العامل النفسى
قضايا و اراء
43307 السنة 129-العدد 2005 يوليو 2 25 من جمادى الأولى 1426 هـ السبت
دنيا وآخرة
العامل النفسي..
بقلم : د. فتحي مرعي
العامل النفسي علي أكبر درجة من الأهمية في حياة الإنسان.. يتوقف عليه اقدامه أو احجامه عن مشروع معين يبدو واعدا.. فإذا ظن الانسان انه غير محظوظ, فسوف يحجم برغم توافر كل الامكانات لديه للدخول في المشروع.. أو لا يتقدم لطلب يد فتاة يراها مثالية بالنسبة لحالته.. لأنه يتصور ـ دون سبب مقنع ـ ان والد الفتاة سوف يرفضه.. أو ان الفتاة سوف لا ترضي به.. ولو كان عنده الثقة في نفسه لتقدم وليكن ما يكون.. لا يهم.. فإن كان الرد بالقبول تحقق له ما أراد, وان كان الرد بعدم الموافقة فهذا لا يقلل من شأنه أو يهز ثقته في نفسه.. لأن اسباب الرفض قد لا تكون لها علاقة به أصلا.. قد تكون الفتاة مخطوبة لشخص آخر.. أو تكون مصدومة لفك خطبتها من شخص آخر ولا تريد أن تعيد التجربة بعد وقت قصير من سابقتها.. عشرات الاسباب المحتملة وفي النهاية كل شيء نصيب, وقد تغير الفتاة رأيها أو يغير والدها موقفه بعد فترة, فربما تنفع معاودة الاتصال لاحقا, وهذا يحدث.. ان الموافقة لا تتم للوهلة الأولي.. أو يكون الموقف المبدئي هو الرفض ثم يتغير هذا الموقف الي القبول..
أردت القول إن ثقة الانسان في نفسه ـ وجودا وعدما ـ تلعب دورا مهما بل دورا محوريا في حياته..
لا.. بل انها تلعب دورا حيويا في صحته الجسدية.. فإذا كانت حالة الانسان النفسية متدهورة لسبب من الاسباب, فهناك خطر علي صحته لأن مقاومته للميكروبات والفيروسات سوف تكون ضعيفة وبالتالي قد تنال منه..
وليست درجة مقاومته للميكروبات والفيروسات هي نقطة الضعف الوحيدة في حالة تدهور المعنويات لديه, وانما حزمة من الامراض التي ما كان لها ان تغزو الجسد لو كانت حالته المعنوية مرتفعة.. ومنها امراض جد خطيرة.. والانسان يتقوي نفسيا بأشياء معينة.. منها الصحبة الطيبة.. فعندما كلف الله موسي عليه السلام بالنبوة, سأل موسي ربه أن يجعل له عضدا في مهمته هو أخاه هارون إذهب الي فرعون إنه طغي, قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني, يفقهوا قولي, واجعل لي وزيرا من أهلي, هارون أخي, أشدد به أزري وأشركه في أمري, كي نسبحك كثيرا, ونذكرك كثيرا, انك كنت بنا بصيرا( طه24 ـ35)..
ورسول الله صلي الله عليه وسلم, حينما استأذنه أبوبكر الصديق في الهجرة استمهله بقوله لعل الله أن يجعل لك صاحبا حيث رغب الرسول صلي الله عليه وسلم أن يستأنس برفقة أبي بكر في طريق السفر الطويل الموحش, وقد لبي الله رغبة رسوله وأنزل قرآنا أشار الي صحبة أبي بكر للنبي في طريق الهجرة إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها( التوبة40)..
كذلك تصدي المؤمنين لكفار قريش.. وكان المؤمنون قلة بالنسبة للمشركين, أي كانوا أقل منهم بكثير عددا وعدة.. فوعد الله المؤمنين بالنصر ورفع معنوياتهم, إذ أنبأهم بأن الملائكة ستثبتهم في المعركة إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين.. وما جعله الله إلا بشري ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله, إن الله عزيز حكيم( الأنفال9 ـ10), أي ان البشري وواطمئنان القلوب ـ وهي عوامل نفسية ـ ترجح كفة المؤمنين برغم قلتهم.
وفي الجيوش يهتمون اهتماما خاصا بما يسمونه الروح المعنوية لأنها عامل حاسم في مواجهة العدو.. وانتصارات اكتوبر المجيدة سببها ـ الي جانب حسن التخطيط والاعداد للمعركة ـ الروح المعنوية العالية للجنود والضباط, وهم مقبلون علي هذه المواجهة بروح معنوية عالية.
والعامل النفسي هو الذي يجعل الانسان إما راضيا عن حاله أو ساخطا علي قدره, ناقما علي كل شيء.. وليس حتميا أن يكون الأول لديه كل ما يتمناه في الدنيا.. بل لعله يكون محروما من كثير مما يتمتع به غيره.. سواء كان ذلك مالا أو منصبا أو صحة أو أولادا.. ولعل الثاني يكون لديه كل ما يتمناه وأكثر مما يتمناه.. ولكنك تجده ساخطا غير راض عما هو فيه أو عما لديه من متاع الحياة الدنيا.. فالرضا أو السخط ليس مقترنا أبدا بما لدي الانسان أو بما ليس لديه, بل هو راجع الي العامل النفسي الذي هو وراء ما يشعر به المرء من رضا أو من سخط.. اذ تجد انسانا ضعيف البنية أو حتي معاقا.. ومع ذلك تجده راضيا عن حاله.. لا يشكو ولا يتذمر.. ويتعامل مع الحياة بما لديه من طاقة ولو كانت قليلة.. راضيا عن قدره.. راضيا عن ربه.. كما تجد انسانا رزقه قليل.. لا يكاد يفي باحتياجاته الضرورية, ومع ذلك تجده حامدا ربه علي ما اعطاه وان كان قليلا.. هذه وغيرها نماذج من البشر رضيت عن قدرها ورضيت عن ربها, فرضي عنها ربها وادخر لها من نعيم الجنة ما يرضيها.. وهناك نماذج أخري من البشر لا يرضيها مال وان كثر, ولا يرضيها سائر ما اعطاها ربها.. فهي أبدا ناقمة.. تشكو وتتبرم.. لا تحمد ربها علي نعمة انعمها عليها.. هؤلاء سخطهم حاق بهم في الدنيا وسيحيق بهم في الآخرة.. ومن هنا الحديث الشريف من رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط..
الإنسان يحيي بالقليل ويحيي بالكثير.. والعاقل هو الذي يرضي, ويؤمن ـ سواء أعطي الكثير أو اعطي القليل ـ ان الدنيا ليست هي دار المقامة, بل هي الجنة وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور, الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب, ولا يمسنا فيها لغوب( فاطر34 ـ35), والنصب هو التعب واللغوب هو المشقة..
فهلا اصلحنا ما بأنفسنا ورضينا حتي يرضي عنا ربنا ويحلنا دار المقامة خالدين فيها أبدا!!
|