ثورة من أجل الماضي


ترقى الثورة الإيرانيّة، التي يُحتفل حالياً بذكراها السنويّة الثلاثين، إلى حدث تغييريّ يستحقّ وحده، في الشرق الأوسط الحديث، تسمية «ثورة». فهي أنزلت الجماهير الى الشارع بتتابُع وكثافة أسقطا نظام الشاه الذي امتنع عن استخدام الجيش والتهديد بحرب أهليّة. وفي المعنى هذا شذّ الحدث الإيرانيّ الكبير عن الانقلابات العسكريّة الكثيرة في مصر وسوريّة والعراق وغيرها مما أطلق عليه وصف «ثورة».

مع هذا، لا يملك المقارن إلاّ أن يقارن، مثنى وثلاثاً ورباعاً، بين ثورتين. فالثورة الوحيدة في الشرق الأوسط جدّت بعد انقضاء 190 سنة بالتمام والكمال على الثورة الفرنسيّة (1789) التي عُدّت أمّ الثورات في العصر الحديث. ولئن جمع بين الثورتين التعويل على الجماهير ودورها، وعلى العنف «قاطرةً للتاريخ»، لا سيّما في «عهد الإرهاب» الروبسبييري كما البهشتيّ، وعلى الحروب، أو التعبئة الحربيّة في الخارج، فقد اختلفت الثورتان على نحو بيّن في كلّ شيء آخر تقريباً. ذاك ان تلك الفرنسيّة التي استندت الى مبادئ التنوير وحقوق الفرد - المواطن، قضت على الحكم المطلق والامتيازات الإقطاعيّة للنبالة الأرستقراطيّة والإكليروس. وبشعارات «الحريّة والإخاء والمساواة»، باشرت فصل الحيّز الدينيّ عن الحيّز الزمنيّ، كما راحت تقوّض عدداً من المراتبيّات الجامدة في تبويب رجال الدين والعلمانيّين، والرجال والنساء، والمسيحيّين وغير المسيحيّين. وهو جميعاً ما فعلت الثورة الإيرانيّة، المستندة إلى «ولاية الفقيه»، ضدّه ونقيضه الكاملين.

ففي طهران، أحكمت الثورة ربط الحياة الزمنيّة بالحياة الدينيّة، منتجةً سلطة الفقهاء الذين يتصدّرهم وليّ الفقيه الذي لا يقبل النقض ولا النقد. وبدل نزع السحر عن السياسة، جعلت الشياطين، الأكبر منها والأصغر، تحوّم حول السياسة وتسحرها. وبدورها، وطّدت الثورة الإيرانيّة وعزّزت المراتبيّات القائمة ما بين رجال الدين والعلمانيّين، والرجال والنساء، والمسلمين وغير المسلمين، والمسلمين الشيعة والمسلمين غير الشيعة.

لا بل يستحيل، الى هذا، فهم هذه الثورة بغير اعتبارها ردّاً على الإصلاحات الزراعيّة التي حدّت من تملّك المؤسسة الدينيّة للأراضي وريوعها، وانتفاضاً على النزول المتعاظم للمرأة الى سوق العمل وما يلازم ذلك من اكتسابها مزيداً من الحريّات.

وهذا جميعاً ما يجعلها ثورة رجعيّة ترتدّ عن نظام الشاه الى ما قبله، أي إلى ماضٍ سابق حاول النظام المذكور، بطريقته، أن يتعدّاه. أبعد من هذا، ترتفع الثورة الإيرانيّة الى مصاف كلاسيكيّ ومرجعيّ في أدلجة الوعي الرجعيّ وتنظيمه. ذاك ان الفارق كبير بين جماعات وطوائف وأنظمة موغلة في التقليديّة والمحافظة، تعكس البطء في مسايرة التحوّلات التقدميّة، وبين العمل الثوريّ والمنظّم لإرجاع مجتمع الى حقبة تجاوزها: في الحالة الأولى، قد لا يكون محموداً تسريع التاريخ بأكثر مما تحتمل القابليّات الاجتماعيّة، لأن في ذلك تهديداً بانتكاسة من النوع الذي تعرفه إيران حاليّاً ردّاً على تحديث الشاه المتسارع، أو من النوع الذي عرفته أوروبا في صعود الفاشيّة ردّاً على التسريع البلشفيّ للتاريخ. اما الحالة الثانية فهي الانتكاسة بعينها.

وفي السياق هذا، أُلبست إيران اللون الأسود بعدما كانت ملوّنة. وبطلائها بالأسود، يغدو الانتصار على أميركا كالهزيمة أمامها، سيّان. أمّا بلوغ الفضاء الخارجيّ واقتناء وسائل التدمير الشامل فيجعلانها أخطر بلا قياس.

حازم صاغيّة .


:Asmurf:

Arrayحازم صاغيّة .[/quote]

تحياتي لحازم صاغية احد افراد

يعجبني افراد حاشية آل سعود وآل الحريري الإعلامية عندما يبدؤون بالتنظير و الحديث عن اصول الحداثة ومبادئ الليبرالية انطلاقا من مملكة قطع الرؤوس ....

على العموم هو نفسه حازم صاغية الذي تحدث في الماضي عن (أصالة) الثورة الايرانية, قبل ان يكتشف فجأة (حب الحياة) و (فوائد النفط), و (مكرمات خالد بن سلطان)

أتحدث كعراقي عن الثورة الايرانية التي لا أجادل أنها ثاني ثورة بعد الثورة الفرنسية من حيث مشاركة الجماهير فيها وعمق التغيير الذي أحدثته في الداخل الايراني وفي المنطقة بشكل عام.

فهي بالتأكيد ثورة وليست انقلابا عسكريا في ليل.

ولكنها أيضا ثورة مغدورة حين اختطفها رجال الدين وأحكموا قبضتهم عليها لتتحول الى مجرد سلطة قمعية تسلطية لا تختلف عن سلطة الشاه، بل ان الشاه أصبح معمما هذه المرة.

هذه الثورة التي لم تعد ثورة ولا يحزنون كانت شرا وبيلا على وطني، وبسببها اندلعت أطول حرب في تاريخ المنطقة.

وقد استغل الطاغية صدام هذه الحرب ليشعل أول حرب طائفية في المنطقة منذ قرون وهي الحرب التي مازالت أوارها مشتعلة حتى الآن.
ومن يعود الى تلك الفترة ويرصد المؤتمرات التي كان يعقدها المقبور ويجمع فيها رجال دين على استعداد لبيع نفوسهم بأرخص ثمن سيلاحظ الكم الكبير من الفتاوى والمنشورات والكتب التي تؤجج نار الطائفية وتلهب حماس الطائفيين.

ان الزمن الطائفي الذي نعيشه حاليا ونكتوي بجحيمه يعود الى تلك اللحظة أطلق فيها المقبور على حربه اسم (القادسية) ليعيد عجلة التاريخ 14 قرنا الى الوراء بكل أحقاده وفساده ودمويته.

وبذريعة هذه الحرب استطاع صدام الذي كان يخطط لموازنة الوضع المذهبي والقومي باستقدام الملايين من المصريين والسودانيين والمغاربة والفلسطينيين وعرب آخرين أن يقضي على مئات الآلاف من الشيعة بدفعهم الى طاحونة الموت وإلأ فإنهم خونة وعملاء لإيران.

ووقتها أطلق خير الله طلفاح خال المقبور والمعروف بلقب حرامي بغداد بعدما سرق ما لا يعد من أملاك العاصمة التي كان محافظا لها قولته الشهيرة: هدو اجلابهم عليهم. أي اطلقوا الكلاب الشيعة العراقيين على الشيعة الايرانيين ليموتوا ونتخلص منهم على طريقة فخار يكسر بعضه.

ورغم ان خميني كان على اطلاع بطبيعة الضحايا العراقيين إلا أنه رفض وقف اطلاق النار وصم سمعه عن النداءات العربية والاسلامية والدولية التي تطالب بوقف الحرب ولم يوقفها إلا بعد أن تأكد من خسارتها لأن أمريكا وأوربا والغرب بأجمعه ولحسابات خاصة به ألقى بكل ثقله الى جانب نظام صدام لأنه كان يخوض هذه الحرب بالنيابة عنهم.

لقد تسببت الثورة الايرانية بخراب المنطقة وجرت عليها الويلات وهي التي عززت الوجود الأجنبي في الخليج، ونتيجة لسياسات قادتها الظلاميين المتعصبين دخلت دول المنطقة في صراعات لم تهدأ بعد.

وكان أسوأ ما أقدمت عليه الثورة الايرانية رفعها شعار (تصدير الثورة) لتستعدي بذلك دول المنطقة التي اضطرت للعودة الى سياسة المحاور والتحالفات، خصوصا مع الولايات المتحدة وبريطانيا لحماية نفسها.

هذه الثورة وبعد مضي 30 عاما على قيامها تجد نفسها في صراع مع العالم كله، ولا يوجد من يقف معها الا الدول التي تراعي مصالحها مثل روسيا أو تمارس السياسة الشعبوية كفنزويلا.

لقد تحولت من ثورة الى كارثة