التيارات الاسلاميه .... رؤيه
أصبحت التيارات الإسلامية - السياسية خصوصا - مط أنظار العالم , و خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر , و توابعها من غزو العراق و افغانستان , تلك الأحداث التي غيرت الكثير من معالم السياسة العالمية , و وصل التغيير لدرج حدود بعض الدول .
و لكن , و بالرغم من ذلك , لم تأخذ هذه الحركات حقها من الدراسة المنطقية , أو الحيادية , ربما كانت السياسات هي السبب , فالتاريخ يكتب كما يريد البعض , لا كما يحدث دوما .
يرجع الكثير نشأه الحركات الإسلامية , التي توصف بالأصولية تارة, و بالإرهابية و المتشددة تارة , إلى ثلاث محاور أساسيه , أجد أن من الضروري الوقوف عليها بشكل سريع و عميق , لفهم ما يحدث الآن , أولى هذه المحاور
الوهابية , و هي حركه إصلاحية دينيه , بدأت في السعودية , توصف أحيانا بالمذهبية و التياريية , إلا أنها حركه بسيطة المعنى تهدف إلى إحياء سنه الرسول صلى الله عليه و سلم , و لكن ... كما حدث في إحدى الحركات الإصلاحية في المذهب الإسماعيلي أيام الدولة الفاطمية , و بالتحديد أيام حكم الحاكم بأمر الله , في القرن الحادي عشر الميلادي , تبنى البعض حركه إصلاحية , واضعيها في الإطار المذهبي الجامد , ما جعلها تتمايز عن ما حولها عقائديا , و تتحول إلى مذهب جديد و إن كره البعض .
إن تجربه المذهب الدرزي جديرة بالتمعن , فقد بدأها حمزه ( مؤسس الحركة ) و الذي كان قد وضع - بالاتفاق مع الحاكم بأمر الله - أسس و مباديء حركه سبقت بأفكارها العديد العديد من الليبراليين الجدد , فقد كانت الحركة تقوم على ثلاث أسس رئيسيه , فصل الدولة عن الدين , إلغاء الرق , و إالغاء تعدد الزوجات .
و لكن , انقض أحد رجالات الحركة على زعامتها مزيحا بالتالي , حمزه المؤسس , و شاءت الأقدار أن تنسب إلى من حورها و مذهبها , درزي , فأصبحت درزية .
و هذا ما حدث بالتفصيل في الحركة الوهابية , التي تبناها آل سعود و ليجعلوها مذهبا سقط في فخ الحكم و لذه السلطة , فقد بدأت بمباديء سامية , إرجاع سنه الرسول , و انتهى تقدمها عند وفاه الرسول . لقد وقعن الوهابية في نفس الفخ الذي ادى إلى فتنه إسلامية إسلامية سابقا , ألا و هو فخ الملك و السلطة و الحكم , و مذهبه الفكر , ثم تسييس المذهب , ثم ابقاء السياسه التي تضمن كرسي السلطة ثابتة حتى لا تتغير مميزاتها .
المحور الثاني , حركه إصلاحية دعويه , بدأت في الإسماعيلية . مدينه مصريه تتميز بأنها مقر العديد من الأجانب , و ما يصاحبهم من لهو و فساد أخلاقي يرفضه المتدين البسيط , بدأت حركه الأخوان المسلمين في إطار بسيط في عشرينات القرن , لتصل إلى مرحله متقدمه جدا في الأربعينات , حيث أنها شاركت في حروب و اثرت في معارك سياسية و إجتماعية و تمتعت , بحضور كبير بين صفوف المواطن المصري , في زمن الخصوبة السياسية و الأسماء الكبيرة .
نعود إلى القصة ذاتها , إحياء السنة , بالإضافة إلى شعار ( الإسلام هو الحل ) حيث أن المجتمع المصري لم يشابه المجتمع السعودي في درجه الإبتعاد عن الإسلام , فإصطبغت الحركة بلون دعوي واضح , إلا أنها واجهت السؤال المؤرق ذاته ( ما هي الدولة الإسلامية الموافقة لشرع الله و في نفس الوقت عصرية) ؟ و في محاوله أكثر عمقا , و أكثر صعوبة , بدأ الإخوان المسلمون بالعمل على عده محاور , أولها كان داخليا و بطيء و هو محاول إيجاد الحل السياسي الإسلامي , و ثانيها محاوله الإرتباط برؤوس السلطة من قصر عبدين إلى طبقه واسعة من زعماء السياسة المصريين , لم تكتف الحركة بمصير التمذهب و النقش على الجدار الذي سيظل جدارا بعد مئات السنين , لقد حاولت التأقلم .
و لكن الرياح تجري كما لا تشتهي السفن , فقد بدأت النهاية عند اغتيال رئيس الوزراء المصري , على يد التنظيم السري الذي أسسه حسن البنا , لينشق عن الحركة و مركزيتها , و يتصرف كما يحلوا له , فرد على حظر جماعه الإخوان باغتيال أغضب قصر عبدين , و انتهى باغتيال حسن البنا نفسه انتقاما .
البقاء للأقوى , فقد تفرعت العديد من الجماعات المتشددة تاره , و المعتزلة تارة أخرى عن الجماعة الأم , و تخبط البعض في فكره مرفوضة و هي القتل مجرد القتل للنصر , و آخرين في فكره تحتمل الجدل و هي مقاومه حكومات اعتبروها كافرة , و أخرى كانت أشبة بموقف سعد بن أبي وقاص من الفتنه أايام علي , الاعتزال و كسر السيف .
المحور الثالث , الأخير من حيث الظهور , الأهم من حيث الأثر , الأكثر تجذرا لو عقنا حقيقة فكره .
و هو الأكثر تعقيدا , و أكبر مثل على هذا التعقيد هو ازدواجية زعامة القاعدة , بين رجلها الأول أسامه بن لادن , السلفي السعودي , الموصوف بالوهابي في بعض المرات , ذي المنشأ الغني الفاحش , و الحياة المتقشفة جدا , شخصيه جمعت الكثير من عوامل الكاريزما من ما ساهم في نشر فكره , فهو أشبه بجيفارا المنتمي لعائله غنية و لكنه أختار النضال , في نظر البعض , أما الرجل الثاني , فهو أيمن الظواهري الذي كان عضوا في الإخوان المسلمين سابقا , فهو ينتمي إلى جذر يختلف كثيرا مع فكر القاعدة عقائديا و سياسيا , و عسكريا , و يختلف أيضا عن زعيم الحركة بن لادن , فهو رجل بسيط من اسرة بسيطة و لا يتشابه مع بن لادن بشيء من الناحية الاجتماعية و لا من ناحية الجذر الفكري .
تمثل القاعده تيارا هائل الوزن بشكل أكبر من ما يتصور البعض , و ربما كان التناقض بين رجليها مفتاح فهم الفكر القاعدي , الذي لم ينظر له أحد يعين محايده بدون إطلاق أحكام .
في حين أن حركه الإصلاح الوهابية وقعت في الفخ المغري , و تمذهبت لكي تصبح سلطه حاكمه , و في حين أن جماعه الإخوان تشتت كثيرا , مخرجه بعض الفرق المكثرة بالعنف حتى بالنسبة لها , ما أساء إلى سمعه الحركة , و فقدت تأثيرها السابق بين التيارات الإسلامية , و إن احتفظت بشعبيتها , بقيت القاعدة هجينا غريبا بين هذان التياران , فقد احتفظت بمبدأ إحياء السنة , المبدأ الأولي للحركات كلها , و لكنها , حاولت الابتعاد عن أخطاء غيرها بطريقتها , و هي الجهاد , ذروه سنام الإسلام , ربما كانت الدولة الإسلامية لا تتمتع بمركزيه دينيه كالكنيسة الكاثوليكية , باعتبارها الطريق إلى الجنة , إلى أن الجهاد كان اقصر و أسرع الطرق وأفضلها إلى الجنة , و هو أمر يضمن عدم وقوع القاعدة في أخطاء غيرها من حركات , جاعله من الجهاد غاية بحد ذاته و ليس وسيله , أو بالأحرى وسيله ترغيب المريدين , إنه اقصر الطرق إلى الجنة , و أبعدها عن دهاليز السياسة و مفسده السلطة المطلقة و إغراء الكرسي الذهبي .
يتهم العديد من الناس القاعدة باتهامات تشمل في كفه واحده جميع التيارات الإسلامية , متناسين
التناقض العقائدي الهائل بين الفرق , و يشير آخرون إلى العلاقة بين الحكومة الأمريكية , و القاعدة أيام حرب أفغانستان , و السؤال , هل تطمع القاعدة بالحكم ؟
إن التأمل السريع لسيره القاعدة في أفغانستان , يجعلنا ندرك عده أمور مهمة , أولها أن القاعدة تمتعت بوزن معنوي هائل جدا في أفغانستان و خصوصا في حكومة طالبان , و لكنها لم تحصل على أي منصب إداري أو سياسي , و لم تستخدم وزنها إن استثنينا جعل أفغانستان قاعدة و مركزا لها , منصرفة إلى الجهاد .
و لكن , أعتقد أن أكثر النقاط التي تجعل الصورة أكثر شفافية , هي الخلاف العقائدي الكبير بين فكر طالبان و القاعدة , فقد غالت طالبان في الفضيلة لتجعلها فرضا دينيا , و بالغت في الحدود لتصل إلى حد يخرج عن قواعد الشرع , متنافية مع الفكر السلفي و متجه نحو فكر خارجي نوعا ما , و مع الفرق الكبير بين القاعدة و طالبان , اكتفى بن لادن باعتزال العمل السياسي و التفرغ لفكره مهمة جدا , ذروه سنام الإسلام .
الجهاد , ليس النصر الهدف بل الجهاد , أن تكون القاعدة بمن يشملهم الحديث الذي يتحدث عن رجال من أمه محمد , مرابطين على الجهاد إلى يوم القيامة ,
إن التعامل مع القاعدة على انها حركه سياسية إسلامية لا يفيد شيئا , فهي لم تصل بعد ( تقريبا ) إلى مرحله النزعة السياسية , و إن كان لها أهداف سياسية من تغيير حكومات عربيه , فالعامل الأساسي ديني بحت , خلافي بدرجه ممتازة حيث أنه يعتمد على فتاوى قديمة لعلماء كبار جدا في التشريع الإسلامي , من أمثال ابن تيميه , صاحب الفتوى الرئيسية في العديد من عمليات القاعدة , فتوى التترس 0
و على اعتبار أن جهاد الدعوة و الفتح سقط منطقيا و حيث انه كان فرضا على المسلمين أيام ما كانت بعض الدول تمنع نشر الإسلام , بقي جهاد الدفع و الدفاع , الذي ظهرت فكرته حقيقة في القرن الماضي بالشكل العملي , ليتطور إلى فكره مزجت بين جهاد الدفع و الدعوة و جهاد إعلاء لا إله إلا الله بغض النظر عن النتائج و الأهداف و الوسائل , لا إله إلا الله التي تعتبر القاعدة أن البعض أسقطها عمليا و نظريا , و ساهم في ذلك الوضع المتردي للامه الإسلامية , و ظهور حركات إرتدادية من أوروبا تجاهنا , فبعد ان كان العالم الإسلامي مصدر العديد من الأفكار الأوروبية ,أصبح العالم الإسلامي مستقبلا لأفكار غريبة عليه سببا و حقيقة , من اللادينيه , التي نشأت كعداء للكنيسة الكاثوليكية في بدايات عصر النهضة مع أختها الإلحاد , و مفهوم أن الدين أفيون الشعب , متناسيه أن الإسلام كان عامل التقدم العربي , و ليس عامل تخلف و مقاومه العلوم .
إن ثقافة العصر التي تهدف إلى نشر فكر المسيطر على الإعلام العالمي , جعلت الدول الإسلامية في شكل المستهدف , مستهدف بدينه و عقيدته ما ظهر واضحا في الفكر الإسلامي أن الإسلام يقع في فخ شرس يهدف إلى مسحه عن الوجود و نشر مباديء الرذيلة و الفساد و الإلحاد الغربي , لتعود فكره رفع لا إله إلا الله قويه اقوى من السابق الآن , و لكن بصيغه انفرادية جديده , متألقة و جذابة للعديدين , شاطره المجتمع المسلم حول الطريقة , و ليس الهدف .
لقد وضعت الظروف الإسلام في خطر و كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي استطاع البعض الخروج بها
أزمة الفقه الإسلامي
لقد تميز عصر النهضة بالجمع بين الثقافة الواسعة و المابديء العملية جدا , فلم ينفصل العلم عن الفكر بالشكل الصوفي , بل كان ديكارت - على سبيل المثال لا الحصر - فيلسوفا يؤمن بالنسبية , و عالم جبر في آن واحد , لم يكن هذا جديدا على البشرية, فقد كان العلماء المسلمون يتمتعون بتنوع كبير في ثقافتهم , بين علوم تقنيه و رياضيه و عمليه , و أخرى فلسفيه و روحيه و ثقافية , الأمر الذي جعل الفقهاء المسلمين يتألقون بشكل واضح , فقد كان البخاري واضع المنهج التجريبي في نقله للحديث , و كان جعفر الصادق أحد معلمي جابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء , و الأمثلة كثيرة , و المهم , أن عالم الدين المسلم كان يتمتع بثقافة دنيوية جعلت فكره الديني قابلا للتطبيق على أرض الواقع , بل قادرا على تحسين أرض الواقع في كثير من الحالات , و تألقت العديد من الأسماء كبن تيميه , الذي تمتع بثقافة عالية جدا بمستوى عصره , و لا ينكر أحد عبقرية الأئمة الأربعة الذين انشأ الفقه التقديري , مثبتين أن الدين للدنيا و الآخرة , و لكن , ربما كان تألق هؤلاء سببا قويا للاضمحلال من تلاهم تحت العباءات القديمة , التي أصبحت غير مناسبة للعصور الحديثة , فلا أحد يعرف ما هو حكم الحاكم الذي يطرح كميه من العملة تعادل 1000% من الموجود في السوق مدمرا اقتصاد بلده في ثوان , و أعني الحكم الديني , هل يجوز خلعه مثلا؟
و في القرن الثامن عشر , و بعد ملل العديد من التلامذة المسلمين الذين حصلوا على تعليم أوروبي من الوضع العام , خرجت العديد من الحركات , ليحدث انفصال تاريخي أثر على شكل السياسه و المجتمع الإسلامي , و هو انفصال طبقه المثقفين عن علماء الشريعة , فأغرق طرف في الابتعاد عن الدين , و أغرق الآخرون بتشبث بآراء .. أفضل وصف لها القديمة و الغير مناسبة .
إن غياب هذه الطبقة المثقفة المتدينة , هو أهم أسباب لجوء التيارات الإسلامية إلى حلول عنيفة في عده مواقف , لأنها ترفض ما يحدث , و تحاول تغييره لكنها لا تمتلك فكرا مناسبا لحل سلمي , الأمر الذي جعل الجهاد, الحل الأوحد و الوحيد , مدعوما بالسيرة الإسلامية في الجهاد , فهل هناك حل آخر؟
لا... لا توجد قراءات حقيقية للعديد من الأمور المحدثة في ضوء ديني , فما زالت الطائفة السنية تتشبث بمباديء في اختيار الخليفة , صيغت منذ 1400 عام , معتبرين أن الشورى هي المبدأ , و أن الرسول صلى الله عليه و سلم , ترك الخلافة بلا خليفة كي يتعلم المسلمون الشورى , و لم يفكر أحد ما , أن الرسول تركها بلا خليفة , وأن أبو بكر استخلف , و عمر انشأ نظام شورى ضيق وسعه من اختارهم ليشمل المدينة , و عثمان تركها , و علي أيضا و لكنه أنكر الملك , لقد كان لكل رجل من هؤلاء رأي صواب , يراعي مقتضى الحل , فهل كانت حكمه الرسول الشورى فقط؟ أم أن عدم وجود سياسة استخلافية و ترك الأمر حسب الظروف الزمنية سببا مضافا إلى تجذير مبدأ الشورى؟
علاء السعدى / سوريا
|