إبراهيم
بين شجوٍ وحنين
المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
|
هل لله علاقة بالتطور؟ عن كتاب للدكتور كوستي بندلي
الله و التطور
كوستي بندلي
مقدمة
من الشائع في عصرنا استخدام نظرية تطور الكون حجة ضد الإيمان بالله و الخلق. هذا هو موقف الإلحاد الماركسي مثلاً، فقد صرح ماركس بأن فكرة الخلق تلقت ضربة قاضية من اكتشاف التطور. و لكن إذا تبصرنا في الأمر نرى بالعكس أن نظرية التطور، فضلاً عن كونها لا تبطل الخلق، تستدعي و تدعم الإيمان بالله و بعمله في الكون. هذا ما سنحاول أن نبيّنه فيما يلي، مستعرضين أولاً مراحل التطور ثم متسائلين عن ماهية مقتضيات هذا الخط التطوري.
[3]
مراحل التطور
لقد أثبت العلم الحديث أن التطور لم يشمل الكائنات الحية فحسب إنما شمل الكون كله. فالكون الذي ننتمي إليه كون متطور و قد بدأ تطوره على مستوى الطبيعة الجامدة وأدى إلى ظهور الحياة التي تطورت بدورها حتى أبرزت ذلك الحيوان المفكر، الإنسان.
ففي البدء ( لأن النظريات العلمية الحديثة في علم الفلك و الفيزياء تميل بالعلماء إلى الاعتقاد بأن للكون بدءاً، على الأقل لكوننا الحالي)، منذ ما يقارب العشر مليارات أو الخمسة عشر ملياراً من السنين، كان الكون على الأرجح مكوَّنا من ذرات خفيفة من الهيدروجين و الهيليوم. ثم برزت ذرات أثقل من الأولى. ثم تجمعت الذرات لتكوّن جزئيات. و كان هذا السير من الذرات إلى الجزئيات سيراً نحو تركيب أكثر كثافة و تعقيدًا، فالذرة عالم صغير شبيه إلى حد ما بنظام شمسي تدور فيه الالكترونات حول النواة المركزية، و لكن الجزئية تجمع تلك العوالم الصغيرة لتشملها في بنية جديدة.
[5]
و منذ ثلاثة مليارات من السنين على وجه التقريب، بدأت تظهر بُنْيَات تفوق الجزئيات كثافة، و قد دعيت بالجزئيات الكبرى ( macromolécules ). من هذه الجزئيات فلنأخذ على سبيل المثال البروتيد ( Protides ). فإذا قابلنا جزئية من بياض البيض ( وهي جزئية كبرى من فصيلة البروتيد ) مع جزئية ماء ( و هي جزئية عادية ) وجدنا أن وزن الأولى يساوي 1916 مرة وزن الثانية ( 34.500 لقاء 18 ). و هناك جزئيات كبرى يفوق وزنها المليون1. و لكن هذا النمو الكمي يرافقه تركيب بديع في بنية الجزئية الكبرى: فجزئيات البروتيد مؤلفة كل منها من مئات أو آلاف أو عشرات آلاف من جزئيات أبسط من حموض تدعى الحموض الأمينية (acides aminés)، و هــذه الجزئيات بدورها ليست مصفوفة كيفما جرى ضمن جزئية البروتيد، إنما هي مرتبطة ارتباطاً محدداً يختلف باختلاف أنواع البروتيد.
و لكن ظهور الجزئيات الكبرى لم يكن سوى تمهيد للقفزة الكبرى التي تمت منذ ملياري عام على وجه التقريب فغيّرت وجه الكون، ألا و هي بروز الخلايا الحية الأولى. الخلية الحية رغم حجمها الميكروسكوبي عالم أكثر تعقيداً بما لا يقاس من الشمس و أضخم الكواكب، المؤلفة من مجرد تجمعات من الذرات الخفيفة. ذلك لأن الخلية الحية تجمع في تركيب متناسق، فضلا عن العديد من جزئيات البروتيد الضخمة، جزئيات ضخمة عديدة أخرى من الشحميات و السكريات و الفيتامينات و غيرها، كل ذلك في وحدة متماسكة، مُرَكَزة. و لكن الامر الجديد
_______________________
1. Remy Collin: L’Evolution, hypothèses et problèmes, Fayard 1961 p. 27
I.-Tavlitzki: Le code génétique, Paris 1964, cité par Claude Tresmontant: Comment se pose aujourd’hui le problème de l’existence de Dieu, Seuil 1966, p. 209.
