حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $jumpsel - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Trying to access array offset on value of type null - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$forumjump_select - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined variable $avatar_width_height - Line: 2 - File: inc/functions_post.php(344) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(344) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 344 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumrcvtyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumptyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumtyls" - Line: 602 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 602 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "posttime" - Line: 33 - File: inc/functions_post.php(947) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(947) : eval()'d code 33 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 947 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval





{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الاقتصاد النووي، تحدي بروميثيوس للعرب
shahrazad غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,613
الانضمام: Jan 2004
مشاركة: #1
الاقتصاد النووي، تحدي بروميثيوس للعرب
EIR
مجلة إكزكتف إنتلجنس ريفيو وحركة لاروش
www.nysol.se/arabic
E-mail: eirarabic@nysol.se
P.O. Box 11918
16111 Bromma, Sweden



تقرير خاص عن الاقتصاد النووي
اقتصاد النظائر
يناير 2007


بروميثيوس والعرب

الاقتصاد النووي طريق المستقبل

قد يتسائل البعض، لماذا ينشر العرب العاملون مع السياسي وعالم الاقتصاد الأمريكي ليندون لاروش، في هذا الزمن الصعب المشبع بالمآسي والاحتلالات وخطر الحروب الأهلية والتطهير العرقي من العراق إلى فلسطين ولبنان والسودان والصومال وعودة إلى الخطر الداهم الذي تشكله خطط إدارة بوش وبالذات نائب رئيسه ديك تشيني بقصف البرنامج النووي الإيراني وإشعال حرب إقليمية شاملة، نقول قد يتسائل البعض عن سبب نشر تقرير خاص عن قضايا فيزيائية مكانها في المختبرات وليس الشارع السياسي. نجيب على ذلك بالقول إن سلسلة التقارير التي نشرناها منذ التقرير الأول في أغسطس 2006 الذي تناول العدوان الإسرائيلي على لبنان، والتقرير الثاني بعد توقف العدوان حول الأطر الواجبة للسلام والتنمية الاقتصادية في المنطقة، وهذا التقرير الذي بين يدي القارئ الآن كل لا يتجزأ وسلسلة متواصلة من الأفكار والتحليلات التي لا يمكن فصل بعضها عن البعض برغم ما يبدو للعديد من العرب، للأسف، من عدم ارتباط بين السياسة والاقتصاد والعلوم والفلسفة.

إذا كنا ننظر إلى وضعنا ووضع العالم والتاريخ سنكتشف أن وجودنا كبشر أولا ومسلمين ثانيا وعرب ثالثا بعين الصدق والمسؤولية، فسنجد بأن علينا أن لا نفرق بين أي من هذه المواضيع وأن علينا أن تعلم ونتقن كل هذه العلوم والأفكار حتى نخرج من مآزقنا السياسية. نعم، بدون التبحر في الفكر والفلسفة والفيزياء والموسيقى وعلوم الحياة وعلم الفلك، إلخ، لن نتمكن من الخروج من وضعنا الحالي. نعم، هناك نظام عالمي ظالم، وسياسات إمبريالية فرضت واقعا معينا على العرب والمسلمين، وهذا ما نحن بصدد محاربته مع حركة لاروش بكل قوانا داخل الولايات المتحدة وأوربا مثلما يعرف أي عربي مطلع. لكن هذا لا ينبغي أن يكون عذرا أو مانعا يبعداننا عن واجبنا كمؤمنين عن توجيهات خالقنا وديننا بطلب العلم وعمارة الأرض واستخلافها وحتى الخروج في أركان الكون الفسيح بدءا بالمجموعة الشمسية التي نحن فقط من سكانها المحليين. قد يكون العراق وفلسطين تحت الإحتلال ولبنان تحت سيف مسلط من إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا والخلافات الداخلية، لكن ما بال بقية الدول العربية لا تستثمر وقتها وثرواتها البشرية والمادية في التقدم العلمي والصناعي.

لقد حان الوقت لأن يواجه العرب مسؤولياتهم تجاه أنفسهم وتجاه أجيالهم القادمة وشعوبهم وتجاه البشرية، مثلما حملها المسلمون في عصر النهضة الإسلامي من سمرقند إلى بغداد ومصر وإلى المغرب والأندلس. إننا نرى وللأسف من المسلمين من يلتجيء إلى التطرف الديني والقبلي وحتى الطائفي ويتخذ الدين عذرا للتخلي عن مسؤولياته الحقيقية تجاه الله والإنسانية كما وصفناها هنا، بحجة طاعة الله. إن ما يريدون عمله هو التكاسل عن تلك الواجبات وإلقاء مسؤولية أفعالهم أو عدم فعلهم وتقاعسهم على الدين. القضية الأساسية التي يجب أن يستوعبها كل عربي يعتبر نفسه مواطنا صالحا في بلده ومواطنا عالميا لكل الأمم هي معنى المواطنة الحقيقي بمعناها التاريخي، وليس فقط ما مكتوب في بطاقة الهوية أو جواز السفر.

ما معنى أن تكون مواطنا؟

ما تعنيه المواطنة أولا وفوق كل شيء هو أن يحمل الفرد المسؤولية تجاه أمته الآن ولمستقبلها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا. ينطبق الأمر ذاته على المسؤولية تجاه البشرية جمعاء. إن هذا ما قد يمنحنا الخلود. أن نهب حياتنا لإسعاد الآخرين وتحسين حياتهم وفهمهم للكون. على الفرد أن يتعلم ويستوعب أحسن ما جاءت به أمته والأمم الأخرى من فكر وعلم وفن، وأن يطوره ويهديه مجددا، أجمل وأحسن مما كانت عليه حين استلمها، إلى الأجيال اللاحقة. هكذا يكون لحياتنا معنى وقيمة إلى الأبد.

السيادة فرديا ووطنيا

أن يأخذ الفرد هذه المسؤولية تجاه التاريخ هو المعنى الحقيقي لأن يكون الفرد مواطنا ذا سيادة، مواطنا عالميا ذا سيادة. لكن ماذا يعني أن يكون المرء سيد نفسه؟ بنظري، السيادة تعني، القدرة التي تولد معنا لأن نصبح فاعلين مبدعين وخلاقين ضمن عملية الخلق الكبرى وأن نساهم في عملية تطور هذا الكون. في الفكر المسيحي، يدلل على ذلك بفكرة "أن يكون الإنسان في مثال الخالق" (سفر التكوين من 1:26 إلى 1:28 خلق الإنسان والإستخلاف في الأرض) أما في الإسلام فهو أن يحمل الإنسان "روح الخالق في داخله" (إقرأ سورة الحجر من الآية 28 وسورة ص الآية 71 والبقرة من الآية 30 حول سيرة خلق آدم واستخلافه) على سبيل المثال لا الحصر. هذا يعني أن يستثمر الإنسان هذه القدرة الإبداعية وأيضا محبته غير المشروطة للخالق وجميع البشر لينمي معرفته بالكون وطبيعة الإنسان وأن يحسنهما.

الصراع من أجل الحرية

هذا يعني أيضا أن يكون لدى الفرد الحرية لتطوير تلك القدرة العقلية الإبداعية. لقد شهد تاريخ الإنسانية الطويل صراعا طويلا ومريرا، ودمويا أحيانا كثيرة، من أجل أو ضد تلك السيادة. ففي جانب تقف العبودية وأفكارها: الفكرة الإمبريالية لمجتمع تسيره نخبة صغيرة تسيطر على مقدرات وحياة عدد كبير من العبيد أو قطعان البشر التي يجب إبقاؤها دائما بعيدا عن نور العلم والحرية والتطور. ذلك هو ما نسميه في حركة لاروش "المجتمع الأوليجاركي".

على الجانب الآخر نجد دائما الفكرة الإنسانية السامية الجمهورية لمجتمع أفراده أحرار أو يسعون نحو الحرية بالمعنى المذكور أعلاه وليس المعنى العبثي. يمنحنا تاريخ اليونان صورة درامية وفنية لذلك الصراع، وعلى أي ساحة قتال يدور هذا الصراع التاريخي. كما يعطينا صورة واضحة لسمو الشعوب أو انحطاطها إلى الدرك الأسفل من الحروب والجهل والمرض. في مسرحية "بروميثيوس مغلولا" للمسرحي اليوناني أسخيلوس (525-456 قبل الميلاد) نشاهد الانتفاضة اليونانية ضد نموذج الإمبريالية والعبودية. حيث يصدر الحكم على التيتان بروميثيوس (نسل خاص من الآلهة) من قبل الإله الطاغية زيوس بالعذاب الأبدي مغلولا إلى صخرة على قمة جرداء من قمم جبال القوقاز حيث يأكل نسر جارح كبده كل يوم، فيلتئم ليلا، حتى يعود النسر في اليوم التالي ويأكله من جديد. ولأن بروميثيوس خالد لا يموت، قرر زيوس أن يكون عذابه أبديا. لكن ماذا كانت "جريمة" بروميثيوس حتى يستحق عليها كل هذا العذاب؟ "جريمته" هي أنه أعطى للبشر الفانين (الذي حكم عليهم زيوس بالعيش في فقر وجهل) ليس فقط هدية النار التي تعلموا منها الحدادة والأعمال اليدوية العديدة وبناء البيوت من الطوب ليحسنوا من معيشتهم ويخرجوا من العيش كحشرات في المغاور، بل وأيضا علمهم السفر في أصقاع الأرض عن طريق الاهتداء بالنجوم فتعلموا الفلك وعلم العدد واللغات والشعر والفن والطب والعديد من المعارف. كان بروميثيوس يريد لهم الانعتاق من حياة العبيد تحت سلطة إله طاغية. ذلك الطاغية زيوس هو مثال النموذج الأوليجاركي.

تلك الحرية للإنسان الفرد، من أجل تطوير القدرات الإبداعية إلى أقصى درجة، هي الحجر الأساس للحضارة الإنسانية عبر العصور. لقد شاب التاريخ الإنساني الكثير من المآسي الناتجة عن الفكر الأوليجاركي، الذي كان أساس الإمبراطوريات القديمة والحديثة، مما أخر التقدم البشري كثيرا، لكن عصور النهوض من مصر القديمة إلى اليونان وإلى النهضة الإسلامية وإلى عصر النهضة الأوربي تخرج الإنسانية من الظلام إلى النور برغم كل الصعاب. واليوم، تبقى المسألة هي ذاتها، لم تتغير إلا في بعض مظاهرها الخارجية.

من أين تأتي سيادة الأوطان؟

لكن مثلما تسكن الروح في جسد، يحتاج الإنسان الفرد وعاءا يحميه ويغذيه، ويحمي ويغذي حريته من أجل التطور والإبداع. أصبح هذا الأمر ممكنا، في التاريخ الأوربي الحديث، مثلا، عبر نمو الشكل الحديث للدولة الوطنية. لقد ولدت الدولة الوطنية الحديثة في أوربا عبر صراع مرير من أجل السلام والعدالة بعد مئات السنين من عصور الظلام والحروب الصليبية التي قادتها وأدارتها إمبراطورية البندقية والانهيارات الاقتصادية وانتشار الأوبئة والحروب الدينية الداخلية الأوربية حتى حلول سلام ويستفاليا عام 1648. تم هذا برغم كل المقاومة ضد فكرة الحرية من قبل الأوليجاركية الإقطاعية الأوربية. وجاءت الثورة الأمريكية عام 1776 ضد الإمبراطورية البريطانية وتأسيس جمهورية الولايات المتحدة كتتويج لذلك الصراع. لكن مما يؤسف له هو أن ذات الولايات المتحدة التي كانت شعلة للأمل وقلعة للحرية، انحدرت في العقود الأخيرة نحو الفكر الإمبريالي الأوليجاركي، لكن االصراع من أجل تخليص الولايات المتحدة من ذلك الكابوس لا يزال قائما وفرص النجاح أكبر بكثير مما يتصور غالبية العرب.

إن الكثير مما تبدو محاولات "دولية" لخلق توازن في العالم باسم الأممية، وعادة تحت علم الأمم المتحدة ومنظماتها، ما هي إلا محاولات خبيثة لنزع السيادة القومية عن شعوب العالم المتحررة سابقا أو حديثا من الإستعمار ووضعها مجددا تحت سلطان نخبة عالمية تخدم مصالح الطبقة الأوليجاركية المالية والاقتصادية العالمية. الكثير من برامج "التنمية المستدامة" من قبل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي هي محاولات لإبقاء شعوب العالم تحت مستوى محدد من التطور التكنولوجي والعلمي والصناعي. أما إذا حاولت أمة من الأمم، خاصة من العالم النامي، الخروج من تلك السيطرة والأخذ بزمام العلم والمعرفة والتقدم الصناعي، اجتمعت ضدها كلاب الأوليجاركية لوقف ذلك التقدم والاستقلال، تحت مسميات عديدة، عسكرية علنية أحيانا مثل اسلوب إدارة بوش الحالية، أو ودبلوماسية مبطنة خبيثة مثل الحكومة البريطانية تحت حكم توني بلير مثلا، أو الحركة البيئية الخضراء الممولة والمدعومة سرا وعلنا من قبل الأوليجاركية. لكن الهدف هو واحد.

البرنامج النووي الإيراني مثالا

قل ما شئت عن النظام الإيراني وطبيعته، تبقى القضية حق إيران المشروع في الحصول على التكنولوجيا والمعرفة النووية، واستخدامهما في تطور الأمة الإيرانية. تأمل في قضية إيران اليوم في ضوء الدراما البروميثية التي ذكرناها سابقا. قبل كل شيء، تم التلاعب بهذه القضية من قبل مؤسسات أنجلوأمريكية حول حكومة بلير وإدارة بوش وتشيني من أجل تحويلها إلى أزمة سياسية وعسكرية عالمية. لم يكن هناك أي سبب عملي وجيه لخلق أزمة حول البرنامج النووي الإيراني، سوى رغبة الأوليجاركية المالية العالمية الأنجلوأمريكية (وكلب حراستها الإسرائيلي) في استمرار الحرب الدينية الدائمية ضد الهدف الجديد المتمثل "بالإسلام" بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. إن سبل تحري ومراقبة البرنامج النووي الإيراني للتأكد من نوايا إيران للحصول على "أسلحة نووية" كانت مفتوحة ومتاحة. لكن هذا هو ليس سبب "الأزمة".

لكن قضية البرنامج النووي الإيراني مهمة من ناحية أخرى، للقضاء على الكثير من الأحكام الغربية المسبقة ضد الشعوب النامية والمسلمين، وكذلك الكثير من الافتراضات المغلوطة والنفاق المنتشر في الغرب خاصة في الأربعين عام الماضية. كما سيكتشف قارئ مقالات كتابنا الأمريكيين في هذا التقرير، فإنه قد تم شن حرب شعواء ضد التقدم العلمي والثقافي والصناعي في أوربا والولايات المتحدة ذاتها، من قبل نفس القوى الأوليجاركية التي تريد تدمير إيران ومنطقة جنوب غرب آسيا عموما. لقد تم شن حرب ثقافية في الغرب لغسل دماغ شعوب الولايات المتحدة وأوربا وتحريكها ضد التقدم العلمي والصناعي، وبالتالي منع انتشار التقدم والتنمية في بقية العالم، وذلك للإبقاء على تبعية تلك الشعوب للمصالح الاقتصادية في الغرب. لقد قامت حكومات بعض الدول الغربية مثل ألمانيا وإيطاليا والسويد وبدرجة ما الولايات المتحدة إما بتجميد أو وقف برامجها النووية المستقبلية بسبب الهستيريا التي أشيعت في السبعينات والثمانينات خاصة في أوساط الشباب. إن أهمية الولايات المتحدة وأوربا علميا وتكنولوجيا كبيرة بالنسبة لتطلعات التقدم العلمي في لعالم النامي. لذلك يجب تشجيع استمرار التقدم في الغرب في واقع الأمر. لأن دول القطاع النامي لم تكتمل قدراتها بما يمكنها من إنجاز تقدمها العلمي والصناعي منفردة. لذلك فإن التعاون، وليس التبعية، سيفتح آفاق التعايش والسلام بين شعوب الغرب والشرق والشمال والجنوب. كل ذلك يتطلب خلق نظام اقتصادي عالمي عادل وجديد للتعاون بين شعوب الدول الوطنية المستقلة ذات السيادة.

إن مقولة "أن إيران ليست بحاجة إلى الطاقة النووية لأنها تملك النفط والغاز"، ليست فقط مقولة غبية من الناحية العلمية والاقتصادية، بل أنها تحمل معها آثار العنصرية الأوربية ضد العرب والمسلمين وكل من كان ذا بشرة أكثر سمرة. فالصورة النمطية للعربي أو المسلم التي خلقها الإعلام المغرض، لاصقة باللاوعي عند العديد من الأوربيين والأمريكان للأسف. ولن يغير ترديد العرب كالببغاوات لتلك المقولات في تغيير تلك الصورة. إن إيران أمة كبيرة ولها تاريخ موغل في القدم وقدمت الكثير عبر تاريخها ماقبل الإسلامي والإسلامي لتقدم الحضارة العالمية. إن سكانها الثمانين مليون قريبا، ومعظمهم من الشباب، لديهم احتياجات هائلة من الطاقة والمياه والتكنولوجيا الصناعية والزراعية والطبية. إن من حق شعب إيران الشرعي أن يمتلك ناصية تلك المعرفة التي اكتشفها وطورها الإنسان بإجازة وترخيص من خالق الكون، وليس لأحد من البشر أن يحتكرها أو يمنعها عن أحد.

إن من مصلحة الدول العربية والغرب أن يشجعوا إيران ودول أخرى أن تسير في نهج التقدم العلمي والصناعي. لقد أسعدنا أن يكون الجواب على مطالبتنا (في تقريرنا السابق) الدول العربية بالتوجه نحو التكنولوجيا النووية كطاقة وتكنولوجيا للمستقبل، إعلان دول مجلس التعاون الخليجي واليمن عن نيتها البدء ببرامج نووية جادة. ونرجو أن لا يكون ذلك مجرد دعاية للاستهلاك الداخلي في ظل الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة حاليا.

كما أسعدنا عقد الندوة الإقليمية الأفريقية حول الطاقة النووية باعتبارها جزءا من عملية التنمية المستدامة للقارة في العاصمة الجزائرية في الثامن من يناير هذا العام. ونحن نتأمل المزيد من هذه المبادرات الشجاعة والمتميزة، وعلى جميع العلماء والباحثين والمختصين والسياسيين بغض النظر عن مواقفهم تجاه الحكومات والحكام أن يدعموا هذه التوجهات، لأنها بالأخير تصب في مصلحة الشعوب وليس الأنظمة.

إننا نوجه دعوة صادقة عبر هذا التقرير إلى جميع الباحثين والطلبة والسياسيين العرب، بأخذ المسألة مأخذ الجد والتعاون والتباحث معنا في حركة لاروش، لما تحمله هذه القضية من معاني ليست اقتصادية فحسب، بل وفكرية وثقافية وسياسية وأخلاقية أيضا. إن سيادة الفرد وسيادة الأمم ستكون على المحك في الفترة القادمة، ولا ينبغي للعرب إلا أن يكونوا سباقين في هذا المضمار.

حسين العسكري
4 يناير 2007

***

مثل برنامج كندي للهبوط على القمر

بقلم ليندون لاروش
Lyndon H. LaRouche
27 سبتمبر 2006

(تقديم لمقالة الدكتور جوناثان تينينباوم عن اقتصاد النظائر)

إن نشر بحث الدكتور جوناثان تينينباوم في هذا العدد من مجلة إكزكتف إنتلجنس ريفيو، يهدف إلى مساعدة حكومات القارة الاوراسيوية وغيرها في تحضيرها للمناقشة التي ستجري قريبا في مؤتمر دولي يعقد في كل من واشنطن وبرلين (*1) بالتزامن في 31 أكتوبر. قد لا يكون معظم السياسيين والمسؤولين الذين سيحضرون المؤتمر من المختصين في المجالات المذكورة للفيزياء النووية، إلا أن التوصيات السياسية التي يطرحها الدكتور تينينباوم هي من نوع التوصيات التي ينبغي أن توضع على الأجندة العالمية ليتم تبنيها وتنفيذها فورا.

في ضوء حقيقة كون المؤسسات العالمية المالية والنقدية الحالية غارقة في مصيدة عملية انهيار وانحلال متسارعة، فلا بد من وضع البدائل المناسبة الآن في مركز النقاش. يهدف هذا المقترح إلى تبنيه في المدى المنظور كأداة إرشاد للسياسات. على هذا يمكننا تعريفه باعتباره نواة جوهرية في علمية تنظيم بديل قابل للحياة وطويل الأمد لما نشهده من انهيار للنظام العالمي الحالي.

إن القضية المطروحة هنا، كما شددت على ذلك مرارا في مناسبات رسمية وغير رسمية، هي أن المعدل المتسارع لاستهلاك البشرية للموارد المعدنية الأولية وغيرها من الموارد في المجال الحيوي (البيوسفير) سيتطلب منا أن نتوجه نحو أبعاد جديدة من الإجراءات من أجل استخدام وإعادة ملئ احتياطياتنا مثل المياه الصالحة للشرب وغيرها من الموارد على كوكبنا. إن الجهود المبذولة لتقنين ما يظن أنها كمية ثابتة من احتياطي ما تسمى الموارد "الطبيعية" هي جهود زائفة، وأكثر من ذلك هي الآن عقيدة خطرة. فبدلا من اعتبار الموارد ذات العلاقة على كوكبنا على أنها كمية محدودة، علينا أن نحمل على عاتقنا مسؤولية قيام الإنسان بخلق الموارد الجديدة التي ستكون أكثر من كافية لسد حاجات عدد متزايد من سكان العالم وذلك بمستويات متحسنة للإنتاج المادي لكل فرد والاستهلاك.

كما يوضح الدكتور تينينباوم المسألة، يمكن القول أن أنواع التقنيات التي ستكون كافية لسد الاحتياجات المذكورة للمستقبل المنظور للعنصر البشري هي تقنيات معروفة مسبقا. القضية هي أن ندخل ذلك الخيار إلى الممارسات العلمية التي يجب تغييرها نوعيا. هذه هي التقنيات التي يجب الاسترشاد بها لاستبدال الممارسات المفلسة التي دأب عليها الناس في العقود الأخيرة الماضية.

إن الغرض من نشر دراسة الدكتور تينينباوم في هذا العدد من المجلة هو تقديم نصيحة جيدة في الوقت المناسب للأمم التي سيشارك ممثلوها البارزون في مؤتمر برلين-واشنطن الذي تنظمه لجنة لاروش للعمل السياسي.

ملاحظة:

*1 توجد محاضر المؤتمر المذكور للقراءة وأيضا المشاهدة على موقع لجنة لاروش للعمل السياسي:
www.larouchepac.com























اقتصاد النظائر

بقلم د. جونثان تينينباوم
Dr. Jonathan Tennenbaum

تمهيد (*1)

إن موضوع هذه المقالة هو مكوّن أساسي من مكونات التعبئة الاقتصادية التي من المفترض أن تنطلق في المستقبل القريب إذا كنا نريد أن ننقذ العالم من الانهيار المادي والاجتماعي والسياسي الوشيك الذي لا يمكن أن يقارن بشدته على مستوى عالمي إلا مع ما حصل في أوروبا في الفترة السابقة لانتشار "الطاعون الأسود" في القرن الرابع عشر الميلادي.

المشكلة الأساسية المطروحة هنا هي كيف يمكننا التغلب على آثار التدمير الوحشي للإمكانيات الصناعية والعلمية ـ التكنولوجية العميقة, وأيضاً على المستوى التدريسي ومهارة القوى العاملة وقدرتها الإدراكية وهو التدمير الذي تم في كبرى الدول الصناعية في كل من الشرق والغرب من خلال سياسات العولمة وإعادة الهيكلة والخصخصة و "العلاج بالصدمة" و "المجتمع ما بعد الصناعي" خلال العقود الماضية.

إن أي برنامج جاد للتعبئة الاقتصادية وإعادة البناء يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار حقيقة أن المخزون الوحيد والأكبر والمرتبط حيويا بأعلى مستويات البحث العلمي والتكنولوجي والعمالة ذات التقنية المتقدمة والإمكانية الصناعية على كوكبنا يوجد داخل وحوالي قطاع الطاقة النووية لكلٍ من الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا واليابان وألمانيا وفرنسا والهند والصين وجنوب أفريقيا والأرجنتين والبرازيل وغيرهم. كما يوجد في مجالات مثل الفيزياء الفضائية وتكنولوجيا الفضاء والجيولوجيا والكيمياء العضوية المرتبطة ببحوث وتطبيقات الفيزياء النووية. ونظرا لطبيعة العلم النووي وجذوره وتاريخه وحاجات العالم في الخمسين سنة القادمة، فإن تعبئة القطاع النووي العالمي كرائد ومحرك للتعبئة الاقتصادية العامة للدول الرائدة في العالم لا بد وأن تتخذ شكلا خاصا.

بعد مناقشات مع ليندون لاروش (Lyndon LaRouche) ومع س. سوبوتين (S. Subbotin) من معهد كورشاتوف ومع إ ف. غاريف (F. Gareev) في المؤسسة الموحدة للبحث النووي في دوبنا, فقد اخترت أن أسميه "اقتصاد النظائر" ("Isotope Economy").

قبل ما يقارب قرن من الزمان برهن الباحثون اختباريا على أن العناصر الكيميائية الحادثة طبيعياً، والتي وضع ديميتري مينديليف (Dmitrii Mendeleyev) ترتيبها المتناسق في جدوله الدوري، لم تكن أجساما متجانسة بل أخلاطا لأنواع مميزة من الذرات ـ نظائرـ ذات سلوك كيميائي متطابق تقريبا ولكن بخاصيات فيزيائية مختلفة تماما.

أدى البحث في هذا " البعد الجديد " للجدول الزمني وعملية التحول للذرات المؤسسة لها, في آخر المطاف إلى اكتشاف الاندماج والانشطار وغيرهما من التفاعلات النووية، وإنجاز أول تفاعل نووي انشطاري سلسلي وأول أسلحة ذرية أثناء الحرب العالمية الثانية. واعتمدت عملية صنع هذه الأجهزة على فصل بين النظير الخالص "يورانيوم ـ235" (U-235) من اليورانيوم الطبيعي, وعلى التوليد الاصطناعي في المفاعلات النووية لأول كيلوجرام من البلوتونيوم ـ239 وهو جنس من الذرات لم يكن موجودا في بيئة الأرض الطبيعية قبل ذلك الوقت.

اليوم وبعد مضي اكثر من ستين عام على أول تفاعل سلسلي من صنع الإنسان, فإن إنتاج الطاقة على نطاق واسع من التفاعلات النووية الإنشطارية قد اصبح حقيقة في اكثر من ثلاثين دولة في العالم. يمكن تحديد ما يقارب 3000 من النظائر المختلفة، وأكثرها متولد اصطناعيا, ويستخدم اكثر من مائتين منها اليوم استخداما تجاريا. إن الرعاية الصحية الحديثة ونشاطات أخرى لا حصر لها ذات أهمية للمجتمع الحديث, ما كانت لتصبح واقعا ممكنا بدون استخدام حوالي مائة من النظائر المشعة المنتجة في المفاعلات النووية ومسرعات الجزيئات (particle accelerators).

في الوقت ذاته, غيّر إنتاج الأسلحة النووية وجه التاريخ تماماً, مؤديا إلى عهد ما يسمى بالحرب الباردة وخلق وضع أصبح فيه شن حرب بحجم الحرب العالمية الثانية أقرب إلى الانتحار عمليا. من المؤكد أن عددا قليلا حتى من بين أولئك الذين نصفهم بأصحاب الدراسات العليا اليوم من لهم علم تام بكيف وإلى أي مدى تشكل عالمنا بواسطة ما بدت في البداية وكأنها فوارق "متناهية الصغر" في سلوك العناصر الكيميائية.

مع ذلك فإن تطبيقات ما أفرزه اكتشاف الإشعاع والنظائر، الذي نما من فهم مينديليف "الكيبلري" (نسبة إلى يوهانيس كيبلر) للجدول الزمني, تفوق بكثير أي شيء شهده العالم حتى هذه اللحظة.

