاً إبليس، أي الشك نفسه، يتشكك في حكمة خلقه والله كان يعرف أنه سوف يُضل الناس. وأصبح الشك في المفهوم الإسلامي هو الشيطان وإبليس والوسوسة في القلوب، التي يستعيذ منها المسلم. حتى الشهوة الجنسية ساووها بالشك وجعلوها من الشيطان الذي يوسوس للرجل والمرأة (ما اختلى رجلٌ بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما). والعالم والفقية ابن العربي كان معروفاً بشكوكه الكثيرة في موضوع الدين الإسلامي، ولكنه كان يخشي أن يصرح بهذه الشكوك لأن الشك كفرٌ، فاتخذ محاورته مع إبليس وسيلة لإظهار شكوكه. يروي عبد الحي بن أحمد الدمشقي، في كتابه "شذرات الذهب ((وقال الشيخ الكبير محي الدين محمد بن عربي الحاتمي الطائي رأيت إبليس فعرفته وعرف أنى عرفته فجرى بيننا كلام ومذاكرة كان من آخره أن قلت له لِمَ لّمْ تسجد لآدم فقال غيرةَ مني عليه {يقصد الله} أن أسجد لغيره، فقلت هذا لا يكفيك بعد أن أمرك، وأيضاً فآدم قبلة والسجود له {لله} تعالى. ثم قلت له وهل تطمع بعد هذا في المغفرة فقال كيف لا أطمع وقد قال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شيء ) قال فوقفت كالمتحير ثم تذكرت ما بعدها فقلت إنها {المغفرة} مقيدة بقيود قال وما هي {القيود} قلت قوله تعالى بعدها (فسأكتبها للذين يتقون ) الآية، قال فضحك وقال والله ما ظننت أن الجهل يبلغ بك هذا المبلغ أما علمت أن القيد بالنسبة إليك لا بالنسبة إليه؟ قال فو الله لقد أفحمني وعلمت أنه طامع في مطمع)) (ج2، ص 185). فابن العربي، رغم شكوكه، يطمع في مغفرة الله، لأن عقله لم يصل مرحلة اليقين بعدم وجوده. ولأن الخوارج كانوا بالعراق وقد كادوا أن يفتنوا الناس عن إسلامهم بزراعة الشك في عقولهم بمنطقهم القوي، أتى أهل الحديث بحديث عن النبي يقول (إذا كان سنة خمس وثلاثين ومائة خرج مردة الشياطين كان حبسهم سليمان بن داود عليهما السلام في جزائر البحور فذهب منهم تسعة أعشار إلى العراق يجادلونهم وعشر بالشام) (تاريخ دمشق لابن عساكر، ج1، ص 159). وعلماء العراق كانوا معروفين باختلافهم عن علماء المدينة، ولذلك جعلهم أهل الحديث من أتباع الشياطين الذين استقروا في العراق. وأوردوا حديثاً آخر عن النبي يمنع التفكير في الاحتمالات العديدة للموضوع باستعمال الحرف "لو" لأن استعمال "لو" يتيح للشخص تقليب كل الاحتمالات قبل أن يتخذ قراراً، وحتى بعد أن أتخذ القرار وبدأ يفكر في الاحتمالات الأخرى، فقالوا (ومِن ذلك نهيه صلى اللَّه عليه وسلم عن قول القائل بعد فواتِ الأمر: ((لَو أنِّى فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا)) وقال: ((إنَّ ((لو)) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)) (زاد المعاد لابن قيم الجوزية، ج2، ص 202). و"لو" هي بداية الشك وقد عرف عدد غير قليل من خاصة المسلمين أن الشيطان ما هو إلا التفكير ولذلك حاولوا منع العامة منه، ويُروى أن عمير بن الحصين النجراني، وقد كان زعيم نجران عندما كانوا نصارى، قال لهم حينما ارتدوا بعد موت النبي (إنكم لأن تزدادوا من هذا الأمر أحوج إلى أن تُنقصوه، فإنّ في الافتكار الشك بعد اليقين، فدينكم اليوم دينكم، فكونوا عليه حتى تخرجوا به إلى رضا الله تعالى ونوره) (الإصابة في تعريف الصحابة لابن حجر العسقلاني، ج5، حرف العين). فهذا الرجل الحصيف عرف أن التفكير يقود إلى الشك، والشك يزعزع قواعد الإيمان، فنهاهم عنه. وكذلك يقول القنوجي في أبجد العلوم، ج1: (إنّ تدوين المذاهب المختلفة بأدلتها واعتراضاتها أورث الناس داءً عضالاً من الحيرة والشك في القديم، ورفع الأمان عن الجديد، فالعامة بين متعصبٍ للتقليد لا يميز القريب من البعيد، ومذبذبٍ حائرٍ في الحق السديد). فالتدوين قد أتاح الفرصة حتى للعامة للاطلاع على ما خفي عليهم من أمور الدين، فأورثهم داء الشك، ذلك الداء العضال الذي يصعب علاجه بمجرد دخوله عقل المؤمن. وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي (ت. 239 هجرية): (يسيرُ اليقين {أي بسيطه} يُخرجُ الشكَ من قلبك، ويسيرُ الشك يخرج اليقين كله منه) (البداية والنهاية لابن كثير، ج10، ص 351). وهذه المقولة تلخص حال المؤمنين بأي دين. فالإيمان الموروث عن الوالدين منذ الطفولة، إيمان لا يسنده عقلٌ ولا منطق، ولذلك قليل من التفكير يدخل عليه قليلاً من الشك الذي يخرجه كله من القلب. أما إذا أتى الإيمان بعد البلوغ ونتج عن اعتناق الدين بعد تفكير وتمحيص ودراسة لكل المعتقدات الأخرى ثم اختيار ما يراه الشخص مقنعاً عقلياً، وقتها لا يؤثر الشك "الشيطان" في ذلك الإيمان. ولهذا السبب قال الله، كما جاء في القرآن، للشيطان عندما طرده من الجنة وقد هدد الشيطان بضلال كل الناس، قال له (إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان). وعباده المقصودون هم الذين ورثوا الإيمان أباً عن جد دون أي تفكير أو تمحيص، فمثل هؤلاء العباد لا يزعجهم الشيطان إطلاقاً لأنهم لا يفكرون. فالشيطان الذي جعله المسلمون يأكل العظام ويعيش في البالوعات القذرة ويأمر المسلمين بكل الشرور والمعاصي، هو الفكر والعقل. فإذا كان بعض الناس يعتقد أن الشيطان لا يعيش إلا في المجاري والبالوعات، فهم يصفون الأماكن التي يصل إليها تفكيرهم. |