{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى
Jerry غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #21
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى
تلك اللحظات أعادت إلى ذاكرتي بشكل سريع لحظات على ما يفصلها من زمان ومكان إلا أنها تكاد تكون أشبه ‏بها حد التطابق، بهما كثير مشترك وقليل إختلاف، إلا أنّ هذا لا يمنع أنّ لكل منهما رونقه وروعته وخصوصيته ‏على إختلاف الأشخاص، يذكرني وقوفي لأراقب من بعيد ذلك اليوم الذي إلتقيت فيه صديقاً حبيباً لأول مرة، إنه ‏الزميل عاصي، كان المكان مختلفاً والوضع كذلك ففي حينها كان يفترض بي أن أنتظره في سيارتي على جسر ‏يوصل إلى منطقة في ضواحي عمّان، تلك المدينة الجميلة الكئيبة في آن معاً والتي تطوي ببطنها كل متناقضات ‏الحياة والعصر، أقله بزعمي أنا. يومها وقفت بسيارتي على جانب الجسر تعمدت الوصول متأخراً بعض الشيء ‏لكن الأقدار شاءت أن أصل قبله، لذا فقد حددت له نقطة تواجدي على مسافة 200 متر من حيث أقف، أردت أن ‏أراه أولاً، ولدهشتي ما كنت أعلم أن ذلك الصديق عاصي يتمتع بقدرة فريدة على دقة الملاحظة وتحليل الأمور، ‏لقد فاجأني أنه رآني ورأى السيارة قبل أن ينزل من الحافلة ونزل قبالتي تماما في الوقت الذي كان يجب أن ينزل ‏فيه بعد مسافة 200 متر على الأقل، لم أكن أحمل علما أو يافطة ألوح له بها بل العكس تعمدت الوقوف في نقطة ‏أمام ورشة لتصليح السيارات، لست أدري سر هذه الهواية التي بداخلي وهي البحث في عيون وقلوب الآخرين، ‏ومع ذلك عرفني وكأنني كنت أحمل علماً على علم لا يكاد ينجح في أن يخفق برؤيته أحد. ‏

ومع كل ذلك حظيت بما أردت وقت أن رأيت حجم المفاجأة في عينيه.. مفاجأة عادت لذاكرتي بسرعة لحظة ‏سألني الحبيب العلماني على الهاتف بلهجة المتفاجئ قائلاً "ها أنت تتحدث مثلنا".‏
كان عاصي يرسم لي في مخيلته صورة لا أجد لها توصيفاً يشابهها إلا صورة أشبه ما تكون بحسب ما إستشففته ‏منه صورة محمد صبحي في يوميات ونيس..!! لم؟ لا أدري ولكن كانت هي تلك الصورة التي في مخيلته، حتى ‏أنني للحظة تخيلت أنه كان يتوجب عليّ أن أحضر للقائه مرتدياً بدلة مقلمة تحتها صديري من القرن 17 ‏وطربوشاً وربما ساعة جيب بدلا من ساعتي الدجيتال العادية بكل المقاييس لأطابق الصورة التي في مخيلته، آه ‏وأمر آخر، نظارات طبية أقرب ما أجد لها تشبيهاً في التعبير العامي المصري "نظارات كعب كباية" {نظراً ‏لسماكتها لقبت بقعر الكأس}، لكنه لم يختلف كثيراً عن تلك الصورة التي رسمتها له في مخيلتي، كانت صورة ‏لطفل كبير من حيث النقاء، ورجل يعتمد عليه من حيث الصداقة. كان متفاجئاً حتى أنه لم يخفي مفاجأته وقتاً ‏طويلا من اللقاء كان أشد إبدائه لها حين تهاتفنا مع صديقتين حبيبتين من هذا النادي وأسهب حينها في وصف ‏ملابسي، كأنه يستعجب أو يستغرب أن أرتدي الجينز.‏

بكل الأحوال ها أنا أذرع أرض المحطة التي لم أترجل لها من قطار قبلاً، وقد خانني ما أردت فهناك ممر طويل ‏جداً بعده إلتفاف وأدراج. إذن لن تسنح لي الفرصة لأن أراقب العلماني من بعيد وقتا يكفي لسبر غمار عينيه التي ‏لا أعرف كيف تبدو إلا من خلال الصورة.‏

كانت الأفكار على عادتها اللعينة معي تتقاذفني وتتقلب في رأسي كموج البحر الهادئ القابع على بعد أمتار مني ‏ومنه، لكني كنت أحث خطاي فأنا في شوق لملاقاة هذا الصديق.‏

حسناً إذاً هذا هو مدخل المحطة، وهاهو بقامته الطويلة ومنكبيه العريضين يتكئ على جدار المدخل يبحث بعينيه ‏جيئة وذهاباً، لم يكن الوقت يلعب بصالحي، إلا أنني إستطعت أن ألمح في عينيه بريقاً أقل ما أصفه هو بريق ‏عيون الفيلسوف المتأمل.. وفجأة إستقرت عيناه علي، لقد وجدني سريعاً، حاولت أن أكتم أي إنفعال لعلي أرى إن ‏كان وجدني حقاً أم ما زال يبحث، إلا أن نظراته التي تحولت من هائمة إلى ثاقبة وفرحتي بلقائه دفعت بإبتسامة ‏خرجت من أعماقي لتستقر على محياي، معلنة أنني هنا وها أنا ذا.‏

لحظة اللقاء الأولى كانت حميمة بكل المقاييس وكأنه لقاء منتظر بين شقيقين صديقين يجمعان في ثنايا القلوب شيئا ‏من هذه وبعضاً من تلك. وهذه المرة كان المتفاجيء أنا، على الأقل في تقديري، فلقدر ما وصفه من رآه قبلا من ‏الأصدقاء تخيلت أنني قزم ذاهب لملاقاة عملاق، وكأنه لا يكفي "العميد" أنه قلم عملاق بل ورجل عملاق أيضاً، ‏لطالما شعرت أمامه بالغيرة "الإيجابية" تلك التي تدفعك لتتنافس أمام إبداعاته لتحاول أن تبدع بعضاً كمثلها.‏

سرنا سوية إلى ألمانيته الجديدة هنا ولي كالهرمة نوعا ما في أوروبا، والتي كان يوقفها في مواقف محطة القطار. ‏كنت تقريباً معقود اللسان أمام فرحة اللقاء وكان هو بحسب ما شعرت يفتح المواضيع العادية كتعريفي مثلا بمدينة ‏يعرفها كلانا، إلا أن ما كان يتابع في مفاجأتي أنه لا زال مقتنعاً بالصورة التي إنطبعت في مخيلته بأنني غريب ‏عن المكان. وحرت أبحث عن جواب لهذه الصورة ومن أين أتت.‏

إستقرينا على مقاعد السيارة وفي تلك اللحظة كان يعد لي مفاجأة أخرى بدون قصد، لقد كان واقفاً على باب ‏المحطة يبحث عن "توم كروز"!!!!!!‏

كانت فكرة زرعت برأسه من قبل صديقة غالية على القلب سبق وإلتقينا سوية، ومع ذلك فلست أدري ما وجه ‏الشبه بيني وبين "توم كروز" ببشرته البيضاء وشعره الأشقر في مقابل بشرتي الأقرب إلى القهوة منها للكاكاو. ‏وشعري المتهدل ككستناء برلين في مقابل شعره اللامع كخيوط الذهب. ‏

أطلق عنان السيارة وأطلقت للساني العنان، لحظات تفصلنا عن رأس الناقورة نقطة الحدود مع لبنان، أصر على ‏تعريفي بها وهي التي ملت من زياراتي لها، رأس الناقورة هي نقطة الحدود مع لبنان من الجهة العربية هي ‏منطقة عسكرية مغلقة أما من الجهة الإسرائيلية فهي أشبه بمحج سياحي يسمح فيها للزوار بالإقتراب حتى تغوص ‏أقدامهم في التراب اللبناني. ‏

رأس الناقورة هيجت فيي الألم من كل ما هو يعرباتي، وأخذت أحدث العلماني عنها وعن منطقة أخرى أشبه بها ‏وهي القنيطرة نقطة الحدود والإلتقاء مع سوريا من مرتفعات الجولان، ما يؤلم في الأمر أنك من ناحية إسرائيل ‏عربياً كنت أو يهودياً مواطناً أو زائراً تستطيع الإقتراب من الحدود والسياج الحدودي حتى تكاد تظن أن الحدود ‏فتحت وأن بوسعك أن تنطلق إلى أي بلد عربي من حيث تقف، وتستطيع أن تستخدم منظارك أياً كان حجمه ‏لتشاهد وتراقب الطرف الآخر بكل أريحية دون أن يأتي أحدهم ليسألك ماذا تفعل في هذا المكان أو ما يفعله ‏المنظار في يديك، ودون أن يأتيك من يشكك فيك ويشك ليقول لك أنك تشكل خطراً على الأمن القومي، وأنا ذات ‏العربي بذات البشرة السمراء لو تجرأت من الطرف الآخر العربي على مجرد التفكير بالإقتراب من الحدود ‏لنهشت جسدي رصاصات حماة الأرض والوطن الذين لم تفلح رصاصاتهم وأسلحتهم يوماً في درء كيد العدى عن ‏ثرى الوطن ولكن نجحت نجاحاً باهراً في قلع كل مواطن تجرأ على أن يغرس قدميه في أرض الوطن وقلع كل ‏إحساس له بالمواطنة أو حب الوطن ما إستطاعت. كانت هذه هي الكلمات بصورة أو بأخرى التي كنت أحادث بها ‏العلماني وهي تنزف على لساني نزف جرح يأبى أن يلتئم، في الوقت الذي كانت عجلات السيارة ترع أرض ‏الجليل الرائع، جليل فلسطين الذي عرف على ترابه أشكال شتى من حضارات وأشخاص كتبت لهم الأقدار أن ‏يغيروا وجه التاريخ بل ووجه المعمورة بشكل قاطب.‏

‏>>> يتبع

‏---‏
10-14-2005, 12:23 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
ابن العرب غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,526
الانضمام: May 2002
مشاركة: #22
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى
بالانتظار عزيزي العلماني

على أحر من الجمر

:97:
10-19-2005, 01:37 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Jerry غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #23
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى
اقتباس:  ابن العرب   كتب/كتبت  
بالانتظار عزيزي العلماني

على أحر من الجمر

:97:


طب خلي العلماني ينفع

مش كاتب جكر :P

حلبت مخي وأنا بكتب وبالأخير طلعو بيستنو العلماني يكمل

والله لأحرمكم من الميراث


قصدي من الكماله
10-20-2005, 03:05 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
ابن العرب غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,526
الانضمام: May 2002
مشاركة: #24
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى
عزيزي "جيري"،

أعذرني على هذه الغلطة. اعتذار صادق.

لكن -والحق يقال- الحق عليك يا صديقي.

كيف؟!

أسلوبك الجميل وتعابيرك الرائعة ووصفك للقائك بالعلماني، هذه كلها جعلتني أتخيل معك شكل العلماني ووقفة العلماني ونظرة العلماني، حتى إنني نسيت "الكاتب" وعشت تفاصيل القصة وكأنني أنا المسافر لا أنت،أنا الذي استقل القطار فرحتُ أنظر من نوافذه إلى الطيبعة والمناظر والآثار التي تمر تباعا.

ومعك أيضا نزلت من القطار، ورحت أبحث بعيني عن "العلماني" لأجده قبل أن يجدني، فأفحصه قبل أن يفحصني، وألقاه قبل أن يلقاني.

وإذا "بي" -لا شعوريا- أطلب من العلماني ألا يطيل عني الغياب، خاصة وأنني اجتمعتُ وإياه في سيارة واحدة راحت تقطع المسافات وتعبر الشوارع تتقاذفنا المواضيع ولكنها ليست المواضيع التي توقعت أن أحدث بها العلماني، ولذلك فأنا أنتظر بفارغ الصبر "خبرتي" مع العلماني.

فهل أنتظرك "عزيزي جيري"؟!

لا، فكيف أنتظر نفسي؟!

فقد جعلتكَ أنا، وجعلتني أنت!!!

لا، بل أنتظر العلماني في لقائي/لقائك به.

فهيا يا عزيزي "جيري"، لا تختلق الأعذار، فالجليل بالانتظار

جليل فلسطين الذي شهد لقاءً سيدونه النادي على صفحات تاريخه ويقرأه أعضاؤه بعيون ملتهبة تحرق ما ترى من كلمات حتى تنطبع أحداثاً حية في خلايا الذاكرة

تحياتي القلبية

:97: :97: :97:
10-20-2005, 02:26 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Jerry غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #25
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى
ماشي ياعم إبن العرب

بوعدك إني أكمل


قريبا جدا
10-22-2005, 01:54 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
ابن العرب غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,526
الانضمام: May 2002
مشاركة: #26
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى
في ذكرى الشهر لآخر مداخلة

أرجو ألا أثقل عليك عزيزي \"جيري\"

:D
11-06-2005, 01:08 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Jerry غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #27
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى


عندما تلقي بنظراتك إلى رأس الناقورة حيث تتكسر صفحة البحر على جدار من الصخور العالية والمتناثرة والمرمية بعشوائية فائقة تقترب من حدود النظام المطلق، فبلا أدنى شك تدرك أنك تقف على أبواب منطقة عسكرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فأنت تنظر إلى بحر ثائر على صخور تصده تتلاطم أمواجه على صفحاتها، وترى القطع العسكرية تقف بينهما حتى لتظن إن كنت طيب القلب أنها هنا لفض نزاع تاريخي نشب ما بين الماء واليابسة، صراع عمره بعمر العصور، إن كنت قادما من تلك الناحية فلن يخطر ببالك إنهم هناك لأنها منطقة حرب أو هدنة حرب، بل محج سياحة يأتي إليه القاصي والداني بغرض التفرج على ذلك النزاع الرهيب حيث أنشب البحر مخالبه وهدير غضبه على صفحة الجبل فيما وقف الأخير متمالكا متماسكا وكأنه درع واقف في وجه بحر يزبد من الغضب.

إلا أنّ الحقيقة أمر يختلف عن ذلك بكل الإحداثيات والتفاصيل إنه صراع الحمقى من بني البشر والحضور هم جمهور مسرحية النزاع أو مارون من قرب هذا المسرح فيما يأخذ الجند دور الممثلين على خشبة المسرح وقد تأبطوا السلاح كوسيلة وحيدة للتخاطب.

خلصتنا السيارة من ذلك المكان "الكئيب المفرط بروعته" بسرعة وخلصني صديقي الفيلسوف بحديثه من بقايا أفكار كادت أن تنشب مخالبها وأنيابها بعقلي.

عجلات السيارة تنهب الطريق الصاعد من المنطقة الساحلية باتجاه الجليل الأعلى، حيث يختطف مزاجك أشجار اللوز البري والبلوط والكرز والمشمش، وفجأة يتملك السيارة جو غريب وكأن شيئاً ما بها بدأ يلتحم مع المكان ويتحد، كأن هناك أشجاراً كانت تلقي التحية على أحد ما بالتأكيد ليس السيارة وحتماً لست أنا فلم أنشئ مع تلك الأشجار علاقة صداقة من قبل وإن كثرت لقاءاتنا وأحببتها، ولكن .... إنه صديقي الفيلسوف، كيف لا وقد تربى مع هذه الأشجار منذ طفولته، ولو أمعنت في وجهه النظر لفهمت أنه يكاد يملك قصة مع كل شجرة وصخرة بالمكان ومع كل عش لعصفور أو فرخ حمام. وتدرك أن ما ظننته تحية ما كانت إلا تساؤلات مرحب، ولا عجب فهو إبن تلك الطبيعة الرائعة.

همنا المشترك في أغلبه، والنادي والحوارات أخذت تتسلل إلى أحاديثنا وأيا كان سطوع الشمس إلا أنّ الحوارات ذات الطابع المسائي كانت هي المسيطرة علينا طوال الطريق، خاصة تلك الفقرة المتعلقة بالتطور العربي .. كان لي حينها تعليق صغير وهو أن طبيعة الإنسان تدفعه دائما للتطور في سبيل المنافسة ولغرض الارتقاء إلى الأفضل، إلا العربي! فهو ما أن يجد عربيا متطوراً حتى يبتدع كل وسيلة وفكرة في سبيل سحبه إلى الأسفل فقناعة العربي مأساوية تنضوي على مفردة معناها وترجمتها أنه ليس بحاجة للتطور والارتقاء فقد تطور بنظره بما يكفي الآلهة وكل ما يعنيه هو أن يمنع أي تطور أو تقدم أو ارتقاء لأي كان من بني جلدته. أومأ العلماني برأسه شبه موافق وقال ليست المرة الأولى التي أسمع بها مثل هذا التحليل وإن كان يجد أنه جدير بالتحري.

وصلنا إلى قرية هادئة تحس بجمالها من مدخلها وتشعر بأحجارها تلقي التحية على العلماني قبل سكانها، كيف لا؟ وقد ترعرع هنا أياماً لا تنسى ولا تمحى من ذاكرة؛ القرية يلفها الهدوء وتشعر فيها بأجواء الفرح، أما منازلها فقد تسترت خلف الأشجار وبينها تشعرك أنها كانت وما زالت الطريقة الأولى لحفظ الخصوصية في بلدة أو قرية كل سكانها أقارب.

منزل صديقي أقرب إلى قلب البلدة نسبياً، تدرك بدخولك له من أول وهلة أن صديقي وعائلته وبيتهم يتمتعون بذات الصفات قلوب كبيرة واسعة، وطبيعة حنونة، وفوق هذا وذاك دفئ يضمك من الضلع إلى الضلع.

العلماني عربي مضياف بطبيعته وغن كنت ستضحك كثيراً لاحترافه أعمال المطبخ، فهو منذ أو وصل إليه وهو يحوم كنحلة محتارة في بستان من الحمضيات مع إطلالة الربيع، ومع ذلك يقف مشدوها أمام الأشياء يحاول أن يستنبط بالتأمل ما بين الثلاجة وخزائن المطبخ والطاولة القابعة عند الزاوية عما يتوجب عليه فعله، يومئ ويقف ويتحرك جيئة وذهاباً حتى يخالك انه يسأل خزائن المطبخ عن مكنونها حد الرجاء. يحتار وتشعر بحيرته تتسلل غليك وأنت تراقبه بعمق، ينفذ صبره وأنا أناديه محاولا إقناعه أن جلوسه وإياي وتبادل الحديث بيننا هو المهم وليس من داع ليشغل نفسه بأمور الضيافة، إلا أن مسألة إقناعه وهذه الحال تبدو من الصعوبة أقرب إلى المحال.

يتناول بعض الصحون بما فيها ويتقدم من الطاولة التي جلسنا عليها خارجا معتذراً متأسفاً أنه لا يتقن أعمال المنزل نسبياً.. وللحق أنه لم يدرك مدى سعادتي بما أحضره إلا لاحقاً فقد كانت حبات من التين والمشمش والخوخ واللوز الأخضر وكلها نبتت بحرية هناك بعضها بحديقة المنزل وبعضها من أشجار المرج المترامية الأطراف، وبالنسبة لي كشخص إهترى من القوقعة داخل المدن كانت الجنة بعينها أن آكل شيئاً قطف لتوه وأعطي هدية من الطبيعة الأم، أن أتذوق حبات تين لم تغلف بالبلاستك ولم تختلط بدخان السيارات وسخافات أهل المدن.

ثم أنها جميعها كانت فاكهة حقيقية وليست من البلاستك، ولن يدرك مقصدي بالوصف إلا المساكين أمثالي ممن تعفنوا في رحم مدينة، هناك كانت حبات الفواكه تضاجعك بعطرها حتى أن عقلك يراودك باصطحابها وإياك إلى المنزل أو حتى إلى فراشك في السرير.

بطبيعتي إن جلست بمكان فأنا أحد اثنين إما منطلق بالحديث حد الثرثرة وإما صامت كبركة ماء في بطن جبل، ولكن في ذلك الوقت تعرفت بفضل العلماني على جانب لم أكن أعرفه بذاك القرب من قبل، هادئ مستمتع سواء بما آكله أو بما تقع عليه عيناي بما في ذلك صديقي الذي طال الشوق للقياه.



يتبع >>
12-17-2005, 12:57 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسمة غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 681
الانضمام: May 2003
مشاركة: #28
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى
تسجيل متابعة عن كثب، ولعدة اسباب...

أمر المتابعة هنا له خصوصية ما، منها الحديث عن وطني الذي لا أحب شيئاً أكثر من الحديث عنه عن طبيعته، كذلك عن الشخص المُتحدَّث عنه، والمُتحدِّث أيضاً، السارد والمسرود عنه.

جميل جداً ذلك التشابك في الرّوي، تشعر بأنك بين أحضان رواية، يعرف الروائي أساليب الرّوي الأفضل، والأغنى، والأتقن، يتحدث عن شيء، فيعرج إلى شيء آخر ويسهب في السرد بشكل جميل منساب غير دخيل، ويعود إلى الأساس بانسيابية جميلة محترفة.

هنا أقرأ بجمال، وتمعن، للحظات أنسى "العلماني، وجيري" وأسير مع الطبيعة، مع الفكر، مع التاريخ، لأعود بعدها لتفاصيل اللقاء، بالمناسبة أخي جيري، حديثك عن العلماني في المطبخ، كان تمثيلياً موفقاً جداً لدرجة أنني "رأيتُ" العلماني فعلاً في المطبخ مرتبكاً غير واثق لكنه في النهاية يأتي محملاً بالأطايب!

تسجيل متابعة، وأتمنى عدم التأخر كثيراً

دمتم جميعا بود(f)
12-17-2005, 06:02 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Jerry غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #29
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى
تبادل أطراف الحديث مع العلماني تعني حديثا متجددا لا ينضب، ولأكون أكثر دقة في الوصف والإيضاح فإنه يندر أن تحدثه في أمر دون أن تسمع تعليقاً أو جواباً من شخص عارف، تعليق يحتضنه الود والتواضع حتى أن المرء ليتعجب لم مثل العلماني مضطر للتواضع إلى هذا الحد.

يرفع العلماني هاتفه الجوال أو بالأحرى هاتف أخته الذي استولى عليه لحظة وصوله يحاول الاتصال يمنة ويسرى باحثاً عن صاحب الصوت الأجش فهو معني بأن ألتقيه وأنا نفسي بت متعلقاً بالأمر منذ اللحظة التي سمعت بها صوته وأكثر لكثرة ما وصفه لي.

كان الجو صيفياً إلا أنّ صيف الجليل محبب بطبيعته متناغم ومتناسق كقصيدة زجلية يتدرج ببطء ولكنه يتحرك برونق خاص، فارتفاع درجات الحرارة وهبوطها في الجليل لا بد أن يكون مصحوباً بنسمات هواء عليل تداعب أوراق الشجر المنتشر في كل مكان وكأنها تمر لتحمل معها عبق الطبيعة قبل أن تداعب البشر.

محظوظون هم أولئك الذين يعيشون في الجليل من ناحية الطبيعة.

لم يكد يمض طويل وقت وإذ بي ألحظ رجلاً واقفاً بالبيت ببنطاله الرمادي الأنيق وقميصه الأزرق الفاتح، وحذائه الأسود الجلدي، غريب حقاً حين يكون للفلاح ذوق ألماني في ملبسه بدلا من الذوق الفلكلوري المعهود عادة. صوته وهو يتحدث يبدو أكثر من أجش بكلمات أخر أشبه برعد الطبيعة في يوم ماطر تسر له وتخشى منه ولكنك بكل الأحوال تقف أمامه بإجلال وإحترام.

ما كاد الرجل يلحظ مجلسنا حتى جاءنا مسرعا بوجه بشوش وإبتسامة تهلل، مرحباً مبتهجاً. قلت في نفسي رائع هو أناقة ألمانية ورشاقة شبابية وشيب وقار غطى رأسه وترحيب ضيافة عربية. جمع غريب والأغرب هو أنه يأتيك متناسقاً فلا تشعر معه بنشاز. مد يده مصافحا مرحباًن يداه خشنتا الملمس تخبراك أنه رجل كثيراً ما إعتنى بالطبيعة والأرض وكثيرا ما اعتنت هي به أيضاً، إن صافحك يقبض على يدك وكأنه قابض على غصن شجرة حتى لتكاد تصرخ من الألم وأنت تشعر بعظام يدك ومفاصلها المسحوقة في قلب يده وبذات الوقت تنسى ألمها أمام روعة إبتسامته وعذوبة كلماته المرحبة.

حسناً كما خمنت إنه والد العلماني؛ قدمني العلماني لوالده وقدم والده لي ثم شرح لوالده صداقتنا الطويلة والتي إمتدت عبر الإنترنت وأثير الشبكة العنكبوتية، صداقة جعلتني أنا والعلماني نطرق باب الحديث عنها أكثر من مرة في ذلك المجلس فهي لعمري أغرب من أن تروى أو توصف، فكلانا لم يجد أدنى صعوبة ف التفاهم مع الآخر ولا حتى في قراءة تعابير وجهه برغم أننا لم نلتق سابقاً أبدا ولا حتى عبر كاميرا مثبتة في الكمبيوتر.

نظرات والد العلماني كانت تفضح دهشته، فكيف لإثنين لم يلتقيا أبداً من قبل أن يجلسا بأريحية مطلقة وكأنهما ولدا في بيت واحد وتربيا في غرفة واحدة؟! ووراء نظراته ترى إن أمعنت إنقباضة سريعة في حدقة عينه، إن كنت خبيراً بهذه اللغة ستدرك على الفور ودون شك أنها لحظة تصميم وقرار بأن لا يترك نفسه بمعزل عن عالم الشبكة العنكبوتية الجديد.

يتبع >>
12-20-2005, 12:16 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Jerry غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #30
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى

لعمري أن الحياة غريبة بطبعها فأنا أعتصر منذ عام لا أدري ما أكتب أو أقول، وكل ما أشتهيته هو لو ألتقي ذلك العلماني اللعين لنتبادل الحديث من جديد فهناك من الهم كثير مشترك وأكثر،

عدت إلى تأريخ لقائنا الذي لن أنساه، ليس لأتذكر بل لأتأكد إن كان ما في ذاكرتي من النضارة بما يكفي لأقسم أنه كان ليلة أمس.

حين إلتقيت العلماني ذلك الوقت كنت على الطرف الآخر أحضر لهجرتي الأخيره حيث أنا الآن، هجرة كان ومازال الهدف منها هروب من عوالم العربان المشوَّهة والمشوِّهة في آن معاً، إذ أنني وأزعم بأن جيل هو حيل شهد ويشهد حطام أمه ونهاية لبشريتها بالكامل وتحطيما لكل القيم الجمالية فيها، ذلك التحطيم المتأتي من طبيعة الدين الغوغائية الشريره والمدمره لكل ما هو جميل.

لقد إغتالوا التخت الشرقي، وأغاصوا المدي في بطن العود، سرقو الزجل وأغتالوا الميجنه، وأتونا بالدفوف والأناشيد الممسوخة ليعودوا بنا إلى قرون الظلمة والظلام.

إنصب الحديث مع العميد في أمور أمة نحمل همها مرغمين إختياراً، نحب أدبها لغتها وشعرها وكؤوس الخمر فيها. نتحسر على ما يراق فيها من دم وكرامة في آن معاً ونحن نشهد كل لحيظة كيف يسرق التاريخ وتغتال الثقافة بإسم الله.

ولعل أطرف ما في الأمر أن ثلاثتنا أجمعنا على أمر منذ البدأ، ألا وهو أن العرب في زمن سمي زوراً وبهتناناً بالجاهلية كانوا على علاتهم أكثر حضارة ورقياً وتطوراً. أولذلك دليل خير من حديث عمرو بن كلثوم وهو يقول..

أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا ----- وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَـا ----- إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَـا
تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَـوَاهُ ----- إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِيْنَـا
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ ----- عَلَيْـهِ لِمَـالِهِ فِيْهَـا مُهِيْنَـا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو ----- وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا
وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو ----- بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَـا

هنا يحلو المقام والمدام وتبدأ مع العميد بعد القهوة في قرع الكؤوس يا كرام وهكذا كان...

أمر محزن أن نرى أولئك وهم يسرقون منا عنوة حضارة وتاريخاً وثقافة، بل ويقتلون لنا الأمل ويغتالون فينا الروح، بل ويغتالون لنا ختى الإبتسامه ولحظات الصفاء.

ولست أدري إن كان من دواع للحديث بذاته إن كان كل شيء مغدور مقهور حتى التاريخ حتى الجمال وروعة السحر حتى قصيدة الزجل...

إنها حرب إذن ليس لنا فيها دخل وليس لنا فيها ناقة أو بعير ولكنها حربنا على اللصوص بإسم الله. وهكذا كان. وهكذا سيكون...

وإن كان مجال سأعود على بعض الحديث وما كان في الحوار من تنبؤ صريخ بالمستقبل الأسود الذي تنتظره فلسطين.

ليس لأن بيننا نوستراداموس بل لأننا نعرف أين هي مغارة اللصوص.


:redrose:
07-02-2007, 11:21 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  مقاه زمان (في بيروت ... ولربما في أمكنة أخرى بعدها ) .... العلماني 2 1,151 06-07-2012, 02:29 PM
آخر رد: العلماني
  الجوكر و أنا و أمور أخرى NigHtMaRE 11 2,644 06-30-2011, 03:14 AM
آخر رد: الجوكر
  فوبيا الصليب ... ظاهرة مرضية أخرى Free Man 6 3,023 11-26-2010, 11:42 AM
آخر رد: Free Man
  مبروك يا علماني سينقلونك من حيفا الى رام الله بسام الخوري 9 2,305 10-03-2010, 08:29 AM
آخر رد: بسام الخوري
  الزهق ، الملل وأشياء أخرى كائن فضائى 0 936 09-07-2010, 05:40 PM
آخر رد: كائن فضائى

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS