حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
حقيقة موضع رأس الحسين وقبره ؟ - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: الحوار الديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=58) +--- الموضوع: حقيقة موضع رأس الحسين وقبره ؟ (/showthread.php?tid=918) |
حقيقة موضع رأس الحسين وقبره ؟ - ابن نجد - 02-26-2009 حقيقة موضع رأس الحسين وقبره ؟
تعددت المزارات التي تدعي وجود رأس أو جسد الحسين رضي الله عنه ولمعرفة جانب من الحقيقة في هذا الباب نورد كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الموضوع نقلا ً عن مجموع الفتاوى ( ج27 ص 446) مع الاقتصار على الجانب التاريخي في الموضوع . الراصد سئل ابن تيمية : هل المشاهد المسماة باسم علي بن أبي طالب وولده الحسين –رضي الله عنهما- صحيحة أم لا ؟ وتثبت قبر علي؟ فأجاب: أما هذه المشاهد المشهورة, فمنها ما هو كذب قطعاً, مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلى ((أبي بن كعب)), والمشهد الذي بظاهرها المضاف إلى ((أويس القرني)), والمشهد الذي بمصر المضاف إلى ((الحسين)) –رضي الله عنه- إلى غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر وسائر الأمصار, حتى قال طائفة من العلماء؛ منهم عبد العزيز الكناني: كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء لا يصح شيء منها إلا قبر النبي r, وقد أثبت غيره –أيضاً- قبر الخليل عليه السلام. وأما ((مشهد علي)), فعامة العلماء على أنه ليس قبره, بل قد قيل: إنه قبر المغيرة بن شعبة, وذلك أنه إنما أظهر بعد نحو ثلاثمائة سنة من موت علي في إمارة بني بويه, وذكروا أن أصل ذلك حكاية بلغتهم عن الرشيد أنه أتى إلى ذلك المكان وجعل يعتذر إلى من فيه مما جرى بينه وبين ذرية علي, وبمثل هذه الحكاية لا يقوم شيء. فالرشيد –أيضاً- لا علم له بذلك. ولعل هذه الحكاية إن صحت عنه فقد قيل له ذلك كما قيل لغيره, وجمهور أهل المعرفة يقولون: إن علياً إنما دفن في قصر الإمارة بالكوفة أو قريباً منه. وهكذا هو السنة؛ فإن حمل ميت من الكوفة إلى مكان بعيد ليس فيه فضيلة, أمر غير مشروع, فلا يُظن بآل علي –رضي الله عنه- أنهم فعلوا به ذلك, ولا يُظن –أيضاً- أن ذلك خفي على أهل بيته وللمسلمين ثلاثمائة سنة, حتى أظهره قوم من الأعاجم الجهال ذوي الأهواء. وكذلك ((قبر معاوية)) الذي بظاهر دمشق, قد قيل: إنه ليس قبر معاوية, وأن قبره بحائط مسجد دمشق الذي يقال: إنه ((قبر هود)). وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مختلق, لا يكاد يوقف منه على العلم إلا في قليل منها بعد بحث شديد. وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام, ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه, حيث قال: )إنا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون( [الحجر:9] . وسئل شيخ الإسلام –قدس الله روحه- عن المشهد المنسوب إلى الحسين –رضي الله عنه- بمدينة القاهرة: هل هو صحيح أم لا؟ وهل حمل رأس الحسين إلى دمشق, ثم إلى مصر, أم حمل إلى المدينة من جهة العراق؟ وهل لما يذكره بعض الناس من جهة المشهد الذي كان بعسقلان صحة أم لا؟ ومن ذكر أمر رأس الحسين, ونقله إلى المدينة النبوية دون الشام ومصر؟ ومن جزم من العلماء المتقدمين والمتأخرين بأن مشهد عسقلان ومشهد القاهرة مكذوب, وليس بصحيح؟ وليبسطوا القول في ذلك لأجل مسيس الضرورة والحاجة إليه, مثابين مأجورين إن شاء الله تعالى. فأجاب: الحمد لله, بل المشهد منسوب إلى الحسين بن علي –رضي الله عنهما- الذي بالقاهرة كذب مختلق, بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم, الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك لعلمهم وصدقهم. ولا يعرف عن عالم مسمى معروف بعلم وصدق أنه قال: إن هذا المشهد صحيح. وإنما يذكره بعض الناس قولاً عمن لا يعرف, على عادة من يحكي مقالات الرافضة وأمثالهم من أهل الكذب. فإنهم ينقلون أحاديث وحكايات, ويذكرون مذاهب ومقالات. وإذا طالبتهم بمن قال ذلك ونقله, لم يكن لهم عصمة يرجعون إليها. ولم يسموا أحداً معروفاً بالصدق في نقله, ولا بالعلم في قوله, بل غاية ما يعتمدون عليه أن يقولوا: أجمعت الطائفة الحقة. وهم عند أنفسهم الطائفة الحقة, الذين هم عند أنفسهم المؤمنين, وسائر الأمة سواهم كفار. ... وهكذا كل ما ينقلونه من هذا الباب. ينقلون سيراً أو حكاياتٍ وأحاديثَ, إذا ما طالبتهم بإسنادها لم يحيلوك على رجل معروف بالصدق, بل حسب أحدهم أن يكون سمع ذلك من آخر مثله, أو قرأه في كتاب ليس فيه إسناد معروف, وإن سموا أحداً, كان من المشهورين بالكذب والبهتان. لا يتصور قط أن ينقلوا شيئاً مما لا يعرف عند علماء السنة إلا وهو عن مجهول لا يعرف, أو عن معروف بالكذب. ومن هذا الباب نقل الناقل: أن هذا القبر الذي بالقاهرة –مشهد الحسين رضي الله عنه- بل وكذلك مشاهد غير هذا مضافة إلى قبر الحسين –رضي الله عنه- فإنه معلوم باتفاق الناس: أن هذا المشهد بُني عام بضع وأربعين وخمسمائة, وأنه نقل من مشهد بعسقلان, وأن ذلك المشهد بعسقلان كان قد أحدث بعد التسعين والأربعمائة. فأصل هذا المشهد القاهري: هو ذلك المشهد العسقلاني. وذلك العسقلاني محدث بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة وثلاثين سنة, وهذا القاهري محدث بعد مقتله بقريب من خمسمائة سنة. وهذا مما لم يتنازع فيه اثنان ممن تكلم في هذا الباب من أهل العلم, على اختلاف أصنافهم, كأهل الحديث, ومصنفي أخبار القاهرة, ومصنفي التواريخ. وما نقله أهل العلم طبقة عن طبقة. فمثل هذا مستفيض عندهم. وهذا بينهم مشهور متواتر, سواء قيل: إن إضافته إلى الحسين صدق أو كذب, لم يتنازعوا أنه نقل من عسقلان في أواخر الدولة العبيدية. وإذا كان أصل هذا المشهد القاهري منقول عن ذلك المشهد العسقلاني باتفاق الناس وبالنقل المتواتر؛ فمن المعلوم أن قول القائل: إن ذلك الذي بعسقلان هو مبني على رأس الحسين –رضي الله عنه- قول بلا حجة أصلاً. فإن هذا لم ينقله أحد من أهل العلم الذين من شأنهم نقل هذا. لا من أهل الحديث, ولا من علماء الأخبار والتواريخ, ولا من العلماء المصنفين في النسب؛ نسب قريش, أو نسب بني هاشم ونحوه. وذلك المشهد العسقلاني, أحدث في آخر المائة الخامسة, لم يكن قديماً, ولا كان هناك مكان قبله أو نحوه مضاف إلى الحسين, ولا حجر منقوش ولا نحوه مما يقال: إنه علامة على ذلك. فتبين بذلك أن إضافة مثل هذا إلى الحسين قول بلا علم أصلاً. وليس من قائل ذلك ما يصلح أن يكون معتمداً, لا نقل صحيح ولا ضعيف, بل لا فرق بين ذلك وبين أن يجيء الرجل إلى بعض القبور التي بأحد أمصار المسلمين, فيدعي أن في واحد منها رأس الحسين, أو يدعي أن هذا قبر نبي من الأنبياء, أو نحو ذلك مما يدعيه كثير من أهل الكذب والضلال. ومن المعلوم أن مثل هذا القول غير منقول باتفاق المسلمين. وغالب ما يستند إليه الواحد من هؤلاء: أن يدعي أنه رأى مناماً, أو أنه وجد بذلك القبر علامة تدل على صلاح ساكنه؛ إما رائحة طيبة, وإما توهم خرق عادة ونحو ذلك, وإما حكاية عن بعض الناس: أنه كان يعظم ذلك القبر. فأما المنامات فكثير منها, بل أكثرها كذب, وقد عرفنا في زماننا بمصر والشام والعراق من يدعي أنه رأى منامات تتعلق ببعض البقاع أنه قبر نبي, أو أن فيه أثر نبي ونحو ذلك. ويكون كاذباً. وهذا الشيء منتشر. فرائي المنام غالباً ما يكون كاذباً, وبتقدير صدقه, فقد يكون الذي أخبره بذلك شيطان . والرؤيا المحضة التي لا دليل يدل على صحتها لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق. فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله, ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه, ورؤيا من الشيطان))([1]) . فإذا كان جنس الرؤيا تحته أنواع ثلاثة. فلا بد من تمييز كل نوع منها عن نوع. ومن الناس –حتى من الشيوخ الذي لهم ظاهر علم وزهد- من يجعل مستنده في مثل ذلك حكاية يحكيها عن مجهول, حتى إن منهم من يقول: حدثني أخي الخضر أن قبر الخضر بمكان كذا. ومن المعلوم الذي بيناه في غير هذا الموضع أن كل من ادعى أنه رأى الخضر, أو سمع شخصاً رأى الخضر أو ظن الرائي أنه الخضر: أن كل ذلك لا يجوز إلا على الجهلة المخرفين, الذين لا حظ لهم من علم ولا عقل ولا دين, بل هم من الذين لا يفقهون ولا يعقلون. وأما ما يذكر من وجود رائحة طيبة, أو خرق عادة أو نحو ذلك مما يتعلق بالقبر, فهذا لا يدل على تعينه. وأنه فلان أو فلان, بل غاية ما يدل عليه –إذا ثبت- أنه دليل على صلاح المقبور, وأنه قبر رجل صالح أو نبي. وقد تكون تلك الرائحة مما صنعه بعض السوقة. فإن هذا مما يفعله طائفة من هؤلاء, كما حدثني بعض أصحابنا أنه ظهر بشاطئ الفرات رجلان, وكان أحدهما قد اتخذ قبراً تجبى إليه أموال ممن يزوره وينذر له من الضلال, فعمد الآخر إلى قبر, وزعم أنه رأى في المنام أنه قبر عبد الرحمن بن عوف, وجعل فيه من أنواع الطيب ما ظهرت له رائحة عظيمة. وقد حدثني جيران القبر الذي بجبل لبنان بالبقاع, الذي يقال: إنه قبر نوح, وكان قد ظهر قريباً في أثناء المائة السابعة, وأصله: أنهم شموا من قبر رائحة طيبة ووجدوا عظاماً كبيرة, فقالوا: هذه تدل على كبير خلق البنية. فقالوا –بطريق الظن- هذا قبر نوح. وكان بالبقعة موتى كثيرون من جنس هؤلاء. وكذلك هذا المشهد العسقلاني, قد ذكر طائفة أنه قبر بعض الحواريين أو غيرهم من أتباع عيسى بن مريم. وقد يوجد عند قبور الوثنيين من جنس ما يوجد عند قبور المؤمنين, بل إن زعم الزاعم أنه قبر الحسين ظن وتخرص. وكان من الشيوخ المشهورين بالعلم والدين بالقاهرة من ذكروا عنه أنه قال: هو قبر نصراني. وكذلك بدمشق بالجانب الشرقي مشهد يقال: إنه قبر أبي بن كعب. وقد اتفق أهل العلم على أن أبيا لم يقدم دمشق. وإنما مات بالمدينة. فكان بعض الناس يقول: إنه قبر نصراني. وهذا غير مستبعد. فإن اليهود والنصارى هم السابقون في تعظيم القبور والمشاهد؛ ولهذا قال r في الحديث المتفق عليه: ((لعن الله اليهود والنصارى, اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما فعلوا. والنصارى أشد غلواً في ذلك من اليهود, كما في الصحيحين عن عائشة: أن النبي r ذكرت له أم حبيبة وأم سلمة –رضي الله عنهما- كنيسة بأرض الحبشة, وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها. فقال: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح, فمات, بنوا على قبره مسجداً, وصوروا فيه تلك التصاوير, أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)) . والنصارى كثيراً ما يعظمون آثار القديسين منهم. فلا يستبعد أنهم ألقوا إلى بعض جهال المسلمين أن هذا قبر بعض من يعظمه المسلمون ليوافقهم على تعظيمه. كيف لا وهم قد أضلوا كثيراً من جهال المسلمين, حتى صاروا يعمّدون أولادهم, ويزعمون أن ذلك يوجب طول العمر للولد, وحتى جعلوهم يزورون ما يعظمونه من الكنائس والبيع, وصار كثير من جهال المسلمين ينذرون للمواضع التي يعظمها النصارى, كما قد صار كثير من جهالهم يزورون كنائس النصارى ويلتمسون البركة من قسيسيهم ورهبانهم ونحوهم؟! ...... وإذا كان ذلك المشهد العسقلاني قد قال طائفة: إنه قبر بعض النصارى, أو بعض الحواريين –وليس معنا ما يدل على أنه قبر مسلم, فضلاً عن أن يكون قبراً لرأس الحسين- كان قول من قال: إنه قبر مسلم –الحسين أو غيره- قولاً زوراً وكذباً مردوداً على قائله. فهذا كاف في المنع من أن يقال: هذا مشهد الحسين. فصل ثم نقول: بل نحن نعلم ونجزم بأنه ليس فيه رأس الحسين, ولا كان ذلك المشهد العسقلاني مشهداً للحسين, من وجوه متعددة: منها: أنه لو كان رأس الحسين هناك لم يتأخر كشفه وإظهاره إلى ما بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة سنة. ودولة بني أمية انقرضت قبل ظهور ذلك بأكثر من ثلاثمائة وبضع وخمسين سنة. وقد جاءت خلافة بني العباس. وظهر في أثنائها من المشاهد بالعراق وغير العراق ما كان كثير منها كذباً. وكانوا عند مقتل الحسين بكربلاء قد بنوا هناك مشهداً. وكان ينتابه أمراء عظماء, حتى أنكر ذلك عليهم الأئمة. وحتى إن المتوكل لما تقدموا له بأشياء يقال: إنه بالغ في إنكار ذلك وزاد على الواجب. دع خلافة بني العباس في أوائلها, وفي حال استقامتها, فإنهم حينئذ لم يكونوا يعظمون المشاهد, سواء منها ما كان صدقاً أو كذباً, كما حدث فيما بعد؛ لأن الإسلام كان حينئذ ما يزال في قوته وعنفوانه. ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام, لا في الحجاز, ولا اليمن, ولا الشام, ولا العراق, ولا مصر, ولا خراسان, ولا المغرب, ولم يكن قد أحدث مشهد, لا على قبر نبي, ولا صاحب, ولا أحد من أهل البيت, ولا صالح أصلاً, بل عامة هذه المشاهد محدثة بعد ذلك. وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس, وتفرقت الأمة, وكثر فيهم الزنادقة الملبسون على المسلمين, وفشت فيهم كلمة أهل البدع, وذلك في دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة, فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية بأرض المغرب. ثم جاؤوا بعد ذلك إلى أرض مصر. ويقال: إنه حدث قريباً من ذلك المكوس في الإسلام. وقريباً من ذلك ظهر بنو بويه. وكان في كثير منهم زندقة وبدع قوية. وفي دولتهم قوي بنو عبيد القداح بأرض مصر, وفي دولتهم أظهر المشهد المنسوب إلى علي –رضي الله عنه- بناحية النجف, وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول: إن قبر علي هناك, وإنما دفن علي –رضي الله عنه- بقصر الإمارة بالكوفة, وإنما ذكروا أن بعضهم حكى عن الرشيد: أنه جاء إلى بقعة هناك, وجعل يتعذر إلى المدفون فيها, فقالوا: إنه علي, وأنه اعتذر إليه مما فعل بولده فقالوا: هذا قبر علي, وقد قال قوم: إنه قبر المغيرة بن شعبة, والكلام عليه مبسوط في غير هذا الموضع. فإن كان بنو بويه وبنو عبيد –مع ما كان في الطائفتين من الغلو في التشيع, حتى إنهم كانوا يظهرون في دولتهم ببغداد يوم عاشوراء من شعار الرافضة ما لم يظهر مثله, مثل تعليق المسوح على الأبواب, وإخراج النوائح بالأسواق, وكان الأمر يفضي في كثير من الأوقات إلى قتال تعجز الملوك عن دفعه. وبسبب ذلك خرج الخرقي –صاحب المختصر في الفقه- من بغداد, لما ظهر بها سب السلف. وبلغ من أمر القرامطة الذين كانوا بالمشرق في تلك الأوقات أنهم أخذوا الحجر الأسود, وبقي معهم مدة, وأنهم قتلوا الحُجّاج وألقوهم ببئر زمزم. فإذا كان مع كل هذا لم يظهر حتى مشهد للحسين بعسقلان, مع العلم بأنه لو كان رأسه بعسقلان لكان المتقدمون من هؤلاء أعلم بذلك من المتأخرين, فإذا كان مع توفر الهمم والدواعي والتمكن والقدرة لم يظهر ذلك, علم أنه باطل مكذوب, مثل ما يدعي أنه شريف علوي. وقد علم أنه لم يدع هذا أحد من أجداده, مع حرصهم على ذلك لو كان صحيحاً, فإنه بهذا يعلم كذب هذا المدعي, وبمثل ذلك علمنا كذب من يدعي النص على خلافة علي, أو غير ذلك مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ولم ينقل. الوجه الثاني: أن الذين جمعوا أخبار الحسين ومقتله –مثل أبي بكر بن أبي الدنيا, وأبي القاسم البغوي وغيرهما- لم يذكر أحد منهم أن الرأس حمل إلى عسقلان ولا إلى القاهرة. وقد ذكر نحو ذلك أبو الخطاب بن دحية في كتابه الملقب بـ ((العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور)), ذكر أن الذين صنفوا في مقتل الحسين أجمعوا أن الرأس لم يغترب, وذكر هذا بعد أن ذكر أن المشهد الذي بالقاهرة كذب مختلق, وأنه لا أصل له, وبسط القول في ذلك, كما ذكر في يوم عاشوراء ما يتعلق بذلك. الوجه الثالث: أن الذي ذكره من يعتمد عليه من العلماء والمؤرخين: أن الرأس حمل إلى المدينة, ودفن عند أخيه الحسن. ومن المعلوم: أن الزبير بن بكار, صاحب كتاب ((الأنساب)) ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وصاحب الطبقات, ونحوهما من المعروفين بالعلم والثقة والاطلاع, أعلم بهذا الباب, وأصدق فيما ينقلونه من الجاهلين والكذابين, ومن بعض أهل التواريخ الذين لا يوثق بعلمهم ولا صدقهم, بل قد يكون الرجل صادقاً, ولكن لا خبرة له بالأسانيد حتى يميز بين المقبول والمردود, أو يكون سيء الحفظ أو متهماً بالكذب أو بالتزيد في الرواية, كحال كثير من الإخباريين والمؤرخين, لا سيما إذا كان مثل أبي مخنف لوط بن يحيى وأمثاله. ومعلوم أن الواقدي نفسه خير عند الناس من مثل هشام بن الكلبي, وأبيه محمد بن السائب وأمثالهما, وقد علم كلام الناس في الواقدي, فإن ما يذكره هو وأمثاله إنما يُعتضد به, ويُستأنس به, وأما الاعتماد عليه بمجرده في العلم فهذا لا يصلح. فإذا كان المعتمد عليهم يذكرون أن رأس الحسين دفن بالمدينة, وقد ذكر غيرهم أنه إما أن يكون قد عاد إلى البدن, فدفن معه بكربلاء, وإما أنه دفن بحلب, أو بدمشق أو نحو ذلك من الأقوال التي لا أصل لها, ولم يذكر أحد ممن يعتمد عليه أنه بعسقلان –علم أن ذلك باطل, إذ يمتنع أن يكون أهل العلم والصدق على الباطل, وأهل الجهل والكذب على الحق في الأمور النقلية, التي إنما تؤخذ عن أهل العلم والصدق, لا عن أهل الجهل والكذب. الوجه الرابع: أن الذي ثبت في صحيح البخاري: أن الرأس حمل إلى قدام عبيد الله بن زياد, وجعل ينكت بالقضيب على ثناياه بحضرة أنس بن مالك, وفي المسند: أن ذلك كان بحضرة يزيد بن معاوية. وهذا باطل. فإن أبا برزة, وأنس بن مالك كانا بالعراق, لم يكونا بالشام, ويزيد بن معاوية كان بالشام, لم يكن بالعراق حين مقتل الحسين, فمن نقل له نكت بالقضيب ثناياه بحضرة أنس وأبي برزة قدام يزيد فهو كاذب قطعاً, كذباً معلوماً بالنقل المتواتر. ومعلوم بالنقل المتواتر: أن عبيد الله بن زياد كان هو أمير العراق حين مقتل الحسين, وقد ثبت بالنقل الصحيح: أنه هو الذي أرسل عمر بن سعد بن أبي وقاص مقدماً على الطائفة التي قاتلت الحسين, وكان عمر قد امتنع من ذلك, فأرغبه ابن زياد وأرهبه حتى فعل ما فعل. ... والمقصود هنا أن نقل رأس الحسين إلى الشام لا أصل له زمن يزيد. فكيف بنقله بعد زمن يزيد؟ وإنما الثابت هو نقله من كربلاء إلى أمير العراق عبيد الله بن زياد بالكوفة. والذي ذكر العلماء: أنه دفن بالمدينة. ... الوجه الرابع: أنه لو قدر أنه حمل إلى يزيد, فأي غرض كان لهم في دفنه بعسقلان, وكانت إذ ذاك ثغرة يقيم به المرابطون؟ فإن كان قصدهم تعفية خبره فمثل عسقلان تظهره لكثرة من ينتابها للرباط. وإن كان قصدهم بركة البقعة فكيف يقصد هذا من يقال: إنه عدو له, مستحل لدمه, ساع في قتله؟ ثم من المعلوم: أن دفنه قريباً عند أمه وأخيه بالبقيع أفضل له. الوجه الخامس: أن دفنه بالبقيع هو الذي تشهد له عادة القوم. فإنهم كانوا في الفتن, إذا قتلوا الرجل –لم يكن منهم- سلموا رأسه وبدنه إلى أهله, كما فعل الحجاج بابن الزبير لما قتله وصلبه, ثم سلمه إلى أمه. وقد علم أن سعي الحجاج في قتل ابن الزبير, وأن ما كان بينه وبينه من الحروب أعظم بكثير مما كان بين الحسين وبين خصومه. فإن ابن الزبير ادعى الخلافة بعد مقتل الحسين, وبايعه أكثر الناس, وحاربه يزيد حتى مات وجيشه محاربون له بعد وقعة الحرة. ثم لما تولى عبد الملك غلبه على العراق مع الشام, ثم بعث إليه الحجاج بن يوسف, فحاصره الحصار المعروف, حتى قتل, ثم صلبه, ثم سلمه إلى أمه. وقد دفن بدن الحسين بمكان مصرعه بكربلاء, ولم ينبش, ولم يمثل به. فلم يكونوا يمتنعون من تسليم رأسه إلى أهله, كما سلموا بدن ابن الزبير إلى أهله, وإذا تسلم أهله رأسه, فلم يكونوا ليدعوا دفنه عندهم بالمدينة المنورة عند عمه وأمه وأخيه, وقريباً من جده r ويدفنونه بالشام, حيث لا أحد إذ ذاك ينصرهم على خصومهم, بل كثير منهم كان يبغضه ويبغض أباه. هذا لا يفعله أحد. والقبة التي على العباس بالبقيع, يقال: إن فيها مع العباس الحسن وعلي بن الحسين, وأبو جعفر محمد بن علي, وجعفر بن محمد. ويقال: إن فاطمة تحت الحائط, أو قريباً من ذلك, وأن رأس الحسين هناك أيضاً. الوجه السادس: أنه لم يعرف قط أن أحداً, لا من أهل السنة, ولا من الشيعة, كان ينتاب ناحية عسقلان لأجل رأس الحسين, ولا يزورونه ولا يأتونه. كما أن الناس لم يكونوا ينتابون الأماكن التي تضاف إلى الرأس في هذا الوقت, كموضع بحلب. فإذا كانت تلك البقاع لم يكن الناس ينتابونها ولا يقصدونها, وإنما كانوا ينتابون كربلاء؛ لأن البدن هناك, كان هذا دليلاً على أن الناس فيما مضى لم يكونوا يعرفون أن الرأس في شيء من هذه البقاع, ولكن الذي عرفوه واعتقدوه هو وجود البدن بكربلاء, حتى كانوا ينتابونه في زمن أحمد وغيره, حتى إن في مسائله, مسائل فيما يفعل عند قبره, ذكرها أبو بكر الخلال في جامعه الكبير في زيارة المشاهد. ولم يذكر أحد من العلماء أنهم كانوا يرون موضع الرأس في شيء من هذه البقاع غير المدينة. فعلم أن ذلك لو كان حقاً لكان المتقدمون به أعلم. ولو اعتقدوا ذلك لعملوا ما جرت عادتهم بعمله, ولأظهروا ذلك وتكلموا به, كما تكلموا في نظائره. فلما لم يظهر عن المتقدمين –بقول ولا فعل- ما يدل على أن الرأس في هذه البقاع علم أن ذلك باطل, والله أعلم. الوجه السابع: أن يقال: ما زال أهل العلم في كل وقت وزمان يذكرون في هذا المشهد القاهري المنسوب إلى الحسين: أنه كذب ومين, كما يذكرون ذلك في أمثاله من المشاهد المكذوبة؛ مثل المشاهد المنسوبة بدمشق إلى أبي بن كعب, وأويس القرني, أو هود, أو نوح, أو غيرهما, والمشهد المنسوب بحران إلى جابر بن عبد الله, وبالجزيرة إلى عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر ونحوهما, وبالعراق إلى علي –رضي الله عنه- ونحوه, وكذلك ما يضاف إلى الأنبياء غير قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم الخليل –عليه السلام-. فإنه لما كان كثير من المشاهد مكذوباً مختلقاً كان أهل العلم في كل وقت يعلمون أن ذلك كذب مختلق, والكتب والمصنفات المعروفة عن أهل العلم بذلك مملوءة من مثل هذا. يعرف ذلك من تتبعه وطلبه. وما زال الناس في مصنفاتهم ومخاطباتهم يعلمون أن هذا المشهد القاهري من المكذوبات المختلقات. ويذكرون ذلك في المصنفات, حتى من سكن هذا البلد من العلماء بذلك. فقد ذكر أبو الخطاب بن دحية في كتابه ((العلم المشهور)) في هذا المشهد فصلاً مع ما ذكره في مقتل الحسين من أخبار ثابتة وغير ثابتة, ومع هذا فقد ذكر أن المشهد كذب بالإجماع, وبين أنه نقل من عسقلان في آخر الدول العبيدية, وأنه وضع لأغراض فاسدة, وأنه بعد ذلك بقليل أزال الله تلك الدولة وعاقبها بنقيض قصدها. وما زال ذلك مشهوراً بين أهل العلم حتى أهل عصرنا, من ساكني الديار المصرية, القاهرة وما حولها. فقد حدثني طائفة من الثقات: عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي الغنوي, المعروف بابن دقيق العيد, وطائفة عن الشيخ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي, وطائفة عن الشيخ أبي محمد القسطلاني, وطائفة عن الشيخ أبي عبد الله محمد القرطبي صاحب التفسير وشرح أسماء الله الحسنى, وطائفة عن الشيخ عبد العزيز الديريني([2]) –كل من هؤلاء حدثني عنه من لا أتهمه, وحدثني عن بعضهم عدد كثير, كل يحدثني عمن حدثني من هؤلاء-: أنه كان ينكر أمر هذا المشهد, ويقول: إنه كذب, وإنه ليس فيه الحسين ولا غيره. والذين حدثوني عن ابن القسطلاني ذكروا عنه أنه قال: إن فيه نصرانياً, بل القرطبي والقسطلاني ذكرا بطلان أمر هذا المشهد في مصنفاتهما. وبينا فيها أنه كذب. كما ذكره أبو الخطاب بن دحية. وابن دحية هو الذي بنى له الكامل دار الحديث الكاملية. وعنه أخذ أبو عمرو بن الصلاح ونحوه كثيراً مما أخذوه من ضبط الأسماء واللغات. وليس الاعتماد في هذا على واحد بعينه, بل هو الإجماع من هؤلاء. ومعلوم أنه لم يكن بهذه البلاد من يعتمد عليه في مثل هذا الباب أعلم ولا أدق من هؤلاء ونحوهم. فإذا كان كل هؤلاء متفقين على أن هذا كذب ومين, علم أن الله قد برأ منه الحسين. وحدثني من حدثني من الثقات: أن من هؤلاء من كان يوصي أصحابه بألا يظهروا ذلك عنه خوفاً من شر العامة بهذه البلاد, لما فيهم من الظلم والفساد؛ إذ كانوا في الأصل دعاة للقرامطة الباطنيين. الذين استولوا عليها مائتي سنة. فزرعوا فيهم من أخلاق الزنادقة المنافقين, وأهل الجهل المبتدعين, وأهل الكذب الظالمين, ما لم يمكن أن ينقلع إلا بعد حين. فإنه قد فتحها –بإزالة ملك العبيديين- أهل الإيمان والسنة في الدولة النورية والصلاحية, وسكنها من أهل الإسلام والسنة من سكنها, وظهرت بها كلمة الإيمان والسنة نوعاً من الظهور, لكن كان النفاق والبدعة فيها كثيراً مستوراً ، وفي كل وقت يظهر الله فيها من الإيمان و السنة ما لم يكن مذكوراً ويخفي فيها من النفاق والجهل ما كان مشهورا ً. والله هو المسؤول أن يظهر بسائر البلاد ما يحبه ويرضاه, من الهدى والسداد. ويعظم على عباده الخير بظهور الإسلام والسنة, ويحقق ما وعد به في القرآن من علو كلمته وظهور أهل الإيمان. ....... وهذا كله كلام في بطلان دعوى وجود رأس الحسين –رضي الله عنه- في القاهرة أو عسقلان, وكذبه. .... وإنما كان المقصود تحقيق مكان رأس الحسين –رضي الله عنه- وبيان أن الأمكنة المشهورة عند الناس بمصر والشام, أنها مشهد الحسين, وأن فيها رأسه, فهي كذب واختلاق, وإفك وبهتان, والله أعلم, وكتبه أحمد بن تيمية. -------------------------------------------------------------------------------- ([1])البخاري في التعبير (17-7) ومسلم في الرؤيا (2263/6), كلاهما عن أبي هريرة. ([2])هو عبد العزيز بن أحمد بن سعيد المعروف بالدّيريني, نسبة إلى ديرين بلدة من أعمال الغربية بالديار المصرية, كان عالماً صالحاً, سريع النظم, نظم: ((التنبيه)) و((الوجيز)) و((السيرة النبوية)) وله تفسير في مجلدين. مات سنة سبع وتسعين وستمائة. (طبقات الشافعية: 1/269). |