رصاصة و ليس حبل ...
رصاصة و ليس حبل..
لم يعجبني أداء صدام حسين أثناء محاكمته في قضية الدجيل ,سوء الأداء يشمل ردود فعل صدام حسين لحظة النطق بالحكم , كان في معظم مراحل المحاكمة منفعلا و خطابيا , و في لحظات صفائة بدا شارد الذهن و مشتت , أما إصراره على إحتضان "مصحف" بحجم كبير , فلم يكن مفهوما و لا مبررا بشكل كاف إلا في جانبه الإستعراضي فقط, وصياح صدام حسين بحياة الشعب و حياة العراق و القاضي يحكم بموته , ظهر "كطباق" لغوي مر , و إستمرارية للفعل الخطابي و الإنفعالي مما أعطى للمحاكمة قيمة لا تستحقها , و لعل كسب صدام سيكون أفضل لو أنه تعامل مع المحاكمة بمنطق الإزدراء و اللامبالاة .
أداء المحكمة بدوره لم يعجبني , بدأت علنية بوسائل بدائية جدا , النقل التلفزيوني المتقطع و الصوت غير الواضح , و كراسي و طاولات المحكمة العتيقة , و حتى قفص المتهمين كان طلائه سيئا,القاضي رزكار أمين الذي بدا رئيسا لهذه المحكمة لم يبد حزم رئيس المحكمة المطلوب و ظهر ضعيفا جدا,و المضحك أن أول سؤال وجهه الى صدام كان كما يلي "سيد صدام ما أسمك",لم تتحسن الأول عندما أستبدل رزكار بروؤف عبد الرحمن , الذي أراد أن يظهر الحزم المطلوب و لكنه لسوء حظة أظهر لؤما و فظاظة لا تليق بالقضاة,و أذا كان رزكار أمين تعامل مع صدام بكثير من الإحترام و الود, فإن روؤف عبد الرحمن تعامل بكثير من الإستهانة و الإحتقار.
تخللت المحاكمة لحظات هزلية كثيرة , كان بطلها برزان حسين بطريقة مقاطعته للمحكمة و لباسة الداخلي الضيق , و تعليقاته المميزة,و تخللتها لحظات دموية بإغتيال بعض محامي الدفاع , اما قمة الميلو دراما فكانت طلب صدام حسين في الجسلة قبل الأخيرة و قد أدرك أن حكم الموت قادم لا محالة , بتنفيذ الحكم بإطلاق الرصاص و ليس بحبل ,و برر الأمر بأنه قائد عسكري و ليس مجرد لص عادي , و من غير المؤكد ما هو دافع صدام حسين ليطلب طلبا كهذا,ربما هي كرامة الميت , أو لعلها آلام العمود الفقري الرهيبة لرجل معلق من عنقه .
حاول القائمون على هذه المحكمة إظهارها بشكل محاكمة عادية ذات إدارة حقوقية و قانونية فقط , و لكن إجبار القاضي المتسامح على الإستقاله جعلنا نتوجس الأمر , و الإصرار على قاض كردي جعل التوجس يتفاقم ليبلغ ذروته مع تعيين قاض شيعي للمحاكمة الأخرى التي تجري بشكل متواز ,فظهر الأمر على أن محاكمة الدجيل بضحايا شيعة و قاض كردي , و محاكمة الأنفال بضحايا من الكرد و قاض شيعي , و يمكن أن نقرأ من خيار كهذا أن قاض سني لا يصلح للفصل بقضية يكون صدام حسين بطلها.و لكن القائمون على المحاكمة أخطئوا, حين ظنوا أن القاضي هو الذي يصدر الحكم , و غفلوا عن اللحظة السياسية التي يعيشها العراق و هي اللحظة التي حكمت على صدام و على كل العراقيين معه .
بحبل أو رصاصة , لا يهم كثيرا,فرقة إطلاق النار تتقصد التصويب على الوجه و الفم ليشوه الرصاص الشكل الآدمي , فتظهر صور "المقتول" قبيحة و مقززه , و منظر الرجل المعلق من رقبته , كريه و مقرف و هو يتأرجه مع الهواء كالمعطف القديم ,أما الآلم قهو آخر ما يشعر به المحكوم , لأن موجة أنفعال كبيرة تجتاحة فتوقف كل إحساس بما عداها , و القوي أمام حكم الموت من يسيطر على رجفان الجسد و تلجلج اللسان و القدرة على ظبط مخارج الجهاز الهضمي,و الأهم البقاء حيا حتى موعد تنفيذ الحكم .
|