رائعة وليد مدفعي .. رواية قياديون بلا عقائد
وليد مدفعي.. وداعاً
آراء
الأثنين 1/12/ 2008 م
ˆ بقلم: إلياس الفاضل
حملت أجنحة الموت مؤخراً, الأديب الكبير وليد مدفعي إلى المكان الذي لارجعة منه (فهناك ينتظرني أكثر من حب جديد, فمنحنيات افلاك التجاذب بعد الموت كلها محبة, فلا نزاع البتة على استمرار مزور, وديمومة كاذبة, نتشبث بها دون فهم, وكأن المرء يولد من جديد..
ايتها النفس هل أنت آمنة ومطمئنة بلقاء المطلق.. إذن زغردي وقولي إني في فرح دائم)..
(لقد عاش وليد مدفعي ستة وسبعين عاماً قضاها في خدمة الأدب من مسرحية, ورواية, وقصة قصيرة ودراسات).
كتب عنه الناقد عدنان بن ذريل كتاباً عنوانه (مسرح وليد مدفعي) أشار فيه إلى أن مدفعي جدد في المسرح, حيث قدم الحياة المعاصرة, وقد كان المسرح مثيل ذلك لا يعتني إلا بالمسرحيات المترجمة, أو المسرحيات التاريخية التي كانت تقدم بلغة التفخيم وبالنسبة إلى ما يقدم من أعمال كوميدية كانت تقدم باللهجة العامية وهي في الأساس مسرحيات مصرية معرّبة عن المسرح الانكليزي والفرنسي والايطالي وقد بدأ وليد مدفعي حياته المسرحية بمسرحيات كلها بطولات كمسرحية (نداء الدم) ومسرحية (دماء لم تجف).
عشق وليد مدفعي المسرح, حيث صرف ثروة في سبيل المسرح, فأسس العديد من الفرق المسرحية, وفي اوائل الخمسينيات أسس فرقة التمثيل في مدرسة ابن خلدون حيث كان يدرس الثانوية, ومن ابرز اعضائها الشاعر د. نذير العظمة, ونجاح السمان, ومثل على المسرح كما عمل مخرجاً وماكييراً لفرقة الجامعة, والنادي الفني في عهد المخرج منذر نقوري.
وفي أواخر الخمسينيات أسس فرقة العهد الجديد وكان من بين اعضائها ايلي خوري ود. انطون حمصي - زكريا تامر - ياسين رفاعية وكوليت خوري وجمانة طه.
وتنبع أهمية الفرقة كونها أول من أوجدت شباك تذاكر حيث كانت التذاكر تباع باليد وكانت تبدل عروضها كل اسبوعين كصالة رسمية دائمة العروض.
ومن اعماله المطبوعة (وعلى الأرض السلام) و(بعدين) (البيت الصاخب) (اجراس بلا رنين) و(البطر طفر).
ويذكر أن مسرحيات وليد مدفعي نجحت في مسابقات وزارة الثقافة وهيئة الاذاعة والتلفزيون والمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.
لقد استطاع وليد مدفعي أن يترك بصمات اصابعه واضحة على مسيرة المسرح السوري كما استطاع استقطاب الجماهير في سورية لأن مسرحياته ارتبطت مع ماضي المسرح السوري جامعة تلك الخصائص الواقعية والشعبية, بلغة سليمة وحوار يتميز بالحيوية.
أما رواياته: فهي مذكرات منحوس أفندي عام 1959 , محب المشكلات, قياديون بلا عقائد, غرباء في أوطاننا شجرة الرحمن, وفلسفة القرآن وغروب في الفجر, وهي قصص قصيرة.
لقد كانت مذكرات منحوس افندي, من بواكير الرواية السورية, فقد أسست الرواية لأسلوب ساخر جديد في كتابة التعليقات والنقد السياسي, وأججت قدرة الكلمة على النضال لتزيل مجتمعاً قديماً, وتبني مجتمعاً جديداً.
وتفردت الرواية بين الكتب العربية والأجنبية بتقديم بطل الرواية منذ تخلقه علقة في رحم امه, وهذا ابداع لم يسبقه عمل أدبي قبل المنحوس.
كما ناقش الكتاب وضع المرأة السيئ ورفضه جملة وتفصيلاً, وشجع النساء على تجاوزه واختيار الحياة الأقسى مع الإرادة الحرة من الحياة الألين دون حرية, وهو ثورة صادقة من خلال نضال عنيف لم يحسب حساباً فيه لغضب المحافظين فولدت تيارات فكرية جديدة.
أما رواية غرباء في أوطاننا, فالغربة فيه شاملة بحيث تثير الفزع ... الأب غريب عن أبنائه..والإخوة غرباء واحدهم عن الآخر, الأخت تخاف أن تتمرد على واقع القهر فتخرج إلى الغربة عن عائلتها, والأم تحاول أن تكون الإطار الحامي والحافظ لوحدة العائلة برغم الاختلافات في الآراء والأمزجة ومحاولات التمرد التي تمزقها والسلطة تطارد الأمل بالتغيير ولو كان شخصياً بحتاً.
ولا يعادل الغربة إلا الرغبة في التغيير ولكنها تتخذ الطابع الفردي, والسقوط ذريع يمتد من الشاب العائد طبيباً ناجحاً إلى الولد الصغير الذي يحاول أبوه أن يتحكم بنوع اللعبة التي تستهويه.
غرباء في أوطاننا سيرة حلم قومي انهار تحت وطأة القمع والاختراق عن المعتقد تحت ضغط السلطة الساحرة..الآسرة والمدمرة.
ولكن وليد مدفعي ما زال حالماً يفترض أن هذا الواقع (أكل الأحلام) مؤقت مهما طال ومهما تفاقمت تداعيات العجز فيه.
وليد مدفعي ما قاله بأعلى الصوت وما زال يبشر من قلب اليأس بضرورة التغيير لينهي عصر غربتنا عن أنفسها كما عن أوطاننا.
لقد رحل وليد مدفعي وبرحيله يكون المشهد الثقافي العربي قد فقد علماً من أعلامه الذين ظلوا مخلصين لأفكارهم ومبادئهم فوداعاً وليد مدفعي أيها الصديق الوفي للكلمة والأرض والوطن.
|