مثلما أدرك فلاديمير فيرنادسكي (Vladimir Vernadsky) وآخرون قبل قرن من الزمان, فإن اكتشاف مبادئ ديناميكية جديدة تفوق كيمياء الجدول الزمني ومتصلة بشدة بأصل نشوء منظومتنا الشمسية وأصل العناصر ذاتها, كان يعني إطلاق العنان لثورة جذرية في كل نواحي العلاقة ما بين الإنسان والطبيعة.

لقد وضع العلم قدرة جديدة في يد الإنسان: القوة لتوليد "نارٍ" أكثر تركيزا بملايين المرات من عملية الاحتراق الكيميائية التي كانت الأساس الرئيسي لوجود الإنسان الحضاري منذ هدية بروميثيوس الأسطورية؛ هذه القوة الجديدة كافية لإرسال سفينة تبحر عشرين مرة حول الأرض بما وزنه 55 كيلوجرام من الوقود فقط؛ وكافية مبدئيا, لإعالة مجتمع إنساني متنام أكبر عددا مما هو موجود اليوم بعدة أضعاف؛ ولكن أيضاً قوة لخلق ظروف فيزيائية على الأرض توجد فقط في النجوم وفي وسط المجرات؛ قوة تفتح الطريق في المستقبل غير البعيد لتوسيع نشاط الإنسان في أرجاء المناطق الداخلية للمنظومة الشمسية, ولاحقا في ما وراء المجموعة الشمسية.

إن بداية إتقان الإنسان للقدرة على تحويل العناصر الكيميائية وخلق حالات جديدة من المادة لم توجد من قبل على وجه الأرض وربما حتى في الكون كله, يثبت مرة أخرى أننا نعيش في كون أفلاطوني وليس أرسطوطالي. هذا كون فيه تكون العمليات هي الأساس؛ فيه لا يوجد شيء ثابت سوى التغيير ذاته, وهو كونٌ عندما نتعامل فيه مع أشياء مثل الذرات وما تدعى بالجزيئات الأساسية فعلينا أن نتحدث ليس عن "هذا" بل عن "هكذا" (حوار طيمايوس لأفلاطون). اليوم اكثر من أي "حالة مرحلية" مضت من تاريخ الاقتصاد الفيزيائي للإنسان يعتبر ظهور ما أسميه "اقتصاد النظائر" معبرا عن ظرف توجَهُ فيه الممارسات الاجتماعية بالضرورة نحو الأفكار الحقيقية: نحو المبادئ الكونية القابلة للاكتشاف والتي تحكم عملية تغيّر وتطور الكون، لا أن تكون موجهة بالدرجة الأساس نحو الأشياء المدركة بالحواس. هذا يعني نهاية المذهب التجريبي (*) والمذهب المادي.

إن لثورة مثل هذه، معاني وتأثيرات هائلة. وتحقيقها يتعارض بوضوح مع أي تسامح مع التنظيم الاوليجاركي غير العقلاني للمجتمع, حيث أن القرارات المهمة التي تتعلق بمستقبل الأمم ومصير الإنسانية ككل تقع رهينة لأهواء عدد قليل من الأسر ذات النفوذ والتأثير بينما تعيش الأغلبية الواسعة من الناس في جهل وعبودية. إن الثورة التي أعلن عنها فيرنادسكي باعتبارها عصر مجيء المجال العقلي (النوسفير Noosphere) والذي كان يراه مترابطا مع عصر الطاقة النووية المقبل, كانت تعني مجتمعا يعيش وتتمحور نشاطاته حول رؤية بروميثية لانفسهم (نسبة للشخصية الأسطورية اليونانية بروميثيوس، انظر مقدمة هذا المنشور )؛ ذلك يعني مجتمعا يتمحور نشاطه حول الاكتشاف العلمي الخلاق, مثلما تتمحور الكواكب حول الشمس. ذلك يعني شعبا متعلما تعليما عاليا وقادرا على حكم نفسه بالتشاور، ومنظما على أساس فهم العلاقة الديناميكية بين الفرد المستقل المبدع ذي السيادة والدولة المستقلة ذات السيادة، وعلى مصلحة الإنسانية ككل. باختصار، هذه كانت الفكرة للمجتمع التي كانت لدى لايبنتز و "بروميثيوس الامريكي" بينجامين فرانكلين (ضع صورة لفرانكلن وهو يجري تجاربه) في تصميمه لأول لجمهورية في العالم الجديد (أمريكا).

هذه النظرة لمستقبل الإنسانية ألهمت التفاؤل الهائل الذي ربطه الناس حول العالم مع الطاقة النووية ـ "الذرة في خدمة الإنسان" ـ في الشرق والغرب والشمال الجنوب. الرد على هذا التحدي جاء من قبل الأوليغاركية التي تنوي أن تكون مثل " آلهة الاوليمبوس", وكان واضحاً ووحشياً. منذ أواسط الستينيات من القرن الماضي ولاحقاً, شنت حرب نفسية وسياسية واسعة على المؤسسات والمجتمعات الصناعية وضد فكرة التقدم العلمي والتكنولوجي. إن الهجوم الذي ركز على الولايات المتحدة وبريطانيا واوروبا الغربية, كان قد أعلن عنه مسبقاً من قبل بيرتراند راسل (Bertrand Russel) ودوائره (** اقتباس من برتراند راسل حول النمو السكاني), وطبق من قبل المؤسسات المالية الانجلوأمريكية ووكالات الاستخبارات المقربة من العائلة الملكية البريطانية والدوائر الاوليغاركية على القارة الأوربية.

هذه الهجمة كانت هي الأساس في أصل انتشار "الثقافة المضادة" للشباب المتمثلة بثقافة موسيقى الروك والمخدرات والإباحية الجنسية, وحركة اليسار الجديد وثورة الطلاب عام 1968, والترويج المالتوسي (نسبة إلى توماس مالتوس) لسياسة "حدود النمو" لنادي روما وأيضاً حركة البيئيين "الخضراء" حول العالم. لقد اختارت هذه القوى {الطاقة النووية}, التي هي تجسيد للتقدم العلمي والتكنولوجي وإحدى أهم التكنولوجيات في مجال تطور العالم في فترة ما بعد الحرب, اختارته كهدف رئيسي لهجمتها. ((صورة لكتاب حدود النمو))

بالتوازي مع تنامي حملة التخويف ضد الطاقة النووية, تم تطبيق إجراءات حكومية لوقف انتشار وتطوير الطاقة النووية عالميا: فقد بدأت إدارة الرئيس جيمي كارتر بعكس مسار سياسة الرئيس دوايت آيزنهاور المسماة "الذرة مقابل السلام" 180 درجة. فقد حاولت فرض قرار لحظر الصادرات النووية إلى الدول النامية تحت ذريعة "منع الانتشار". وقد عملت الإدارة على تفكيك إمكانيات البحث النووي المتقدمة للولايات المتحدة ذاتها, ولتأخير أو إيقاف, إن أمكن، تحقيق عمليات الدمج النووي كمصدر مستقبلي للطاقة.

أما برامج الطاقة النووية الطموحة للبرازيل والأرجنتين والمكسيك وغيرها من الدول النامية وأشكال التعاون بين الشمال والجنوب المتمثل في الاتفاقية الطويلة المدى بين ألمانيا والبرازيل فقد تم تحطيمها عملياً من قبل إدارة كارتر وخلفائه.

في خضم الهستيريا الإعلامية الواسعة المضادة للطاقة النووية في الثمانينات, أغلق البرنامج النووي الألماني الذي كان الرائد في تصدير ونقل التكنولوجيا النووية, بالإضافة إلى البرنامج النووي السويدي الذي كان اصغر و لكن بنفس القدر من الأهمية، والبرنامج الإيطالي وعدد من الدول الأخرى. بسقوط الاتحاد السوفيتي وما تلا ذلك من التدمير والسرقة الوحشيين للإمكانيات العلمية والتكنولوجية والصناعية للأمة الروسية ألغي أكبر قطاع نووي خارج الولايات المتحدة من الوجود تقريبا, ليسترجع جزئياً في الفترة الأخيرة فقط.

كل هذا التدمير واكثر وعد به بيرتراند راسل العالم في كتاباته المضادة للعلم بشدة خلال الأربعينيات والخمسينيات. وتمادى راسل في عام 1949 إلى درجة اقتراحه بإسقاط قنابل نووية على الاتحاد السوفيتي, في حال رفض السوفيت الخضوع لحكومة عالمية لديها احتكار مطلق للتكنولوجيا النووية. حجة راسل الأساسية ـ وهي وجود دول مستقلة ذات سيادة حقيقية "كانت أخطر" من أن يتم السماح بوجودها في عصر الأسلحة النووية ـ ما تزال هي أساس استخدام ما يدعى "حظر الانتشار" كذريعة لإنكار الحق الكامل لكل الدول والشعوب في استغلال ثمار التقدم العلمي والتكنولوجي.

و يبقى ذلك هو الأساس لنظام "فصل عنصري تكنولوجي" موجه أولاً و أخيراً ضد شعوب ما يسمى العالم الثالث. ولكن محاولات الأوليغاركية لخنق الثورة النووية كانت قد بدأت حتى قبل اكتشاف الانشطار في الأعوام 1934-1938 بكثير. فقد فضحوا أنفسهم عبر عملية الاضطهاد المدبرة المعادية للسامية للعالمة البولندية الأصل الكاثوليكية بالولادة ماري كوري (Marie Curie) في فرنسا, وعبر المعارضة المريرة لاكتشاف ماكس بلانك (Max Planck) في بداية القرن العشرين, وفي التصرف المشابه لأعمال المافيا والابتزاز الذي مارسه نيلز بور (Niels Bohr) وآخرون تجاه شرودينغر (Schrödinger) وألبرت آينشتاين في مؤتمر سولفاي (Solvay Conference) في عام 1927.

قام بور وآخرون علنا بتحريم أي نوع من التفكير الذي يتعارض مع مذهب "التكامل" (complementarity) والخاصية المبهمة إحصائيا وجوهريا المزعومة للعمليات الميكروفيزيائية. في معارضتهم لآينشتاين وشرودينغر وغيرهم من الذين بحثوا عن تصور مفهوم المبدأ الأعلى المؤسس لما يبدو ظاهريا خاصية غير متواصلة (discontinuous character) للظواهر الكمية، قام بور وبورن (Born) وباولي (Pauli) وآخرون بالتشديد تعسفيا على أن الواقع على مستوى الفيزياء المجهرية المصغرة يستعصي جوهريا على قدرات الفهم في عقل الإنسان!

هذا الهجوم المكشوف والهمجي على المبدأ الإبداعي في العلم, وهو الهجوم المدعوم من قبل الاوليغاركية التي بدأت تبسط سيطرتها على تمويل البحث العلمي خاصة في أعقاب الحرب العالمية الأولى, خدم الغرض الواضح المتمثل بتحطيم ما تبقى من الروح البروميثية لعلم الفيزياء الذي أعيد إحياءه في عصر النهضة, ومن أجل جعل العلم أسيرا لأجندة الاوليغاركية. بقدر ما تعلق الأمر بالحاجة إلى ثمار البحث العلمي للأغراض العسكرية وغيرها من الأهداف "الخاصة"، كان يتم السماح للعلماء بالعمل, ولكن يجب عدم السماح لهم أن يفكروا بطريقة إبداعية حقيقية. فلقد أعادت الاوليغاركية نفس التكتيك الذي تم استخدامه من قبل لإرسال لابلاس (Laplace) لتحطيم دوائر مونج (Monge) وكارنو (Carnot) وتحويل الأكاديمية العلمية الفرنسية "ايكول بوليتكنيك" البروميثية إلى أداة للتوسع الإمبريالي تحت حكم نابليون.

كنتيجة لذلك تم وضع تفسير الفيزياء النووية النظرية على يد "حضانة أطفال" مكونة من علماء شباب متمكنين ولامعين في واقع الأمر إلى ما أصبح عليه ذلك العلم إلى هذا اليوم وهو: خليط بطليمي (نسبة إلى بطليموس) من النماذج الرياضية المتناقضة والشكليات الرياضية والإجراءات الإحصائية, التي من الممكن أن تكون في غاية الأهمية ولا يمكن الاستغناء عنها أحيانا في بعض المجالات التطبيقية ـ مثل صناعة القنابل! ـ ولكنها لا تحمل في طياتها أي مفهوم عقلاني لطبيعة الكون.

ليس من قبيل المفاجئة انه في خضم التطورات العاصفة المؤدية إلى اكتشاف الانشطار النووي, كانت "النظرية" المزعومة متخلفة بأشواط وراء العمل الإختباري الذي كان المحرك الحقيقي لعملية التطور. إن اكتشاف الانشطار النووي نفسه كان قد تم تأخيره أربع أعوام كاملة لأن هذه العملية كانت في نظر المنظرين "مستحيلة". إن التطور اللاحق والسريع للتكنولوجيا والعلوم النووية, منذ مشاريع القنبلة أيام الحرب العالمية الثانية وحتى تحقيق الطاقة النووية المدنية والكم الهائل والمتنوع من التطبيقات الطبية وغيرها من استخدامات النظائر، هذا التطور تم دفعه بشكل شبه كلي إلى الأمام غالبا على يد أناس مدربين في الكيمياء الفيزيائية والجيوكيمياء والمجالات المتعلقة من العلم الطبيعي ذات التوجه الصناعي.

أولئك الناس, الممثلين بأشخاص مثل ويليام هاركنز (William Harkins) والزوجين نوداك (Noddack) أو فيرنادسكي, غالباً ما كانوا يكرهون السفسطائية الرياضية للنظريين الذين رفعوا إلى مستوى "كبار كهنة العلم".

لكن وضعية الفيزياء النووية اليوم ناجمة بقدر كبير عن الضغوط الخارجية المفروضة على العلم وعلى كثير من العلماء اللامعين في سياق مشاريع القنابل أيام الحرب العالمية وما تلاها من "حرب باردة". إن إخضاع بعض المجالات الأكثر ثورية من البحوث الأساسية في العلوم الفيزيائية للأهداف العسكرية وفرض أنظمة التكتم المتشددة والسرية في كل من الشرق والغرب مما منع التبادل الحر للأفكار العلمية ونتائج التجارب، أمور لم تكن مسبوقة في تاريخ العلوم الممتد لآلاف السنين. كان لهذه الظروف تأثير مدمر على الاستقامة الفكرية للعديدين بين ألمع العلماء، وعلى التطور الحيوي للعلم ككل.

بالرغم من أن الأهمية العسكرية للمجالات العلمية المتقدمة, مثل الفيزياء النووية, سبب في أن كثير من الموارد الهائلة تخصص لهذا الهدف, إلا أن البيئة المحكمة التي كان يعمل في داخلها العلماء, قد أصبحت عائقا قويا وأساسيا أمام التطور العلمي. هذا لم يكن مجرد عَرَض جانبي. إذ أنه تحت السياسات التي روج لها راسل وزيلارد (Szilard) وغيرهما, والتي اصبح اسمها لاحقا "توازن الرعب النووي" و "الدمار الشامل المتبادل" اصبح كبت الاكتشافات الأساسية من السياسات المعتمدة المقصودة في إدارة البحث العلمي! الحجة الأساسية لجناح راسل كانت كالتالي: حالما تتمكن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كلاهما من امتلاك أعداد كافية من الرؤوس الحربية النووية وأنظمة الإطلاق لتكبيد الطرف الآخر خسائر كارثية ولو كان ذلك بعد الهجوم الأول من الطرف المعاكس, فسيتحقق "استقرار" من نوع ما عن طريق الردع المتبادل, وهو ما يجب المحافظة عليه بأي ثمن ضد أي تشويش.

بناءً على ذلك, كان ينبغي على الطرفين أن يتفقا على أن لا يتبعا اتجاهات معينة في البحث والتطوير التي من شأنها أن تقلب قوانين اللعبة. حملت هذه السياسة معها، بالضرورة، عواقب مدمرة منها أن احتمال حدوث ثورات جذرية علمية سوف ينظر إليه أكثر فأكثر كتهديد للتوازن الاستراتيجي وبالنتيجة كتهديد للأمن القومي! هذه النظرة , أي نظرة أن بروميثيوس يجب أن يبقى مغلولا بالسلاسل من أجل مصلحة المحافظة على الاستقرار الاستراتيجي, قد أصبحت سياسة حكومية عبر تفاهمات تم التوصل إليها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي عبر مؤتمر "باجواش" (Pugwash) الذي وقف وراءه بيرتراند راسل وغيره من "القنوات الخلفية" السرية التي ترجع إلى فترة ما بعد عام 1957 من حكم كروتشيف, وتمثلت لاحقاً في اتفاقية "الحد من الصواريخ البالستية" (ABM Treaty) التي تفاوض فيها هينري كيسينجر.

هكذا أصبح من المفترض أن يكون التسابق بين القوى العظمى محصورا في نطاق ضيق لاتجاهات "مسموح بها" ـ مع شيء من الغش على الطرفين بالطبع ـ بينما يتعاون الاثنان على منع أي دولة ثالثة من تطوير إمكانيات علمية أو تكنولوجية "خطيرة". إن الكبت النشيط للاكتشافات العلمية عبر البيروقراطية وغيرها من الوسائل تم تنفيذه ليس فقط على مجال الفيزياء النووية المرتبط مباشرة بالأسلحة النووية وأنظمة إطلاقها والطرق الممكنة للدفاع ضدها, بل وأيضاً إلى مجالات ثورية في الفيزياء البيولوجية (الكهرومغناطيسية الحيوية) وحقول كثيرة من العلوم.

هذه التفاهمات الأمريكية السوفيتية أطّرت الأحداث العالمية خلال الفترة كلها حتى انهيار الاتحاد السوفيتي. ووصلت تأثيراتها حتى إلى صفوف المدارس. فعلى سبيل المثال، فتحت هذه السياسات الطريق أمام "الإصلاحات" الدراسية الليبرالية في الستينيات في الولايات المتحدة ودول الناتو التي حطت من دور "علم الفيزياء" في التعليم العام لصالح ما يدعى العلوم الاجتماعية, ومن اجل الهجوم لاحقاً على مفهوم التطور العلمي والتكنولوجي. مع تأسيس "المعهد العالمي لتحليلات النظم التطبيقية" (International Institute for Applied Systems Analysis- IIASA ) كمشروع مشترك لعناصر المؤسسة الأنجلوأمريكية والمؤسسة السوفيتية خرج المفهوم الاوليغاركي المختبئ وراء التفاهمات والترتيبات المشتركة بين الطرفين إلى العلن: وهو إدارة العالم عبر طرق مناهضة ضمنياً للدافع البروميثي للعلوم. أخفق الكثيرون في الطرف السوفيتي في إدراك أن محو الاتحاد السوفيتي وخاصة إمكانياته العلمية والتكنولوجية المتقدمة, كان أول نقطة على قائمة الأهداف.

المحاولة الوحيدة الفعلية لتحرير العالم من هذه السياسات, كانت كفاح ليندون لاروش لخلق تغيير جذري في العلاقات الاستراتيجية بين القوتين النوويتين, عبر التوصل إلى تعهد مشترك لتطوير واستخدام أنظمة دفاع مضادة للصواريخ البالستية مبنية على "مبادئ فيزيائية جديدة" (يرمز إليها أحيانا باسم أسلحة الطاقة الموجه أو الأسلحة الشعاعية). كان ذلك كفيلا بأن يلغي مذهب "التدمير المتبادل المؤكد"، ونتيجة لذلك أن يقضي على جميع ألاعيب بيرتراند راسل و زيلارد، كما سيسمح في الوقت ذاته للدولتين بالتحرك نحو اقتصاد "موجه علميا" تعود فيه التأثيرات الجانبية المدنية الثورية للبحث في "المبادئ الفيزيائية الجديدة" أضعاف مضاعفة كثمرة للاستثمار في أنظمة الدفاع العسكرية.

وللأسف, رفض السكرتير العام للاتحاد السوفيتي يوري اندروبوف المقترح الذي تقدم به لاروش عبر قنوات اتصال خلفية مع السوفيت بمعرفة إدارة الرئيس رونالد ريجان. بعد ست سنوات انهار الاتحاد السوفيتي كما حذر لاروش المفاوضين السوفيت, إذا تم رفض مقترحه (*3). إن سياسة تدمير القدرات العلمية والصناعية السوفيتية تسارعت من تلك اللحظة. لكن بنهاية الحرب الباردة, لم تعد الحاجة لتكملة الاستثمارات الكبرى في العلوم المتقدمة والتكنولوجيا في الولايات المتحدة وأوروبا, من وجهة النظر الأوليجاركية، موجودة. كما لم تعد هناك حاجة إلى الحفاظ على قاعدة صناعية متكاملة موجودة. فشرعت الأبواب أمام تفكيك الصناعة ونقل عمليات الإنتاج الصناعي إلى دول "العمالة الرخيصة", بالتزامن مع نمو فقاعة مالية عملاقة في النظام المالي. بالنسبة لاكثر الشباب الذين نشئوا في الدول التي كانت صناعية سابقا, أصبحت فكرة التقدم العلمي والتكنولوجي في أحسن الأحوال جزءا من ذكريات المضي البعيد.

لقد وصلنا الآن إلى نهاية الدورة. إن تدمير قسم كبير من الإمكانيات العلمية والصناعية الكاملة للبشرية وفقدان أكبر جزء من عمالتها المؤهلة ذات المهارة وتجهيل شعوب الدول الصناعية سابقاً, إن لم يتم عكس مساره قريبا، فسوف يكتب على الاقتصاد العالمي الانهيار الفيزيائي المحتم. ليس هناك أية طريقة أمام دول العالم النامية, وبضمنها الصين و الهند مع العدد الكبير من الفقراء بين شعوبهم, لأن يتمكنوا من توليد التكنولوجيا التي يحتاجونها للعيش على المدى الطويل بدون إعادة إحياء القدرات العملية والصناعية في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، تلك الإمكانيات التي ميزت العقود الأولى من التنمية بعد الحرب العالمية الثانية.

يشهد العالم حالياً المراحل الأولية من عملية إعادة إحياء الطاقة النووية, التي تشمل ليس دولا كبرى في القطاع النامي فحسب مثل الصين والهند وجنوب أفريقيا والأرجنتين والبرازيل وغيرها، ولكن أيضاً روسيا وحتى دول القطاع المتقدم الغربية مثل الولايات المتحدة, التي في الحقيقة هجرت برنامجها النووي الذي كان طَموحاً سابقا, لأسباب إيديولوجية غبية, منذ أكثر من ثلاثين عام. إذا لم ينحدر العالم إلى عصر ظلام و فوضى وحروب, فإن هناك فترة قادمة مخطط لها من البناء الهائل والطويل الأمد للطاقة النووية، حتى إذا أخذنا بنظر الاعتبار فقط ناحية السرعة والحجم وتوسع الطلب على الكهرباء وغيرها من موارد الطاقة والحاجة إلى تجديد أجزاء كبيرة من قدرات إنتاج الطاقة الموجودة حالياً والتي على وشك بلوغها نهاية مدة حياتها العملية.

لكن برغم ذلك، فإن العالم اليوم هو ليس على نفس الحال كما كان عليها حينما أُجهِض تطوير الطاقة النووية قبل ثلاثة عقود. حتى بوجود التزام كامل ببرامج بناء محطات الطاقة النووية فإن هذا لا يمكن أن يعوض عن الخراب البالغ الذي لحق بالاقتصاد العالمي وحتى الحضارة الإنسانية عامة نتيجة للتخريب المتعمد لتطور الطاقة النووية وما رافقه من حرب ضد الحضارة الصناعية التي كانت التقنية النووية من أهم عناصرها الرائدة. إن الكثير من الإمكانيات العلمية والهندسية التي كانت موجودة يوما ما في الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا وإيطاليا والسويد وغيرها من الدول لم تعد موجودة الآن. يجب أن يعاد بناؤها مرة أخرى في عملية قد تستغرق جيلا أو اكثر.

في ذات الوقت تقف التحديات الكبرى التي تواجه الإنسانية, وهي ذات التحديات التي رآها مهندسو عملية تطوير الطاقة النووية تلوح في الأفق قبل 50 عام, على عتبة بابنا: الحاجة لإنتاج كميات كبيرة من الماء العذب عبر تحلية مياه البحر أو عبر طرق اصطناعية اخرى؛ الحاجة للاستعاضة عن حرق المنتجات البترولية عبر مزيج من إنتاج الطاقة الكهربائية والمحروقات الصناعية المبنية على أساس الهيدروجين؛ الحاجة لاستخدام كثافة طاقة اكبر لاستخراج وتعدين وإعادة استعمال المواد الأولية الأساسية, وأكثر من ذلك.

لتلبية كل هذه المتطلبات, يجب إطلاق مرحلة ثورية وجديدة من عمر تطوير الطاقة النووية الآن. إنني أعمد هذه المرحلة باسم "اقتصاد النظائر" (Isotope Economy).


ما هو اقتصاد النظائر؟

إن السياق المباشر لظهور " اقتصاد النظائر" هو العملية الانتقالية التي بدأت الآن في الاقتصاد الفيزيائي العالمي من الدور المسيطر الحالي للوقود الأحفوري إلى الطاقة النووية كقاعدة رئيسية لأنظمة إنتاج الطاقة عالميا, في ما يتعلق بتوليد الكهرباء وبالتدريج توليد الحرارة المستخدمة في العمليات الصناعية وإنتاج الوقود الصناعي المبني على الهدروجين لتغطية نسبة متعاظمة من استهلاك الوقود الكيميائي. إن هذه المرحلة الأولية تعتمد على مفاعلات الانشطار النووي مع التشديد المتزايد على المفاعلات ذات الحرارة العالية (المبردة بالغاز أو المبردة بالمعادن السائلة, أنظمة النيوترونات البطيئة والسريعة), ودورة وقود متكاملة ذات عمليات شاملة لإعادة تصنيع وتدوير المواد القابلة للانشطار، واستخدام الثوريوم بالإضافة إلى اليورانيوم والبلوتونيوم.

يشتمل الموجود الضروري من المفاعلات الانشطارية على نطاق واسع من التصاميم المختلفة للمفاعلات ومنها ذات الأحجام الصغيرة المصنعة على حزام التجميع النمطي، وكذلك وحدات المفاعلات ذات العيار الكبير ذات التصميم الفردي الخاص، والمفاعلات المحسنة بشكل مختلف من اجل الاستخدام كمولدات كهرباء أو مصادر للحرارة الصناعية من اجل تحلية المياه ومن اجل إنتاج وقود هيدروجيني وغيره من أنواع الوقود الاصطناعي، والمفاعلات الخاصة باستيلاد (breed) الوقود النووي الانشطاري والتحويل الكيميائي (transmutation) للنفايات النووية إلى وقود يستخدم لتسيير السفن وغيرها. وستلعب المفاعلات التي لا تحتاج لأي إشراف أو إلى القليل منه فقط وتشتغل لفترات طويلة بدون إعادة شحن الوقود ـ ما تسمى "البطارية النووية" ـ ستلعب دورا مهما في المناطق النائية والمناطق النامية في العالم.

هذا التحول إلى الطاقة النووية كقاعدة لأنظمة الطاقة العالمية يستوجب بناءا وتحشيدا هائلا للإمكانيات الصناعية لفرز النظائر ولإعادة تصنيع المواد النووية, مع التركيز على استخدام التقنيات الثورية المبنية على البلازما والليزر. هذا البناء الأخير سيوفر بدوره نقطة انطلاق فورية لظهور "اقتص
01-19-2007, 04:28 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  إسلام بدون محمد " تحدي كاليش للعقل الإسلامي" Gkhawam 1 1,120 05-03-2009, 02:55 PM
آخر رد: Gkhawam
  ثروة السودان الجديدة وراء تحدي الحكومة للعقوبات, جيفري غتلمان/ «نيويورك تايمز» الاعصار 2 1,165 10-28-2006, 02:50 AM
آخر رد: الاعصار
  كانط مطلوباً للعرب _مقالة جميلة محارب النور 3 875 06-06-2006, 06:05 PM
آخر رد: bassel
  البيانوني في اليمن::تحدي يمني للنظام السوري... بسام الخوري 5 808 03-18-2006, 03:24 AM
آخر رد: أبو عيسى
  وقائع لم تُنشر عن مسرح الجريمة والحمض النووي والانتحاري .. السفير اللبنانية بسام الخوري 2 579 08-27-2005, 04:29 PM
آخر رد: بسام الخوري

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS