الكائنات الفكرية
الكائنات الفكرية
ما هي الكائنات الفكرية وما هي صفاتها وخصائصها ؟
كيف تشكلت وكيف تنمو وتتطور ؟
كيف خرجت من العقول وتوضعت خارجها ؟
ما هي قدرات هذه الكائنات وإلى أين سوف تتطور وما هي تأثيراتها علينا ؟
إن كورزويل في كتابه حين يتسامى البشر
يشير إلى اقتراب حدوث إنكسار تاريخي جذري بالغ العمق من شأنه تفيير كل ما يؤلف طبيعة الكائن البشري .
فهو يتوقع نتيجة التطور السريع لقدرات الكومبيوتر والذكاء الصناعي المترافق مع التقدم هائل في مجال التحكم في المورثات , أن يؤثر ذلك على عملية التطور البيولوجية , وأن يصبح التحكم في التطور البيولوجي بيد البنيات الفكرية
وكذلك كان فون نويمان قد تنبأ بأن الجنس البشري سوف يتطور بشكل سريع وغير متوقع نتيجة نمو التكنلوجيا وتطور الكومبيوتر .
وكذلك قال ستيفن هوكنج ما معناه .
أدى نقل المعلومات عن طريق غير بيولوجي إلى أن يسيطر الجنس البشري على العالم , فقد حدث منذ حوالي سبعة آلاف سنة أن أنشأ الإنسان اللغة المكتوبة وهذا يعني انتقال المعلومات دون الاتصال المباشر أو الشفاهية , فقد توضعت المعلومات خارج عقل الإنسان وصارت هذه المعلومات تسير عبر الزمن وتنتقل إلى الآخرين بدقة وبعد موت منتجها بزمن طويل .
لذلك نحن الآن على مشارف عصر جديد سوف نتمكن فيه من زيادة تعقيد سجلنا الداخلي أي " دنا" من دون أن نحتاج إلى انتظار عمليات التطور البيولوجي البطيئة والتي تحتاج إلى عشرات الآلاف من السنين , وإن من المرجح أننا سنتمكن من إعادة تصميم الإنسان بالكامل في الف العام القادمة .
فالسوبرمان قادم ونحن أجدادة إن لم نكن أباؤه , وهو على الأغلب لن يكون بيولوجي فهو سوف يكون إلكتروني .
وهذا سوف يحدث نتيجة معرفة أسس تشكل الوعي البشري , وبالتالي إنتاج هذا الوعي إلكترونياٌ , و لن يعود هناك حاجة لإنتاج هذا الوعي بطرق بيولوجية معقدة ومقيدة .
إن الكائنات الفكرية أو البنيات الفكرية
هي بنيات غير مادية , والأفكار هي شكل متطور من أشكال الكائنات الفكرية .
مثلما نشأت الكائنات الحية من العناصر والمركبات الكيميائية بعد أن تفاعلت حسب القوى والآليات الموجودة , كذلك نشأت الكائنات افكرية في الأجهزة العصبية لدى الكائنات الحية . وكان نشوؤها متسلسل , إلى أن وصلت إلى ماهي عليه لدينا في الوق الحاضر
فالكائنات الفكرية تتكون في أول الأمر - أوفي شكلها الخام - في الجهاز العصبي من السيالات العصبية الكهربائية الواردة من المستقبلات الحسية . فالمتقبلات الحسية بكافة أشكالها تحول - أو ترمز - بعض أنواع التأثيرات الفيزيائية - ضوئية , صوتية , حرارية , ميكانيكية , كيميائية , . - إلى نبضات عصبية كهربائية على شكل سيالات كهربائية عصبية , ترسل إلى الدماغ الذي يقوم بتقييمها وتصنيفها بناءً على نتائج تأثيراتها على الجسم , إن كانت مفيدة أو ضارة أو محايدة , ثم يقوم بالاستجابة بناءً على ذلك .
لقد كانت هذه البنيات بمثابة وسيلة إعلامية , وكذلك وسيلة تنفيذية تقوم بالاستجابات أن كانت استجابات كيميائية فزيولوجية , أو حركية , وتطورت ليصبح جزء منها حسي واعي .
ولدى الإنسان الذي يعيش في مجتمع تطورت هذه البنيات الفكرية العصبية , فترابطت سلاسل لتشكل بنية فكرية متطورة .
وقد حدثت قفزة كبيرة عندما مثلت بعض البنيات الفكرية بإشارات - أصوات وتعبيرات وحركات تدل عليها , وهذا أدى لنشوء البنيات اللغوية .
فهذه الدلالات - أو البنيات اللغوية الفيزيائية - عادت ودخلت إلى الدماغ كمدخلات حسية , و تحولت من جديد لبنيات فكرية خام وأصبحت بنيات فكرية دلالية أو لغوية , فهي ترمز أفكار تم إرسالها من إنسان أخر .
وبذلك نشأت وسيلة تستطيع بها البنيات الفكرية الانتقال من عقل إلى آخر .
أي نشأت وسيلة – للغة - للتواصل بين الناس . فهذا يتم بعد أن تتحول البنيات الفكرية اللغوية إلى بنيات فيزيائية لغوية دلالية - مؤثرات فيزيائية إشارات وأصوات - فإذا تلقتها حواس إنسان آخر يمكن أن تصل إلى دماغه وتتحول إلى بنيات فكرية لغوية ثم إلى بنيات فكرية , هذا إذا تم فك رموزها .
وبهذ استطاعت البنيات الفكرية أن تنتقل من دماغ إنسان إلى أخر , وتصبح مهيئة لكي تتوضع فيه .
أي يمكن أن تتحول البنيات الفيزيائية الدلالية أواللغوية , إلى بنيات فكرية عصبية , وتتوضع في دماغ المتلقي .
وهذا لا يحدث إلا إذا وجدت بيئة مناسبة لها , فيجب أن تنسجم وتتوافق مع البنيات الموجودة , ولا تناقضها . هذا إذا تم فهمها - أي تم تمثيلها ببنيات فكرية مناسبة - , وليس ضرورياً أن تكون البنية الفكرية المتكونة مطابقة للأصل الذي كانت عليه في دماغ المرسل , أي يعاد تشكيلها حسب قدرات وخصائص الدماغ المتلقي , لذلك هي غالباً ما تتعرض للتعديل والتغير عندما تنسخ في عقل المتلقي .
انتقال البنيات الفكرية من دماغ إلى آخر, وانتشارها في العقول
إن الأفكار تنتقل من عقل إلى آخر , فيتم نسخها وانتشارها في أدمغة الكائنات الحية المتطورة , وهذا يشبه توالد وانتشار البنيات الحية التي تنسخ وتنتشر بالتوالد . وكذلك تتطور الافكار وتنشأ أفكار جديدة مثلما تتطور وتنشأ البنيات الحية .
والأفكار تولد وتموت مثل الكائنات الحية , والأفكار تدافع عن نفسها وتحافظ عليها . ويمكن تشبيه الأفكار أيضاً بالجينات أوالفيروسات , فهي تنتقل من عقل لآخر ( كما تنتقل الفيروسات من جسم لآخر ) وبذلك تنتشر في العقول , وهي تحمي وتدافع عن نفسها , وتتنافس و تتصارع مع الأفكار الأخرى .
ولكي تنتقل وتنسخ وتنتشر في العقول لابد من توفر عوامل وظروف معينة لكي يتم ذلك , وأهم هذه العوامل هي :
أولاً : الاتصال بين العقول , لكي يتم انتقال الأفكار, وذلك بحدوث النقل والتلقي , وبالتالي التبني , التوضع أو التخزين . وذلك بوجود أي نوع من اللغة - إشارات شمية , أو أشارات بصرية , أو إشارات صوتية . ., بالاضافة إلى جاهزية الحواس والعقل , للتواصل والتلقي المناسب .
ثانياً : عدم وجود ما يمنع من تبني الأفكار, فوجود أفكار سابقة يؤثر على الانتقال والتبني للأفكار. وكذلك عدم جدوى هذه الأفكار .
ثالثاً : المحاكاة والتقليد التي يملكها الكائن الحي , تؤثر بشكل كبير على انتشار الأفكار .
قوى الكائنات الفكرية
إن الكائنات الفكرية تستخدم عقل الإنسان لحمايتها , فبعد أن تتوضع في دماغه , تدفعه للدفاع عنها والسعي لنشرها في العقول الأخرى , وهي تقاوم الكائنات الفكرية الأخرى , وتسعى لمنعها من الدخول إلى الدماغ الموجودة هي فيه .
فالفكرة متى دخلت العقل وتوضعت فيه , تمنع الأفكار الأخرى من الدخول والتوضع , إذا لم تكن متسقة معها أوتناقضها . فهي تقبل دخول الأفكار التي تؤيدها أو التي تنسجم معها ولا تخالفها .
إن كافة الأفكار والمعارف هي بمثابة كائنات فكرية , فهي تتفاعل مع بعضها ضمن الدماغ , فتتطور وتتشكل أفكار جديدة , وهذه الكائنات تسعى للخروج من الدماغ الذي تكونت فيه والدخول إلى الأدمغة الأخرى .
وكما قلنا تتصارع هذه الكائنات الفكرية مع بعضها , وهي تشكل مجموعات - أحزاب - متعاونة مع بعضها , وتتصارع مع الأحزاب الأخرى . فيهزم بعضها , ويتراجع انتشار بعضها , ويزداد انتشار المنتصر . ويمكن أن تقضي على منافسها أوتوقف انتشاره . وتموت مع موت الدماغ الحامل لها , ولكن يمكن أن يبقى نسخ منها في عقول أخرى . وهذا يشبه ما يحصل للغات عندما تنتشر أو تنحسر أو تموت , لأن اللغات هي في أساسها صورة أو ممثل للبنيات الفكرية .
توريث البنيات الفكرية , نتيجة الحياة الاجتماعية
إن الأفكار والعقائد والأحاسيس والانفعالات البشرية , تنتقل نتيجة العلاقات الاجتماعية , وبشكل خاص عن طريق العلاقات الأسرية , وبالذات عن طريق الأم , فللأم الدور الأكبر( بالاضافة للأب) في نقل البنيات الفكرية . وتنقل أيضاً التقيمات الأساسية التي تحدد المفيد أو الضار. فهي التي تعلم طفلها كيفية اختيار طعامه , وكيفية تعامله مع الأوضاع التي تصادفه . بتعليمه أسس تقييم هذه الأوضاع من ناحية فائدتها أو ضررها له . فهي بالإضافة لأفراد أسرته والمتعاملين معه , يزرعون في عقله , أو يبرمجون عقله . فهم ينقلون له الأفكار والمعارف والعقائد والمشاعر ..., التي هم توارثوها أيضا من أسرهم و مجتمعهم .
صحيح أنه الآن يوجد الإعلام , الممثل بالمدارس وباقي طرق التعليم , بالإضافة إلى الراديو والتلفزيون وكافة وسائل الإعلام . وهي غالباً ما تساعد على توحيد ما يتم نشره في أغلب العقول . ولكن يبقى الكثير من الاختلافات التي ينشرها هذا الإعلام الموجه , مع ما يكتسب من الأسرة والمحيط القريب الموجود فيه الفرد.
إن هذه الظاهرة هي من أهم أسباب الاختلافات والتناقضات الفكرية والعقائدية بين البشر , وذلك نتيجة توسع العلاقات البشرية لتشمل مجال واسع , من الجماعات مختلفة بالأفكار والعقائد والقيم, وهي التي تولد الآن أكثر الصراعات بين البشر.
صراع البنيات الفكرية
إن البنيات الفكرية تتصارع مع بعضها , فكل بنية فكرية تسعى لكي تتوالد وتنتشر في العقول , وتسعى إلى منع غيرها من البنيات الفكرية من الانتشار في العقول , وهي تدافع عن بقائها وانتشارها تجاه الأفكار الأخرى . وهي تستخدم في صراعها هذا كافة قدرات الإنسان الفكرية والمادية والاجتماعية والقتصادية ... , والملاحظ أن انتصار الأفكار وانتشارها في العقول , مرتبطة بالقدارات التي يملكها الذين يتبنوها ويدافعون عنها , وعددهم في المجتمع . وذلك بغض النظر عن صحة أو دقة أو فائدة هذه الأفكار .
فإذا حدث جدال فكري ( أو صراع بين البنيات الفكرية) بين شخصين أو فريقين , فالنصر سوف يكون للذي يملك قدرات أكثر ويستخدمها في هذا الصراع , وسوف يكون لعدد أفراد الفريق تأثير كبير في تحقيق النصر . وذلك بغض النظر عن دقة أو فائدة الأفكار المنتصرة .
وهذا ينطبق على كافة أشكال البنيات الفكرية , إن كانت عملية , أو عقائدية , أو علمية .....
فالذي يقرر بقاء البنيات الفكرية , وانتشارها في أكبر كمية من عقول أفراد المجتمع , هو ما يلي :
1 – عدد الذين يتبنوها في المجتمع . فمهما كانت الأفكار دقيقة أو مفيدة , ولكن الذين يتبنوها قلائل جداً , فهي لن تنتشر .
2 – ارتباطها مع بعضها ومع المنتشر في المجتمع , فكل الأفكار التي تناقض أو لا تنسجم مع ما هو موجود سوف تقاوم وتمنع من الانتشار , وبغض النظر عن دقتها أو فائدتها .
3 – كمية القدرات الفكرية والمادية والاجتماعية . . , التي يملكها من يدافع عنها ويسعى لاتشارها .
4 – توافقها مع الأوضاع والظروف المادية والجتماعية والاقتصادية . . . , الموجودة في المجتمع . لذلك عندما تتغير الأوضاع والظروف , يصبح احتمال انتشار أفكار جديدة أكثر , لأن الأوضاع الجديدة تؤدي إلى ظهور ضعف وعدم جدوى الأفكار غير المفيدة المنتشرة في العقول . وهذا يساعد في نمو وانتشار الأفكار الأصح والأفضل , للأفراد وللمجتمع ككل .
إن هذه الكائنات بيننا منذ زمن وهم يقودوننا ويفرضون علينا خياراتهم في كافة مجالات حيلتنا , صحصح إنهم لن يظلموننا بشكل كامل ولن يقضوا علينا , ويمكنهم أن يساعدوننا في كافة المجالات , و يستطيعوا أن يساعدوننا في حل أهم مشكلة بالنسبة لنا وهي الموت ويستطيعوا أن يفتحون لنا الكثير من مجالات الوعي والإحساس .
وكذلك ممكن أن يحدث العكس .
|