تقرير صحفي خطير لكن ليس مفاجئاً لمن يعرفون مصر وأحوال أهلها وهو عن اللاجئين السودانيين في مصر من خلال حوار مع بعضهم العائد إلى السودان ، [URL=
هنا]http://www.gulf-news.com/weekend/society/1...084652.html]هنا نصه الإنجليزي الكامل[/URL]، وفيما يلي ترجمة بتصرف لبعض فقراته :
يجلس في سكينة متأملاً النيل ومنشغل الذهن بما ينتظره حين يأخذه القارب في طريق العودة إلى السودان ، لا يعرف بالضبط إذا كانت أسرته ما زالت هناك وما إذا كانت الحياة هناك ما زالت على حالها ، ولكنه متيقن من شيء واحد : "لو علمت أن مصر والمصريين سيعاملوننا بهذا الطريقة ما كنت أتيت إلى هنا أبداً " قال موسى عبدالله وهو يشير إلى ندوب الإصابات التي تعرض لها أثناء قمع سلطات الأمن المصرين لاعتصام اللاجئين السودانيين في ديسمبر من العام الماضي .
كان موسى قد هرب إلى مصر من من مدينة صغيرة في شمال دارفور اسمها "قابير" في أكتوبر من العام الماضي خوفا من الحرب هناك ، وبعد أن قبلت مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة طلب اللجوء الذي تقدم به لمكتبها في القاهرة ، كان يحدوه الأمل في السفر إلى أميركا أو كندا أو أوربا ولكن حين رفض طلبه لإعادة توطينه في إحدى هذه البلدان قرر العودة إلى السودان برغم الأخبار التي ترد من هناك عن الإبادة والتعذيب والقتل الجماعي .
وهكذا يجلس موسى على شط النيل بأسوان منتظرا القارب الذي سيأخذه إلى مسقط رأسه ، أحد أصدقائه والذي يجلس بجانبه يعبر عن حنقه بغضب : " لم نعامل المصريين أبداً كما يعاملوننا ، حين نصادف مصريا في السودان فإننا نحمله فوق رؤوسنا ونعامله بكل احترام " ، يقاطعه موسى قائلاً : "الناس هنا يسألونني إذا كنت أملك حَماماً (shower) أم لا سخريةً من لوني السود " .
يقول ديداكو وهو سوداني آخر عائد إلى بلده : "لا فرق بين أن تكون هنا (في مصر) وأن نكون في السودان (حيث مخاطر الموت) ، المصريون ينادونني بـ "القرد الأسود" وحتى الأطفال يسخرون مني في الشوارع ولا أستطيع إلا أن أتجاهل هذه التصرفات لأنني إذا حاولت أن أرد على أحدهم يتجمع كل الموجودين ضدي " ويواصل : "آكل وجبة واحدة في اليوم وآكلها في الليل حتى لا أنام جائعاً ، أخبرني ما الفرق (والحال هكذا) بين الحياة هنا والحياة في السودان إذا كنا في البلدين نُعامل كالحيوانات وتحيق المخاطر بحياتنا "
تقول مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة أن عدد السودانيين في مصر يبلغ حوالي ثلاثة ملايين ، وعدد اللاجئين منهم يقترب من 19 ألفاً .
مصر ـ يقول التقرير ـ من بلدان نادرة في الشرق الأوسط تسمح لطالبي اللجوء أن يقيموا ويعملوا في مساواة مع المواطنين وتفترض أنهم سيندمجون في المجتمع بصرف النظر عن ظروفهم ، وحيث أن أحد مواد معاهدة اللاجئين تنص على أنه " لا يعتبر لاجئاً كل من يتمتع بنفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها مواطنو البلد المعني " فإن الحكومة المصرية تستند إلى هذه المادة في رفضها اعتبار هؤلاء السودانيين لاجئين .
السودان شريك تجاري رئيس لمصر ، ومصر من أقوى الأصوات داخل الأمم المتحدة الرافضة لفرض عقوبات على السودان ، والعلاقة بين الشعبين قديمة وممتدة ، وفي مناطق مثل أسوان يستحيل أن تميز بين السوداني والمصري ، والكثير من الرؤساء السودانيين والنخبة السياسية السودانية يعتبرون مصر وطناً ثانيا لهم ويرسلون ابناءهم للتعليم فيها ، ورغم حالات المعاناة التي نتحدث عنها فهناك سودانيون ناجحون كقادة ورجال أعمال وفنانين .
تعليق :
الكمال لله وحده ، لا أحد يحلم بمجتمع مصري خال من العنصرية مبرأ منها ، لكن الكارثة المحققة هي أن تُترك العنصرية تسرح وتمرح وتتمدد وتكسب أرضاً جديدة لا يردعها رادع من وعي أو ضمير ، ووعي وضمير الأمم تصنعهما وتقودهما القلة العاقلة المثقفة المفكرة من المجتمع ، فأين مثقفونا من عنصريتنا ؟ الواقع يقول أن موضوعا غاية في الخطورة مثل العنصرية لم يكن يوما مطروحا للسجال الوطني الواسع في مصر ، وهذا الصمت المخزي لن يفعل إلا أن يترك غرائزنا العنصرية على سجيتها ليستفحل أمرها يوما بعد يوم فيما كان للجدل حولها والاحتجاج بأعى صوت عليها أن يعمل على محاصرتها وتضييق دائرتها بالتدريج .
في ديسمبر 2006 فضت قوات الأمن المصرية اعتصاماً لعدد من اللاجئين السودانيين بطريقة بشعة في عنفها وعنصريتها ، ورغم ذلك لم يحرك هذا الحادث الخطير ما يكفي من احتجاج ، إذ باستثناء متظاهرين يعدون بالعشرات ، عشرون أو ثلاثون ، وصوت برلماني إخواني وجد فرصة لإحراج الحكومة التي لا تحرج أبداً ، مر الحادث بسلام وطويت سجلاته ولم يقدم مسئول واحد للمحاكمة ، ومثل هذا البلادة الأخلاقية التي أبداها المصريون ، مجتمعاً وقادة رأي ، سيمهد قطعا لتكرار أحداث مشابهة أو أبشع .
غفلة وانحطاط أخلاقي مصري يعود جزئيا لتدني الحياة الثقافية المصرية ومستوى الجدل العام من ناحية وإلى نوع من الوساخة الفطرية الموروثة تميز المصريين ويُعرفون بها من ناحية أخرى.