بالمصادفة وجدت نفسى داخل مرمى نيران التطرف الغنائى.. جبهة يقف فيها مترصدا أو يده على الزناد إيمان البحر درويش الذى يمثل قمة التحفظ، وهو يوجه طلقاته الغاضبة ضد أية مرونة أو تطور بسبب تشدده فى تطبيق الأحكام الأخلاقية والدينية على الغناء فيصيبه فى مقتل، وجبهة أخرى تقف فيها على أعلى سلم الإباحية «بوسى سمير» التى تعتقد أن الغناء هو الغواية، وأن الصوت لا يخرج من الحنجرة، ولكن من هز الأرداف. إيمان البحر درويش الحاصل على بكالوريوس هندسة قبل أن يحترف الغناء والذى حقق نجاحا لافتا فى نهاية الثمانينيات يطالب من خلال أغنياته وآرائه الرجعية التى بدأ إعلانها قبل أكثر من تسع سنوات بأن يرتدى المطربون النقاب، أما بوسى سمير التى بدأت حياتها راقصة شعبية فى الأفراح وقبل عامين فقط استهوتها فكرة الفيديو كليب فقررت أن تصبح مغنية. تعتقد بوسى أن على المطربات أن يواجهن الجمهور بأعلى درجات الصدق والوضوح والشفافية، وهذا لا يتجلى فى أكمل صورة إلا إذا تخلصن من أعباء تطور الحضارات التى اقتضت منذ مطلع التاريخ أن تضع النساء ورقة التوت! طلبت منى المذيعة «عزة مصطفى» بالقناة الأولى أن أكون ضيفا على برنامجها «ضى الليل» بناء على اختيار من المطرب إيمان البحر درويش ضيف الحلقة الأساسى، ووافقت فأنا متحمس لبدايات إيمان الغنائية ولى تحفظات على آرائه الشخصية، وطلب منى المعد حسام الليثى أن أكون ضيفا على برنامجه «كلمة ونص» فى فضائية المحور، حيث إن بوسى سمير مطربة «النقاط والحروف والسطوح»، ضيفة البرنامج، وقلت لا بأس من أن أقترب أكثرمن السطوح والنقاط والحروف! فاجأنى إيمان عندما شاهدته بعد سنوات عديدة بهذا الترهل الذى أصاب جسده رغم أنه يدرك بالطبع أن المطرب ليس صوتا فقط، وأننا فى عصر الصورة الذى يفرض على الفنان ألا يفرط فى أعز ما يملك: صوته وجسده، ولكننى اكتشفت أثناء حوار إيمان أن الترهل الحقيقى أصاب أفكاره التى ترفض أن تتواءم مع الزمن والتى تحاول أن ترتكن إلى الخضوع المطلق لأى رأى سلفى وأنه يأخذ دائما الرأى المتشدد القاطع فى رفضه حتى يستريح، لكنه بالطبع لا يريح! جدد «إيمان» كلماته الرافضة لأن يغنى شعبان عبدالرحيم «أنا باكره إسرائيل»، لأن إسرائيل نبى ولا يجوز أن تكره نبيا، قلت له : الكل يعلم أن المقصود هو دولة إسرائيل، وليس النبى إسرائيل وأننا عبر النضال الوطنى منذ 48 وحتى قبل ذلك التاريخ كنا نردد الموت لإسرائيل المقصود الدولة وليس النبى! وبعد ذلك قال «إيمان» إنه يعترض على أسلوب اللحن فلا يجوز بعد كراهية شعبان لإسرائيل أن يقول: «هييه»! وضرب مثلا بسيد درويش فى ألحانه التعبيرية مثل «عشان ما نعلى ونعلى ونعلى لازم نطاطى نطاطى نطاطى، ولم أجد ما يستحق حتى التعليق لأن مجرد مقارنة لحن عفوى بلا قواعد ولا منطق ولا فكر يردده شعبان عبدالرحيم مع عبقرية لم يشهد تاريخنا الموسيقى مثلها فى عالمنا العربى لا يجوز المقارنة ولا ينبغى أن نذكر اسم شعبان مع سيد درويش. وشعبان لا توجد لديه غير تيمة واحدة يضع عليها شاعر أغانيه «إسلام خليل» الكلمات، وتتساوى أنا باكره إسرائيل وبحب عمرو موسى مع من أول يناير ح أبطل السجاير.. وح أبقى إنسان جديد! لا يوجد أى تعبير نغمى مقصود، فقط لدى شعبان تيمة موسيقية واحدة سهلة الترديد، وانتقلت بعد ذلك مع المذيعة إلى رفض إيمان لأغنيات مثل: «من غير ليه» وإلى مقطع أغنية «على حسب وداد جلبى يا بوى» والتى يقول فيها شاعر الأغنية صلاح أبوسالم «لا ح اسلم بالمكتوب ولا حا أرضى أبات مغلوب»، حيث إن المتشددين دينيا يعترضون على مثل هذه الأغنيات بتطبيق القواعد الدينية الصارمة فى تحليلهم الغنائى وقال «إيمان»: إن الآية صريحة فى القرآن «وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون»، وأنه لا يجوز أن يسأل عبدالوهاب: «جايين الدنيا ما نعرف ليه»! والإنسان جاء للدنيا لكى يعبد الله، وتطرق أيضا إلى الحديث الشريف الذى يقول: «لا تسبوا الدهر، فأنا الدهر»، وبهذا لا يجوز أن يغنى عبدالحليم قائلا: «لا ح أسلم بالمكتوب»! إنه التطبيق الحرفى للمفاهيم الجامدة والسلفية على الخيال الفنى ويستند إلى قول الشيخ محمد الغزالى إنه يستمع إلى امرأة - يقصد أم كلثوم - تقول: أنا الشعب، أنا الشعب، لا أعرف المستحيلا»! فى قصيدة كامل الشناوى «على باب مصر»، بينما يرفض أن يستمع إلى رجل - يقصد عبدالوهاب - يقول: «ليلنا خمر»! وقلت له الشيخ الغزالى يحرم قصيدة «الجندول» بسبب هذا المقطع الذى يصف فيه الشاعر على محمود طه الليل، وبالتأكيد أن قصيدة أم كلثوم لإبراهيم ناجى «الأطلال» مرفوضة لأنها تقول: «هل رأى الحب سكارى مثلنا» بسبب كلمة «سكارى»! إن هناك لغة شاعرية بها خيال قائم على التشبيه والكناية والاستعارة، ولا يمكن أن نقيس اللغة الشاعرية أو الفنية بوجه عام بقواعد أخلاقية أو دينية مباشرة، وأنه لا يجوز أن نورط المؤسسات الدينية «الأزهر أو الكنيسة» فى إجازة الأعمال الفنية. إن هناك خطورة من إقحام أية مؤسسة دينية وأيضا هناك خطورة من أن نترك شيوخنا الأفاضل يتحولون إلى نقاد فنيين، ويبدأون فى تحليل الأغنيات، فهذا يرفض «على حزب وداد جلبى يا بوى»، وذلك يرفض «غاب القمر يا ابن عمى ياللا روحنى»، وهناك من يرفض أن تقول أم كلثوم فى أغنية «الحب كله»: «يا أرق من نسمة وأجمل من ملك»، إيمان البحر درويش أعاد تسجيل إحدى أغنياته لأنه استخدم كلمة الزمن فى موضع ربما لن يرضى الشيوخ، وهو ما تجد له صدى عند فنان مثل حسن يوسف يرفض الزواج العرفى فى المسلسلات، ويرفض أن ينظر إلى زوجته فى المسلسل بناء على فتوى من الشيخ متولى الشعراوى الذى قال له فى حديث نشرته له قبل خمس سنوات على صفحات «روزاليوسف» أن زواجه السينمائى فى الأفلام يعتبر بمثابة زواج شرعى، قال له حسن فى هذه الحالة فأنا تزوجت كل جميلات السينما، فكان رد الشيخ: مادمت لم تكن تعلم الفتوى فالزواج غير قائم، ولكن بعد هذه الفتوى لا يجوز لك أن تتزوج فى الأفلام، ومنذ ذلك التاريخ وحسن يوسف يطبق الفتوى التى تخاصم المنطق الفنى. وإيمان هو تنويعة موسيقية على حسن يوسف. إن إيمان البحر درويش يحمل موهبة ورغبة فى التجديد والإضافة، لكنه وضع قيودا على أغنياته وكبل نفسه وإبداعه بعدد من المحظورات أثقلته ووضعته على الرغم من موهبته خارج الطابور! ؟؟ على الجانب الآخر تجد الأغنيات العارية المنتشرة عبر العديد من الفضائيات، فإذا كان الفن لا يطبق فى تقييمه القواعد الدينية أو الأخلاقية الصارمة، فليس معنى ذلك أن الفن يخاصم الأخلاق ويناصب القواعد الدينية العداء، الهدف الأسمى للفن هو أن يشع الجمال فى النفوس، والغناء المرتبط أساسا بإثارة الغرائز الذى تتهافت عليه العديد من القنوات التليفزيونية طرح نوعا من أغنيات الفيديو كليب، واعتقدت العديد من الراقصات - حتى الدرجة الثانية منهن - أن المجال الحقيقى لهن هو تلك المحطات، وهكذا ظهرت بوسى سمير وهى «تحط النقط على الحروف» أو وهى تقول: «كل ما أقوله جوه يقولى هو بره»! إن هناك فارقا واضحا بين أن تقدم أغنية خفيفة وأن تقدم أغنية مثيرة مسفة فجة، كما أن هناك فارقا بين الأنوثة وبين الغواية، وكنموذج للأغنية الخفيفة «أخاصمك آه، أسيبك لا» والتى حرص مؤلفها فوزى إبراهيم وملحنها محمد سعد على أن يبدو اللحن فى بساطته أقرب إلى روح الهتاف ومنح أداء نانسى عجرم كل هذا النجاح للأغنية، ونجحت المخرجة نادين لبكى فى تقديمه، ولا يمكن بأى حال أن نضع ما تغنيه نانسى أو إليسا مع ما تردده بوسى سمير أو ماريا، الفيديو كليب كوسيلة فنية ليس مرفوضا، إنه إيقاع جديد للعصر، وسيلة لتقديم الأغنية، وإذا كان إيمان البحر درويش يتشدد ويرفض أن يسمح بامرأة فى أى فيديو كليب يتم تصويره له بحجة أن هذا يتناقض مع الإيمان، وذلك عندما يطبق القواعد الشرعية على الغناء لأن هذه المرأة ليست زوجته، فليس معنى ذلك أن تتحول المرأة إلى سلعة مثلما تقدم فى العديد من الكليبات، هناك حالة من الفوضى نستطيع أن نراها الآن بكل وضوح فى القنوات الغنائية وسباق العرى للعرى وصل إلى مرحلة التشبع، ولم يعد هناك المزيد مما يمكن أن يقدم وأى قاعدة وأى نظام يجب أن تسبقه الفوضى، ومن خلال تلك الحالة تبدأ الحاجة لاشعورية فى إيجاد القانون والنظام، نعم المجال مفتوح أمام بوسى سمير وأخواتها لأن المناخ يرحب بكل ذلك، إلا أن الفرز الحقيقى يبدأ بعد انتهاء الزحام، وسوف نكتشف أن مطربات الأغنيات - الفيديو كليبية - بينهن من يستحق الاستمرار.. مثلا «روبى» كان من الممكن لو أنها لم تخضع لمخرجها شريف صبرى الذى لم يدرك أنها تتمتع بحضور وأيضا بصوت قادر على التعبير، حيث إنه وجه الكاميرا فقط إلى الأرداف وأصر على ذلك فى فيديو «ليه بندارى كده»، كان من الممكن أن تحتل «روبى» مكانة أفضل فى البيت والأسرة المصرية والعربية، وهى نفس المكانة التى تستأثر بها نانسى عجرم على سبيل المثال، هناك متزمتون يرفضونها، ولكن الأغلبية لا ترى فيما تقدمه نانسى إسفافا.. الفيديو كليب ليس مجالا فقط للأغنيات الخفيفة لأنه يشكل لمطربين ومطربات أمثال محمد منير وكاظم الساهر وهانى شاكر وراغب علامة وعمرو دياب وأصالة وأنغام وشيرين وماجدة الرومى وغيرهم مجالا واسعا للانتشار وللوصول إلى الجمهور. ؟؟ إن تزمت إيمان البحر درويش وإخوانه هو الذى يساهم فى انتشار إباحية بوسى سمير وأخواتها، وإباحية بوسى هى التى تمنح شرعية اجتماعية لكى يزداد إيمان فى تشدده وانغلاقه، وكما يقولون إن الفضيلة تقع بين رذيلتين الإفراط والتفريط، بين تزمت إيمان وتسيب بوسى سمير! ولا نزال فى انتظار الفضيلة الغنائية!؟

[I]طارق الشناوى

[quote] mass كتب/كتبت
حسن يوسف يرفض الزواج العرفى فى المسلسلات، ويرفض أن ينظر إلى زوجته فى المسلسل بناء على فتوى من الشيخ متولى الشعراوى الذى قال له فى حديث نشرته له قبل خمس سنوات على صفحات «روزاليوسف» أن زواجه السينمائى فى الأفلام يعتبر بمثابة زواج شرعى،


أرجوك قل لي أن المكتوب أعلاه بالأحمر مجرد نكتة و تهريج. أرفض تصديق أن البعض وصل بهم الغباء الى هذا الحد.

:lol: بل و ما هو أكثر :lol: