حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
دين الله.. دين الكهنة.. والتشريعات البشرية - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: دين الله.. دين الكهنة.. والتشريعات البشرية (/showthread.php?tid=9832) |
دين الله.. دين الكهنة.. والتشريعات البشرية - غالي - 08-03-2007 إن الدراسة العميقة لتاريخ الأديان تبيّن لنا بأن النور الساطع للمشعل الذي جاء به المبعوث الإلهي يخفت تدريجاً وبشكل بطيء ومتواصل جيلاً بعد جيل. فإنه من الصعب أن يتمكن الصلحاء من الناس توريث هذا النور لفترة طويلة، ومن النادر أن يظل صلاح الآباء مؤثراً ومتأصلاً في الأجيال اللاحقة. صحيح أن الجيل الأول الذي عاصرعهد انبثاق النور على يد النبي الذي بُعث فيه لا يعود أبداً إلى الحال السابقة من ظلام وضلال، ولكن الإيمان يضعف بالتدريج مع مرور العديد من الأجيال. وهذا التدهور لا يحدث بين ليلة وضحاها.. بل هو تدهور بطيء يستمر لزمن طويل، يبدأ بعد أن يغادر النبي المبعوث هذه الدار، وفي النهاية يضيع الإيمان القوي بوحدانية الله تعالى. وكلما يتضاءل الإيمان ويبدأ في الذبول.. تبدأ الخرافات في غزو العقول وتستولي على أفكار الناس، ويتمزق الإيمان القوي بإله واحد قدير إلى صورة مبعثرة مشتتة للألوهية. ومن معبد إلى آخر.. يبدأ كهنة الدين الفاسدون في افتراء الأقاويل وهم يشعرون بكامل الحرية في خداع العامة من الناس.
تحياتيإن الأديان جميعها بغير استثناء تؤكد على أهمية الدور الذي تقوم به فضائل الأخلاق في العلاقات والشؤون الإنسانية. وقد تختلف الأديان بعضها عن بعض في بعض السمات الأخرى.. ولكنها لا تختلف في تركيزها على أهمية المبادئ الأخلاقية، فهي ظاهرة عامة موجودة في كل زمان وكل مكان. واتهام الدين بمحاباة الأغنياء أو أصحاب القوة والسلطان قد يكون له بعض الحق في عهود الاضمحلال والانحطاط فقط.. ولكن مثل هذه الاتهامات لا تخطر على فكر أحد في ضوء تاريخ بداية الدين عند بعثة نبي. فالأخلاق التي يقوم الأنبياء بترسيخها في مجتمعاتهم تعمل دائماً في جانب العدالة والإنصاف، ولذلك فهم يخوضون معركة نبيلة ويقودون ثورة بناءة ضد اللاأخلاقيات واستغلال الضعفاء والمحرومين... وهذه المبادئ تشد دائماً من عزم المظلومين ضد الظالمين.. وتمدّ الضعفاء بالقوة ضد المستغلين. أين حدث –على وجه البسيطة- أن قامت الأخلاقيات الدينية بتأييد الظالمين ضد المظلومين؟؟؟ إننا إذا بحثنا في التاريخ منذ فجرالأديان فلن نجد ولو مثالاً واحداً على ذلك.. فقد كانت المبادئ الأخلاقية تُشَرع دائماً وأبداً في صالح الفقراء والمستضعفين.. والضمان الحقيقي لتطبيق هذه الشرائع يكمن في الإيمان بوجود الله العليم بكل شيء.. والشخص المؤمن بوجود هذا الإله يعلم تماماً أنه من المستحيل عليه أن يهرب خارج نطاق علمه تعالى.. أو يتجنب المشيئة الإلهية، فهو لا يستطيع أن يخفي عن الله تعالى شيئاً من عمله.. سواء قام به في الماضي أو يريد القيام به في المستقبل.. ولا يوجد أي تشريع بشري يمكن أن يكون له هذه الميزة الفريدة. فالتشريع البشري يفشل دوماً ويحتاج إلى تعديل وذلك لأن المجرم الذي ينتهك حرمة القانون يفتقد الاحساس بأنه مراقب دائماً من جانب السلطة التشريعية.. والتشريع وحده مهما كان مؤيداً بتهديد العقوبة لا يستطيع أن يمنع المجرم من ارتكاب الجرم. إن أثر القوانين التشريعية لا يصل إلى الأرض التي تنمو فيها جذور الجريمة.. وهي التربة الخفية للنوايا السرية.. فيظل المجرم دائماً مدفوعاً بالأمل أنه سوف يتمكن من اخفاء جريمته عن عيون القانون بنفس الطريقة التي أخفى فيها أفكاره ونواياه لارتكابها. ومن هنا لاتنجح القوانين والتشريعات وحدها في إزالة الفساد الاجتماعي.. لافتقادها المطلب الحيوي في الوصول إلى غور أعماق ظلام النفس الإنسانية حيث تتولد وتتغذى أفكار ارتكاب الجريمة.. وتُرتكب معظم المفاسد والشرور خلف ساتر من دخان وهمي يتصور المجرم أن أحداً لن يستطيع أن يراه من خلاله، وعلى ذلك لن تقع عليه أي مسؤولية. ومهما تقدمت أساليب كشف الجريمة فإنها لاتستطيع أن تهز ثقة المجرم في أمله المحسوب في تجنب اكتشاف جريمته.. لأن التخطيط والتدبير يتم بأمان بعيداً عن أعين القانون.. في المكامن السرية داخل ثنايا قلبه. إن الإيمان الراسخ بوجود الله تعالى واليقين بالمساءلة والحساب هو وحده الذي يمكن أن يهزم ويحبط جميع الجرائم وهي في مستهل أمرها.. فهذا -وهذا فقط- هو الغرض من التشريع الأخلاقي في الدين. فالأخلاق ضرورة جوهرية وحيوية لبقاء الدين نفسه.. وحين يتدهور المستوى الأخلاقي يكون الدين هو أول الضحايا. فالكذب والفسوق يُتلف ويُفسد أكثر الصروح قوة من القوانين والدساتير.. كذلك فإن الصروح الروحية التي يقيمها الدين تَفْسُد هي الأخرى وتتحول إلى رماد نتيجة للعفن الذي يسببه فساد الأخلاق... فكما يأكل السوس البيوت الخشبية فتنهار.. كذلك فإن فساد الأخلاق يهدم القصور العملاقة التي شيدتها الأخلاق في الأديان ويسويها بالأرض. هذا هو المفتاح الذي يمكننا من فهم أسباب التحلل والاضمحلال في جميع مستويات العقائد والممارسات الدينية. إن الإيمان بوحدانية الله تصيبه الشروخ التي تتحول إلى انشقاقات وفُرقة بسبب تدني المستوى الأخلاقي... ثم يبدأ الشرك والتعددية الإلهية في الحلول محل الوحدانية.. ويستطيع الإنسان أن يرى سوس الكذب والخداع والخيانة وفقدان الشرف والأمانة يقوم بعمله في أعماق هذه الظاهرة المدمرة. وحين يصل فقدان الشرف والأمانة إلى مستوى القيادة فإنه يتحول إلى سم قاتل... ولكن ليس من سم أشد فتكاً من سم الكذب والخداع والخيانة وفقدان الشرف حين يصيب القيادة الدينية، فهي تدمر سلام وأمن خلق الله باسم الله... وعندها يتوقف الله تعالى عن القيام بأي دور في شؤون الإنسان ويُنصب هؤلاء القادة أنفسهم آلهة ويعطون لأنفسهم الحق في الجلوس على عرش الله. لذلك فإنه من مقتضيات الحكمة أن يكون الحكمُ على الأديان في مرحلة مولدها وفي مهدها وليس في مراحلها المتأخرة حين تتحول الأديان بسبب عبث أيدي الإنسان بها إلى مجرد أنقاض هي كل ما يتبقى من بدايتها النبيلة. وكما تكون هذه البدايات نبيلة فإنها تكون متواضعة أيضاً ويكون سلوك المجتمع نحوها متسماً بالعدوانية والعنف الشديد والرفض القاطع.. إن الأنبياء يقدمون أعظم وأنبل الأمثلة الحية التي تُجسد تعاليمهم.. وهؤلاء هم الذين ترفضهم المجتمعات وتسخر منهم وتجعلهم هدفاً لعدواة لا تقبل المهادنة وعدوان لا يعرف الرحمة. وما يصيب الأنبياء على يد أقوامهم يصيب أيضاً المؤمنين الأوائل الذين لا يوجد لهم مثيل في المراحل المتأخرة سواء في نبلهم وإخلاصهم أو في الرغبة لبذل التضحيات من أجل الحق. إنه لمن السخرية أن رجالاً كهؤلاء الأنبياء وصحابتهم يظلون مرفوضين ومضطهدين من مجتمعاتهم طوال حياتهم حتى إذا ما غادروا مسرح الحياة يتحول هذا الرفض إلى قبول وتتحول السخرية إلى احترام... ثم يتطور الأمر إلى مبالغة في التقديس يتعدى مقامهم ويزيد عن مكانتهم التي كانوا يشغلونها في حياتهم... فترفعهم أقوامهم إلى مصاف الآلهة وتتحول قبورهم إلى مزارات ومعابد تعبد من دون الله. وهؤلاء الذين يرثون الدين بغير أن يشربوا من كأس التضحيات وبذل الغالي والرخيص في سبيله هم أولئك الذين ينمو في مجتمعاتهم هذا التناقض الغريب. وبذلك فهم يتلفون القيم النبيلة في الدين بأسلوب غير مكشوف.. إذ يعملون تحت السطح مثل ديدان الأرض. إننا لا نجد أبداً في التاريخ الثابت المعروف للأنبياء أن نبياً قد أهان أو رفض نبياً من الأنبياء الذين سبقوه.. ونفس هذا الموقف الوحدوي يشمل أنبياء المستقبل أيضاً، وينطبق هذا أيضاً على جميع المتمسكين بالتوحيد في جميع الأزمان.. إذ يجمع التوحيد بينهم في وحدة ورابطة أخوية قوية. وأما كهنة الدين الذين غلبهم الفساد هم واتباعهم فإنهم يفتقدون فيما بينهم هذه السمة المميزة... وهم ينشرون الفرقة بينما يقرعون طبول التوحيد في ذات الوقت... إن حب وحدانية الله يربط بين الأنبياء جميعاً برباط قوي.. حتى إن الإساءة لأحدهم تعتبر إساءة إليهم جميعاً. وتظل هذه الرابطة بمثابة رمز للتوحيد بين الله تعالى ومن يختارهم من عباده من جانب... وبين عباده المختارين من جانب آخر. إن أولى علامات التدهور تظهر حين يبدأ كهنة الدين خلال الأزمنة المتأخرة في رفع مقام أنبيائهم إلى الحد الذي ينتهك حرمة وحدانية الله تعالى... حيث ينسبون لهؤلاء الأنبياء بعض الصفات الإلهية التنزيهية الخاصة بالله تعالى التي لم يدّع بها هؤلاء الأنبياء إطلاقاً... وهكذا يتحول الحب المبالغ فيه للأنبياء السابقين إلى دين جديد لهذا المجتمع المتردي دينياً.. فتنهال على الأنبياء قصائد التأبين والتبجيل التي تشيد بالصفات التي خلعوها عليهم ونسبوها إليهم... وهنا تبدأ عملية تأليه الإنسان وتخليد الأموات ورفع البشر إلى السماء، ولا يدركون أنهم وجميع أفراد المجتمع الذين يتبعونهم سوف يدفعون ثمناً باهظاً لهذا التناقض الصارخ... فإن الحب الأعمى للأنبياء السابقين يصير هو الروح والجوهر للدين الذي نحتوه لأنفسهم بعد أن دمروا روح وجوهر الدين الذي أتى به النبي الذي بُعث فيهم... إن الأنبياء يأتون دائماً للقضاء على الإثم وتدمير الباطل... ولكن الحب المبالغ فيه الذي يضفيه الناس عليهم يُستغل لخلق الإثم والباطل... إنهم بهذا يظنون بأنه باستطاعتهم تخليص أنفسهم من الذنوب والآثام التي ارتكبوها، مع أن هذا التبجيل والإطراء المبالغ فيه لنبي من الأموات ينتهي بهم إلى حياة تكون أسوأ من الموت. وهم يزعمون بأنهم في سلام مع الله سبحانه وتعالى على الرغم من انتهاكهم لحرمة وحدانيته ما داموا يطأطئون الرؤوس للآلهة البشرية التي أشركوها في صفاته عز وجل. إن ارتكاب الذنوب يتعاظم من طريق تأليه الأنبياء المعصومين من ارتكاب الذنوب. إن كهنة الدين الفاسدين يقومون بغير إحساس من خجل أو تأنيب من ضمير بنشر الكراهية ضد من يختلف معهم.. ويحرضون على سفك الدماء ويشجعون أعمال الإرهاب ويعملون على القضاء على الحقوق الإنسانية الأساسية.. وهم يفعلون كل هذا باسم حبهم لله تعالى... إنهم بهذه الأفعال يخلقون فجوة بين الخالق وخلقه ليضمنوا بذلك لأنفسهم مكاناً للحكم في معزل عن الله عز وجل... فهم الذين يصدرون الفتاوي ويصيغون قرارات ما أنزل الله بها من سلطان -ولعل ما حدث مؤخراً في الأزهر لخير دليل- وبذلك فهم في واقع الأمر ينازعون الله تبارك وتعالى حق الألوهية ولكن بغير الاعتراف بذلك... حتى إن الله تعالى لا يعود مثار اهتمامهم فكل ما يهتمون به هو أنفسهم وحسب... وعلى المجتمع أن يخشى سخطهم وأن يطلب رضاهم.. ويصير المعيار للثواب والعقاب هو أن من يجرؤ على الاختلاف مع هؤلاء الآلهة المزيفة يكون جزاؤه منهم الحكم عليه بالخلود في جهنم وعذاب السعير... ومن يكيل بمكيالهم وينسج على منوالهم فله منهم جنات الخلود والحور العين... وكأن على الله أن ينفذ ما يقررونه هُم وما يقضون به... وهم لا يهتمون كثيراً بالفساد الأخلاقي الذي يعم الناس، فاهتمامهم ينحصر في ذاتهم وسُلطاتهم التي يتحكمون بها في العامة.. وعلى مذبح أنانيتهم وعقائدهم المتزمتة يُقتل الفكر والعدالة والثقافة والإنصاف واحترام الرأي الآخر... وهذا هو الثمن الذي لا بد للمجتمع أن يدفعه حينما تُنتهك حرمة وحدانية الله بشكل أو بآخر. وبوعي أو بغير وعي فإن كهنة الدين يرفعون رؤوسهم الحاقدة كالأفعى السامة في وجه أي تدخل إلهي.. وبالطبع فإن كل التبجيل والتقديس الذي يصل إلى حد عبادة الأنبياء السابقين ليس في واقعه سوى خداع وتضليل.. فنواياهم الحقيقية المتخفية وراء مظهرهم الكاذب هذا إنما تروم عبادة ذاتهم وأنانيتهم.. وفي مثل هذا المجتمع الذي يبتعد عن الله تعالى يكثر وجود الآلهة المزيفة من أمثالهم.. لكن المعضلة أن هذا المجتمع لا تجمعه وحدة أبداً ما دام بعيداً عن وحدانية الله الأحد... ولذا تسوده الخصومات التافهة حتى في الطبقة الكهنوتية نفسها، فينقسمون إلى فرق جديدة ومذاهب وطوائف يباعد بينها الاختلاف الفكري والعقائدي. وهنا يبدأ بينهم التنافس المحموم للسيطرة على الجماهير وكل ما يهمهم في الأمر هو عدد الأتباع.. أما أخلاق هؤلاء الأتباع فهي لا تهم وليس للقادة أي تأثير إيجابي على التصرفات الحياتية لأتباعهم ولا على القيام بمسؤولياتهم الأخلاقية تجاه المجتمع. وأما الفن الذي يبرعون فيه كيف يثيرون حمية هؤلاء الأتباع ويلهبون مشاعرهم حتى ينفجروا في بركان من الغضب والكراهية ضد أتباع الطوائف والأحزاب الأخرى المنافسة لهم... ولا يعرفون كيف يزرعون الألفة والمحبة والتضحية في تربة قلوبهم... ولاشك بأن مجتمعاً كهذا يوفر المناخ المناسب الذي تنمو فيه عبادة الأصنام... وإن اختلفت الأصنام فلم تعد أحجاراً وإنما صارت زعماء وقادة ورؤساء ومشايخ وكهنة الدين الذين لا يرضون بغير الرضوخ التام لسلطانهم وسلطاتهم في كل ما يتعلق بالعقائد الدينية... أما الرضوخ لطاعة الله والانصياع لأوامره فلا يكون في المقام الأول من الأهمية... فقد يرتكب الناس الموبقات والمعاصي من كذب وسرقة واختلاس وقتل واغتيال... قد يفعل الناس ما يحلو لهم من جرائم ما لم يُغيروا من ولائهم للقادة الدينيين أو للزعماء السياسيين، ولا يخضعون للفرق الأخرى أو للأحزاب المنافسة... أما كل شيء آخر فهو على ما يرام ويكون مقبولاً لديهم. وهكذا تتحول العبادة شيئاً فشيئاً من الله وحده إلى الأنبياء السابقين، ثم تتحول بعدها من عبادة الأنبياء إلى عبادة الذات، وهكذا يتحول القادة والزعماء الذين غمرهم الفساد إلى أشباه الآلهة. وفي جميع المجتمعات التي يعمها الفساد يثير الظهور المفاجئ لمبعوث من السماء إحساساً عميقاً بالضيق والامتعاض.. وهذا بالضبط كان هو الأسلوب الذي عومل به عيسى عليه السلام حين ظهر بين خراف بني إسرائيل.. ولكن اسلوبهم في التعامل معه جعل منهم ذئاباً لا خرافاً، ومع ذلك فإن تعامله معهم كان تعامل الراعي الصالح الذي يرعى ويحافظ على كل فرد في رعيته. ويمكن للمرء أن يتصور بسهولة كيف تصيب العماية بصيرتهم وتحجبها إلى الأبد، فإن التعظيم المفرط المبالغ فيه لأعمال الأنبياء السابقين والذي أدى إلى تأليههم.. وقف حجر عثرة كبرى أمام الأنبياء الذين يأتون فيما بعد والذين يظهرون دائماً مثل بقية البشر... غير أن الصورة التي خلقها كهنة الدين في ذهن أتباعهم من عامة الناس عن الأنبياء وعن أعمالهم ومعجزاتهم تكفي ليرفض الناس الأنبياء الذين لا يأتون في تلك الصورة الخيالية وهكذا تظل صعوبة التعرف على النبي الذي يبعثه الله تعالى إليهم الحائل المنيع الذي يسد أمامهم طريق الإيمان. لقد كان اليهود منذ زمن سحيق يتطلعون لمجيء المسيح، وقد ظلو ألوفاً من السنين يضربون رؤوسهم بحائط المبكى -ولا يزالون- يتضرعون لكي يسرع المسيح بمجيئه... ولم يدركوا أبداً أنه جاء ورحل ولكن ليس بالأسلوب الذي كانوا يتوقعونه... ولا بالشكل والمظهر الذي تخيلوه لمجيئه وحددوه... وفي الواقع فإن جميع هؤلاء الذين ينتظرون مقدم الضيف السماوي هم نفسهم المسؤولون عن وضع العقبات التي لا يمكن اجتيازها في طريقه... لكنهم لسبب أو لآخر لا يدركون ما يفعلون... ولو أنهم أدركوا أن توقعاتهم مستحيلة التحقق لأمكن لهم على الأقل أن ينعموا بالهدوء الذي يأتي بعد فقدان الأمل والشعور بالقنوط.. إن الحوائل والسدود التي تغلق الطريق تُفقد الأمل وتخمد شعلة التوقع.. هذا بالطبع إذا أقروا بوجود الحوائل والسدود... أما إذا تجاهل البعض وجود هذه الحوائل والسدود فهم وحدهم الذين يجلبون اللوم على أنفسهم... إن اليهود الذين يتصفون بالذكاء لم يعوا هذه الحقيقة البسيطة... ولم يعد لديهم سوى أن يبكوا وينوحوا بجوار حائط من حجر... متوسلين لكي يأتي المسيح الذي لا يمكن أن يأتي وفق تصوراتهم التي كونوها من خلال أقوال زعمائهم الدينيين.. فاليهود كانوا ينتظرون مقدم مسيح كان من المحتم أن يأتي منقذاً لهم.. وقد جاء بالفعل ولكنه لم يكن نفس المسيح الذي كانوا يتوقعونه في مخيلتهم... ولذلك لم يعرفوه... لقد كانوا ينتظرون أن يأتي إليهم مسيح يضع تاجاً على رأسه... ويتوقعونه ملكاً جالساً على عرش الملك.. كانوا يعتقدون أنه سيكون مسيحاً محارباً.. يقود جيوش الاسرائيليين لمجابهة الحكم المتسلط للإمبراطورية الرومانية ويحقق الظفر والفلاح.. وها قد مر ألفان من السنين منذ أن رفضوا قبول المسيح بن مريم عليه السلام.. ولم يأتهم بعد ذلك المسيح الذي كانوا يتوقعونه في مخيلتهم... وها قد غيّر التاريخ الجغرافيا السياسية في العالم... وفقدت نبوءة مجيء المسيح معناها كله... فلم تعد فلسطين واليهودية تحت إصر حكم دولة رومانية يريد الشعب اليهودي أن يتحرر منه... لقد اختفت تماماً من على خريطة العالم هذه الإمبراطورية الرومانية التي حكمت في يوم من الأيام نصف العالم المعروف في ذلك الزمن... لكننا لا نزال نسمع صرخات الإنقاذ نفسها في فلسطين... ولكنها صرخات الإنقاذ من اليهود وليست لإنقاذ اليهود... ورغم أنه ليس هناك من خطأ في اعتقادهم بان المسيح سوف يولد كما يولد أي إنسان آخر من رحم امرأة... إلا أنهم ربطوا مولده ببعض الظواهر الغير طبيعية التي كان من المستحيل أن تتحقق... وقد كان لاعتقادهم بالنزول الجسدي للنبي إلياس (إيليا) من السماء هو حجر العثرة الذي سد الطريق أمام مسيحهم المنتظر... إنه لمن سخرية الأقدار أن يعيد التاريخ نفسه أيضاً مع المسلمين الذين لا يزالون بانتظار مجيء المهدي أو هبوط المسيح من السماء... وبنفس الطريقة فإن كهنة الدين هم أنفسهم المسؤولين عن خلق هذه التصورات الخيالية التي تقف حائلاً وسداً في مواجهة المبعوث الإلهي. سلام |