نادي الفكر العربي
جمهورية الأدب و سوق الإبداع العالمي - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78)
+--- الموضوع: جمهورية الأدب و سوق الإبداع العالمي (/showthread.php?tid=9631)



جمهورية الأدب و سوق الإبداع العالمي - سيناتور - 08-13-2007

ملحق ثقافي
الثلاثاء 30/1/2007
الناقد البريطانى المعروف
تيري إيغلتون _ ترجمة د. علي محمد سليمان

غالباً ما نفكر بالأدب كمجموعة من الأعمال المتفردة تتوزع كالنجوم في سماء صافية. و لكن بين حين و آخر تظهر دراسات نقدية تنظر إلى الأدب من مسافة معينة باعتباره منظومة شاملة ذات معنى و هيئة محددة.



‏‏

و كأمثلة عن دراسات مبدعة كتلك يمكن الإشارة إلى “المحاكا” لإريك أورباخ، “الرواية التاريخية” لجورج لوكاتش و “تحليل النقد” لنورثروب فراي. و من الدراسات الحديثة التي عالجت كون الأدب مؤسسة تحكمها قوانين معقدة دراسة الناقد باسكال كاسانوفا الذي يعتبر الأدب جمهورية محكومة بقوانين و حدود و مؤسسات. و مصطلح “جمهورية الأدب” عنوان لفهم و تحليل ما يمكن تسميته الجغرافية السياسية للأدب. و وفق هذا العنوان، لا تتحقق أهمية الأعمال الأدبية وفق خصائصها الإبداعية الصرفة، بل تتحقق باعتبارها جزءاً من فضاء أدبي كوني غير معزول عن الخارطة السياسية للعالم.‏‏



‏‏

إنه فضاء يتقاطع مع حدود تلك الخارطة و أقاليمها ليشكل جمهوريته الخاصة. و مثل الفضاء الجغرافي السياسي، تتميز تلك الجمهورية الأدبية بقوانينها الخاصة، جبهاتها، مقاطعاتها، منافيها، مشرعوها، هجراتها، أقاليمها المتمردة و التوزيع غير العادل للموارد ضمن حدودها. إنها كشكل من أشكال السوق الفكرية، حيث تكون القيمة الأدبية فيها رصيد يوزع و يحول من عملة وطنية إلى أخرى عبر عملية الترجمة. و كما هي الحال في الفضاء السياسي، جمهورية الأدب محكومة بقوانين الصراع و التنافس و التوزيع اللا عادل بين الطبقات الغنية و الفقيرة. هناك مثلاً أقاليم مهمشة و فقيرة في هذه الجمهورية كالسودان أو بلغاريا. إن هذه الأقاليم الفقيرة ما زالت تفتقر إلى موقع في السوق الأدبي العالمي بسبب إفتقارها إلى وسائل عديدة منها: الجوائز الدولية، الترجمة، شهرة الكتاب و التقاليد العريقة.‏‏



‏‏

تعتبر هذه الأقاليم النامية فقيرة في معايير الرأسمالية الأدبية الكونية. إن القوة المسيطرة على الموارد الثقافية هي أوربا القديمة، حيث يتجمع الرأسمال الأدبي في بعض العواصم التي يشكل فيها النقاد و المنظرون و مراكز الأبحاث المدراء الأدبيون التنفيذيون الذين يحددون لبقية العالم ما هي القيمة الإبداعية. إن هؤلاء النقاد و المنظرين هم حاكمو المصرف المركزي في جمهورية الأدب الكونية الذين يضطلعون بمهمة إضافية و هي تحديد ما هي اللغات التي تعتبر أدبية أكثر من غيرها. فهم يقررون مثلاً أن الفرنسية هي أكثر اللغات أدبية و أنها لغة ثقافية أكثر من كونها قومية. و هكذا فإن باريس هي عاصمة الفن العالمي أكثر من كونها عاصمة لفرنسا، و لذلك كان المنفيون ثقافياً يتخذون من مقاهيها ملجأ لهم على الدوام.‏‏



‏‏

لقد أصبح الأدب المكتوب بتلك اللغات المفضلة كلاسيكياً و عريقاً متجاوزاً حدوده القومية ليؤسس مرجعية كونية مطلقة. إن الكلاسيكي هنا هو عمل يعلو فوق عوامل المنافسة و ينجو من عوامل الزمن. و في هذا السياق يمكن إعتبار النقاد كمحددين أساسيين للقيمة، بينما يقوم الصرافون الأدبيون من مترجمين و ناشرين بعملية تصدير النصوص الأدبية من إقليم إلى آخر. إذا كان النقاد الماركسيون يربطون بين الأدب و بين السياسة و الإقتصاد، هل يمكن من وجهة نظر جديدة إعتبار الأدب فضاء سياسياً إقتصادياً؟ ألا يعبر تساؤل كهذا عن طغيان الموضة الما بعد حداثية التي تعتبر المكان أكثر أهمية و إغراء من الزمن؟ من المؤكد أن الأمر أكثر جدية من مجرد موضة ، فلقد عبر غوته عن فكرة أن العالم سوق فكرية قبل قرنين من الزمان. و في كل الأحوال، أشارت الكثير من الدراسات إلى أن هناك علاقة عميقة بين نشوء الآداب القومية، اللغات الأصلية، الأيديولوجيات القومية و صعود الدولة القومية. في أوربا القرن التاسع عشر، كما هو الحال مع أقاليم المحيط حالياً، لعب الأدب دوراً حاسماً في تشكيل الهوية القومية.‏‏



‏‏

إن الأمكنة الوحيدة التي تشكل فيها الثقافة شيئاً مهماً هي تلك التي تعاني من شروط سياسية و إقتصادية صعبة و عنيفة. إن تاريخ جمهورية الأدب، كما يرى الناقد باسكال كاسانوفا، يمر عبر أربع مراحل مختلفة. المرحلة الأولى بدأت مع تحدي عصر النهضة الأوربي لسلطة الكنيسة.لقد تزامن قيام أول دولة أوربية قومية مع نشوء مفهوم الأدب القومي و الأدب العالمي و فكرة السوق الأدبية العالمية. لقد كانت إيطاليا أول دولة ذات سلطة أدبية و تبعها كل من فرنسا و إسبانيا و إنكلترا. و مع تنوع و تناقض المصالح القومية، كان لا بد من شيء يشبه الحرب بين تلك الأقاليم الأدبية. ولقد وقعت الحرب بين ألمانيا و فرنسا في القرن الثامن عشر، بين المانيا حيث كان الأدب قومياً و جماهيرياً و رومانسياً و بين فرنسا حيث كان الأدب كلاسيكياً و نخبوياً و كونياً. المرحلة الثانية هي مرحلة القومية الأدبية و فيها تكون مرجعية الأدب القومي و مهمته الأساس المساهمة في بناء الدولة القومية. و هنا يصبح كل من الأدب و اللغة أدوات حيوية بالنسبة للقوى السياسية. و عندما تفرغ الأمم من استخدام تلك الأدوات لتطوير رأسمالها الأدبي الخاص، ينشأ وهم أن الأدب فضاء مستقل من الفعالية الإبداعية. و هنا تحديداً تبدأ المرحلة الثالثة التي تبدأ فيها الكتابة الأدبية تتخلص من تابعيتها السياسية السابقة و تنزع نحو تحقيق حريتها، و هذا ما عرف بالحداثة. و يمكننا القول أن مقاطعة ما من جمهورية الأدب قد حققت حداثتها في اللحظة نفسها التي بدأت تنظر فيها إلى إنتاجها الشعري و الروائي باعتباره غير ذي فائدة أو وظيفة. إن قلة من المترفين ثقافياً يستطيعون نسيان ذلك الصراع العنيف من أجل الوجود و الهوية الذي يميز جمهورية الأدب بشكل عام، و في حالة أمم كثيرة من آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية يبدو هذا الصراع حتمياً و لا يمكن تجاهله. أما في أوربا القديمة فيمكن تفهم فكرة أن الأدب أصبح نقياً، متحرراً، لا زمانياً و كونياً. أما بالنسبة لشعراء من ثقافة الزولو الأفريقية يناضلون لترجمة أعمالهم فلا يبدو الأمر أكيداً بهذا الشكل. أما المرحلة الرابعة فهي حين تبدأ الأنواع الأدبية من شعر و رواية و مسرح بتوفير طريقة لاقتحام الإقتصاد الثقافي الكوني من قبل أولئك الكتاب الذين همشوا عنه لوقت طويل. و لأن هؤلاء الكتاب قد تحرروا من الأعراف الرسمية للأدب الغربي، فإنهم يستطيعون إثبات أنفسهم من خلال تجاربهم في مزج فريد بين التجريبية الطليعية و الحرمان الثقافي. و إذا كانت هذه الصورة صحيحة منذ قرن مضى في حالة جيمس جويس و وليم فولكنر، فإنها صحيحة في أيامنا هذه في حالة غابرييل غارسيا ماركيز و سلمان رشدي و غيرهم من الكتاب المعاصرين. إن أعظم ظاهرة ثورية في الأدب المعاصر تتجسد في صراع أولئك الكتاب للتحرر من لغة الاستعمار الثقافي من خلال توظيف قدرات إبداعية و عبقرية. إنها جماليات الواقعية الأوربية هي التي تعرقل إنجازات أولئك الكتاب تماماً كما تفعل قوانين السوق. و في النهاية لا بد من الإشارة إلى نقطة تتعلق بدراسة الناقد باسكال كاسانوفا. إن مصطلح جمهورية الأدب الذي يوظفه كاسانوفا لقراءة الواقع الأدبي المعاصر يعبر عن شيء من الإفراط في إستعادة مفاهيم الصراع و المنافسة الأدبية التي كرسها بشكل رئيسي المفكر الفرنسي بيير بورديو. و رغم أن ما يذهب إليه كاسانوفا من سيطرة قوانين المنافسة و الصراع على الأدب العالمي المعاصر صحيح في سياق الواقع السياسي الكوني ، إلا أنه لا بد من التحقق من كون حدة الخطاب في الدراسة تعكس واقعاً ربما يكون أقل حدة. ناقد و مفكر بريطاني ومن المنظرين في النقد الأدبي المعاصر. نشرت هذه المقالة في مجلة نيو ستاتمنت البريطانية.‏‏
http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?...420070130083437




تيري إيغلتون
كل المواد | كتب (كمؤلف) [2]
http://www.adabwafan.com/browse/entity.asp?id=22686

وتحية خاصة للناشر الشاطر .. وهديتهم الغالية " مراوغات الفتى الهامشي" محمد زينو شومان (f)