اقتباس:كان من الطبيعي أن يبدأ الفرع الآخر للفلسفة "الإيبستمولوجي" في دراسة و تحليل مناهج العلوم التجريبية الذي أظهر كل هذا النجاح للعلوم - في ذات الوقت الذي كانت نتائج مباحث الأنطولوجي تنتهي لتناقضات فيما بينها - مع عدم وجود أي فيصل للحكم - كما الجزر المنعزلة عن بعضها البعض و عن الواقع أيضا.

لا أعتقد أنه من الإنصاف أن نقول إن الأنطولوجي يناقض بعضه بعض لأن جميع المعارف و الفلسفات و العقائد عامة يناقض بعضها بعض و مع ذلك لها صحتها في سياقها الخاص بها الذي أفرزها. الفيصل للحكم هنا يكون [ براغماتي ] من وجهة نظري و كل واحد يحكم حسبما يريد و حسبما يستوعب. ما أريد أن أقوله بالتأكيد هو أن الإبستمولوجي لا يناقض الأنطولوجي بالمرة ففي حين يبحث الأول في آلية المعرفة يبحث الأخير في كينونة المعرفة كمعرفة قائمة بذاتها أي self-existent.

رأيك إيه؟ (f)

اقتباس:  إبراهيم   كتب/كتبت  
ما أريد أن أقوله بالتأكيد هو أن الإبستمولوجي لا يناقض الأنطولوجي بالمرة ففي حين يبحث الأول في آلية المعرفة يبحث الأخير في كينونة المعرفة كمعرفة قائمة بذاتها أي self-existent.
رأيك إيه؟ (f)

عزيزي إبراهيم ..

مرحبا بك

أعتقد أنك فهمتني خطأ ..
لم أقل نهائيا بتناقض المبحثين السابقين (الإيبستمولوجي/الأنطولوجي) - بل دفعت بتناقض مباحث الأنطولوجي المختلفة.
لكن بالرغم من إختلاف مجال بحث كلا من (الإيبستمولوجي/الأنطولوجي) - فالمبحث الأول كان من أكبر عوامل هدم و إنتهاء الثاني - و هذا بسبب نقد الأول لمناهج المعرفة و تقنينها مما أوجد صدام بالضرورة مع كون المبحث الثاني يعتبر ذاته كما تفضلتم بالذكر "كمعرفة قائمة بذاتها" و هو بالتأكيد ليس كذلك.
إذ لا توجد معرفة في ذاتها إلا العلوم الصورية (المنطق و الرياضة) - و المشكلة كل المشكلة كانت في الخلط بين هذه العلوم التجريدية مع أي فروض أخرى سواء تخص العالم التجريبي - أو عوالم أخرى ميتافيزيقية.

اقتباس: لا أعتقد أنه من الإنصاف أن نقول إن الأنطولوجي يناقض بعضه بعض لأن جميع المعارف و الفلسفات و العقائد عامة يناقض بعضها بعض و مع ذلك لها صحتها في سياقها الخاص بها الذي أفرزها. الفيصل للحكم هنا يكون [ براغماتي ] من وجهة نظري و كل واحد يحكم حسبما يريد و حسبما يستوعب.

المعرفة التي أتحدث عنها موضوعية و ليست ذاتية - بغض النظر عن السياق - و بغض النظر عن وجهات النظر و النفعية.
و المعرفة الموضوعية منفصلة عن قائلها و الغرض منها و سياقها - هذا من جهة - و كذلك هي معرفة تبادلية (Intersubjective) من جهة أخرى (أي قابلة للتبادل بين الأفراد لكي تصبح معرفة ذاتية لهم).
و كمثال على ذلك:
- المعرفة الموضوعية كالعلوم التجريبية تبادلية - قابلة للنقل و التجريب و الإثبات و النفي (النقد) بين الأفراد و هذا بغض النظر عن قائلها و نيته أو مبادئ النفعية.
- المعرفة الذاتية كالأديان و الميتافيزيقا - غير قابلة للتبادل بين البشر كونها خارج نطاق التجريب و هنا فقط يمكن حكم كل فرد حسبما يريد أو يستوعب - لكن لا يمكن أن يثبت هذا الفرد لغيره ما توصل إليه كحقيقة - و هذا عكس أن تنقل لغيرك معلومة عن درجة الحرارة أو حتى عن النسبية.

و لعلك الآن قد طرحت لب القضية و ما أقصده بموت الفلسفة - فلو كانت الفلسفة آداة إنسانية الغرض منها الحقيقة - فكون يقينها ذاتي و يتوقف على وجهات النظر فهذا يعني موتها.

شكرا جدا على الرد المفصل.. لي عودة لأن القراءة العابرة لا تنفع. لكن اسمح لي أن أعطيك هذا الرابط لرجل أحبه و أحترمه جدا، هيدجر:

http://web.cultural.org.ae/new/audiobooks/p59.htm

الزميل العزيز إبراهيم

شكرا على ردك و على الرابط القيم.
أنا أحترم الوجودية فكرا و أدبا كنظرة إنسانية عامة و شاملة للحياة - من منطلق مسئول و أخلاقي.
و أعتبرها بديلا مناسبا للأديان يتلافى معضلات تفسير الأخلاق مثل (إذا لم يكن الله موجودا فكل شئ مباح ..)

في إنتظار عودتك ..

اقتباس:  بهجت   كتب/كتبت  
إن الفلسفة بشكل أو آخر هي فكرة ذاتية غير موضوعية ، و بهذا يمكن اعتبارها شكلا أدبيا أو تعبيرا ثقافيا عن عصر بعينه .

الزميل المحترم / بهجت
تحياتي الطيبة

بالتحديد هذا هو ما قصدته و هو الغرض من مجمل مداخلاتي. و فكرة موت الفلسفة هي تخليها عن أن تكون وسيلة منهجية يعتمد عليها للمعرفة.
و أعتقد أن هذا المنظور للفلسفة هو ناتج نقد و تحطيم الصروح الفلسفية بواسطة مفكري الماركسية و الوضعية و غيرهم بعد تطور المنهج العلمي - و ليس نظرة ذاتية من الفلسفة و الفلاسفة لها - و لم تكن من ضمن فروض العاملين بالتفلسف.

اقتباس:إن الطبيعة النظرية للموضوع الفلسفي تجعل اختباره مستحيلا و بالتالي فاليقين لا معنى له .

لا يعيب نشاط فكري أن يكون ذو يقين لا معنى له أو يستحيل اختباره - كالأدب و الفنون ..إلخ. و هذا بفرض أن هذا النشاط الفكري لا يقصد ذلك من الأساس .. و لكن هل الفلسفة نشاط فكري لا يهدف اليقين؟
الفلسفة فكر ممنهج - يحده و يؤطره المنطق - و هو ذو مسلمات و فروض و عمليات منطقية و نتائج تنشد تبعا اذلك اليقين.

اقتباس:إن الفلسفة هي أكثر الممارسات تجريدا و لا تتحقق إلا عند مستوياته المطلقة ،و بالتالي هي مستحيلة على العقل المتشيء الذي لا يدرك إلا خلال الأشياء .

أكثر الممارسات تجريدا هي العلوم الصورية (المنطق - الرياضة) و أعتقد أنه لو اقتصرت أبحاث الفلاسفة عليها لما وجدت أي مشكلة.
و أعتقد أنه على العكس من ذلك كانت خطيئة الفلسفة في الخلط بين المفاهيم التجريدية لتلك العلوم الصورية و بين الواقع.
لا يمكن أن تجد فلسفة مجردة تماما من الواقع - فهو في مسلماتها أو نتائجها أو بين بين و إلا لأصبحت منطق صوري خالص.
بل أسمح لنفسي بقلب جملتك و اتهام الفلسفة بتشيء المفاهيم التجريدية.
إن العلوم الصورية تولد قوالب فارغة يمكن ملئها بما شئت - واقعيا كان أو ميتافيزيقيا - و في الحالة الأولى يمكن الحكم على النتائج - بينما تستحيل في الحالة الثانية.
الميتافيزيقا كلها تشييء لأوهام و حشر مفهوم ميتافيزيقي في نسق فلسفي منطقي سواء كمسلمة أو كفرض يساوي نتائج إما خاطئة أو لا علاقة لها بالواقع و هذا بالرغم من التسلسل الممنهج المنطقي للنسق ككل.

اقتباس:إن العلاقة بين الفلسفة و العالم الواقعي هي علاقة واهية جدا ،و لهذا تبدوا الفلسفة عديمة أو ثانوية القيمة ، مادام لا توجد في النهاية معايير مرجعية للحكم على القضايا المطروحة .

أتفق مع سيادتكم تماما لكن أعتقد أن العلاقة الواهية هي بين نتائج المباحث الفلسفية و بين الواقع و هي ليست كذلك في النسق ذاته. و افتقادها للمعايير المرجعية للحكم على القضايا التي تطرحها هو ناتج طبيعي للخلط بين المفاهيم التجريدية و الواقع و تشييء تلك المفاهيم.

اقتباس:إن الفلسفة لن تزيدنا علما بالكون ولا حكمة في التعامل معه ،و لكن كي نقدر الفلسفة علينا أن ننظر إليها كآليات و عمليات عقلية متنوعة و ليس كمنتجات نهائية

يمكننا الآن أن ننظر للفلسفة كتمارين عقلية ليس إلا - و أن ندرسها كما ندرس تاريخ الأديان - لكن كلاهما كان يدعي اليقين أو على الأقل محاولة الوصول له. و من المفيد أن نحاول فهم أين أخطأت تلك المحاولات.

أحب أن أنظرأن الفلسفة هي مرحلة مراهقة للعقل الإنساني. نتجت عن التقدم الهائل بالعلوم الصورية التجريدية - دونما تقدم يوازيه واقعيا و في العلوم التجريبية.
يحدث أحيانا أن تكتشف معادلات أو نظريات شديدة التعقيد و التجريد بالرياضيات (فارغة بالضرورة أو مفهوم مجرد) لا يوجد ما يملأها بالعالم الواقعي (الفيزياء) - ثم تلحق الأخيرة بها بعد فترة لتملأ هذا القالب الفارغ.
و الإنسان بطبعه ذو عقلية متشيئة - و التفكير هي عملية معقدة من تشابك المفاهيم التجريدية الإنسانية الخالصة - مع الأشياء.
الخلط بين المفاهيم المجردة و محاولات تشيئها من جهة و ملئ القوالب الفكرية الفارغة بالميتافيزيقا من جهة أخرى أدى لطريق مسدود.
و هو ما قد بدأ يتلاشى بتقدم موازي للعلوم التجريبية ذات الصلة المباشرة بالواقع.

في إنتظار تعليقك و مداخلتك القادمة - أهديك خالص التحية ..