{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
خفة الموت, صحوة الألم.
هرمز غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 1
الانضمام: Feb 2002
مشاركة: #1
خفة الموت, صحوة الألم.



"نحنحة"
العام الفائت, أو أقرب قليلاً من زحف مساء الخميس على عنق هذه السنة الجديدة. بالكاد قبيل أن تكون هناك أرضٌ فسيحة يمدٌ عليها صوته, ويفرش في حقولها وأزقتها رئتيه, ولا يُقتفى أثرٌ للذاكرة.
وقد كان قبلها أقل حلماً وأشد فزعاً.
قبل هذا كله, وقبل أشياء كثيرة لم يعد يتذكرها جيداً, أوقد النار, وكأنه يؤثث بها موتاً يزدهر في أعضائه.

"توطئة لعين الشمس"
تسللت الشمس متثائبة, واختبأت بعيداً عن عيني حجرة منزوية- تغتسل بظلمة رائقة تخترق أحشاءها روائح باذخة تفوح من شموع وضعت بعناية في أماكن خفية- ذات ستائر برتقالية, وحاجب سميك للضوء, غير جدير بكتم الأسرار والنوايا. تطل نافذتها الصغيرة غرباً على شجرةِ نبقٍ هرمة وبابٍ يفتح شمالاً, يحرس بحميمية مطلقة أعقاب سجائر مهملة, وقصاصات صحف بالية, وأتربة تكومت على جانبيه.

"استدراك للقمر"
أذعن القمر لحفيف الأشجار في آخر المنحدر المتعرج شرقاً, وظهر مُرهفاًً خلفهم, وبان لون الجمر أحمراً ناعماً وشهياً تحت يديه الباردتين. رتبّه بمهل مفتعل, ولملم أطرافه السوداء حول حواف الموقد النحاسي العتيق, وأشعل سيجارته غارساً رأسها بخفة في قلب جمرة خجولة توارت خلف طبقة شفافة من الرماد الأبيض المثلج.. ثم هيأ عنقه للسماء.
"شهادة "
" وانا بايام الصحو ما حدا نطرني"..كان هذا المقطع القارص من أغنية "قد ايش كان فيه ناس" للسيدة فيروز, الذي زيَّنَ عنق المساء بوشاح أحمر خفيف من الحرير, المطرزة حوافه بحبات صغيرة من اللؤلؤ على شكل سطر رقيق, آخر صوتٍ نفذ إلى أذنيه قبل أن تكبله النار ويستدرجه الدخان إلى فخِ موتٍ فادحٍ يتربص به. تذكَّر أنه قبل ذلك, قد فزع من لجة عينين مرتبكتين, غابتا داخل ضجيج من الكسل الأصفر طفا على وجهه, ليصاب بحالة تشنج مروعِّة.

"بخصوص الحدث"
كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساءً حين قفز قلبه فجأة من مكانه ليتربع داخل حنجرته الجافة, وراح يخفق بسرعة عالية على جانبي رأسه العَثِن..ترنَّح بطريقة بلهاء, ودوى وقع سقوطه على الزجاج!
رأى نفسه مستلقياً على جنبه الأيمن, فوق عتبات كبيرة وعالية من الحجر المتجعد المترع بالماء البارد, والمرصوص بمهارة مترفة, منفلقة فتحاته الرقيقة عن عشب خشن متشابك الأطراف, وأزهار بهية, ذات روائح زكية.

-انهض!! وتقاسم أرض الله!
مال بوهن شفيف نحو الصوت,وشاهد من خلف غشاوة لزجة ملأت عينيه, رجلاً ضخماًٍ, بيده سكيناً طويلة, يقف أمام امرأة عارية لم ينزع عِجارها,معلقة بحبال سميكة من رسغيها على عارضة خشبية متينة, وينكفئ وجهها المحفوف بزغب مضيء على صدرها. التفتَ الرجل إليه مقهقهاً وهو يغرس نصل سكينه بمهارة عالية تحت الثديين, محدثاً شقاً كبيراً فجَّر البطن عن أحشاء ساخنة, وأمعاء ممتلئة, وبسرعة فائقة نظّف ما تناثر من جوف المرأة, وأبقى الكبد معلقة بزهو ونضارة تامين. أخذه من يده, ورفعه بشفقة متناهية حتى صار نصف واقفاً. أدخل رأسه في جوفها ليستعيد تدريجياً جزءاً من وعيه, بعد أن تشبع صدره برائحة الأبخرة الدافئة المنبعثة من اللحم الطري الطازج. سحبه برقة وهو يربت على ظهره, ودسَّ في فمه قطعة كبيرة من الكبد وهو يشير بيده الأخرى إلى نهاية الدرج. لاكها باشتهاءٍ طاغٍ وهو يصعد العتبات العالية التي انتهت أمام سورٍ عالٍ, من جذوع أشجار الصنوبر المتلاصقة, و المطعمة حوافها بالذهب, وتتكئ أطرافها على دعائم من صخور الجرانيت الصلبة.

شاهد سلسلة طويلة من الحرس المدججين بالسهام, والرماح, منتصبين بشموخ مهيب أمام السور. اقترب منهم بارتباك واضح, ولكنه لم يقدر على تمييز هيئتهم بسبب الضباب الكثيف الذي حال بينه وبينهم. رجع قليلا للوراء, وأسند ظهره على صخرة كبيرة, وانتظر حائراً تحت وطأة قلق شاحب, لا يعرف ماذا يفعل, حتى سمع صهيل أحصنة مضطربة مرت من خلفه وغمغمات متناثرة.حاول أن يتصنع هدوءاُ متوهجاً يسيطر به على عينيه المبعثرتين, وقلبه المعلق من فمه, وحين غابت الأصوات بعيدا, تدلّى من أعلى السور طرف سلم من مسد سميك مشبع بالزيت الكثيف. صعده بعد إيماءة متذمرة من أحد الحراس الذي تقدم إليه بخطوات صارمة, وظلَّ يحملق به بازدراء بغيض, وتبعه حتى تيّقن من صعوده ووصوله للأعلى.

"مهمة البطل"
لم يعد يعي كم مضى من الوقت بعد سقوطه أرضاً وغيابه التام عن الوعي, أحس أن روحه تراوغُ بخبث وألم حادين, تنسلُّ من عينيه المنهكتين ببطء بليد, وتهجم عليه بفضح كامل من خلال فمه الرخو المشرع للصدف والمفاجآت. هكذا مراراً وتكراراً, وهو عاجزٌ عن الحركة, وفخذاه يرتجفان ويحضنان كفيه المتلاصقتين والملطختين بالدم.كان يرغب بالصراخ من شدة الألم والمرارة, ودَّ لو أنه قدِر على شتم يوم مولده, وأبيه, وأمه, وبابه الموصد, وهاتفه الذي خذله لأول مرة. رغب بتمزيق جميع الأسماء الهلامية التي تورِدُها أمه في تعويذاتها وأدعيتها اليومية, تمنى لو استطاع بنشوة وشغف تامين حرْق هذا الكائن الخرافي الذي رتَّبَ له موتاً غير محق,

يهرب عن قلبه كسعال حثيث, وهو يتأرجح بين ألمٍ وخطيئة.
فتح عينيه مذعناً للون قاتله الأزرق وهو يلبسه, رآه يقبض على عنقه بيد تمور شراسة, و يولج صمته صخبه وعنفوانه, ليتوحدا سوياً كطائرين مبتلين بالزيت. أدخل القاتل لسانه في فم ضحيته وغمغم بكبرياء بهيج:
ليتك تدرَّبت جيداً على الطلقة المخاتلة!
ماذا لو أنك تمرَّنت بإتقان مفرط كمحارب قديم قبل أن تفشل في معركتك الأولى معي؟
كشاهد حقيقي على هزيمتك النكراء أمام جثتك المكتنفة بصمت أبدي, كنتَ تهذي بملء عينيك المجدولتين بالخيبة, قائلاً:
الحياة طلقة يا رسول النار.. الموت, إن أفزعك الدويُّ فحسب!

أخذت رائحة قاتله تنتشر داخل جسده, وتتمدد حتى نهاية أطرافة الفائضة بالسكون, حاوَلَ أن يتحلى بثقة عالية وفكر متزن حين تدلّى لسانه مرة أخرى مصحوباً برعشة فاترة, وقال بنبرة يائسة يملؤها الهلع, وقطرات القيء الحامض تنزلق من فمه:
ها أنا أخيراً أفرغتُ لك انكساري وهشاشتي, وما غُرس في قلبي من شراك, وما تعلق في حلقي من كلمات مالحة.. خذني وأعدني إليها كرةً أخرى..خذني بعيداً عن طعم فضيحتي..خذني! أرجوك.

"ما بعد الأرض"
لفح وجهه هواء بارد ورطب, وهو يحاول الحفاظ على اتزانه فوق حافة السور العريضة, وعيناه تحومان كطائر شريد وجائع تحت ظلال رقيقة من الغيم المتطاير, والأشجار العالية. شعر بالسلم يهتز بجواره, وصوت ناعم يخاطبه باسم قديم له.أرهف سمعه, وأمعن النظر للأسفل حيث رأى امرأة سمراء تمتطي حصاناً أبيضاً تلوّح له بعذوبة تطلب منه النزول. تمسّك بالسلِم المتدلي بطريقة محكمة, وراح ينزل مجفلا كأنما يخترق حلما شنيعاً يتلعثم أمام عينيه المخنوقتين.

أخذ النور يتلاشى تدريجياً كلما زاد هبوطه, وبات لا يرى إلا جبالا عالية من الغيوم الداكنة, وطيورا رصاصية كبيرة تخترق طبقات الغيم السميكة, ثم تعود مقتربة منه وتصفق بأجنحتها فوق رأسه وهي تقهقه بطريقة شيطانية. صارت رجلاه ترتعشان, وركبتاه ترتجفان, وسرت في جسده رجفة متقدة نهشت قلبه, وخيوط متشابكة من الرهبة والفزع أفقدته القدرة على النظر, حتى انتهى السلم إلى فضاء سحيق من الرعب تعلقّ به, وتأرجحت فيه قدماه.


"تهيئة"
-اهبط! هنا, أرض الله!
شعر بلسان عريض ودافئ يلعق باطن قدميه الحافيتين وهما تحاولان بجهد الوصول للأرض, ويد امرأة تسحبه للأسفل. انزلقت يداه, ووقع خلفها فوق الحصان, وتشبث كلياً بظهرها.
-لا تخف! سنكون هناك عند الفجر, حين تصل إليه, قبِّل الأرض تحت قدميه, واقرأ ما تيسر من لسانه, خذ قليلا من الزيت وادهن به شَعرك ووجنتيك وطهِّر خطاياك ببضع رشفات من النبيذ المقدس. ستكون بين نهرين حين تراه جالساً أمامك, أدخل يدك اليمنى في جيبك وخذ كسرة الخبز وغمّسها في النهر الضيق على يمينك, ثم ضعها فوق حارك الحصان وانتظر أن يُحكم بينكما!

"مرافعة"
..........................
..........................
..........................

"النطق"
الليل نافذتك,
اهبط! ولك مجد ربيع ضحكاتهن.
طوبى للجسد, إذ تتخذه الفراشات مساكن وأحلام.
يا ابن الأرض:
هن خواتم الكمال,
دونك جنتهن فاذهب بسلام!

هرمز

الرياض
نوفمبر 2006
03-22-2007, 09:54 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  ثنائية الموت والحياة في مدينة كغزة . لواء الدعوة 0 532 04-26-2013, 03:05 PM
آخر رد: لواء الدعوة
  رقصة الألم..! حزني غضب..! قناع الهيثم 3 1,460 11-24-2010, 01:41 AM
آخر رد: ابن لأعظم اب
  صفقة مع ملك الموت...! Hossam_Magdy 3 710 04-02-2006, 02:44 AM
آخر رد: Hossam_Magdy

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS