ما بعد حيفا و ما بعد قانا...
ما بعد حيفا و ما بعد قانا...
خيبر واحد الصاروخ الذي أطلق على مدينة العفولة مثل "حسب حزب الله" التجسيد العسكري للوعيد الذي أطلقة نصر الله و سماه ما بعد حيفا, خلفت تلك "الصلية" من صواريخ خيبر واحد وقعا أعلاميا ضخما فيما لم يكن لها ذلك التأثير العسكري الكبير , ثم توقفت مرحلة ما بعد حيفا في النقطة التي بدأت فيها, و لا يعرف فيما إذا كانت تلك الخطة مؤلفة من صاروخ واحد فقط , الملفت أن الهجوم على قانا جاء في اليوم التالي مباشرة لسقوط خيبر واحد في العفولة , و هذا الهجوم بدورة لا يمثل اي تفوق عسكري لإسرائيل, و لكنه كصواريخ العفولة تماما يشكل مادة يشعر الإعلام بسعادة غامرة و هو يستهلكها.فالكاميرا شرهة لمشاهد القتل و الدمار.
من المفروض أن الرسالة قد وصلت الى نصر الله , و لا بد أنه سيفكر مليا قبل أن ينتقل الى الخطة التالية التي يستخدم فيها خيبر إثنان, إسرائيل تبدو أنها تملك ردا على كل مرحلة من مراحل حزب الله , و غير مهتمة بوقعة الإنساني مهما بدا هائلا و لديها فيما يبدو القدرة على تحويل الأنظار الى الجهة المقابلة ,و شهدنا كيف كان مندوبها في مجلس الأمن يتحدث بثقة و تلقائية و بإرتجال عن "وحشية" حزب الله الذي يطلق الصواريخ ثم يندس بين المدنيين , نجح في إقناع مجلس الأمن بعدم إدانة إسرائيل و أكتفى ببيان تعزية مؤثر , فيما أعتمد المندوب اللبناني على مساعدين كسالى قدموا له ورقة فيها بضع كلمات قرأها متلعثما و هو يعبث بقلم رصاص صغير.
تعرف إسرائيل أن العالم و خاصة ذلك الجزء الذي يحيط بها قادر على إبتلاع جرعات عاطفية كبيرة , و لا بأس في تقيدم مثل هذه الوجبات إليه إذا كانت ستعود عليها بكسب , رغم أن إسرائيل لم تفعل في قانا إلا ما تفعله بشكل روتين يومي منذ الثاني عشر من هذا الشهر , فلو مارسنا قليلا من الحساب, بتقسيم الرقم الذي تذيعه السلطات اللبنانية عن مجموع الذين قتلوا حتى الآن من جراء القصف على عدد أيام الهجوم لنتج لدينا عدد قريب جدا من عدد الضحايا الذين سقطوا في قانا,و يمكن أن نقرأ من هذا الرقم أن الذي حدث في قانا يحدث كل يوم لبنان , الفرق الوحيد أن ضحايا قانا ذهبوا في لحظة واحدة ,ذهل العالم للموت الجماعي , و شعر بعطف شديد نحو الضحايا, و تزايدت المساعدات الإنسانية المتجهة الى لبنان , و هذا جزء مهم تتطلع اليه إسرائيل بالإيحاء أن لبنان يعاني أزمة إنسانية و ليس أزمة سياسية.و كان نجاجها باهرا بتحويل مجلس الأمن ذو التركيب السياسي الى مجرد "مجلس تعزية" إنساني.
ما حدث في قانا آخر خطة "ما بعد حيفا" و ربما ألغاها, و فاقم الشعور الإنساني نحو لبنان على حساب التعاطف السياسي مع حزب الله,و أخر وقف إطلاق النار بضعة ايام أخرى , مما يعني أن إسرائيل تدير "الأزمة" لصالحها بشكل ممتاز, و على حساب حزب الله, الذي يبدو انه غرق في حساب عدد الأسرى الذي يتوقع أن إسرائيل ستفرج عنهم , و المواقف الإنفعالية التي ابداها السنيورة و بري ستزول بعد أن يزول أثر الصور المؤثرة الذي أذاعها الإعلام من قانا.
|