نادي الفكر العربي
الله ليس إلهاً: د. نبيل فياض - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79)
+---- المنتدى: مواضيـع منقــولة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=25)
+---- الموضوع: الله ليس إلهاً: د. نبيل فياض (/showthread.php?tid=8855)



الله ليس إلهاً: د. نبيل فياض - Gkhawam - 09-28-2007


الدين أسوأ طبقات المعارف لأنه مغلق!!




من نافل القول إن الكائن الحي، مطلق كائن حي، يبحث دائماً عن السعادة. الحيوان يبحث عنها وفق حدود معلوماتنا عبر نافذة الغريزة؛ في حين أن الإنسان، الحيوان الناطق وبالتالي الأعقد تفكيراً، يبحث عن السعادة عبر نافذتي العقل والغريزة. تتفاوت النسب المئويّة لدوري العقل والغريزة عند الكائن الحي البشري وفقاً لمعطيّات موضوعيّة-ذاتيّة كثيرة. مع ذلك، فكلما تعقّدت المعارف وتكسّرت الحدود أمام التفكير، ازداد دور المتعة العقليّة على حساب متعة الغريزة في حياة الكائن البشري.

حتى الآن لا نعرف، في التاريخ البشري، من كان الأسبق: اللغة أم التفكير؟ اللغة هي الحامل للتفكير؛ ودون لغة ما كان هنالك تراكم معرفي وبالتالي تناقل للثقافات والعلوم ونشوء الحضارات. بل يبدو واضحاً أن نشوء التفكير-اللغة سبق كثيراً مرحلة التدوين؛ بمعنى أن الكتابة، أي حامل اللغة، جاءت في مرحلة متأخرة على نشوء اللغة-التفكير. هنا يبرز السؤال المتعلّق مباشرة بمقالتنا هذه: ما هي الظروف الموضوعيّة التي أدّت إلى نشوء فكرة الإله؟

بسبب الانغلاق المعرفي والانسجان الذاتي عند الناطقين باللغة العربيّة عموماً، هنالك نفور " غريزي " مطلق من مناقشة أفكار ذات طابع تقديسي، وعلى رأس ذلك، المفهوم " إله ". وقد لاحظنا بالفعل أن الشعوب ذات الأصل " السامي " - المفهوم سامي ميثولوجي بالمطلق، لا علاقة له بالواقع، نستخدمه مجازاً - تبدّي دائماً الفكرة على الإنسان؛ ونعتقد أن دور العنصر البيئي-الاجتماعي واضح بالكامل في ذلك. العائلة باستمرار أهم من الأفراد. القبيلة أهم من العوائل. الأنا المطلق أهم من الأنا الفرديّة. من هنا، كان ثمة عبادة قديمة في المنطقة تقتضي التضحيّة بالإنسان من أجل إرضاء رغبات فكرة الإله الدمويّ. ولا تزال هذه العبادة موجودة حتى اليوم في الشرق، وإن بصور مختلفة - رغم استهجان الشرقيين عادة لفكرة قتل الإنسان من أجل فكرة تهدئة جنون الإله.

لكن هل فكرة الإله ثابتة أم متحوّلة؟ وإذا كان الإله بنظر المؤمنين به مطلقاً، فهل أن مفهومه مطلق أيضاَ؟ بغض النظر عن حقيقة تردد البشريّة بين غالبيّة تؤمن بوجود إله وأقليّة تؤمن بعدمه، أن الإله حقيقة أم وهم حقيقة، الإله فكرة براهينها ظنيّة، لكنه ليس حقيقة ملموسة أدلتها محسوسة. وككل فكرة ظنيّة البراهين، تتبدل حدود الفكرة وأشكالها وفهمها وفق الزمان والمكان. الإله هو ذاته، أي تلك الأنا العليا التي تتولى إدارة العالم وفرض نوع من الشرائع أو المنظومات الأخلاقيّة لتنظيم المجتمع وتقليم غرائزه. الإله كنتاج للعقل يفترض أن يكون في غير صف الغريزة. لكن الإله يُحمّل ما يريده شعبه تحميله إياه من صفات. بمعنى آخر، الإله يحمّل المنظومة الأخلاقيّة وأحياناً الجماليّة التي يؤمن بها الشعب صاحب هذا الإله. وإذا ما التمسنا تفسيراً نفسيّاً للقصّة، يمكن القول إن الشعب يحمي منظومته الأخلاقيّة-الجماليّة عن طريق ربطها بإله، يبدأ قوميّاً - مثل يهوه - وينتهي كونيّاً، خاصة في الأديان التبشيريّة. يبدو أن غموض الألوهة يمتلك على الدوام نوعاً من الجاذبيّة الخاصّة بالنسبة للبشر. من هنا، يمكن تفسير سبب انهيار دين أرضي هام، كالشيوعيّة، في ما تزال الأديان " السماويّة " تمتلك من البريق الكثير.

الإله اليهودي، يهوه، في شكله البدئي غير المطوّر، كائن يعكس بقوّة الإطار المجتمعي الذي خرج منه - يهوه البدوي المتنقّل، لا يمكن أن يكون غير إله قبلي، متعطّش للدماء، يكره أعداءه حتى الموت، يرفض - كبدوي - القربان الزراعي: يحقد على المدنيّة، ويحتضن بحب قربان البدوي؛ مع أنه يعترف، عبر ميثة قابيل وهابيل، أن الحضارة لا بدّ أن تنتصر على البداوة، وإن اعتبرت الأولى من منظور يهوه ذاته كافرة. الإله الإسلامي، الله، الذي خرج من بيئة مماثلة، يحمل الصفات ذاتها تقريباً التي ليهوه: بعكس الإله الزراعي-المدني، بوذا، على سبيل المثال. بل وصل التماثل بين مسوّق الله، محمد، والله، إلى درجة أن الإله صار الوسيلة الأسهل لتلبية بضع رغبات للنبي وجماعته. وفي أمثلة شهيرة نجد الإله، في حركة لا معقولة، يلبي رغبات نبيّه في مناسبات مثل إباحة التيمم وتحريم التبني وما إلى ذلك. بل ثمة ما يسمّى إسلاميّاً " بموافقات عمر " بن الخطّاب، يتحوّل فيها الإله إلى مردد لرغبات وأقاويل أحد أبرز صحابة محمد.

حين خرج الله الصحراوي البدوي من بيئته الأصليّة إلى الدول الحضريّة المحيطة، لم يستطع سكان تلك الدول، الذين كانت لديهم آلهتهم الحضريّة ودياناتهم الحضريّة الخاصّة، ذات العمق الضارب جذوره في الأرض، هضمه. من هنا، كان لا بد من تدوير زوايا الإله البدويّة الحادّة. وما الديانات التي أسموها بالباطنيّة، والتي تعمّقت أكثر ما يمكن في سوريّا الكبرى، غير محاولة انتاج لإله جديد وإسلام جديد، ليسا بدويين بالكامل.

اليوم، وبعد التطوّر الكبير في مسائل إنسانيّة هامة مثل " الآخر " وحقوق الإنسان العامة والخاصّة، والانفتاح الأخلاقي غير المحدود في مسألة الجنسانيّة sexuality، صار لا بدّ من تغيير جذري في الشكل التقليدي للإله القبلي الدموي، الذي يقف في علاقة جدليّة مع عابديه، أدّت بالبشريّة في الآونة الأخيرة إلى كوارث لا نهاية لها. الإله، كما ننظر إلى المفهوم، لا بدّ أن يكون أكمل الكمال ضمن ما ابتدعته البشريّة من مفاهيم. بل إن تعلّقنا لفترة لا بأس بها بلاهوت الصيرورة process theology كان مردّه إيمان هذا اللاهوت بأن فكرة الإله في طور تكامل مستمر، تتناغم جدليّاً مع صيرورة الكمال البشريّة.

هل يعقل، في هذا الزمن، أن نقبل بإله يرفض من لا يؤمن بمفهوم التابعين له للفكرة إله؟ بل هل يعقل أن نؤمن بإله دموي يخلق غالبيّة الناس كي تقتلهم قلّة " اختارها " دون سبب، إلا لأنهم يمتلكون فهماً آخر له أو لا يؤمنون به على الإطلاق؟ هل يعقل أن نؤمن بإله مهووس جنسيّاً، لا هم له غير متابعة شعر هذه وركبة تلك وسرّة ذاك؟ هل يعقل الإيمان بإله يخلق أناساً كي يستعبدهم غيرهم، بل يميّز بين حرّاته وإمائه في اللباس والزواج والإرث وما شابه؟ هل يعقل أن نؤمن بإله يعامل المرأة كمتعة بلا عقل، ككيان بشري غير قابل للكمال؛ الأمر الذي يعاند الطبيعة والواقع؟

وجود الإله أفضل من عدمه - خاصة في منطقتنا التي لا تفسير لاستمراريتها في العيش حتى اليوم إلا وجود الإله: لكن مفهوم الإله كما مارس سلطانه علينا - بصورة أدق: سلطان المستغلين لوهم سلطانه - منذ خمسة عشر قرناً، لم يعد قابلاً للعيش. وحين نطلب تغيير مفهوم الإله عندنا لأنه ليس إنسانيّاً بما يكفي، لأنه شوهنا أكثر مما ينبغي بسبب علاقتنا الجدليّة به بمن في ذلك غير المؤمنين به، فهذا لا يعني تغيير الإله ككينونة: الإله، في نظر المؤمنين به، غير قابل للتغيير، وإن تغيّرت النظرة له.