مختارات من مربعات ابن عروس من الشعر الشعبي

أنا باوَحِّد اللي خلق الناس
خلق مسلمين ونصارى
وناس نامت على فَرش وِكْناس
وناس ع المعايش حيارى

طبيب الجرايح قوم اِلحق
وهات لي الدوا اللي يوافق
فيه ناس كتير بتعرف الحق
ولاجل الضرورة توافق

فَرَطت قِلعِي ما جانيش ريح
وعاودت ع البَر ناوي
ياما ناس زيِّنا مجاريح
لكين صابرة ع البلاوي

سكت الهَوى والناموس طار
والسبع طاطا بعينه
خليه دا النومِ أستار *
لما الكلب ياخد يومينه

شوف الزمان انتهت عَدَليه
وادي البُطْل ع الحق راكِب
جه السبع يُطلُب عدليه
لَقَي الهِلف ع التخت راكب

يا قلبي إوعى تعاشر الدُون
ولا تكلِّمُه بالاشتراحة
تكلمه الكلامِ موزون
تلقاه يرد بقباحة

جاني طبيبي مع العصر
وف إيده ماسك عصاية
اتاري طبيبي قليل أصل
من خصمي جابلي الوصاية

كلام الغَرَابا حِمِلناه
فات علينا كما ريح هاوي
كلام القرابا إخ منَّاه
وياجي فوق فرش الكلاوي

إوعى تقول للندل يا عم
ولوكان على السرج راكب
ولا حد خالي من الهم
حتى قلوع المراكب

ولابد من يوم محتوم
تترد فيه المظالم
أبيض على كل مظلوم
أسوَد على كل ظالم

غربي بلدنا بلد سيح
وادي الهِلف ماشي ورانا
مش عيب كراسي التماسيح
تقعد عليها "الوِرانا"؟*


أستار: ستائر
الورانا: جمع "ورل" – حيوان صحراوي يشبه التمساح
إضافة:
خشب المراكب من السنط
في البحر ياخد مهاجه
واجب ع الحر يلزم الصمت
لَمَا الهِلف ياخد مهاجه

مسكين من يطبخ الفـاس
ويريد مـرق من حـديده
مسكين من يعاشر النـاس
ويـريـد من لا يـريـده
*******
كيد النسا يشبـه الكى
من مكرهم عدت هارب
يتحزمـو بالحنـش حى
ويتعصبـو بالـعقـارب
*******
الليـل مـا هـو قصير
إلا على اللى يـنامـه
والشخـص مادام فقير
ما حد يسمـع كلامه
*******
ابن عروس‏..‏ والفن الشعبي

يكتبها‏:‏ مصطفي الضمراني
حينما بدأ شعراء العامية في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات لقاءاتهم المتتابعة بزعامة الشاعرين الكبيرين صلاح جاهين وسيد خميس من اجل البحث عن مسمي لدار النشر التي ستتولي طبع واصدار دواوينهم الشعرية ودواوين كل شعراء العامية المصريين المعاصرين من ابناء جيلهم والأجيال القادمة بعدهم وقع اختيارهم بالاجماع علي ان تحمل هذه الدار اسم ـ ابن عروس ـ عنوانا لها‏,‏ ولم يكن اختيارهم هذا قد جاءهم بمحض المصادفة‏,‏ ولكنه ـ كما كانوا يقولون ـ هو نوع من احقاق الحق والاعتراف بان ابن عروس هو جدهم الكبير وجد كل شعراء العامية ليس في مصر وحدها بل علي امتداد الوطن العربي كله‏.‏
هذه المقدمة استلهمتها أثناء قراءة الدراسة الجيدة التي صدرت في كتاب الأديب الفنان محمود الهندي تحت عنوان ابن عروس السيرة ـ اللوحات ـ النصوص ـ هذا الأسبوع‏,‏ تناول فيها المؤلف حياة ابو العامية الشعرية من عروس منذ مولده ومرورا ببداية حياته وبكل المراحل العمرية التي مرت به بحلوها ومرها وخيرها وشرها وانتهاء بوفاته في تونس‏,‏ وقد حسم المؤلف بالتحليل الدقيق والغوص في المراجع التي تناولت هذه السيرة ـ الخلاف الذي ثار حول جنسية وشعر ابن عروس مؤكدا انه مصري مائة في المائة سواء في جنسيته أو في شعره مستندا في ذلك علي بعض الحقائق الثابتة الآتية والتي وردت في مقدمة وبعض فصول هذا الكتاب القيم
تفاق غالبية القصص المروية في مصر وتونس والمتواترة بين بعض موسوعات الاعلان علي ان ابن عروس نشأ في احدي قري صعيد مصر‏,‏ في بلدة قفط أو قوص التابعتين لمحافظة قنا‏..‏ وبلدة قفط كما نعلم تبعد بضعة كيلو مترات عن بلدة ابنود بلد الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي ان ابن عروس عندما شب فتي يافعا احترف الاجرام وكان من قطاع الطريق ويقال انه من زعماء العصابات التي كانت تحتمي بالجبال القريبة من هاتين القريتين مع زملائه من الذين يسمونهم المطاريد‏.‏
عندما تاب الله عليه ارتدي حرفة التصوف ليصول ويحول بين القري والنجوع في ربوع مصر المحروسة وشتي البلاد العربية‏,‏ وانه كما يذكر حسين مظلوم ومصطفي الصباحي في كتاب تاريخ ادب الشعب امضي شطرا طويلا يزيد عن الثلاثين عاما من حياته في الاجرام وان التوبة ادركته في الحلقة السادسة من عمره فهام علي وجهه متصوفا ناسكا حتي توفي وقد جاوز الثمانين من عمره‏.‏
معظم النصوص الشعرية التي قالها ابن عروس مصريه مائة في المائة‏,‏ ويتأكد ذلك بشكل قاطع لكل من يقرأ هذه النصوص عندما يتبين له انها امتداد حقيقي لكل ماجاء علي لسان المصري القديم من حكم ومواعظ وامثلة شعبية‏.‏
ان الحكم الشعبية الواردة في مربعات ابن عروس ذات اسلوب مصري صميم صياغة والفاظا وتراكيبا وتملك كل اليات الكلمة العادية للتراث المصري في أعلي حالاتها لدرجة ان بعض هذه المربعات ـ ان لم يكن اغلبها ـ صارت مضرب الامثال ليس لأنها تثبت مفاهيم بسطاء اهل الريف المصري فحسب بل لأنها لجأت بجانب ذلك الي استخدام الشكل البسيط المحكم الذي ابتعد عن كثير من الأحيان عن جماليات الشعر العربي في بديعها وبيانها واستخدم فقط القفشة المصرية والمبالغة والتكرار الجمالي والتورية والمقابلة والتفصيل والصيغ الشعبية المصرية المعروفة
الطريقة العروسية المتمثلة في الانشاء وضربات الدفوف لاتزال مستمرة في بعض انحاء مصر يرددها جماعات المتشديين الذين يطلقون علي أنفسهم أولاد عروس وهم ينشدون مقاطع شعرية بعضها لشيوخهم والبعض الآخر من تأليفهم ويقيمون حفلاتهم في المناسبات الدينية والخاصة ويطوفون بالديار داخل واحة سيوه‏.‏
الطريقة العروسية في مصر يرجع عهدها الي زمن مبكر فقد اتبعها واحد من تلاميذ ابن عروس الأوائل وهو احمد بن عبدالله الرشيد المعروف بابي تليس القيروني ويلقب بالخليفة الثاني لابن عروس مكان يقيم الحضرة علي الطريقة العروسية في الجامع الأزهر وينشد فيها مقاطع كثيرة من شعر ابن عروس ولم ينكر عليه ذلك علماء الأزهر الشريف بل كانوا يشاركونه الحضرة ويأخذون عنه العلم وكان من اتباعه الأوائل الوافدين علي مصر كريم الدين البرموني المصراتي الذي اقام فترة طويلة في مدينة طنطا ثم تركها الي مكة المكرمة‏,‏ ومنهم ايضا سالم بن محمد عز الدين السنهوري وهو مصري الأصل‏.‏
وقد عرض الكاتب والفنان محمود الهندي في هذا الكتاب الذي صدر عن دار قباء‏64‏ لوحة تشكيلية كلها من رسوماته وابداعاته تعبر عن اشعار ابن عروس من خلال منظور جديد للفن الشعبي ويعد هذا الكتاب اضافة جديدة للمكتبة العربية اكد فيها لكل الراغبين في البحث عن سيرة وجنسية وأشعار ابن عروس انه في الأصل مصري‏.‏