المسيحيون العرب.. إلام الصمت على هذه الظواهر؟
خصصت جريدة «اللاموند» الفرنسية مؤخرا ملحقا لا بأس به عن وضع المسيحيين في العالم العربي وفي بلدان الجوار وبخاصة ايران وتركيا، ونفهم منه ان صعود الاصولية الاسلامية منذ اكثر من ثلاثين سنة، وكذلك استمرارية الصراع العربي ـ الاسرائيلي بالاضافة الى عوامل اخرى كحرب العراق، كل ذلك ادى الى نزوح المسيحيين من العالم العربي وهجرتهم الى الغرب. وهذه ظاهرة مقلقة وخطرة على العالم العربي والاسلامي نفسه من الناحية الحضارية. فوجود المسيحيين العرب يؤدي الى حصول ديناميكية ثقافية في المنطقة، ولا يمكن فهم نهضة القرن التاسع عشر بدون وجودهم. يضاف الى ذلك ان وجود المسيحية العربية سوف يساعد على التطور والتجدد لأن علاقتها قوية بمركز الحضارة العالمية: اي اوروبا، وعلى عكس ما يتوهم المتعصبون والقومجيون العرب فان التعددية الدينية او الروحية في المجتمع يمكن ان تكون نعمة لا نقمة. ولكن اليمين المتطرف في كل مكان يحقد على التعددية وبالاخص على الاقليات الدينية او الثقافية ويريد ازالتها من الوجود، واليمين العربي ليس استثناء على القاعدة ولن يكون. ولذلك نلاحظ تأففه من وجود الاقليات الدينية في المشرق العربي ويعتبرها سبب المشاكل والهزائم العربية. ولكننا نلاحظ ان وضع الغرب ليس بأفضل من وضع المشرق على الرغم من خلوه من التعددية الدينية او الطائفية، وبالتالي فهناك سبب آخر للتخلف غير ذلك. تقول الاحصائيات الاخيرة بأن ربع السكان المسيحيين للعراق قد هاجروا الى الخارج بدءا من عام 1991 هربا من ديكتاتورية صدام والحصار الدولي، وكان عددهم آنذاك حوالي مليون نسمة، ونضيف اليهم من هاجر قبل ذلك التاريخ فاذا بالعدد يصل الى الثلثين! واما في القدس، مهد المسيح عيسي ابن مريم عليه السلام فقد كان عددهم خمسين الفا عام 1948، ولكنه لا يتجاوز الآن البضعة آلاف، معظمهم هاجر الى اوروبا واميركا الشمالية بما فيها كندا، ولم يبق في الضفة الغربية كلها إلا سبعون ألفا، وفي غزة ثلاثة آلاف، وبين عرب اسرائيل مائة وعشرون الفا.
وحتى في سوريا التي قدمت للعالم سبعة بابوات وبعض الاباطرة الرومانيين الكبار لم يبق من المسيحيين العرب إلا عشرة بالمائة من عدد السكان: اي مليون ومائتي الف نسمة، ولكنهم عام 1950 كانوا ضعف هذا العدد.
واما عن لبنان فحدث ولا حرج! فقد كانوا يشكلون نسبة 60% من عدد السكان قبل فترة ليست بعيدة، ولكنهم الآن لا يشكلون اكثر من 35%، وهذا يعني ان عددهم انخفض الى النصف تقريبا، وكل ذلك بسبب عوامل عديدة منها انك ملاحق على مكان ولادتك من المهد الى اللحد كما يقول امين معلوف في روايته الرائعة: أصول. ولكن هل هي رواية ام سيرة حياة عائلته والمسيحيين كلهم من خلالها؟ فهم لا يفكرون الا بالهجرة والاغتراب منذ ايام العثمانيين وحتى الآن.
واما في العراق فقد انخفض عددهم من 10% الى 3% كما قلنا بسبب الخضات التي عاناها هذا البلد على مدار عهد صدام وحتى الآن، فجو الرعب على طريقة هيتشكوك يدفعك دفعا الى الهرب والهجرة، وهو جو يشمل المنطقة بأسرها وليس فقط العراق. ولو فتح باب الهجرة لربما هاجر معظم سكان المنطقة وليس فقط المسيحيون العرب، فالسكان المسلمون يتعرضون ايضا لانعكاسات هذا الوضع المهتز والمدمر. وما دام مصير المنطقة على كف عفريت فان احدا لن يفكر في بناء مستقبل فيها، ولماذا تبني اذا كان بناؤك مهددا بالحروب الاهلية والمجازر والاضطرابات؟ وعلى اي شيء تبني؟ على الرمال المتحركة التي قد تجرفها الرياح العاتية التي تعصف بالمنطقة في اي لحظة؟ وحتى في مصر التي تضم اكبر اقلية مسيحية عربية (6 ملايين) نلاحظ ان الهجرة الى اميركا الشمالية واستراليا ونيوزيلندا الجديدة قائمة على قدم وساق. فعدد الاقباط كان اكبر من ذلك عام 1950، حيث كانوا يشكلون 15% من سكان مصر، ولكنهم الآن لا يشكلون اكثر من 10%.
بالطبع فهم يبالغون ويقولون لك بأن نسبتهم 20%، ولكن الاخوان المسلمين يقلصون هذا العدد الى 5%، من اجل التقليل من اهميتهم ووزنهم في المجتمع المصري.
وفي المحصلة لم يبق من المسيحيين في العالم العربي الا اثنا عشر مليون نسمة من اصل (280) مليونا او ربما ثلاثمائة مليون عربي. لا ريب في ان ملف جريدة «اللوموند» عن المسيحيين العرب مضيء ومقنع في جوانب عديدة، كما انه دقيق في تقديم الاحصائيات والمعطيات، ولكن الشيء الذي ينقصه هو التركيز على الجانب الآخر من الصورة: اي الجانب الاقل تشاؤما وسوادا. صحيح ان الظروف الحالية صعبة والآفاق مظلمة وشبه مسدودة، ولكن حركة التاريخ لن تتوقف عند الموجة الاصولية أيا تكن ضخامتها وحجمها، فوراء الاكمة ما وراءها، والمسلمون في العالم العربي ينتمون الى تيارات شتى وليس فقط الى التيار الاصولي. لا ريب في ان هذا الاخير يسيطر على الشارع احيانا بشكل مقلق. ولكن قوى الاعتدال والوسطية موجودة ايضا، وكذلك قوى التنوير والعقلانية وهي مرشحة للنماء والتزايد اكثر فاكثر. والاسلام العربي يبحث عن طريق للخلاص، عن وسيلة للتوفيق بين التراث والحداثة مثله في ذلك مثل الاسلام التركي او الايراني ولم يقل كلمته الاخيرة بعد، انه يتخبط في متاهة ويواجه تحديات مرعبة بسبب هيمنة التقليد والجمود عليه لقرون عديدة، ثم بسبب ضغط الغرب واسرائيل، ولكنه سيجد مخرجا له من هذه الورطة يوما ما، وسوف يتعاون المثقفون العرب من مسلمين ومسيحيين على ايجاد هذا المخرج التاريخي، وبعد انحسار الموجة الاصولية العاتية سوف يستعيدون مشروع النهضة على اسس جديدة بعد ان يستخلصوا الدروس والعبر من اجهاض نهضة القرن التاسع عشر، سوف يواصلون معركة التحديث من اجل التوصل يوما ما الى التمييز بين الدائرة اللاهوتية/ والدائرة السياسية واعطاء كل ذي حق حقه. وعندئذ تؤسَّس المواطنيّة على اسس جديدة لا طائفية ولا عشائرية ولا قبلية. واما قبل ذلك فلا.
عندئذ يظهر مفهوم الانسان لأول مرة في العالم العربي، الانسان كفرد حر مسؤول عن اعماله فقط وليس عن اعمال طائفته او عشيرته او حتى عائلته.. وبالتالي فمصير المسيحيين العرب وسكان المنطقة كلهم يتوقف على الحركة العميقة والطويلة للتاريخ، والسؤال المطروح هو التالي: هل تسير هذه الحركة باتجاه التقدم والتحرر من المقولات اللاهوتية القديمة والتمييز الطائفي أم باتجاه عكس ذلك؟ ظاهريا تقول لي الامور بان الاحتمال الثاني هو الوارد، ولكن فلسفة التاريخ تقول لي شيئا آخر.
التعليــقــــات
طلعت هاشم، EG، 26/06/2005
فلسفة التاريخ تقول كان الإنسان يبحث عن الماء حيث يوجد الكلأ فيوجد الرعى ومن ثم عناصر الحياة. أما اليوم فيجد الفرد على اختلاف عقائده أن عنصر الحياة الوحيد هو الذهب، أي الثروة. فالغرب يملك الثروة ولايضن بها على مواطنيه.
احمد العربى، NL، 26/06/2005
ان العرب مسلمين وأقباط يجب عليهم ان يتعلموا من الماضى ويسترجعون المنهج الذى كانوا يعيشون عليه سويا فى القرون الماضية ، العرب لبعضهم اولا واخيرا ، وليعلموا ان مايقدمه الغرب الان من خدمات لللاجئين منهم انما لغرض ما فى نفوسهم ليس إلا ، وهذا شئ واضح جدا ومفهوم ولكن يتم تجاهله تماما من ناحية العرب ، لان لهم ايضا اهدافاً يريدون تحقيقها عن طريق الغرب ولكنهم فى الحقيقة يبحثون عن متاعب ستكون سبباً فى إبادتهم او الغاء هويتهم العربية وهى عند البعض منهم لاتساوى شيئاً مادامت هذه الهوية عند الغرب لاتساوى شيئاً.
محمد عراق، AU، 26/06/2005
مسيحيو العراق
أود أن اشكر الاستاذ هاشم صالح على مقاله الذي نشر في 26 يونيو بعنوان المسيحيون العرب ، فهو
مقال جيد ووجهه نظر موفقة ، لكن لدي تعليق مقتضب هو ان نسبة المسيحين العراقيين لم تكن 10% في أي وقت بل هي في احسن الاحوال 5% . هناك هجرات مؤسفة لا تقتصر على المسيحين فقط ، فهناك هجرة وتهجير ، وهناك تشيجع كما قلت بواسطة اليمين المتطرف سواء المسيحي او الاسلامي على هذه الوضعية .
وفي رأيي أن الحوار هو الحل.
محمد عراق
جمال جميل، --، 26/06/2005
القوميون العرب ليسوا ضد المسيحيين
استعرض الاستاذ هاشم صالح في مقاله المنشور في 26 يونيو بعنوان المسيحيون العرب ملف صحيفة لوموند الفرنسية حول المسيحيين العرب، والموضوع يستحق الطرح نظرا لان نزيف هجرة العرب المسيحيين بلغ حداً مقلقاً ، ولعل الاهمية الحضارية للوجود العربي المسيحي في الوطن العربي يكشفه المثل القائل البلد اللي ما فيه نصارى يا خسارة على كل حال استعرض الكاتب الملف استعراضاً جيداً، لكن من المهم توضيح ان الفكر القومي والحركات القومية العربية قامت على اكتاف نخبة ضمت عدداً كبيراً من المسيحيين ، لذلك ليس دقيقا القول ان القومجيين العرب اعداء لهذا الوجود المسيحي الاصيل في العالم العربي، والكاتب اشار الى اسباب هجرة المسيحيين العراقيين رغم عدم دقتها الا انه لم يشر الى اسباب هجرة المسيحيين الفلسطينيين خاصة احلال الاوربيين اليهود مكان الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه.
جمال جميل
jamalodeh71@yahoo.ca
د.حسام محمود فهمي، EG، 26/06/2005
ثمة نظرة دونية للمسيحيين العرب
تعليقاً على مقال الاستاذ هشام صالح بعنوان المسيحيون العرب والذي نشر في 26 يونو ، أود التأكيد أن ما ذكر حول تناقص عدد المسيحيين العرب، معلومة تحتاج لكثير من التدقيق، ربما يكون تناقص نسبتهم راجع إلي زيادة معدل نمو المسلمين. فمن المعروف إن الإحصاءات عموماً والسكانية منها خصوصاً تفتقد الدقة العلمية في المنطقة العربية ويتعذر بالتالي الركون إليها. يضاف إلي ذلك أن الغالبية العظمي من العامة مسلمين كانوا أو مسيحيين تستحيل هجرتهم لأنهم بضاعة راكدة في سوق البشر، لا مؤهلات لديهم ولا مهارات.
أما إذا نظرنا إلي معاملة المسيحيين في الدول العربية فمن الامانة أن نعترف أنهم يعانون أحياناً من نظرة غير عقلانية تنظر إليهم باعتبارهم أدني مهما تميزوا، وهو ما لا يعيبهم لكنه يعيب مجتمعات تعجز عن تقبل الغير وتتباكي علي سوء معاملة المسلمين بالمثل في مختلف دول العالم. لقد سببت أحداث 11 سبتمبر ضرراً هائلاً لصورة المسلمين في العالم وفتحت الأنظار عليهم وعلي أسلوب تفكيرهم وهو ما لم يصب في صالحهم. في المقابل وكالمعتاد لم يحاول المسلمون النظر بمنطقية للأحداث وبحثوا عن المبررات تارة وحاولوا إلصاقها بآخرين تارة ثانية وفبركوا الروايات تارة ثالثة، البحث دائماً خارج ذاتهم لأنهم معصومون من الخطأ !! وضع المنطقة غير مبشر، الصحوة لا تكون إلا بتقبل الآخر في المقام الأول أما الاستمرار علي نهج ازدواجية رفع شعارات وتطبيقها بالهوي ودغدغة مشاعر الجهلة والمحتاجين فلا طائل من ورائاه إلا مزيد من التدهور والانعزال حتي الانقراض.
د.حسام محمود فهمي
hossam_fahmy@hotmail.com
Hala Zaghour، SY، 26/06/2005
لا أدري ما هو مبرر هذا المقال الآن وفي هذا الوقت الذي أكثر ما نحتاجه فيه الى الوحدة الوطنية.لماذا تحديداً تربط المعاناة والهجرة بالمسيحيين؟ المسلمون أيضاً هاجروا ليس لأنهم مضطهدين دينياً (في بعض الحالات هم مضطهدون أكثر بحسب المذاهب) بل لأن الظروف السياسية والمعيشية بالنسبة للجميع صعبة وليس لأنهم يعانون اضطهاداً. ثم لا تنسى سيدي الكريم بأن هجرة المسيحيين للغرب أسهل من هجرة المسلمين.
dr.bassam al-khoury، DE، 26/06/2005
ليست الثروة وحدها من يدفع المسيحيين العرب للهجرة، بعضهم باع أراضيه ودفع خمسة آلاف دولار لعصابات المهربين اي ثلاثون ألف دولار لهجرة عائلة من ستة أفراد.أعرف اطباء ومهندسين اغنياء هاجروا.الانسان يبحث عن مستقبل آمن لأولادهفي بعض الدول العربية نتوقع حروب أهلية على الأبواب.سياسيون سابقون وحاليون يمتلكون المليارات ويتذللون للسفارات الاجنبية للحصول على جنسية لهم ولأبنائهم.
د عـيـدروس عـبـدالـرزاق جبوبةالصومالي، GB، 26/06/2005
موضوع جديد يتطرق إليه هاشم صالح ،ويرفع عقيرته عاليا لإيلاء ظاهرة هجرة المسيحيين العرب من السفينة الغارقة في الدول العربية القابعة في الظلام .ويضرب على وتر حساس ،ويعزف معزوفته بمهارة فائقة،فيفند الحالة،فينسبها لتنامي المد الأصولي ،والظلم الذي لحق بهم على صدام و غيره .ومع إنه لا يتناسى إن المسلمين أنفسهم لا يتورعون عن الهجرة ،والهرب غربا ،بحثا عن خلاص وعمل يدر عليهم دخلا جيدا،ونظاما يحمي إنسانيتهم،ويعينهم على قضاء حوائجهم ،ولكنه يظل متفائلا بعودة المسيحيين يوما ما،وكأنه لا يدري بأنه من يخرج لا يعود ،وهذه قاعدة عامة تصلح سواء للمسلمين أو المسيحيين ،فمن يذوق طعم الحرية و الضمان الإجتماعي وغياب زوار الفجر ،وعدم إهدار حقوق البشر ،لا يعود ،فهذا يجعل المهاجرين حذرين من النظر إلى الخلف ،والجيل الجديد تأخذه الحياة الغربية ،فتمسك بتلابيبه.
ahmad baghdady، FR، 26/06/2005
ما تمر به المنطقة من انعدام الأستقرار والأمن بسبب الحروب في لبنان وفلسطين والعراق ادّى الى ان الناس على اختلاف مللهم للبحث عن الأمان. المسيحيون العرب هم ابناء هذه البلاد وهذه هي أوطانهم بلاد الرافدين والشام ومصر، وتناقص اعدادهم فيها كان بسسبب هجرتهم طلبا للرزق والأمان. وهذا ينطبق على جميع الملل في هذه البلاد.
samy kamel، EG، 26/06/2005
إذا تأملنا أحوال المهاجرين نجدها فى صالح المسيحيين دائما ، المسلمون أيضا يهاجرون ولكن يتعرضون لضغوط غربية هائلة فإما التنصير أو العودة أو الرضى بأعمال حقيرة بأستثناء أصحاب التخصصات المطلوبة فى الغرب،أما المسيحي (عن تجربه ) فيكفى أن يدعى أنه مضطهد فى مصر إلا وتنهال عليه المنح والإقامة والعمل .
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3...7995&issue=9707