اللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونية



من اجل التحرر الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي



تعاني مصر منذ هزيمة 1967، بنتائجها السياسية الانهزامية التي تكرست في اتفاقيات كامب ديفيد، أزمة وطنية سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية لم تكف عن التعمق والاتساع حتى اليوم. لم يكن تفاقم الأزمة إلا نتاجا لأوضاع وسياسيات التبعية للإمبريالية التي عمقت التخلف الاقتصادي ودهورت معظم قطاعات الإنتاج والخدمات و أوضاع الطبقات الشعبية والمتوسطة. وقد بلغت الأزمة المزمنة مستواها الراهن بتداع أثار الاحتلال الأمريكي للعراق لاتخاذه مرتكزا لإعادة تشكيل المنطقة وفي القلب منها مصر مما دفع إلى أزمة حكم.
إلا أن خصوصية أزمة الحكم الحالية إنها ليست نابعة من تدهور الأوضاع الداخلية وعجز النظام المذري أمام العدوان والتدخل الاستعماري فحسب ، بل وأيضا من سعي أمريكا وحليفاتها الاستعمارية لتغير شكل الحكم ورموزه تحت شعار الحرية والديمقراطية المُتخذ عنوانا لغزو المنطقة والتحكم في مقدراتها. وقد أتاح هذا التوجه الأمريكي ولأسباب متعددة فرصة كبيرة لعملية خلط الأوراق بين التغيير أو الإصلاح الذي يتطلع إليه شعبنا وقواه الوطنية الديمقراطية وبين برنامج أو مشروع اجتياح المنطقة وحكمها حكماً مباشرا تحت قناع الإصلاح والديمقراطية .إن هذا هو ما يهدد مجدداً بان يكون تفاقم الأزمة مفضيا للمزيد من الغوص في مستنقع الوصاية الاستعمارية بدلا من أن يكون مقدمه أو خطوة علي طريق انفراجها. فلا يخفي عن كل ذي بصيرة أن الهدف من وراء الشعار الأمريكي عن الحرية والديمقراطية هو صرف القوى السياسية والجماهير عن طريق المقاومة الوطنية ولإقامة نظم حكم جديدة تمتص السخط الشعبي علي النظم السابقة وتواصل ، عبر المرور بانتخابات وتعددية تجري تحت الوصاية والتدخل الأمريكي المباشر، الخضوع للاستعمار والمشاركة بصورة أقدرر في تنفيذ أجندته الجديدة علاوة علي القديمة .
فأزمة الحكم الحالية إذن لا تحمل فقط إمكانية التقدم علي طريق حل الأزمة العامة المزمنة و إنما تحمل أيضا احتمالا عكسياً – ربما يكون الأرجح حتى الآن – هو ترحيل الأزمة المزمنة للأمام وبالتالي المزيد من استحكامها عبر حل أزمة الحكم لصالح الوصاية الأمريكية. ولا سبيل لدرء هذا الخطر/ الخديعة إلا بالحفاظ علي الارتباط الضروري بين مقاومة الإمبريالية والتبعية والتدخل الأجنبي وبين قضية الديمقراطية كشرط مبدئي لبناء الوطن الديمقراطي وتعميم هذا التوجه بين جماهير الشعب.
لذلك ومن أجل بناء الحركة الوطنية الديمقراطية المصرية القادرة علي مجابهة القوى المسيطرة الخارجية والداخلية التي تضطهد شعبنا وتقف في طريق تحرره وتقدمه ندعو مختلف القوى الوطنية والديموقراطية والاشتراكية إلى الالتفاف حول المبادئ والمهمات الأساسية التالية:
أولا:- أن الإمبريالية عامة والأمريكية والكيان الصهويني خاصة –وبما فرضته علي بلادنا عبر العدوان العسكري ووسائل سيطرتها واحتكاراتها العالمية من تبعية اقتصادية وسياسية - هي المصدر الأول لتخلف بلادنا الاقتصادي والاجتماعي وتدهور أوضاع شعبنا، وهي العقبة الرئيسية أمام أي مشروع للتطور الحقيقي والمستقل لمصر أو غيرها من الدول العربية. وهي تسعي اليوم لا لتكريس وإدامة أوضاع التخلف والسيطرة التي فرضتها علينا في العقود الماضية فحسب، بل وأيضاً فرض مشروع الشرق الأوسط الكبير لحكم المنطقة حكما استعمارياً مباشراً وتحطيم رابطة العروبة وتفكيك الكيانات الوطنية العربية الكبيرة كمصر والعراق والسودان والسعودية وسوريا.
لهذا فان مقاومة الإمبريالية والصهيونية ومشاريعهما والقوى المحلية المرتبطة بهما وأوضاع وسياسات التبعية والخضوع للإمبريالية والصهيونية في مختلف مجالاتها هي المهمة الرئيسية الاستراتيجية لنضالنا في المرحلة الحالية من تطور بلادنا. وهي المدخل الوحيد لتطورها المستقل المحقق لمصالح جماهير الشعب، فلا حرية ولا ديمقراطية ولا تقدم أو حلول حقيقية لمشاكلنا الأساسية ما بقي الاحتلال أو الوصاية أو التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية.
ثانيـاً: إن إطلاق طاقات الشعب وقواه الحية والمبدعة والثورية هو خيارنا الوحيد للتغلب علي عقبات تطور وتحرر بلادنا وشعبنا وإنجاز المهمات الضرورية لذلك. ويقيد هذه الطاقات ويقمعها – وعلاوة علي السيطرة والقهر الأجنبي الاستعماري- الديكتاتورية السياسية المحلية وقوانينها وممارساتها المكبلة للحريات من جهة وبقاء –بل استشراء – مرتكزات ثقافية محلية غير عقلانية وغير مستنيرة وغير ديمقراطية، ومرتكزات ثقافية وافدة استعمارية تفكيكية وعنصرية واستهلاكية أضعفت تيار العقلانية والديمقراطية والعلمية والنضالية والإبداع في ثقافتنا الوطنية والقومية من جهة أخرى.
لذا فان مقاومة الديكتاتورية السياسية ونقد ودحض الثقافات غير العقلانية وغير الديمقراطية والاستعمارية والانتصار للثقافة الوطنية الديمقراطية وثقافة المقاومة والتحرير- مع الدفاع الحازم والعقلاني أيضا عن خصوصيتنا الثقافية – هما عاملان أساسيان في تحرير طاقات شعبنا ، وهما مرتبطان أوثق ارتباط بمقاومة الإمبريالية والصهيونية وجزءان لا يتجزأن منها ويتجليان ويٌختبران في ميدان هذه المقاومة قبل أي ميدان أخر في هذه الحقبة من تاريخ بلادنا .
ثالثاً: أن الديمقراطية تجسيد ونتاج لإحراز النضال السياسي مكتسبات وإنجازات تؤهله لإقامة سلطة سياسية وحكومة تمثل الشعب ، وهي تغدو بعد ذلك ، وليس قبل ذلك ، وسيلة أساسية لمواصلة التقدم . لذلك لا مجال لإقامة ديمقراطية سياسية قبل أن يتطور ويتصاعد نضال شعبنا ضد الإمبريالية والتبعية والتخلف وما يلحق بذلك من سياسات الإفقار وخصخصة وتسليع التعليم والصحة والثقافة وغيرها من الخدمات الأساسية ، وقبل أن ينتزع شعبنا حرياته السياسية والنقابية والفكرية. لذلك نؤكد ما يلي :
1- النضال ضد الإمبريالية والصهيونية والتبعية هو اليوم معيار لا يمكن التنازل عنه لانتساب أي فرد أو جماعة أو حزب للقوى الديمقراطية .
2- الحريات قبل الديمقراطية :
 إلغاء الطوارئ وجميع القوانين المقيدة للحريات .
 إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بعد فترة كافية من إلغاء القوانين المذكورة .
 حق المواطنة الكاملة لجميع المصريين دون ادني تفرقة علي أساس الدين أو النوع أو العرق أو اللون.
 تشكيل حكومة محايدة أثناء فترة الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.
3- الحكومة الديمقراطية هي التي تأتي عبر انتخابات حرة ونزيهة وتمثل الشعب وتضع القضية الوطنية والقومية في مقدمة أهدافها.
رابعاً: يتطلب حل الأزمة الشاملة التي يعانيها شعبنا وفتح طريق التطور أمام بلادنا - فتحا لا رجوع فيه - توحيد وتعبئة طبقات وفئات الشعب حول مشروع أو استراتيجية للتحرر الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي تقوم علي المحاور التالية:
1- تحقيق وحماية الاستقلال الوطني الناجز برفض ومقاومة التبعية السياسية والعسكرية للإمبريالية وحماية الوطن من أي عدوان عسكري أمريكي أو أطلسي أو صهيوني. وتنتصب أمامنا في الأفق علي هذا المحور مهمة تحرير سيناء والإرادة السياسية المصرية من اتفاقية كامب ديفيد وما لحق بها من اتفاقيات خضوع وإذعان للعدو الأمريكي والصهيوني.
2- إقامة ديموقراطية حقيقية وطيدة تستند علي أوسع الحريات السياسية والنقابية والفكرية وأوفر ضمانات اقتصادية واجتماعية للطبقات الشعبية و المتوسطة.
3- بناء قاعدة صناعية زراعية حديثة معتمدة في الأساس علي الذات تٌخرج بلادنا من اسر التخلف والتنمية وتوفر الأساس التقني الاقتصادي لتلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتنامية لجماهير الشعب.
4- تمتين روابط وحدة النضال العربي ضد الاستعمار والتبعية والصهيونية وصولا لتحقيق الوحدة العربية علي أسس الاستقلال والديمقراطية والتقدم الاجتماعي ومراعاة الفوارق الاقتصادية والسياسية والثقافية وحقوق الأقليات القومية بين الدول العربية.
خامساً : المساندة التامة والدعم بكل الوسائل الممكنة للمقاومة الوطنية العراقية وعلي رأسها المقاومة المسلحة. فهي لا تقوم فقط بتحرير العراق الشقيق و إنما أيضا بالدور الرئيسي اليوم في مقاومة الهجوم الاستعماري الذي يستهدف المنطقة بأسرها ، ومقاطعة الاحتلال وكل إفرازاته وفي مقدمتها حكومة الجواسيس والعملاء والمحاصصة الطائفية في بغداد.
سادساً: مساندة ودعم المقاومة الفلسطينية والتمسك بحق العودة غير القابل للتنازل أو التفويض أو التعويض ورفض التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني والتسليم باغتصابه الأراضي الفلسطينية وكل تسوية دائمة معه أو مؤقتة تمس هذه الثوابت أو سيادة واستقلال وحرية قرار ووحدة أراضى أي دولة عربية.
سابعاً: وضع برنامج عاجل لتخفيف وطأة المشاكل الاقتصادية والحياتية للطبقات الشعبية ولمواجهة ركود الاقتصاد وتدهور الخدمات مع إعطاء الأولوية لتشغيل العاطلين والتعليم والصحة.
ثامناً :رفض التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية ولكل نشاط سياسي أو أهلي باعتباره أداة للتدخل والاختراق الاستعماري للمجتمع المصري والمجتمعات العربية.

14/6/ 2005م


اللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونية