الإصلاح بالوكالة
د. طارق سيف
بعد أن حاولت في المقالين السابقين الإجابة عن تساؤلين مهمين هما: من المسؤول عن الإصلاح؟ ومن الذي يحتاج إلى هذا الإصلاح؟ جاءت الإجابات تحمل قدراً كبيراً من التشاؤم، بل وانعدام الأمل أصلاً في أي إصلاح أو تغيير أو حتى "تحريك" للموضوع لذر الرماد في العيون، بمعنى الإحساس العام بأن شيئاً ما قد يحدث. لذلك أقترح أن تلجأ الدول العربية إلى الاعتماد على "الإصلاح بالوكالة"، بمعنى أن يتم إيجار حكومات ذات صبغة ديمقراطية، أو لها سمعة بأنها مارست الديمقراطية، من دول أجنبية لإدارة النظم السياسية في الدول العربية، على غرار الاستعانة بالخبراء الأجانب في المجالات المختلفة. ولكن أقترح أن تتم صياغة عقود واضحة مع هذه الحكومات الأجنبية تشتمل على ضوابط وشروط وقيود ومحددات للتعاقد لضمان انتفاء صفة الاحتلال من جانب، وضمان عدم الاستغناء عن المسؤولين الحاليين أو تغيير مناصبهم من جانب آخر.
وإذا كان بعضهم سيقول "إن أهل مكة أدرى بشعابها"، فإن الوضع الآن في ظل عولمة المعلومات والاتصالات قد اختلف وأصبح أهل "بره" أدرى بمصالح وشعاب أهل "مكة". وإذا كانوا قد استطاعوا أن يحققوا الديمقراطية ويتفقوا على أسس الحكم الصالح لشعوب طحنتها الثورات وبعد صراعات دامية بين حكام مستبدين وشعوب مقهورة، فإن الوضع عند الشعوب العربية مختلف تماماً لأنها مسالمة وفي حالها وتقبل بأي شيء خاصة إذا جاء من "الخواجات". والدليل على ذلك ما جاء في أهم أمثالهم الشعبية المتداولة بأن "زمار الحي لا يطرب أهله"، و"لا كرامة لنبي في وطنه"، و"المستورد مافيش أحسن منه".
وقبل أن يسارع أحد ويصدر أحكاماً مسبقة على فكرتنا هذه أو يصادرها، نود في البداية أن نتفق جميعاً على محتوى "عقد الإيجار" المزمع عرضه لمناقصة عالمية تدخل فيها الحكومات الديمقراطية الأجنبية التي ترغب في العمل ضمن برنامج "الإصلاح بالوكالة في الدول العربية"، وأول بنود هذا العقد هي المواصفات القياسية الواجب توافرها في الحكومة الأجنبية المزمع إيجارها، ومن أهم هذه المواصفات الآتي:
1- أن تكون شخصياتها ذات علاقات صداقة سابقة أو مستمرة مع النظام الحاكم.
2- ألا تكون سبق لها توجيه أي لوم أو اتهام لأي من أعضاء الحكومة الحالية حول أدائه أو سلوكه في الداخل أو الخارج، في أي وسيلة من وسائل التعبير بصورة علنية أو سرية.
3- ألا تكون لها أي علاقات مع عناصر معارضة أو مناهضة للحكم القائم.
4- ألا تكون لها أي مصالح استثمارية داخل الدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
5- أن تكون من المتعاطفين مع المسؤولين الحاليين وأصحاب المصالح في الدولة نفسها.
6- أن تكون ممن لهم تاريخ طويل لا يقل عن 10 سنوات من الوفاء والاعتراف بفضل النظام القائم في الدولة التي ستستأجرها.
7- أن تكون هذه الحكومات من الشخصيات المشهود لها باتساع الأفق، و"تفتيح المخ"، وتتحمل غضب المسؤولين وتدخلهم في مهام وظائفها.
8- أن تتمتع بقدر من الفكاهة للترويح عن المسؤولين الأصليين عند الحاجة، وعلى أهبة الاستعداد لتلبية ذلك في أي وقت.
9- أن تكون لها خبرة سابقة في إدارة شؤون الحكم أو على دراية بها.
10- أن تؤمن بأن منح الإنسان العربي حريته قد يدفعه إلى التهور وأن يطالب بحقوقه ويحاول فهم واجباته مما قد يضر بمصلحة البلاد.
11- أن تكون ذات مواصفات غربية من حيث الشكل واللون والملابس حتى تكون مقنعة كـ"خواجة" من حيث المظهر.
12- أن تلتزم بحرفية نص النصائح والتوجيهات التي يصدرها المسؤول المعين في المنصب.
13- ألا تكون ملمة باللغة العربية أو على دراية بها بل تعتمد على ما يقوله المترجم الذي يعينه لها المسؤول.
14- أن تفتقد إلى المنطق والعقلانية عند التعامل مع المشكلات المزمنة، حتى تحافظ على حيوية المجتمع.
15- أن تكون قادرة على تحمُّل جهل المسؤولين بمهام مناصبهم، بغض النظر عما يحملونه من شهادات، لأن الشهادة في حد ذاتها مسألة شكلية حصل عليها من أجل الوجاهة الاجتماعية فقط.
ويمكن إضافة بند استثنائي للعقد ينص على أن يملك النظام القائم القدرة على استثناء أي من المتقدمين من أحد أو كل الشروط السابقة إذا توافرت "النية المخلصة" فقط على الإصلاح بالوكالة.
أما ثاني بنود العقد فهي المهام والمسؤوليات التي يجب أن تلتزم بها ولا تتجاوزها الحكومة الأجنبية التي سيقع عليها الاختيار لتتحمل مسؤولية "الإصلاح بالوكالة"، وتتركز هذه المهام في الآتي:
1- إدارة شؤون الدولة من دون إزعاجٍ للمسؤولين الأساسيين.
2- الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه أن يعترض أو ينتقد أو يجأر بالشكوى من تدهور أوضاع المعيشة.
3- عدم إلغاء أي مراسيم أو قرارات أو تعليمات بالاستثناءات التي صدرت من قبل لأنها تمس مصالح شخصيات مهمة.
4- عدم قبول أي طعن في القوانين الصادرة من قبل، وعليها دائماً مراجعة المسؤول الأصلي لفهم خلفية القوانين والأسباب التي دعت لوجودها والظروف التي استجدت لاستمرارها.
5- تتقبل بصدر رحب وتشجيع كبير الوساطة وتعيين الأقارب في الوزارات والمناصب الحكومية لأنهم أحق بها من غيرهم لأن "العائلة" تُفعّل "حميمية الأداء" وتساعد أكثر على التفاهم.
6- عدم الكشف عن أي أخطاء قد تقع في أيديها بالصدفة، لأن المسؤولين معصومون من الخطأ.
7- القدرة على التعامل مع المشكلات الأزلية في البلاد من دون إزعاج المسؤولين.
8- لا تتدخل في أمور القبض العشوائي والاعتقال الجماعي لأنها لا تعرف من هم أعداء الوطن.
9- تغض الطرف عن مصادر الثروة الهائلة للمسؤولين، ولا تتساءل عن غناهم المفاجئ.
10- تتحمل أي لوم من الداخل أو الخارج حول عدم وجود إصلاح في البلاد، وتكون مستعدة في الأوقات جميعها لتقديم المبررات، والخطط المطورة للرد، على أن يجري تعديل هذه الخطط باستمرار حتى لا يعتقد أحد من المراقبين أن هناك تخاذلاً في عملية الإصلاح.
أما ثالث بنود العقد فهي المكافآت والمنح والمكاسب المادية والأدبية التي سيحصل عليها من سيتولى مسؤولية "الإصلاح بالوكالة"، وهذا هو أهم جزء في العقد الذي يطمع فيه من سيتقدم للوظيفة، ويشمل:
1- من الناحية الأدبية، الجاه والسلطان من ممارسة السلطة من جانب، والخبرة العملية من التعرف إلى مشكلات لم ير مثلها من قبل من جانب آخر.
2- من الناحية المادية، البذخ والإسراف الذي سيعيش فيه ليل نهار، والراتب والبدلات التي سيحصل عليها، وأسطول السيارات وجيش الخدم والسعاة الذين سيكونون في خدمته، فضلاً عن إمكانية قيامه بتعيين أقربائه وذويه في مناصب أخرى للمساعدة في إدارة أمور البلاد، أسوة بالسمة الغالبة في العمل.
3- من الناحية العملية، لن تبذل الحكومة المؤجرة "للإصلاح بالوكالة" جهداً كبيراً في توصيف المشكلات والأزمات المزمنة التي يعانيها المجتمع، لسبب بسيط هو أنها معروفة ومنشورة والكل ملمٌ بها، وسيقتصر جهدها فقط في إبداع خطط وأفكار لتغطية عملية عدم الإصلاح أو لتبرير الحاجة إلى وقت لتطبيقها على أرض الواقع.
ويبقى أخيراً أن نتعرف على أهم مزايا هذا الاقتراح حتى يكتمل مشروعنا، وأول هذه المزايا هو راحة المسؤولين من مطالب الرعية وشكواهم المستمرة، وفي الوقت نفسه تحمل "الإصلاح بالوكالة" لكل لوم خارجي بعدم الإصلاح، فضلاً عن تفرغ المسؤولين لمشروعاتهم الاستثمارية الخاصة من جانب، وضمان عدم تأثر مزايا منصبهم من جانب آخر. وفي النهاية لن يحدث أي إصلاح أو تغيير وهذا هو الهدف الذي تصارع من أجله الحكومات العربية.
http://www.wajhat.com/details.asp?id=12829...ournal=06/26/05