التكميم الفكري
التكميم الفكري
إن مفهوم الكم استعمل في الفيزياء للدلالة على أن الطاقة ليست كميات متصلة , أي لا يمكن تقسيم أجزاء الطاقةإلى ما لانهاية . والطاقة تنتقل على شكل وحدات متناهية الصغر ولكنها محددة الكمية وثابتة وكذلك سرعتها ثابتة وهي سرعة الضوء وخصائصها معينة , واسموها كمات- كم بلانك- .
ونشأت نظرية الكم التي تحاول أن تفسر كافة الظواهر الفيزيائية بناءً على أنها حركة وتفاعل لهذه الكمات الصغيرة , وأنه يمكن حساب نتائج هذه التفاعلات باستعمال الرياضيات , وقد نجحت هذه النظرية في تفسير غالبية الظواهر الفيزيائية .
وأنا أقصد بتكميم البنيات الفكرية , تثبيتها وتحديدها وتعيينها , وذلك لكي يتمكن العقل من التعامل معها كوحدات محددة ثابتة . وهذا يشبه عمل الكومبيوتر , فالكومبيوتر يتعامل مع وحدات رقمية مطلقة التكمم وهي الصفر والواحد فقط .
فتثبيت البنية الفكرية هو :
منعها من التغير والحركة , وهذا هو أساس مبدأ الهوية وعدم التناقض الذي هو
" – أ- تبقي هي– أ- "
وتحديد البنية الفكرية هو :
فصلها عن غيرها , وتحديد حدودها وخصائصها وتأثيراتها .
أما تعيين البنية فهو:
تعيين تأثيراتها بالنسبة لبنية معينة أو بنيات معينة , فعدم تعيين البنية هو عدم تعيين تأثيراتها , فإذا كانت لوحدها فليس لها أي تأثير , فالإلكترون يعين تأثيره بالنسبة للبروتون أو بالنسبة لمجال كهربائي أو مغناطيسي , فلابد من تعيين تأثير أي بنية بأي بنية تؤثر بها.
فالعقل بواسطة التكميم يحول كيفيات الوجود – مع العلم أنه لا يوجد في الوجود إلا اختلافات كيفية , التي لا يستطيع التعامل معها - إلى كميات يستطيع التعامل معها , فهو يحول الاختلافات الكيفية إلى اختلافات كمية عند تشكيل البنيات الفكرية المكممة.
فالعقل ثبت تغيرات الأشياء بتشكيل الهويات لهذه الأشياء ( البنيات الفكرية الإسمية ) مثل الأسماء
إن كانت خاصة مثل: زيد . عمر . دمشق .
أو عامة مثل: شجرة . قطة. سيارة .
أوعامة مركبة مثل: الأسرة. الدولة. الاقتصاد . العلم . الفكر .
وحددها بالكميات , المقدار والعدد .
والمكان , فوق , تحت... .
والزمان . قبل , بعد .
وبالصفات والخصئص الأخرى المحددة .
وثبت التغيرات والصيرورات وحددها بالأفعال , أو البنيات الفكرية التحريكية مثل : كبر , صغر , صار , نما , أكل , ضرب , عمل , فرح . . . .
وكذلك ثبتها بالبنيات الفكرية التحريكية العامة المركبة , مثل : التعاون , الصداقة , الحرية , العدالة , الديمقراطية. . . .
وبذلك استطاع العقل تثبيت وتحديد الكثير من تغيرات وصيرورت الوجود .
بعد ذلك قام" العقل " بالتحريك الفكري ( أي المعالجات الفكرية ) لهذه البنيات التي شكلها , خطوة , خطوة .
أي التحريك الفكري للهويات الاسمية بواسطة الهويات الفعلية أوالتحريكية .
وبعد نشوء وتطور اللغة قام بتحريكها باستعمال قواعد النحو ,العطف والربط والجمع والاثتثناء... إلخ
وذلك باستعمال آليات التفكير:
مثل الاشراط أو الربط المنطقي الذي يعتمد عليه مبدأ أوآلية السببية , والاختبار , والتصحيح . . . , لكي تقترب و تتطابق النتائج بين النموذج الفكري , والواقع الذي هوالأصل .
فالتكميم الفكري هو :
تحويل كيفيات وخصائص الوجود وتغيراتها , إلى بنيات فكرية ثابتة , محددة , معينة , تسمح بتعامل العقل معها بفاعلية ودقة.
فالأشياء أو بنيات الوجود تؤثر في الجهاز العصبي , فتتحول إلى تيارات عصبية محددة كميتها وشدتها وخصائصها , تسمح للدماغ بالتعامل معها ومعالجتها , فأساس عمل الجهاز العصبي مكمم .
نشوء البنيات الفكرية وتطورها , ونشوء البنيات الفكرية اللغوية
إن البنيات الفكرية الخام تنشأ ( أو تتكون ) في أدمغة الكائنات الحية , على شكل بنيات عصبية فكرية .
ولدى الإنسان الذي يعيش في مجتمع , تطورت هذه البنيات الفكرية العصبية , فترابطت سلسلة بنيات فكرية لتشكل بنية فكرية متطورة .
وقد حدثت قفزة , عندما مثلت بعض البنيات الفكرية بإشارات ( أصوات وتعبيرات وحركات . . ) تدل عليها , وهذا أدى لنشوء البنيات اللغوية الفكرية .
فهذه الدلالات هي أيضاً مدخلات حسية , وهي تحولت من جديد لبنيات فكرية خام , وأصبحت بنيات فكرية دلالية . فهي ترمز أفكار تم إرسالها من إنسان لأخر .
وبذلك نشأت وسيلة تستطيع بها البنيات الفكرية الانتقال من عقل إلى آخر , أي نشأت وسيلة ( أي للغة ) للتواصل بين الناس . وهذا يتم بعد أن تتحول البنيات الفكرية اللغوية إلى بنيات فيزيائية لغوية ( مؤثرات فيزيائية إشارات وأصوات) . فإذا تلقتها حواس إنسان آخر يمكن أن تتحول إلى بنيات فكرية لغوية ثم إلى بنيات فكرية , هذا إذا تم فك رموزها .
وبهذا تنتقل البنيات الفكرية من دماغ إنسان إلى أخر وتصبح مهيئة لكي تتوضع فيه , أي يمكن أن تتحول هذه البنيات الفيزيائية اللغوية إلى بنيات فكرية عصبية , وتتوضع في دماغ المتلقي .
|