[6]
بالكلية هو أن حركة التكثيف و التركيز التي رأيناها تدفع بالمادة قدماً من الذرة إلى الجزئية الضخمة، بلغت هنا درجة تمكنت المادة معها من اتمام قفزة هائلة جعلت من الخلية الحية كياناً يتمتع بميزات مختلفة بالكلية عن ميزات الجوامد و باستقلال ذاتي تجاه البيئة. تلك الميزات الجديدة بالكلية هي أن الخلية تحوّل إلى ذاتها المواد التي تستمدها من الخارج، و تنمو من الداخل، و تجدد باستمرار المواد التي تتألف منها مع محافظة على بنيتها، و تصلح ذاتها باستمرار المواد التي تتألف منها مع محافظة على بنيتها، و تصلح ذاتها إذا جُرحت و تحوّل ذاتها للتكيُّف مع البيئة، و تنتج كياناً جديدًا شبيها بها يحيا حياة مستقلة بعد انفصاله عنها. لقد شُبهت الخلية الحية بمختبرها كيماوي، و لكنها مختبر كيماوي يجدد و يصلح ذاته بدون انقطاع، مختبر يصنع ذاتها باستمرار و يوجد مختبرات على شاكلته. تلك هي قفزة الحياة الكبرى.
من ذلك العالم الصغير في حجمه، الهائل في تعقيده و تركيزه، عالم الخلية، انطلقت الحياة لترقى سلماً طويلة كان الإنسان قمتها. و قد كان هذا الارتقاء شبيهاً من حيث خطه بذاك الذي رأيناه في المادة الجامدة، أي أنه كان سيراً نحو تكثيف و تركيز متزايدين. فبعد الكائنات الحية الأولى ذات الخلية الواحدة ظهرت كائنات أخرى متعددة الخلايا، و كما كانت الخلية الواحدة تجمع عناصرها المختلفة، العديدة، في بنية منظمة، مركزة، هكذا جمعت الكائنات المتعددة الخلايا خلاياها في وحدة منسجمة تعمل فيها العناصر كلها لصالح الكل. و قد ازداد التعقيد أيضا عندما أخذت الخلايا في الكائن الواحد تتخصص فئات فئات في وظيفة معينة، فتكونت الأجهزة ( كالجهاز الدموي و الهضمي و التنفسي . . . ) التي بقيت، رغم اختلافها و تميزها المتزايدين، مرتبطة ارتباطاً متيناً أحدها بالآخر، عاملة معاً على انسجام لصالح المجموعة. و كان لابد، لربط تلك الوظائف ببعضها من جهة و بالعالم الخارجي من جهة أخرى، من بروز جهاز خاص هو جهاز التركيز و الوحدة،
[7]
فكان الجهاز العصبي الشبيه بآلة إلكترونية بديعة الاتقان. و قد سار هذا الجهاز هو أيضا في طريق التكثيف و التركيز متكاثرين، مما أدى إلى نمو الدماغ-مركز الجهاز العصبي- و إلى تزايد الارتباط بين خلاياه من جهة و بينها و بين أعضاء الجسم كله من جهة أخرى. نتج من هذا النمو العصبي استقلال متزايد عند الكائن الحي تجاه العالم الخارجي، فقد أصبح هذا الكائن يعي أكثر فأكثر البيئة المحيطة به و ازدادت سيطرته عليها تدريجياً. فظهرت أولا الغرائز التي تمكن الحيوان من تحويل بيئته و استغلالها بشكل بديع في اتقانه، و لكن هذه الغرائز عمياء و روتينية إلى حد بعيد. أما عند الحيوانات الأكثر تطوراً فقد ظهر، بالإضافة إليها، الذكاء الذي يقوّم الغريزة و يكمل نقصها و يعطي الحيوان إمكانية أكبر للسيطرة على بيئته. و قد ازداد هذا الذكاء حدة مع نمو الجهاز العصبي حتى بلغ أوجه في أعلى مراتب القردة، كالشامبانزي مثلا.
عملية نمو الدماغ، التي أصبحت المحور الأساسي للتطور، بلغت أوجها في الإنسان الذي يتألف دماغه من أربعة عشر ملياراً من الخلايا ( أربعة أضعاف عدد خلايا الشامبانزي تقريبا)1، مرتبطة بعضها ببعض على صورة شبكة إلكترونية هائلة التعقيد. هنا بلغت عملية التكثيف و التركيز، تلك العملية التي دعاها تيار دي شاردان complexification، و التي رأيناها فاعله منذ بدء التطور، لقد بلغت تلك العملية هنا أشدها، فأمّنت الشروط اللازمة لقفزة لا تقل أهمية عن القفزة التي أوجدت الحياة، ألا و هي قفزة الإنسان، وجود كائن هو مركز بكل معنى الكلمة، لأنه يدرك الأشياء و يدرك ذاته، يسبر أسرار الكون و يحوّله بعمل خلاق، كائن يدرك ذلك التطور الذي آل إليه و يتعهده و يتابعه بعقله و إرادته و حريته و حبه.
____________________
1. Dr. Paul Chauchard: Le Cerveau et la Conscience, Seuil 1960, p. 38.
يتبع
|
|
06-11-2005, 07:02 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
ساري في الروح
عضو متقدم
المشاركات: 495
الانضمام: Apr 2005
|
هل لله علاقة بالتطور؟ عن كتاب للدكتور كوستي بندلي
اقتباس: ziohausam كتب/كتبت
عن نفسي أعتقد أن التطور موجود ولكن رمزيا لا فعليا
سأضرب مثلا..
فلنفترض أني صنعت 10 تماثيل من الصلصال كل واحد منهم مشابه للمصنوع قبله إلى أن ينتهي الحال بأن الأخير غير مشابه للأول سوى في مادة الصلصال فقط.. وكل منهم مشابه للذي يليه في الصنع.
ليس معنى هذا أن أي منهم قد تم صنعه من الآخر..أو أن أي منهم تطور من الآخر.. هم جميعا مصنوعون.. ولكن ترابطهم الظاهري هو الذي ولد فكرة التطور..
من هذا المنطلق يمكنني أن أومن بنظرية التطور.. أما أن يكون التطور حدث ذاتيا.. فالله أعلم.. ولكني غير مقتنع بهذا.
من له منكم دراية ببرمجة الحاسب الآلي وخاصة البرمجة الحديثة object oriented programming فسيعلم أن أهم ميزاتها عو ال modularity.. أو تقسيم كود البرنامج في شكل blocks أو modules لاستخدامها في برامج أخرى.. أو نسخ أكثر تطورا من هذا البرنامج.. فمثلا.. حينما تصدر شركة مايكروسوف نسخة حديثة من الماسينجر.. فهي لا تتركه يتطور بذاته.. وفي نفس الوقت لا تصنعه من البداية.. ولكنها تستخدم كود سابق وتدخل عليه بعض التعديلات.. هذا التطور الذي يبتعد كل البعد عن المصادفة.. ويكسب مستخدم هذا الأسلوب مزيد من العبقرية قد يكون مقبولا أيضا.. ولكن في النهاية كمسلم أبتعد بهذا عن خلق الانسان .. وأرى أن الانسان تم خلقه خلقا خاصا.. بعيدا عن أي Modules سابقة له... وخاصة أن الله تعالى إذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون.. والله أعلم في النهاية
أولا أحيي الزميل تيموثي الذي أوافقه الرأي تماماً
أنا مبرمج في لغة C++ و بالتالي عندي خبرة قوية جداً في البرمجة الكائنية المنحى، هنالك في البرمجة الكائنية المنحى تطور و وراثة و لكنها تختلف عن الطبيعة في أمرين أساسيين:
أولاً - لا يموت الكائن ( أو الفئة Class )، و يبقى استعمالها وارداً إلى جانب استعمال الفئة الجديدة.
ثانياً - الفئات لا تتوالد تلقائياً
و لهذا لا يمكن قياس التطور عليها لأن قاعدة التطور هي الاصطفاء الطبيعي و هذا الاصطفاء الطبيعي له شرط موت الكائن الأقل ملائمة للبيئة.
هذا لا يمنع أنه في عالم الحاسوب هنالك بعض التطبيقات المشابهة لتطور الحياة و أكبر مثال شهير عليها هي اللعبة الحاسوبية القديمة Life ( ليس عندي رابط خاص بها لكني أعتقد أنه من الممكن العثور على معلومات حولها عن طريق محركات البحث )
أما عن وجود دليل على التطور فهو موجود و معروف، و هو ظهور بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية و كذلك ظهور حشرات مقاومة للمبيدات الحشرية ، حيث تتطور البكتيريا و الحشرات أسرع كثيراً من تطور الحيوانات الأخرى لأن الحشرات تتوالد و تموت بسرعة و البكتيريا أسرع منها بكثير، بينما في الحيوانت الأخرى يستغرق ظهور تظور ملحوظ عشرات آلاف السنين.
ثم ببساطة ماذا عن تطور الجنس البشري إلى أنواع مختلفة عرقياً تبعاً لتغير المناخ؟ فالأشقر في أوروبا و الأسود في أفريقيا؟ ... الخ
و لماذا لا ننظر إلى جسدنا، ما فائدة الحلمتين عند الرجل؟ و لماذا هنالك خمس أصابع في القدمين؟ السبب أنه كان لها في دور في مرحلة سابقة من مراحل التطور.
أعتقد أن الإيمان المسيحي ( الأرثوذكسي على الأقل ) لا يتعارض مع العلم في هذه الناحية، إذ إنه حتى لو كان لآدم ( أول البشر المختلفين جوهرياً عن الحيوان ) أب بشري فهذا لا ينفي أنه ابن الله كما يقول متى في انجيله، لأن الإنسان بخلاف الحيوانت قد نفخ الله فيه من روحه، و حسب المفهوم الأرثوذكسي الروح في الإنسان هي الأساس، أي أن الإنسان هو عبارة عن روح يلازمها جسد.
|
|
06-23-2005, 11:03 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}