حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
بين القرية والمدينة : قصيدتان لأحمد عبدالمعطي حجازي - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78) +--- الموضوع: بين القرية والمدينة : قصيدتان لأحمد عبدالمعطي حجازي (/showthread.php?tid=9744) |
بين القرية والمدينة : قصيدتان لأحمد عبدالمعطي حجازي - آمون - 08-08-2007 ذات مرة وجدتُ نفسي ـ ضمن مجموعة من دارسي الأدب والنقد ـ مطالباً بالإجابة على هذا السؤال الذي طرحه علينا أحد أساتذتنا : ما هي ـ في نظرك ـ أهم قصيدة أفرزتها حركة الشعر العربي الحديث ؟ وطبعا أي إجابة على هذا السؤال لن تعبر عن أكثر من وجهة نظر خاصة وذاتية إلى حد بعيد ، وحتى لو كان المجيب مطلعاً على كل المنتج الشعري العربي في العصر الحديث فستبقى إجابته مرهونة بقدرته على استيعاب وتوظيف أدوات النقد الأدبي من ناحية وتجربته الخاصة في قراءة القصيدة وتلقيه لها من ناحية أخرى ، وفي الشرطين لا يُنتظر الكثير ـ في الإجابة على سؤال ضخم مثل هذا ـ من طلاب جامعيين قليلي المعرفة ومحدودي الخبرة في القراءة والتلقي مقارنةً بما تتطلبه إجابة السؤال ، وكانت إجابتي وقتها (وما زالت هي نفسها إجابتي الآن على نفس السؤال) أن قصيدة "مذبحة القلعة" لأحمد عبدالمعطي حجازي تمثل ذروة في الإبداع الشعري لم أقرأ قصيدة عربية أخرى تدانيها . وبمناسبة بيع أثاث بيت هذا الشاعر العبقري في مزاد علني والمقرر إجراؤه بعد ساعات قليلة من وقت كتابة هذه الكلمات تنفيذاً لحكم محمكة مصرية في قضية تعويض رفعها ضده أحد أسوأ رموز الرجعية الدينية في مصر (الشيخ يوسف البدري) ، بحثت على الشبكة عن "مذبحة القلعة" لتقديمها إلى أعضاء وقراء النادي ووجدت نسخة واحدة في موقع واحد ولكنها للأسف مشوهة وغالباً ناقصة ، إذاً لنؤجل أمر "المذبحة" إلى وقت لاحق ولأنقل لكم هنا قصيدتين من قصائد حجازي مع تقديم موجز لكل منهما . صاحب ديوان "مدينة بلا قلب" نسج كثيراً على منوال تجربة الانتقال من حياة الريف ببساطتها ووضوحها وروابطها الجماعية إلى حياة المدينة المزدحمة المعقدة والفردانية ، وفيما يلي قصيدتان مستقلتان ولكنهما ترسمان مشهدين في لوحة واحدة . القصيدة الأولى "سلة ليمون" تأخذ من الليمون والترابط بين كثرة عدده من ناحية وقلة قيمته من ناحية ثانية معادلاً موضوعياً للناس في المدينة كما يراهم الشاعر وكما بات يرى نفسه كواحد منهم بعد أن اُنتزع من بيئته الريفية الدافئة وجاء إلى القاهرة ، هم (ناس المدينة ومنهم الشاعر) ـ مثل الليمون ـ مجرد أعداد كثيرة لكن رخيصة (العشرون بقرش) ، لكن نفس هذا الليمون (كما الشاعر) كان ـ قبل قطفه ومغادرته القرية في الفجر ـ يعيش حالة أخرى مفعمة بالحيوية والرضا والانسجام مع بيئته الطبيعية إلى أن جاءت يد وقطفته وقذفت به إلى المدينة ليصبح بهذا الرخص وليعيش هذا التيه ، وحين تقع عين الشاعر على سلة الليمون يتذكر القرية ، يحن إلى الحضن الدافىء الذي جاء منه (مثلما جاء الليمون) ليصبح واحداً من عدد كبير لكن رخيص وبائس ، لنقرأ القصيدة : سلّة ليمون سلّة ليمون ! تحت شعاع الشمس المسنون و الولد ينادي بالصوت المحزون " عشرون بقرش " بالقرش الواحد عشرون ! " *** سلّة ليمون ، غادرتْ القرية في الفجر كانت حتّى هذا الوقت الملعون ، خضراء ، منداة بالطلّ سابحة في أمواج الظلّ كانت في غفوتها الخضراء عروس الطير أوّاه ! من روّعها ؟ أيّ يد جاعت ، قطفتها هذا الفجر ! حملتها في غبش الإصباح لشوارع مختنقات ، مزدحمات ، أقدام لا تتوقّف ، سيّارات ؟ تمشي بحريق البنزين ! مسكين ! لا أحد يشمّك يا ليمون ! و الشمس تجفف طلّك يا ليمون ! و الولد الأسمر يجري ، لا يلحق بالسيّارات عشرون بقرش " بالقرش الواحد عشرون ! " *** سلّة ليمون ! تحت شعاع الشمس المسنون و قعت فيها عيني ، فتذكّرت القرية ! أما القصيدة الثانية "مقتل صبي" فتصور لحظة موت واحد من الأعداد المهملة المسحوقة ، يموت وحيداً لا يبكيه أحد ولا يتعرف عليه أحد اللهم إلا ذبابة خضراء تأتيه من "المقابر الريفية الحزينة" وحزن المقابر الريفية هنا يضاد اللامبالاة التي التي أظهرها ناس المدينة تجاه موت الصبي تماماً كما أن الذبابة القادمة من الريف ترمز لحياة أخرى تعبأ بالموت وتبكي الموتى ، لنقرأ : مقتل صبي الموت في الميدان طنّ الصمت حطّ كالكفن و أقبلت ذبابة خضراء جاءت من المقابر الريفيّة الحزينة ولولبت جناحها على صبيّ مات في المدينه فما بكت عليه عين ! *** الموت في الميدان طنّ العجلات صفّرت ، توقّفت قالوا : ابن من ؟ و لم يجب أحد فليس يعرف اسمه هنا سواه ! يا ولداه ! قيلت ، و غاب القائل الحزين ، و التفت العيون بالعيون ، و لم يجب أحد فالناس في المدائن الكبرى عدد جاء ولد مات ولد ! الصدر كان قد همد وارتدّ كفّ عضّ في التراب و حملقت عينان في ارتعاب و ظلّتا بغير جفن ! *** قد آن للساق التي تشرّدت أن تستكن ! و عندما ألقوه في سيّارة بيضاء حامت على مكانه المخضوب بالدماء ذبابة خضراء !! |