الباحـث الايطالـي المسلـم يحيى بلّلافيتشينـي ( Pallavicini Yahya Sergio Yahe ) يتحـدّث عن الحـوار بين الحضارات عبر تاريخ «المتوسط»
«ان الوضع العالمي الحالي، يتهدده بقــــوة تحــــوّل تدريجي للعولمة نحو القطب الواحد. وللتعددية الحضارية نحو التمزق وللوحدة نحو التنشيط، وهو ما سيؤدي لا فقط الى تفقير التراث الانساني الروحي والفكري والثقافي بل ايضا الى تدهور مزعج للعلاقات الحضارية بين الشعوب والاديان الى درجة توفرت فيها الظروف السلبيـــة الملائمــــــة للتصادم ولمنع كل اسبــــــاب التلاقـــي والاعتراف المتبادل الذي كان اساس التعايش في ما بينها».
ذلك ما بدأ به الاستاذ يحيى بلّلافيتشيني محاضرته المطولة التي القاها امام جمهور كبير على منبر منتدى تونس للسلام الذي تأسس خلال السنة الماضية تحت اشراف وزارة الشؤون الدينية ومنظمة المؤتمر الاسلامي، وقد احتضن المحاضرة المركز الثقافي لمدينة تونس في آخر سهرة رمضانية له بحضور الدكتور الهادي المهني الامــين العام للتجمع الدستــــــوري الديموقراطي والاستــــاذ ابوبكر الاخـــــزوري وزير الشؤون الدينيــــــة والاستـــــاذ المنذر الفريجي والي تونس مع جمع من الشخصيات الوطنية في مقدمتهـا السيد الهادي البكوش الوزير الاول السابـــــق.
وقد تولى الاستاذ الازهر باي مدير مركز الدراسات الاسلامية بالقيروان تقديم المحاضر الاستاذ يحيي باللافيتشيني الذي نال خلال السنة الماضية جائزة الرئيس بن علي العالمية للدراسات الاسلامية.
[COLOR=Red]من هو الاستاذ يحيى؟
والاستاذ يحيى هو مواطن ايطالي من مواليد 1965، من أب ايطالي مسلم، وأم يابانية ورغم انه اليوم في عز الشباب فانه تمكن من تكوين سمعة عالمية طيبة للخدمات الثقافية الهامة التي يقدمها في ايطاليا وفرنسا، وغيرها من البلدان الاوروبية تعزيزا للسلام بين الشعوب باعماله الكثيرة والمختلفة التي تفرغ فيها للتعريف بالاسلام الداعي الى التعارف والتحابب والتضامن والتعاون بين كل الشعوب وهو الى جانب بحوثه ومؤلفاته في الاسلام، يعمل مستشارا لوزير الداخلية في الحكومة الايطالية مكلفا بالشؤون الاسلامية في ايطاليا، وهو رئيس المجلس العالي للمنظمة الاسلامية في ايطاليا و رئيس المجلس العالي للمنظمة الاسلامية للعلوم والتربية والثقافة المكلف بالتربية والثفافة في الغرب، وهو ايضا نائب رئيس المجموعة الاسلامية الايطالية وامام جامع ميلانو ورئيس مركز الدراسات العليا الاسلامية بفرنسا وله مجموعة من المؤلفات المنشورة منها كتاب «الاسلام في اوروبا» وكتاب «آراء امام ايطالي» وكان ممثلا للمجموعة الايطالية الاسلامية لدى ملك المغرب والرئيس المصري والقائد الليبي، وبنفس الصفة استقبله الرئيس الايطالي، كما ان رئيس البرلمان الايطالي استقبله رسميا ليتسلم منه عريضة وقّع عليها عدد كبير من الايطاليين المسلمين حملت اسم «بيان ضد الارهاب.. من اجل الحياة»، وشارك في عدة تظاهرات دولية تهدف الى توفير اسباب السلم الدولية، انتظمت في بلجيكا وروسيا والمغرب وتركيا والولايات المتحدة الامريكية واليونان والسودان وسنغفورة، واسبانيا والنمسا وبريطانيا وسويسرا، والفاتيكان وغيرها.
هي حياة ثرية لشاب مسلم وهو قادر مستقبلا على العطاء اكثر لهذا الاشعاع الواسع الذي ناله ولسعة ثقافته الدينية، ولان الاستاذ يحيى بهذه الصفات فان الاقبال كان كبيرا على محاضرته التي جاءت بعنوان «حوار الحضارات والتبادل الاورومتوسطي».
بدأ الاستاذ لقاءه بالجمهور التونسي بالترحيب بهم باللغة العربية، وانطلق في محاضرته بالبسملة وبالصلاة على نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم ثم كان حديثه المطول باللغة الفرنسية وفرت وزارة الشؤون الدينية الترجمة الفورية الى الغتين العربية والانقليزية.
وبعد ان استعرض الاستاذ يحيى المخاطر التي تهدد العالم بسبب التنميط الثقافي الذي يتشكل حاليا وبسرعة، قال: لمواجهة هذا الوضع العالمي المتردي أتمنى ان ابرز للجميع كيف يمكن للحضارة الاسلامية ان تقيم حوارا بين الحضارات وتنشط العلاقات الحضارية والثقافية بين الشرق والغرب والاسهام في تنمية متوازنة في التبادل بين شعوب ضفتي البحر الأببض المتوسط من اجل حياة افضل وتفاهم اوسع.، ومن اجل التعايش السلمي الحقيقي والدائم وهو الدور الذي تقوم به تونس بقيادة الرئيس زين العابدبن بن علي الذي اكرمني باسناده لي جائزته العالمية للدراسات الاسلامية.
وقال بفرنسية يتقنها جيدا.
ـ انه من الضروري التذكير كيف ان الحضارات كانت في كل الازمان وفي الامكنة قادرة على الحفاظ على خصوصياتها مع التلاقي فيما بينها والاثراء المتبادل والانفتاح على كل الثقافات بلا خوف وبلا انزعاج كما هو الشأن في ايامنا هذه حيث اصبحنا نسمع كلمة الانزعاج من خطورة التلوث الحضاري!؟!
لقد كانت المدن في التاريخ في واقع الامر منفتحة على بعضها وعلى التبادل بين الشعوب والافراد، وكان التعايش بين سكان المدن من مختلف الهويات والاديان طبيعيا ينم عن فكر متناسق يتوارثونه من جيل الى جيل كان رمزا للانسانية بخلاف ما تطرحه العولمة الحالية التي لا تحمل اي بعد كوني فكرا وثقافة.
ولقد نال كاتب امريكي غربي شهرة عالمية لا يستحقها بسبب كتاب له يحمل نظرية الصدام الحتمي (يقصد هينينغتون) بين الحضارات الغربية والاسلامية، وكأنه لا يعرف ان مفهوم الحضارة يمكن ان يجمع الاديان والثقافات والشعوب وان الحضارة لا يمكنها ان تكون محدودة في دين واحد ومجتمع واحد وشعب واحد، فالحضارة الاسلامية مثلا تجمع الكثير من الشعوب ولا تهمش الاديان السماوية الاخرى، وتعمل على القبول بكل اللغات والهويات بل هي تعتبرها ثراء لها، وتقوية لجانبها وعناصر اساسية للاستقرار والسلم.
وبالتالي فان الحضارة لا يمكن ان يتم تحليلها كما فعل المروّج لنظرية صدام الحضارات بالاقتصاد والخصوصيات الاجتماعية، كما لا توجد في الواقع اديان وثقافات وحضارات يمكن وصفها بكونها فقيرة او غنية، يمينية او يسارية، سامية او آرية كما لا توجد ثقافة انقليزية او عربية بحتة طيبة او فاسدة فلقد كانت الثقافات دوما منفتحة على بعضها واستفادت من بعضها، وقد عملت كل امة على اثراء الامم الاخرى بشكل من الاشكال، بل ان الانسان المفرد يمكنه ان يساهم في اثراء ثقافة الآخرين بعد ان ساهم في اثراء ثقافته بابداعاته الهامة.
ان الثقافات هي بمثابة ثمرة ذات الوان عديدة جاءت من حصاد ناتج عن زرع مختلف في اجزاء مختلفة من ارض واحدة يسكنها اناس متعددو الهويات والثقافات ثم ان الاديان التي أنشأت الحضارات لم تأت الى شعب واحد بل هي رسالات الله الى مختلف الشعوب المدعوة بوضوح الى مفهوم كوني للحياة وللحقيقة.
بهذه المفاهيم للعالم والانسانية والكمون لا يمكن الحديث عن صدام الحضارات، وما هو قائم الان صدام اقتصادي يقوده الأقوى لصالحه وهو يحرك عناصر حضارية وثقافية غطاء لعملياته المصلحية والانانية المجحفة، كما ان الأقوى اليوم يحاول ضرب الخصوصيات الحضارية لانجاز التنميط الثقافي الذي يوفر له المنافع الاقتصادية الكبيرة وهو عارف بان ذلك لا يمكن ان يكون انجازا فقد فشلت محاولات لصهر قبائل في قبائل اخري، فما بالك بانجاز تنميط الانسانية او الكون، ان الفشل سيكون مصير هذه المحاولة الدينية لضرب الحضارة الانسانية وما يجري اليوم ليس صداما بين الحضارات انما هي ثورات شعوب تدافع عن كياناتها وخصوصياتها..»
ثم يبحث الاستاذ يحيى بلّلافيتشيني من خلال تاريخ الاسلام والمسلمين عن عمق الحضارة العربية الاسلامية وعن مواطن الكونية فيها وعن دعواتها الى السلام والى الحب والتعاون بين كل الشعوب كما ان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على التسامح وكان داعية قوية الى التعارف بين القبائل والامم والشعوب مهما كانت اعراقهـا ومهمـــــا كانت دياناتهــــــا.
وتوقف هذا الباحث الايطالي المسلم طويلا عند المؤثرات الحضارية المختلفة للمسلمين في بلاد الغرب كما ان للمسلمين من كل الاجناس علاقات طيبة وودية مع المسيحيين واليهود جماعات وفرادى، مما ساعد على قيام نهضة كونية تعتمد على الحضارة العربية بمبادئها الاسلامية وعمقها الروحي والنهضة الكونية هي التي اعطــت ما اعطتــــه للانسانيـــــة جمعـــــاء.
وتعمق الباحث في العلاقات الاجتماعية بين المؤسسات التقليدية والطبقات المثقفة والمتنورة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط في القرون الوسطى وتتحدث الكتب والمذكرات الأدبية والفكرية عن هذه العلاقات التي كان لها التأثير البليغ في بناء علاقات طيبة بين كل شعوب البحر الابيض المتوسط يحدوها التسامح انطلاقا من تعارف عميق ووثيق. وما الحروب او عمليات الاحتلال التي حدثت الا دفاعا عن مصالح عابرة.
وتساءل: لماذا نشهد اليوم انحسارا في العلاقات بين الشعوب هل ان ذلك لاسباب سياسية او حضارية؟!
وقدّم الباحث قراءة لما قدمته تونس في السنوات العشرين الاخيرة بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي لفائدة السلام والدعوة الى الحوار بين الحضارات والعمل على ارساء ثقافة التسامح خاصة بداية من عام 1992 وذلك من خلال الندوات الكبرى ذات البعد الدولي او الندوات الوطنية في كامل البلاد لنشر ثقافة عقلانية ضد التطرف ولكن ايضا للدفاع عن الخصوصيات الثقافية التي تعمل العولمة على تنميطها لصالح القوى العظمى.
وفي نهاية المحاضرة قدم السيد رؤوف يعيش مدير بوزارة الشؤون الدينية قراءة سريعة لما جاء فيها باللغة العربية ثم تلا البرقية التي وجهها الحاضرون باسم منتدى تونس للسلام الى سيادة الرئيس زين العابدين بن علي فيها تركيز على ما قامت به تونس لفائدة حوار الحضارات.
:cat: