تظاهرة دمشق وكسر حاجز الخوف
الكاتب: بشير البكر المصدر: شفاف الشرق الأاوسط
لماذا يتوجب على نظام مثل النظام السوري، فض تظاهرة مدنية سلمية في دمشق عن طريق القوة،وهو لايواجه تهديدا مباشرا،ولا يشكو من ضعف على مستوى بنيته الأمنية،خصوصا وانها لاتضم اكثر من ألف شخص،ولا تتجاوز الشعارات التي رفعها المتظاهرون سقف الحدود، التي تقف عندها المعارضة في الداخل،وهي الغاء قوانين الطوارئ ورفع الاحكام العرفية، وانهاء ملفات الاعتقال السياسي،والسماح بقيام حياة سياسية طبيعية.؟
لماذا أنهالوا بالضرب على المتظاهرين الذين مارسوا اعتصامهم في صورة سلمية،وقد كان بوسعهم أن يمنعوا التظاهرة،وألا يسمحوا بتنظيمها؟ هل أرادوا من خلال سلوكهم الفظ هذا،الذي تكرر للسنة الثانية، أن يوجهوا رسالة ذات مغزى ومدلول الى السوريين في الداخل، والى المجتمع الدولي على حد سواء؟
إنهم في كل الأحوال، يؤكدون مرة أخرى، ان ليس لديهم مايعدون السوريين به كسبيل للخروج من المأزق الكبير الذي تعيشه البلاد سوى القوة. يصرون في كل مناسبة على أن يقولوا، جئنا بالقوة وسنواصل حكمكم بالقوة. ويريدون أن يرغمونا على اعتناق مقولة الزعيم عبد الناصر الشهيرة : "إن ما أغتصب بالقوة لايسترد إلا بالقوة.". لكن مهما يكن من أمر،حسنا فعل المتظاهرون، حين قرروا رفض الرد على القوة بالقوة، واكتفوا بالممارسة السلمية، لأن المعارضة السورية وقوى المجتمع المدني صاحبة مشروع تغيير، يضع على رأس أولوياته،وقبل كل شيء، تخليص السوريين من الممارسات المشينة، التي درج عليها النظام.إن قوى التغيير في سوريا مطالبة بأن تؤكد في كل مناسبة، على انها ليست في وارد التحول الى قطاع طرق وعصابات من الزعران. وسيظل أحد أهداف اصحاب مشروع التغيير في سوريا عدم اراقة نقط دم واحدة. وهذا سوف يكون حد الفصل بين مشروع المعارضة الذي يمثل المستقبل، وبين مشروع النظام الذي بني استمراريته على الدم،ولم يتورع عن توجيه المدفعية والدبابات الى الاحياء الآهلة بالسكان في حماة وحلب،ولم يتحرج البته من تشريد طاقات سوريا العلمية والاقتصادية والثقافية. إن الذي يريد أن يفدي بشار الأسد بدمه لايهتم إلا بالاستتاب الظاهري للنظام،وهدفه دفع السوريين الى الطاعة العمياء،في حين إن الخطر الفعلي عليهم هو قناعة الناس، إن لاشيء يستحق أن يفدوه بدمائهم سوى سوريا.
إن الاعتداء على سيدة بالضرب الى درجة التشويه لأنها تشارك في تظاهرة لحقوق الانسان في دمشق، لايبرره غير عجز هؤلاء "الفحول" عن مواجهة الشعار الذي كانت ترفعه. هذا عدا عن انه يصعب على رجل عاش حياة اجتماعية سليمة،وتربى في مناخ انساني صحي أن يرفع يده بالضرب على سيدة مثل الكاتبة سمر يزبك. انها ليست جديرة لأن تضرب بعصا، وتداس بالاقدام بعد يوم من عيد المرأة، ولا يليق بها حتى أن ترمى بوردة،هي السيدة النبيلة التي قررت مثل كثيرات من نساء بلادنا الانخراط في العمل السياسي من بابه المدني،مثل سهير أتاسي التي تدير عن جدارة منتدى للحوار الحر في دمشق .
انه لحسن الحظ، انهم في المجتمعات التي تحترم نفسها، لايضربون النساء والشيوخ والمعارضين بالهراوات،لمجرد التظاهر تحت شعارات تتعلق بحقوق الانسان،ولا يحرمون على الناس دخول بلادها لمجرد انها تعارض النظام،ولا يحتكرون الوطن،وتخلصوا من عقدة الخلط بين الوطن والحاكم. إن الأمر هنا يتجاوز السياسة الى الأخلاق العامة.ولن نبالغ اذا قلنا أن سمعة شعب سوريا باتت مطروحة في الميزان. ولكثرة ماشاهدنا من نزاعات سياسية في بلدان العالم،لكنا لم نشاهد رجال أمن يشمرون عن سواعدهم لبطح كاتبة أرضا وتلقينها درسا في الوطنية. لا يحدث هذا الاستهتار، إلا حيث تنعدم التقاليد وتنحط المجتمعات الى مستويات دنيا من الهمجية،ولايمارس هذا السلوك الرث إلا الشرطي الصغير العديم الذمة المستعد لأن يفعل أي شيء،والمداري ضميره الأعرج بممارسة العنف على مواطنيه،وهو يهتف:" بالروح بالدم نفديك يابشار".
لايحتاج المرء الى خيال واسع ليتبين ان لا مآل لهذه الحال، سوى تدهور القيم والمعايير الأخلاقية كلها، وتلاشي مقاييس اللياقة وتضاؤل الثقة بقيم كالحقيقة والمبادئ والصدق والنزاهة والكرامة والشرف.هكذا تسير سوريا في ظل حكم هؤلاء الأشاوس، نحو حياة يخيم عليها الخذلان العميق،وتنجر نحو فقدان كل أمل.
أستطيع أن أجزم أن سمر يزبك ضربت ككاتبة ومعارضة معا.فهي مجرمة في نظر هؤلاء الأوباش لسببين: الأول ككاتبة عرت في روايتها الجميلة "صلصال" عجز السلطة العسكرية الفاسدة،وفضحت عالم المخابرات القائم على العنف. ضربوها على نحو وحشي لكي تكون عبرة لبقية الاقلام التي لاتخاف، وليدجنوا قلمها بعد أن فشلوا في ذلك عن طريق التهديد والوعيد والمحاكمات.أرادوا أن يلحقوا بها الأذى لأنها جرحت بالفن الراقي فحولتهم الكاذبة. لقد اسقطت عنهم ورقة التوت وعرت بؤسهم الاخلاقي المريع،كشفت كيف يعامل الناس هذا النظام القائم على خوفهم واستكانتهم. لذا اراد المجرم الذي استهدفها بالاعتداء ان يقتص من كل كلمة من كلماتها. وهل نحتاج الى برهان على دموية هؤلاء ؟ هل يشك احد في انهم حين فشلوا في كسر أقلام سمير قصير وجبران تويني ومي شدياق، نسفوا أجسادهم بالديناميت، لأنهم وقفوا الى جانب طموح التغيير والديموقراطية في سوريا ،لقد أرادوا من ذلك خنق ربيع بيروت لكي لايصل نسيمه الى دمشق.
إن السبب الثاني للاعتداء الوحشي ضد الكاتبة هو لأن الثقافة هي الميدان المحسوس للنشاط الانساني،وذات تأثير متعدد المداخل في المجتمع،وفعلها حاسم ومتصل،وكذلك لكون سمر من نوع الكتاب الأحرار الذين لايكتفون بالابداع ،بل يقولون كلمتهم ايضا. لقد أراد اصحاب "الحق بالقوة" توجيه نفس الدرس البائس والمكرور،لكن المهم بالنسبة لنا هو ان لا أحد يخافهم، غير اولئك الكتاب الذين حبسوا انفسهم في أقفاص الزينة التي صنعها لهم الحكم.
وفي الختام لابد من ايضاح صغير وهو أن النظام كان يريد من خلال رد الفعل الفظ توجيه رسالة الى الخارج ذات بعدين: الأول، انه بعد السيرك الذي عاشته دمشق،وتمثل بمؤتمر الأحزاب العربية للتضامن مع سوريا،هاهو النظام يدير ظهره للدعوات العالمية التي تنتصر لحقوق الانسان. والثاني تصوير المتظاهرين وكأنهم فئة أسقطت بالمظلات الاميركية فوق دمشق لكي تشوش على صمود "سوريا الأسد". ومن دون شك،فإن القاصي والداني بات يعرف إن النظام يتصرف عن خوف،وهو يدرك أن قوة المعارضة لاتحسب بألف شخص نزلوا الى الشارع بل بالرصيد الأخلاقي الكبير في الشارع السوري وفي الخارج،وبالتضحيات التي قدمتها على مدى أجيال، والنظام يدرك قبل غيره، إن الوطنية والاميركانية صفات لاتكتسب من خلال اللعب على عواطف الناس،بل تأتي عن طريق الممارسة.أما الألف الذي نزل الى الشارع في هذا اليوم، فليس سوى بداية الذروة في كسر حاجز الخوف.
إن كسر حاجز الخوف يعني أن ربيع دمشق على الأبواب،ولن يستطيع اعتقاله فريق عدواني أدمن اسكات الناس بالقوة.
bacha@noos.fr
*كاتب سوري
http://www.syriamirror.net/modules/news/ar...p?storyid=16051