حرمة الإنسان لا تتجزأ..
والنفس المعصومة واحدة أنى كانت قبلتها ولون بشرتها وعيونها وشعرها!
من يبكي على ضحايا 11 سبتمبر ولا يبكي على ضحايا مخيم جنين عنصري نتن، أو كلب يتشمم آثار سيده العنصري ويلتصق به كظله...

ومن يبكي على ضحايا الفلوجة والقائم والأنبار، ثم لا تهتز له شعرة على ما يجري للإنسان في مدريد أو لندن أو بالي، إنما هو متطرف طائفي لا يقل عن الأول عنصرية

(من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)



لا يبرر عهر بلير وبوش باسم الصليب أو اللبرلة أن يتعاهر الزرقاوي والصفراوي باسم الإسلام أو عزة الإيمان!

إذا كان هؤلاء يزعمون أن قدوتهم السلف المجاهدون، فأين منهم وصايا أبي بكر لجنده: لا تقتل امرأة ولا طفلا ولا عسيفا ولا تقطعوا شجرة ولا تحرقوا بيتا!
ما الذي يضبط الكون إذا جعلنا ميدان المعركة في أرض وسما؟!

ومع هذا فلا أجمل من إنصاف القرآن الكريم في حادثة مشابهة جرت في عصر النبوة:

بعد أن أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، بدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستطلع قوة عدوه عبر سرايا تجتاز المنطقة بين المدينة ومكة وما حولها، وكان يهدف من وراء هذه السرايا إضافة للاستطلاع عقد بعض الأحلاف مع قبائل العرب حتى يحيدها عن معركته مع مشركي قريش الذين كان يرى أن معركته معهم قادمة قادمة...
وفي إحدى سراياه أمر عبد الله بن جحش وكان أول من أطلق عليه لقب أمير المؤمنين لإمرته هذه السرية رضي الله عنه..

كانت السرية عبارة عن ثمانية من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، وأمره أن يتوجه قبل نخلة رصدا لقريش حتى يأتيه منهم بخبر.. وكان الزمان شهر رجب الحرام، بل آخر يوم منه

وفي نقمة من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله..
وفي غفلة من عدوهم، قام بعض من في السرية بمداهمة عدوهم فقتلوا أحد المشركين، وأسروا اثنين وغنموا بعيرا كانت معهم، ومضوا بالأسيرين والبعير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة
فلما قدموا عليه قال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام! فوقف العير والأسيرين، فلما قال ذلك وفعل أسقط في أيديهم وعظم الأمر عليهم خاصة وأن معركة إعلامية التهبت في الأوساط المكية ووصلت الأجواء الدعائية إلى المدينة ومن فيها من اليهود والمنافقين، كلها تشنع على المسلمين فعلتهم وأنهم أصابوا الدم الحرام في الشهر الحرام

وهكذا أصبح الكل فجأة يتاجر بالدين والأشهر الحرم والفضيلة والأنسنة، متناسين ما كان يفعله المشركون بهؤلاء أنفسهم في مكة قبل أشهر!

فلما أكثر الناس في ذلك، أنزل الله قوله: (يسألونك عن الشهر الحرام، قتال فيه؟ قل: قتال فيه كبير. وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله)

وفي تفسير هذه الآيات يقول ابن القيم: (والمقصود أن الله سبحانه حكم بين أولياءه بالعدل والإنصاف، فلم يبرئ أولياءه من ارتكاب الإثم بالقتال في الشهر الحرام، بل أخبر أنه كبير، وان ما عليه أعداءه المشركين أكبر وأعظم من مجرد القتال في الشهر الحرام، فهم أحق بالذم والعيب والعقوبة لا سيما وأولياؤه كانوا متأولين) زاد المعاد 3/170
أما ما ذكره ابن القيم مما كان عليه مشركوا قريش فهي تلك الجرائم الضخمة التي ارتكبت في منع الناس من حرية العقيدة، وصدهم عن سبيل الله، وعن المسجد الحرام، مع إصرارهم على الكفر بالله وفتنة الناس وابتلائهم بهذاالكفر، حتى لو أدى لتهجيرهم عن مكة تعسفيا!
فكل هذه الجرائم تناساها معاشر المتاجرين بالأنسنة والقيم، وراحوا يتباكون على رجل منهم سقط صريعا بأموال سرقوا كثيرا منها من عرق هؤلاء المهاجرين الذين لم يبقوا لهم ناقة ولا جمل!
لو كانوا حريصيين على دم الإنسان لم لم يوقفوا الطاغية أبا جهل وهو يطعن سمية بنت خياط في موضع عفتها حتى يصرعها فتكون أول شهيد في الإسلام من الرجال والنساء؟

لو كانوا حريصين على الشهر الحرام ففيم يحلونه عاما ويحرمونه عاما زيادة في الكفر وضلالا عن أمر الله

لولا أنها المتجرة الرخيصة، أو لعلهم يحسبون ان دمهم أحمر قان، ودم غيرهم أزرق مسود!

قريبا من هذا المثال حالنا مع الغرب...

لن نقول بأن جرائم لندن ومدريد ونيويورك وواشنطن وبالي وغيرها إلا كما قال الله في مثلها عند قريش: (قل قتال فيه كبير)

نعم إنها جرائك كبيرة ندينها ولا نقبل بها

ولكن العدوان على شعب آمن، وتخريب دولته ومجتمعه، وتدمير بنيته التحتية، وسحق الإنسان فيه، وإخراج الأحرار منه أذلة، والعدوان على حرمة المساكن والنساء والطفولة، كلها جرائم أكبر عند الله، وهي أكبر في كل المعايير المحايدة لولا أننا في زمن يقال فيه لشارون أنت ملاك مطهر بينما يغدو أحمد ياسين والرنتيسي وحسن نصر الله، مجرمين إرهابيين سفاكي دماء! وويل للمطففين

واسلموا شموخا في زمن الانكسار(f)