{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
قصة لم تنشر للـ "طاهر بن جلّون" / المهاجر الأخير
ابن سوريا غير متصل
يا حيف .. أخ ويا حيف
*****

المشاركات: 8,151
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #1
قصة لم تنشر للـ "طاهر بن جلّون" / المهاجر الأخير
الأديب المغربي الشهير والحائز على جائزة الـ "غونكور" في الأدب الفرنسي "الطاهر بن جلّون"، نشر في اللوموند ديبلوماتيك هذه القصة الجديدة من وحي التشدد اليميني حول الهجرة والمهاجرين العرب خصوصاً في فرنسا.
وكما عودنا بن جلّون، فإن قصته رائعة ومبدعة. رغم أني أرى أنها أجمل بكثير باللغة الفرنسية.

وإليكموها:

اقتباس:الطاهر بن جلّون
المهاجر الأخير

قصّة خياليّة غير منشورة للطاهر بن جلّون


غادر لتوّه آخر مُهاجرٌ عربي - وهو بربريّ في الواقع - الأراضي الفرنسيّة هذا الصباح. وقد أتى كلٌّ من رئيس الوزراء ووزير الداخلية لحضور هذا الرحيل والتعبير لمحمّد المغتربي عن امتنان فرنسا. لم يكن محمّد متأثّراً ولا غاضباً. كان بكلّ بساطة سعيداً كونه سيعود نهائيّاً إلى وطنه الأم. وقد حصل في هذه المناسبة على هديّتيْن: جملٌ لُعبةٌ مخمليّ، ثم علمٌ صغيرٌ يحمل من جهة ألوان الأزرق والأبيض والأحمر الفرنسية، ومن جهة أخرى اللون الأحمر الذي تتوسّطه النجمة الخضراء المغربيّة. وراح يلوّح به من دون اقتناع أمام عدسات التلفزيونات والمصوّرين الذين كانوا يصرّون كي يحصلوا منه على ابتسامة عريضة. فراح يقهقه ووضع العلم المزدوج في إحدى جيوب معطفه العتيق.

تنفّست فرنسا الصعداء. إذ لم تعُد مضطرّة إلى حلّ مشاكلٍ لم تكن مستعدّة لها، وطوت صفحة مُرهِقة من تاريخها الاستعماري. الآن، تمّ محو قرنٍ كاملٍ من الوجود العربي في فرنسا، بضربةٍ من عصاة سحريّة. وتمّ إغلاق الهلالين. إذ لن يتعرّض البلد بعد الآن للانزعاج من روائح الطبخ والتوابل الكثيرة، ولن تجتاحه بعد اليوم عشائرٌ من الناس أصحاب عاداتٍ غريبة. ولن يعود هنالك سبب للعنصريّة. صحيحٌ أن هنالك بعض الأفارقة والآسيويّين وبعض العائلات من الدول الشرقيّة الذين سيبقون، ولكنّ هؤلاء على ما يبدو لا يشكّلون معضلة كبيرة. فالأفارقة سيلتزمون الهدوء خوفاً من تعرّضهم لنفس مصير العرب؛ وغالبيّة أولئك الذين كانوا يحتلّون بعض الأبنية المهجورة، قد احترقوا مع أولادهم في الليل وهم نائمون. أمّا الآسيويّون، فالجميع يُشيد برزانتهم وسكونهم.

اليمين المتطرّف هو الوحيد الذي سيأسف لرحيل ملايين المغاربة هؤلاء. فهو، بعد أن سُرَّ من تحقُّق أحبّ رغباته، قد أدرك بأنّه سيفتقد شقّاً كاملاً من برنامجه السياسي. إذ أنه تمكّن، بفضل وجودهم، من التطوّر وإحراز تقدّمٍ في استطلاعات الرأي والانتخابات، حتى أنه بلغ المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسيّة في العام 2002. واليمين المتطرّف يتساءل، في غياب مُهاجري شمال أفريقيا، ما الذي باستطاعته القيام به، وأيّة فزّاعة سيعرضها الآن على الفرنسيّين للمحافظة على موقعه كقوّة سياسيّة. إذ هكذا فجأةً، وجد حزب الخوف والكراهية نفسه مجرّداً من أسلحته. هذا ما يفسّر ارتداده وإنسانيّته المُفاجئة. فقد نظّم بعض المؤيّدين للحزب تجمّعات، خصوصاً في مارسيليا، وكتبوا على يافطاتها: "أعيدوا لنا عَرَبَنا الذين نحبّهم كثيراً!"؛ "فرنسا لم تعدْ ما كانت عليه! إذ ينقصها البقّال العربي الصغير!" وعلى إحدى اليافطات القديمة، تمّ شطب معادلة "ثلاثة ملايين عاطل عن العمل = ثلاثة ملايين مهاجر زيادة عن اللزوم"، وأًضيفت عبارة "نحن بحاجة إلى عرب"! وأضافت يدٌ مجهولة "تحن بحاجة إلى الكراهية!".

وقد تطلّب تنظيف البلاد بضعة أشهر، لكنّ الجميع يقرّ بأنّ الأمور سارت في ظروفٍ شبه عاديّة. وفي الواقع، لم يُترك الخيار للمهاجرين. فإمّا يقبلون بالذهاب، وإمّا يجدون أنفسهم في مركز حجزٍ أبديّ، نوعٌ من مراكز الاعتقال سمي "سانتياغو دو شيلي". كلّ شيءٍ كان جاهزاً: الشاحنات المُغطّاة، الخيم الرماديّة، الأسلاك الشائكة، السجّانين وحتى الأكفان. الغالبيّة رحلت إذاً بإرادتها. إنها مسألة عزّة وكرامة نفس. الأنف! الشرف في طرف الأنف!.

ولم تتمكّن الاحتجاجات التقليديّة، لليسار واليسار المتطرّف ولبعض رجال الكنيسة، من إقناع الحكومة بالعدول عن مشروعها. فقد بقيت، بحسب رئيس وزرائها، "ثابتة على قدميها". وقد صرّح وزير الداخلية: "لقد تمكّنت فرنسا أخيراً من طيّ هذه الصفحة المكتوبة باللّغة الجزائرية". وقد أجاب الوزير على أحد الصحافيّين الذي سأله ما هي تلك اللّغة: "إنها لغة الدم المهدور على أرضٍ كانت ملكاً لنا ثم خسرناها! أرضٌ كان للاستعمار فيها منافعاً مذهلة".

حتى ولو أثارت عمليّات الرحيل هذه مشاكلاً كبيرة في البلد، غير أنّ الحكومة لم تُبدِ أيّة إشارة قلق. لا شكّ أنّ بعض ورشات التعمير قد بقيت غير مُكتملة. واضطرّت بعض المصانع إلى إقفال أبوابها، وبعض الشركات إلى طرد جزءٍ كبيرٍ من موظّفيها. كما اختفى العديد من محلاّت بيع اللحم ومخازن البِقالة، بعضها تحوّل إلى صالونات لتزيين الشعر أو إلى محلاّت للاتصالات الهاتفية. ولم تعد سلاّت المهملات تُجمع سوى مرّة واحدة في الأسبوع. وأخذ مطار رواسي يعمل بوتيرةٍ بطيئة بعد أن حُرِمَ من ثلث العاملين فيه. وأصبح هنالك أيضاً نقصٌ في الأطبّاء والعاملين في المستشفيات. لكنّ البلاد أضحت على ما يرام. هنالك حاجة لأمور كثيرة، لكنّ فرنسا تشعر بأنها حرّة أو بالأحرى أنها قد تحرّرت. لا يهمّ مدى التضحيات التي يتطلّبها ذلك. وكما قال أحد القادة في اليمين القويّ الذي يتكلم بصوتٍ مخَنخَنٍ نازيّ: "كنّا أمام خياريْن: إمّا الإبعاد الكثيف الذي ينقذ لفرنسا، وإمّا أن تصبح بلادنا دولة إسلاميّة!".

وراح المواطنون يعتادون على العودة إلى العمل، كما كان الوضع في الأيّام التي لم يكن فيها مهاجرون من المغرب. كلّ شيءٍ على ما يرام. فقد استعاد الفرنسيّون الطاقة اللازمة لإعادة تسيير اقتصادهم، وتعلّموا الجهد والمرونة، وتجرّؤوا على التخلّي عن الـ35 ساعة عمل. واستعادت الأحزاب السياسيّة مصداقيّتها، ووقّعت النقابات معاهدة سلام اجتماعي. لا إضرابات ولا مظاهرات بعد اليوم. فاستعاد المشهد الإنساني لونه الأبيض وأمانه وعظمته. أصبح الباريسيّون الآن لطفاء ومُتسامحين بشكلٍ خاصّ. استعادوا ابتسامتهم. وما عادوا يحتجّون على سياسة البلديّة التي تسمّم حياة سائقي السيارات. فعادت فرنسا إلى نفسها كما في الأيّام الخوالي، يوم لم يكن المغاربة يتجرّؤون على الخروج من أقفاص الأرانب التي يعيشون فيها. كلّ شيءٍ يكاد يكون على ما يرام. هنالك بالطبع نوعٌ من الحزن في الأجواء، لكنّنا لا نعلم ما إذا كان مردّه رحيل المهاجرين أم نزوات الطقس.

لكنّ أموراً غريبة تحصل منذ بعض الوقت. هنالك كلمات ناقصة في جمل الصحافيّين على التلفزيون والراديو. فجوات. فراغات. لم نعد نفهم ما الذي يقولونه. هنالك كلمات وتعابير كاملة ناقصة في خطبهم. هم يعتذرون ثمّ يكمّلون، كما لو كان التوقف من أجل السعال أو لنسيان أمرٍ عن غير قصد. ويطال هذا الاضطراب الجميع، النساء كما الرجال.

ففي الصحافة المكتوبة، يتمّ استبدال الكلمات الناقصة بتلميحات مواربة من نوع: "إنّ هذه الفاكهة (1) التي تُثمِر مع بداية الصيف والتي نصنع منها المُربّى اللّذيذ، لم تصل إلى السوق. لم أعد أذكر ما اسمها". أو: "إنّ تعاطي الـ...(2) مضرٌّّ جداً بالصحّة." "إنّ الـ...(3) الممزوجة بالحليب مضرّة بالكبد". "هذا النوع من التوابل الأحمر اللّون، الجيّد واللّذيذ الطعم غير موجود حالياً لدى البقّالين في فرنسا (4)". "يُنصح للأطفال بعدم شرب الكثير من...(5)". "يبدو أنّ أكْل...(6) في نهاية الغذاء يساعد على الهضم". "ستطالب المصارف من الآن فصاعداً بدفع عمولات على صرف... (7)". "جوني حزين، فقد سُرقتْ...(8) خلال آخر حفلة غنائيّة له." "لم يعد الأساتذة يعلّمون...(9) ولا...(10). لقد طارت الكلمات." "انتبهوا، قال وزير الداخلية "أولئك الذين، كيف أقولها، أولئك الذين...(11) بين المسلمين والإرهابيّين قد يتعرّضون للمُلاحقة". "إنّ صالة العرض الكبيرة...(12) حيث يقدّم المغنّيون المشهورون عروضاتهم، قد أقفلت أبوابها بداعي الأشغال". "كلّ من وُلدَ تحت...(13) له الحقّ بحمل اسم والدته." "ألغتْ محطة France culture برنامجاً حول القصيدة المعروفة لستيفان مالارميه...(14)".

وتحوّلت أكثر من مئة كلمة شائعة إلى فجواتٍ في اللّغة الفرنسية. ما الذي حصل؟ كيف تعمّمت فجأةً كلّ تلك الفجوات في الذاكرة وفتكَتْ بالجميع؟ إنّها لظاهرة غريبة. أخذت الصحافة وقتاً طويلاً قبل أن تعترف أنّ اللغة الفرنسيّة تخسر كلماتها. وتمّ استدعاء خبراء لغويّين، لكنّهم لم يتوصّلوا إلى أيّ تفسيرٍ مُقنع. وقد قلّل رجال السياسة من أهمّية هذا الأمر، إلى أن رأت أمينة مكتبة في قرية صغيرة مُجاورة لمدينة رين، سان بريس أن كوغل، كافّة القواميس تقع من الرفوف، Le Grand Robert, Le Grand Hachette, Le Dictionnaire Hachette. راحت الكتب تسقط الواحد تلو الآخر. وكان من المستحيل إبقاؤها على الرفوف. قوّةٌ ما كانت تدفع بها نحو الأرض.

وقد فحصت أمينة المكتبة الكتب واحداً واحداً، دون أن تعثر على شيءٍ خارجٍ عن المألوف. وعندما كانت تُرجعها إلى أماكنها، رأت أو خُيّل إليها أنّها أبصرت مجموعةً من المقاطع اللّفظية تخرج منها وتتناثر على الأرض كفقاقيع الصابون. كانت هذه مجرّد رؤية أو ربّما هلوسة سببُها التعب.

بعد وقتٍ، فتحت قاموس Le Robert ووجدت أنّ صفحاته فارغة، وقد أصبحت كلّها بيضاء. قالت لنفسها أنّ هذا مجرّد خطأ مطبعيّ. لكنّ صفحات القاموسيْن الآخريْن كانت أيضاً خالية من أيّ حرف. ولم يعدْ هنالك أيّ أثرٍ للمقاطع الصوتيّة syllabes على الأرض. لقد تبخّرتْ. ضاعتْ في الهواء. ذهبتْ إلى مكانٍ آخر داخل حقائب المهاجرين الذين أبحروا بعيداً.

فرنسا تُتمتم. إنها تلجأ إلى المواربة في الكلام. واختفتْ بدورها الكلمات العربيّة التي كانت تملأ لغتها، لقد لاذت بالفرار. ما العمل كي تعود؟ أيّ عالِمٍ لغويّ قادرٌ على استبدالها بسرعة، لكي تستعيد هذه اللّغة عافيتها ووتيرتها وحذاقاتها؟ هل يمكننا التخلّي عنها؟ وطال الاجتماع الذي جمع الوزراء حول الموضوع، دون أن يتمّ التوصّل إلى أيّ حلٍّ مُرضٍ.

وتساءل عميد كلّية الحقوق: "الكلمة ملكٌ لِمنْ؟ للّذي اخترعها أم للّذي يستخدمها؟ ثمّ، لا يجب أن ننسى أنّ هؤلاء المهاجرين لم يخترعوا شيئاً. ولو أنهم كانوا مُخترعين لَما أتوا إلينا يستجْدون عملاً!".

فأجابه العالم اللّغوي ألان راي(15)، الواضع البارع لقاموس Grand Robert: "أنّ الكلمة بطبيعة الأحوال ليست ملكاً لأحدٍ معيّن؛ إنّ الكلمة لا تصبح حيّة إلاّ إذا استُخدمتْ؛ فلقد اختفت العديد من الكلمات أو أُهملت لأنه لم يعد أحد يستخدمها؛ لكنّ المشكلة التي نواجهها تتخطّى قُدراتنا؛ فهي سياسيّة وليست لغويّة. إنّ السيّد العميد يسلك طريقاً خاطئاً عندما يشتم المهاجرين. فالأمر لا يقتصر على استبدال الكلمات العربيّة الناقصة بكلماتٍ أخرى، بل يجب العمل على أن تستعيد اللغة سلامها وأن تلتحق بالقواميس والكتب الروائيّة والخطابات والمحادثات اليوميّة، لأنّ الكلمات الغائبة هي كلمات يوميّة. لا شكّ أنّ بعضها كلمات علميّة، أو عسكريّة محدودة الاستخدام، لكنّ بعضها الآخر يشكل جزءاً من حياتنا اليوميّة. لِمَ لا، قد آخذ قليلاً من هذا المشروب الأسود دون... وأنا جالس بطريقة مزعجة على ... في حين كنت أفضّل الجلوس على... أو أن أجلس مرتاحاً على... لونه... مقابل باقة من... والـ...".

توقّف لحظة ونظر إلى الجمهور الذي كان ينتظر حلاً سريعاً، ثمّ استعاد الكلام مصفّقاً بيديْه عند كلّ كلمة عربيّة:

"قد آخذ قليلاً من القهوة Café دون سكّر sucre وأنا جالس بطريقة مزعجة على منضدة (طنبر) Tabouret، في حين كنت أفضّل الجلوس على أريكة (ديوان) Divan أو على مجرّد فراش (المطيرة) matelas أو أن أجلس مرتاحاً على صوفا (الصفّة) Sofa لونها قرمزيّ cramoisie مقابل باقة من اللّيلك lilas و الكاميليا camélias ...".

وبعد لحظة صمت، ترجّى العميد أن يتابع ألان راي كلامه: "كيف نعطي ضمانة (الأوّل aval) لسياستكم الشبيهة بباخرة مليئة بـالأعطال (عوارية avarie) ؟ في خطاباتكم، تُخرجون العيارات (قالب Calibre) الضخمة، تخلطون الزمرّد (émeraude) مع لبن جاوَة (benjoin)، والعنبر (ambre) مع أيّ نوع آخر من الصودا، (السوداء soude) تقومون بأيّ شيءٍ وتطبّقون على الجانحين الشباب تعريفات (tarif) ضخمة لمجرّد كونهم من أصلٍ عربيّ. وبالنسبة إليكم، إنّهم جميعاً تجّار مخدّرات (ترياق drogue). لا تميزون بين المسك (musc) و الزبادة (civette) و التدرّجية(camaïeu) والكافور (cafour)، وتضعون الكحول (alcohol) في اللّيموناضة (الليمون limonade)... لأنّ البعض يعتبرون أنفسهم وزراء (وزير vizir) والبعض الآخر سلاطين (sultan) أو أمراء (emir) وحتى خلفاء مكان الخليفة (calife)، في حين أنّه من الأجدر بهم استشارة طبيب (toubib) والتوقّف عن اعتبار الأجانب كلاب (clebs)....لو طُلب مني وضع علامة لسياستكم، لوضعت صفراً (zero) مُنقّطاً!

سأل أحدهم، لماذا استعاد ألان راي استخدام الكلمات الغائبة. فقال ألان دون أن ينظرإليه:" ذلك لأنه ليس لديّ أيّة أفكارٍ مُسبقة، أُحبّ اللّغات والأشخاص الذين يتناقلونها؛ أهتمّ بمعرفة أصل الكلمات كوني مؤرّخاً ولُغوياً، لقد دخلت مئات الكلمات العربية إلى لغتنا دون تأشيرة دخول ودون تدقيق على الحدود. من دونها، ستسوء حالة العِلْم: فلا رياضيّات دون اللّغة العربية، دون أرقام (شيفرة chiffre)، دون علم الجَبْر (algèbre) ودون حساب الخوارزميات (algorithme). لقد دخلت بشكل طبيعيّ إلى اللغة الفرنسية وأغنتْها وأصبحتْ بكلّ بساطة ضروريّة. لقد استوردناها، أو بتعبير أدقّ، إستعرناها، لأننا كنا بحاجة إليها وأبداً لم يفكّر أحدٍ ما بإخراجها ولا بأنها قد تتركنا لدرجة تعريض توازن فرنسا النفسيّ للخطر!".

 "ما الذي يجب علينا عمله إذاً؟" يقول وزير الثقافة الذي لم يعد يتمكّن من إكمال الكلمات المتقاطعة.  
 "فلْيعد المهاجرون المطرودون!" قال أحد الوزراء الجزائري الأصل.  
 "أستبعد ذلك كثيراً"، يقول ألان راي. "إذ لديهم عزّة نفسهم ولديهم كبرياؤهم".

"لكنّ فرنسا لن تتحمّل أن تتعرّض لغتها إلى البتْر بهذه الطريقة!". يقول وزيرٌ آخر كان يجد صعوبةً في حلّ شبكة أخرى من الكلمات المتقاطعة.  
 "ولن أتمكّن من لعب "السكرابل" بعد اليوم!" يضيف وزير التربية. فيصرخ الان راي: "فرنسا! فرنسا لا تفعل شيئاً لكلّ تلك الشعوب التي تتكلّم لغتها وتكتبها وتجمّلها!" من الأجدر بفرنسا الاستفادة من هذه الأزمة للتفكير، ولكي تكتسب قليلاً من الخيال والتناسق في سياستها. إنّ هذا البلد لن يكرّم عقيدته وقيَمه من خلال وصْم الإسلام والمسلمين بالعار. حضرات المحقّقين عمتمْ مساءً!"

جلبة إحتجاجاتٍ غير مفهومة. وغادر ألان راي الاجتماع وترك هؤلاء الموظّفين ذي الرتب العالية وسط الغموض. ثم بعد أسبوع، ظهر رئيس الدولة في أخبار الساعة الثامنة، وكان وجهه متجهّماً.

"أيّتها الفرنسيّات، أيها الفرنسيّون، مُواطنيَّ الأعزّاء، "السلام عليكم" (بالعربيّة)! نعم، لقد سمعتم جيداً! "السلام عليكم" يعني مساء الخير في اللغة العربية أو تحديداً السلام عليكم. "سيداتي، سادتي"! (بالعربيّة). سيداتي سادتي! (بالفرنسيّة) لن أطيل عليكم (بالفرنسيّة ثمّ بالعربيّة) ارتكبتْ فرنسا أكثر من مجرّد خطأ، لقد ارتكبتْ "ظلماً كبيراً" (بالفرنسيّة ثمّ بالعربيّة) وبعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، قال البعض "نحن جميعاً أميركيّون!" وأنا أقول اليوم: "كلّنا عرب" (بالعربيّة). كلّنا عرب! "كلّنا مهاجرون" (بالعربيّة ثمّ بالفرنسيّة). ومن خلال تصرّفنا هذا، جرحْنا كرامتهم وخسرنا روحنا وكرامتنا (ويعيد قول كلمة "كرامتنا" بالعربيّة)، أعرف أنه لن يتمّ انتخابي من جديد. لا يهمّ. فأنا لا أمثّل إلاّ نفسي. إنني أريد أن أكرّم اللّغة والثقافة العربيّة، على أمل أن يقبل البعض بعودة فرنسا للوقوف على رجليْها. "السلام عليكم! تحيا فرنسا! يحيا المغرب!" (بالعربيّة فقط).

 

(1) مشمشAbricot ؛ (2) كحولAlcohol ؛ (3) قهوةCafé ؛ (4) زعفرانSafran ؛ (5) صودا (السواد)Soda ؛ (6) بوظة (الشربة)Sorbet ؛ (7) صكّChèque ؛ (8) قيثارة Guitare؛ (9) علم الحساب والجبرAlgèbre ؛ (10) الكيمياءChimie ؛ (11) يمزِجون (الملغمة)Amalgame ؛ (12) سَمْتZénith ؛ (13) س X؛ (14) السماء الزرقاء اللازورديةAzur . كل هذه كلمات من اللغة الفرنسية أصلها عربي. (15) لقد تمّت إقالة ألان غراي من إذاعة France Inter. وقرار التخلّي عن معارفه وعن ذكائه وعن لباقته يمكن أن يكون قد اتخذه أناسٌ أكثر معرفةً منه. (حقوق الطبع محفوظة لطاهر بن جلّون)


المصدر:
http://mondiploar.com/article.php3?id_article=407

وهذا المصدر لمن يرغب بقراءة الأصل باللغة الفرنسية:
http://www.taharbenjelloun.org/chroniques....id_chronique=65

09-09-2006, 07:44 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
أبو العلاء غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 77
الانضمام: Aug 2004
مشاركة: #2
قصة لم تنشر للـ "طاهر بن جلّون" / المهاجر الأخير
قصة رائعة لطاهر بن جلون
(f)

وشكراً لك يا طارق على نقلها
09-10-2006, 12:12 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  حتمية الإلتصاق الجزء الأخير فخري الليبي 1 824 12-13-2011, 01:14 PM
آخر رد: حائر حر
  زمن المثقف الأخير. بهجت 111 29,900 03-23-2011, 03:17 AM
آخر رد: بهجت
  "هي دي مصر ياعبلة " طيف 8 3,106 03-06-2011, 09:37 PM
آخر رد: طيف
  وأنا أتوقع ضرب ايران بالثلث الأخير من رمضان .. نسمه عطرة 42 10,147 09-27-2010, 02:06 PM
آخر رد: نسمه عطرة
  النزع الأخير- نقد مآلات الخطاب المدني العاقل 11 5,021 09-11-2009, 06:34 AM
آخر رد: العاقل

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS