حصل مارسيل خليفة على لقب "فنان السلام" وكان أول فنان عربي تطلق عليه منظمة اليونيسكو هذا اللقب. عُرف خليفة بمواقفه الوطنية والتزامه السياسي. تقرير علاء الحمارنة
وصف الشاعر الفلسطيني محمود درويش، مارسيل خليفة ذات مرة بأنه "فنان الأمل والإنسانية الذي يعبر عن الوجود الإنساني العميق وينم عن ذوق رفيع يتصاهر مع سلام دائم ومع الحياة والحرية". ووصفه ادوارد سعيد بأنه "رمز الثقافة العربية المعاصرة".
عاد مارسيل خليفة ليظهر في وسائل الإعلام العربية من جديد كأول فنان عربي يحصل على لقب "فنان السلام" من منظمة اليونيسكو العالمية. طرح مارسيل خليفة الذي اتهم محطات التلفزة العربية الفضائية مؤخراً بأنها "تسوق العهر الثقافي الجديد" ألبوماً جديداً في الأسواق بعنوان "مداعبة" وفيلماً على قرص رقمي مدمج عن سيرته الذاتية، تبلغ مدته أربع ساعات بعنوان "رحالة".
طرب عقلاني؟
قال مارسيل خليفة ذات مرة إنه يحاول أن يجعل "الطرب عقلانياً أكثر منه عفوياً". الطرب نوع من الموسيقى يُدخل المستمع في نشوة عارمة. يظهر العنصر العقلاني عند مارسيل خليفة ليس في موسيقاه إنما في نصوص أغانيه السياسية. وجدير بالذكر أن الكم الأكبر من أغانيه الأكثر شعبية هو من قصائد الشاعر محمود درويش.
وقد ملأ الثنائي درويش/خليفة فراغاً في دنيا الموسيقى العربية خلال السبعينات والثمانينات، خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان والصراع الفلسطيني من أجل حقوقه المدنية في إسرائيل والانتفاضة الفلسطينية الأولى. وكانت الأغاني الوطنية حتى ذاك الوقت إما دعائية سياسية أو بعيدة عن الأحداث الجارية.
سياسة وموسيقى
أصبح مارسيل خليفة من أهم الفنانين الملتزمين سياسياً في لبنان. صحيح أن الصراع الفلسطيني كان يشكل في أواخر الستينات موضوعاً رئيسياً لموسيقى الأخوين الرحباني ولأغاني المطربة فيروز، على سبيل المثال أغنيتها المشهورة "سنرجع يوما" أو "طفل في المغارة"، إلا أنهم ابتعدوا فيما بعد عن المواضيع السياسية.
وكان على الموسيقيين الذين اختاروا نوعاً حديثاً من التعبير الموسيقي لم يكن معروفاً لدى شريحة عريضة من المستمعين (مثل موسيقى الجاز الحديثة التي ألفها زياد الرحباني) أن يعرفوا أن موسيقاهم لن تصل إلا إلى فئة قليلة من المستمعين.
أما خليفة فقد استطاع من خلال النمط الموسيقي الذي قدمه توصيل الكلمة المكتوبة الى آذان عدد كبير من المستمعين بشكل سلس، إذ أنه اختار العودة إلى الموسيقى الشعبية، وقدمها في حلة جديدة. فأغنياته التي قدمها في السبعينات مثل" جواز السفر" و"أمي" و"ريتا" و"الجسر" التي تدور موضوعاتها حول الوطن وفلسطين والوحدة العربية والهوية الوطنية والتضحية قد أصبحت من كلاسيكيات هذا النوع من الأغنيات، ولايزال الجمهور يطلبها في كل حفلة.
موسيقى لليساريين والمفكرين الأحرار؟
عرفت حياة خليفة الموسيقية نقطة تحول جذرية في التسعينات. فبعد الأزمة التي عاشتها ايديولوجية القومية العربية والماركسية، عرف الإسلام المتطرف والمحافظ قفزة نوعية. حاول خليفة عندها إعطاء الموسيقى العربية معنىً جديداً فقدم أوبرا للشاعر الفلسطيني محمود درويش بعنوان "أحمد العربي" وقدم مقطوعة موسيقية بعنوان "جدل".
كانت "جدل" بالفعل من أجمل ما قدمه مارسيل خليفة. فقد وصلت موسيقى العود فيها إلى أعلى مستويات الرقي الموسيقي. واتهمه الأصوليون الإسلاميون بالكفر عندما قدم أغنية "يوسف يا أبي". وبالرغم من أن القصيدة لمحمود درويش، إلا أن الإتهام وُجه لخليفة وحده. وكانت نتيجة ذلك أن زادت شعبية خليفة، حتى أنه حظي باهتمام الأوساط الليبيرالية التي كانت تتجاهله بسبب ماضيه الشيوعي.
وتابع خليفة فيما بعد تجاربه في موسيقى العود فقدم أعمالاً جديدة، مع أغاني أو بدون، مثل الحفل الموسيقي بعنوان "الأندلس" وألبومه الجديد "مداعبة".
آفاق جديدة لموسيقى عربية جديدة
تدل أغنياته مثل "غرناطة" و"أمر باسمك" في حفل الأندلس أو "شذا" من ألبومه الجديد "مداعبة" على أن هذا الفنان قد فتح لمرة أخرى آفاقاً جديدة في عالم الموسيقى العربية. ولكن هذا النوع الجديد من الموسيقى لا يلقى صدى لدى الشباب ومعظم الجمهور العربي. فإن من يأتي إلى حفلات خليفة هم هؤلاء الذين عاصروه خلال شبابهم في السبعينات والثمانينات حين كان في قمة مجده.
يأتون لسماع أغاني وأشعار تمجد المقاومة، فهم يعشقون شعر محمود درويش. لاقت آخر إبداعاته الموسيقية صدى لدى مجموعة صغيرة من المثقفين فقط. وتدل آخر انتقاداته للفضائيات العربية التي يمولها أثرياء العرب بتشجيع وتسويق موسيقى البوب العربية الصاخبة، على أنه فنان يسعى من أجل دعم نوع آخر بديل من الموسيقى، يختلف عن هذا التيار.
بقلم علاء الحمارنة
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة
http://www.qantara.de/webcom/show_article....f4cc237221c6dd7