{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
شرور الديمقراطية أفضل من "خيرات!!" الاستبداد
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
شرور الديمقراطية أفضل من "خيرات!!" الاستبداد
قـوة الـدولة من قوة مواطنيهـا




يعيش أفراد مجتمعاتنا العربية والإسلامية في العصر الراهن تحت ظل ضغط وهيمنة مناخ عام قسري من اليأس والقهر والإحباط وعدم الرضا عن واقع الحال القائم في بلدانهم وعلى كل المستويات والأصعدة.. ويمكن وصف الواقع المزري الذي يرزح تحته العرب والمسلمون حالياً بأنه من أسوأ ما وصل إليه هؤلاء في تاريخهم القديم والحديث، حيث نجد –من جهة- الانهيارات السياسية والأيديولوجية الفاضحة التي أصابت كثيراً من الأفكار والنظم والمشاريع المتعددة التي دفعت شعوب المنطقة في سبيلها كثيراً من الدماء والدموع.. ومن جهة أخرى هناك الطفرات المعرفية والعلمية التي لا تزال تشهدها مسيرة الإنسان في الحياة والتي أسفرت عن انبثاق رؤى وأفكار وعلوم وقراءات جديدة للحداثة والحرية والعقلانية لا يزال إنساننا العربي بعيداً جداً عن اللحاق بها، فضلاً عن المشاركة في صنعها وإبداعها.. وهذا كله أدخل مجتمعاتنا في خطاب أزمة حقيقي، ومناخ بؤس ويأس من كل ما هو قائم وموجود بين يديه.. ويتجلى هذا المناخ اليائس –أكثر ما يتجلى- من خلال المظاهر التالية:
1-استنكاف الناس عن المشاركة النوعية الفاعلة في العمل العمومي الاجتماعي والسياسي في داخل أوطانهم، واكتفائهم بالكدح المستمر في طريق تحصيل معاشهم اليومي ولقمة خبزهم المكلفة: "اللهم أعطنا خبزنا كفاف يومنا". وهذا ما نراه واضحاً في النسب المتدنية جداً لحجم المشاركين في الانتخابات (البلدية أو البرلمانية أو الرئاسية) التي تجري هنا وهناك من عالمنا العربي الكبير..
ولا شك بأن السبب الكامن وراء استنكاف الناس عندنا عن ممارسة دورهم في صنع قوة الدولة يعود –بالدرجة الأولى- إلى انعدام فكر ووسائل وآليات المشاركة السياسية الحقيقية لأفراد مجتمعاتنا.. فنحن لا نجد أمامنا –في طول وعرض عالمنا العربي والإسلامي- سوى حكومات وحكام ونظم سياسية شمولية فاسدة ومستبدة وغير شرعية –بأي معنى من المعاني- تستغل وجود مناخ ثقافي واجتماعي تقليدي متخلف، لتحكم بقوة الحديد والنار، وتفرض نفسها على الناس من خلال اللعب على التناقضات والتوترات المحلية والإقليمية (التي غالباً ما تحدث على حساب دماء الأبرياء والمستضعفين من أبناء شعوبنا العربية والإسلامية)، ونزوعها الدائم لتجعل من نفسها رهينةً للقوى الكبرى في العالم، وورقةً رابحة بيدها يمكن استخدامها لضبط أوضاع ومواقع وأدوار متعددة مقابل بقائها على رأس السلطة.. وكل ذلك يجري تحت مرأى ومسمع شعوب المنطقة، وعلى حساب أمن وخبز معيشة وازدهار وتقدم مواطنيها.
2-فقدان الناس لمعنى الوطنية والانتماء الوطني والإنساني، وكفرها بأي مشاعر وطنية وقومية.. لأن السلطات والنخب الحاكمة رسمت للوطنية لوحة واحدة، وأعطت مفهوم الوطن بعداً واحداً وتعريفاًِ محدداً ينطبق على مقاسها، وينطلق من خلال اعتبار معيار الولاء الأعمى للشخص والحزب والعشيرة والقبيلة هو القيمة والميزان الذي توزن به الأمور، وتقيّم من خلاله درجة الوطنية والانتماء للوطن لدى كل فرد.
3-تفجر الصراعات السياسية والاجتماعية الدموية على امتداد مساحة عالمنا العربي.. بحيث أنه لا يخلو مجتمع من مجتمعاتنا من وجود حركات إرهابية تتبنى العنف والدم لغة وحيدة للتعامل مع محيطها الخارجي.. وهذه حالة تعبر –في ظني- عن وجود أزمة بنيوية عميقة الجذور في العقل والسلوك والنفس منه، تدفع بالإنسان عندنا إلى تبني حلول وخيارات قد تجعله في حالة من فقدان الوزن والتوازن بحيث لا يدري في النهاية من هو أو ماذا يريد في أحسن الأحوال، أو قد ينجرف نتيجة هذا الضياع نحو تدمير غير مفرق، كحل انتحاري أخير-نفسي أو بدني- لأزمته التي لا يجد له منها في النهاية مخرجاً.
وأما الاستقرار الذي قد يتحدث عنه بعض المراقبين والمحللين والسياسيين –من عرب الشاشات الذين نسمعهم يتحدثون كثيراً هذه الأيام في فضائياتنا العربية التي تذكرنا كثيراً بالإعلامي الموهوب أحمد سعيد زمن حرب 1967 الذي كان يزعق في الإذاعة ممجداً انتصاراتنا العظيمة في الوقت الذي كانت طائرات إسرائيل تدك مواقعنا العروبية وتحتل أراضينا هنا وهناك- أقول: إن هذا الاستقرار لا يعدو أن يكون أكثر من استقرار حرج مبني على قوة العصا والعسف لا قوة القانون والدولة والمؤسسات الرقابية والقضائية.. إنه نار تحت الرماد تنتظر لحظة التحول إلى حريق كبير.
وأما الإصلاح الذي أصموا آذاننا به فهو لم يحصل، ويبدو أنه لن يحصل خصوصاً بعد أن أدخله مهندسوه وصانعوه في دوائر اللغة والألفاظ.. عسى أن تسعفهم أبجدية العرب بحروف جديدة قد تكون عنواناً لمعارك فكرية دعائية وإنشائية جديدة تمتد عدة سنوات أخرى قبل أن يستقر الحال على لفظ آخر جديد.
وأما الإنسان عندنا -وبخاصة الإنسان العربي المسلم- فهو يتحرك ويمارس نشاطه الحياتي الخاص والعام في عالم مختلف كلياً عن ذاك العالم الذي ورثه عن أجداده، وسلم به، وآمن بمنطلقاته ونظراته الخاصة والعامة.. إنه عالم جديد غير ذلك العالم الذي كان –وربما لا زال- يُعلم له في الكثير من المدارس ومؤسسات التنشئة على انه عالم المسلم الحقيقي، بل وعالم المثال بالنسبة للبعض، مع التركيز على مرحلة من ذلك العالم دون أخرى، أو اختزال مرحلة وتنقيتها من الشوائب العالقة على أنها هي الفردوس أو الجنة المفقودة التي تجب إعادة بعثها أو إحيائها من جديد.
وبعد أن يتشرب الفرد المسلم تلك البديهيات الأولى في بيئته الخاصة (منزل=وصاية الأهل وقيمومتهم إلى حد إلغاء شخصية الطفل، المدرسة=التعليم التلقيني التعبوي والتحشيدي الأيديولوجي، الجامعة=التلقين العالي النظري، وضعف الكادر والإمكانات) يخرج إلى العالم الخارجي الواقعي والحقيقي -الذي ينبغي عليه أن يمشي فيه، ويعيش بين جنباته، ويتعامل مع الآخرين من خلال ذلك- فماذا يجد؟! وعلى أي أساس سيتحرك؟! إنه يجد فيه كل ما يتناقض مع كل ما سبق أن رُبّي عليه من مبادئ الهوية العربية والإسلامية الصافية، وأسس الذات والذاتية النقية.. ثم تكون النتيجة الخطيرة في عدم انسجام هذا الفرد مع محيطه الخارجي المختلف عن محيطه الذاتي الخاص، وعدم ثقته فيه، ومن بعد ذلك يكون ضياعه وتشتته وتحوله إلى فرد عقيم، وعديم الفاعلية والقدرة على العمل والإنتاج والمبادرة الذاتية الحضارية.
ويتمظهر هذا الضياع للفرد عندنا أيضاً من خلال محاولته ابتداع عالم أيديولوجي (إسلامي أو غير إسلامي) صغير منغلق خاص به وبالمؤمنين بأفكار الجماعة من حوله، وصناعة جنة أرضية مصغرة في عصر منكشف وسافر ومنفتح، لا مكان فيه للأسرار والخصوصيات والذاتيات.
إنها محاولة فاشلة للخلوص الفردي إلى حيث جنة لا صراع فيها ولا معاناة أو ألم، كما يعبر عن ذلك سلوك أقلية وصل لديها التوتر أقصاه، وفي ذلك راحة للنفس المأزومة والذات المتشظية.
والذي يبدو لنا أن أسباباً عدة يمكن أن تفسر هذا الانشطار والتشظي البائن والخطير في الذات المسلمة اليوم، منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو نفسي، وكل هذه الأمور متداخلة بحيث لا يمكن معرفة أين تبدأ الحلقة وأين تنهي.
ولكن جزءاً من أسباب هذه الأزمة، ولا نقول كل الأسباب، يعود إلى جذور معرفية وثقافية، قبل أن يكون ذلك في طبيعة الحياة والمجتمع الخارجية.
إننا نعتقد أن السبب والعلة الحقيقية -الكامنة وراء هذا التفسخ السياسي والتاريخي العربي والإسلامي الحالي- يرجع إلى تجذُّر عقلية القبيلة والعشيرة في واقعنا وسيطرة نخبها على المفاصل القيادية العليا، واستحواذهم على مواقع العمل والإنتاج في المجتمع.
لقد عملت هذه النخبة السياسية القبلية على زرع الفتنة والفوضى والاضطراب في بنية المجتمع من خلال سياساتها التي أدت إلى :
1-إحداث قطيعة شبه كاملة بين الدولة والمجتمع، الأمر الذي حول الدولة العربية إلى دولة خاصة بالنخبة السياسية الحاكمة. ولم تتمكن الدولة من التحول إلى دولة مواطنيها الأحرار الشرفاء.
إنها دولة منفصلة كلياً عن الأمة بل هي ضد الأمة. والدليل على ذلك الانتشار الواسع والكثيف لمواقع ومظاهر الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي في أروقة مؤسسات مجتمعاتنا العربية الحديثة نتيجة انسداد الأفاق، ونفاذ الطاقات، وتعاظم المشاكل، واشتداد التوترات، واستعار الانتفاضات، وضعف إمكانيات التقدم والتراكم، الأمر الذي أدى إلى استمرار وبقاء الأزمة، وتنامي آلية العنف والعنف المضاد التي تقوم -إذا ما تتبعنا منابعها الحقيقية- في انسداد النظام السياسي القائم، ورفض النخب الحاكمة المسيطرة التخلي عن أي جزء من السلطة المطلقة التي يتمتعون بها، والاعتراف بأن السلطة ليست حكراً أبدياً على فئة أو طبقة أو نخبة ، وليست ملكية خاصة.
2-عجز الدولة العربية القائمة حالياً –والتي هي امتداد لدولة الأمس في اليوم- عن إقامة علاقات قانونية متوازنة بالنسبة للشعب المدني المهمش والموجود خارج دائرة السلطة أو الحكم، باعتبارها دولة قهرية غير قانونية في كل مواقعها حيال أكثرية مواطنيها.
وقد قاد هذا النزوع السلطوي المجنون للنخبة الحاكمة في استمراريتها على رأس الحكم وتحكمها بمفاصل القرار، إلى تزايد الرغبة الشعبية في تدمير النظام القائم بعد أن يتلاشى أو يموت كلياً الأمل في إصلاحه، أو العمل على إيجاد حلول ناجعة (لأزماته) من داخله. كل ذلك كان نتيجة تفاقم حالة الاستبعاد والتهميش والإقصاء المنظم لمختلف قطاعات الشعب، وانعدام الوزن للعديد من الفئات والشرائح الاجتماعية الشعبية وغير الشعبية.
3-مزيد من الانكسارات، والهزائم السياسية والاقتصادية [التخبط السياسي العام والخاص، وعقم الممارسة السياسية العملية، وسوء استخدام العمل الإداري اليومي (الفساد الإداري)، وبناء حداثة ديكتاتورية غير عقلانية مستهلكة، وغير قادرة على النمو أو الإنتاج].
4-نزع السياسة من المجتمع باعتبارها فاعلية اجتماعية ومجتمعية حرة، ومجالاً عمومياً للمجتمع، وهي أحد أرقى الأشكال التنظيمية لوحدة المجتمع، الأمر الذي أدى إلى تغييب قسري كامل لدور الأمة، والجماهير الواسعة في عملية تداول السلطة، وممارسة السياسة، والتعبير عن الرأي (انعدام الحريات العامة).
5-تحميل الشعب كامل المسؤولية عن أي فشل سياسي وتنموي حدث، أو قد يحدث، في المجتمع بالرغم من تقييده وتغييبه عن ساحة القرار أساساً.
6-ضمان أمن النخب السياسية بأي أسلوب كان، والحفاظ على استقرارها وثباتها في مراكزها ومناصبها العليا، حيث تعمد هذه النخب -لكي تضمن بقاءها واستمرار نموذجها السلبي التسلطي- إلى شن حروب أهلية كامنة، بل وحروب أهلية صريحة، ضد مواطنيها(كما هو الحال في العديد من البلدان العربية والإسلامية) بواسطة أجهزة العنف المختلفة وما أكثرها (العسكر، الشرطة، أجهزة المخابرات، الحزب الحاكم المهيمن بأجهزته الإكراهية المادية والنفسية، النقابات، قصر الرئاسة)، حيث تمتلك كل منها أجهزتها الأمنية، وصلاحياتها الواسعة الخاصة بها، وتمارس المراقبة الدائمة من دون أن تخضع لأي رقابة، أو محاسبة، أو مساءلة حكومية، أو سياسية بأي شكل من الأشكال.
7-مواجهة أي تغيير سياسي أو ثقافي يمكن أن يفكر فيه أبناء الأمة ونخبتها المفكرة، لأن المترفين (وهم الطبقة المالية، والعسكرية، والأمنية المهيمنة على واقع المجتمع والناس سياسياً واجتماعياً واقتصادياً) لا يرغبون مطلقاً بتغيير الواقع من حولهم في أي جانب من الجوانب.. لأن مبدأ التغيير السياسي والفكري إذا اخترق بنية المجتمع الظالم فإنه سوف يؤدي إلى تدمير ونسف كثير من البنى والأسس التي يرتكز عليها هؤلاء في فَرْض هيمنتهم وتسلطهم واستبدادهم، وتحكمهم بالبلاد والعباد.
لذلك نجد أن الطبقات السياسية المسيطرة والحاكمة حالياً ,في مجتمعاتنا، تعمل على تجميد وشل حركة هذا المجتمع، وترفض أن ينفذ التغيير إلى داخله. لأنهم يشعرون أنه إذا ما اهتزت بعض القواعد في المجتمع -على مستوى القيم أو الفكر- فربما تقوم هناك ثورة تنسف كل القواعد التي يرتكزون عليها في تضليل الناس، وتزييف وعيهم، وإبعادهم -طوعاً أو كرهاً- عن ضرورة التغيير الجذري في المجتمع، وبالتالي إبقاء هذا المجتمع رهينة للسكون والجمود والتخلف الدائم حفاظاً على مصالحهم ومنافعهم المادية الخاصة.
من هنا وعندما تفشل الدولة –كما هو حال دولنا العربية الجملكية كلها- في كسب ثقة أفرادها ومواطنيها، ومد جسور التعاون معهم، والعمل المستمر على تحقيق مصالحهم وطموحاتهم وتطلعاتهم من خلال اعتماد سياسات عملية تقوم –كما سنبين لاحقاً- على التعددية والحرية والديمقراطية تعبر عن آمالهم، وعن تطلعاتهم في العيش الحر الكريم في مسكن ومأكل وملبس صحي، ورفاهية مناسبة، ويحفزهم للمشاركة الشاملة في عملية التنمية الفردية والجماعية.. أقول: إن عدم تحقيق كل تلك الآمال التي تتناقض مع مصالح النخبة السياسية الحاكمة العاملة على أهداف ذاتية معاكسة تماماً لأهداف الجماهير سيحول الدولة -عندما تعمل على ترسيخ شعاراتها ووجودها المصلحي الهش والفارغ- إلى مجموعة إقطاعات ومافيات حقيقية لها أفرادها وأزلامها الدائرين في فلكها، وعندئذ تطفو على السطح ظاهرة جديدة هي ظاهرة التشبيح السياسي والاجتماعي التي لها دعائمها ورموزها الذين يعملون على تحويل الدولة إلى مجموعة مزارع واستثمارات ربحية نفعية خاصة.
ولكن الظروف والمستجدات والتحولات الدولية العميقة القائمة حالياً (وهي تحولات تتحرك في غير تلك الجهة) –والتي تتمحور حول ضرورة إرساء قيم ومعايير الديمقراطية[1]، ومبادئ حقوق الإنسان، وحرية التعبير عن الرأي، والمشاركة الفاعلة لكل الناس في صنع وبناء قوة الدولة كمعيار أساسي من معايير السير في الطريق التي ترسمها وتخطها تحولات هذا العصر، وكعلامة فارقة من علاماته- لن تنتظر الشعوب المتخلفة والنظم السياسية المستبدة والمترهلة، لأنها (أي تلك التحولات) أصبحت أموراً لا غنى عنها لأي إنسان ومجتمع، وباتت اختياراً لا مفر منه لكل شعب أو أمة متخلفة تتطلع للنهوض والتطور والتقدم والازدهار، وبناء دولة حديثة تقوم على:
فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
الرقابة الفردية والمؤسساتية الدائمة على مواقع عمل السلطة الدولة عبر هيئات ومنظمات المجتمع المدني المختلفة والمتعددة (إعلام حر، صحافة حرة، جمعيات، نقابات، إتحادات منفصلة عن جسم الدولة وغير مرتبطة معها بحركة المصلحة والمنفعة إلا بمقدار ما يحقق مصلحة المجتمع ككل).
خضوع سلطة الدولة نفسها –بهياكلها ومؤسساتها وعناصرها المختلفة- للقوانين والأنظمة التي تسنها السلطة التشريعية.
وأما ما نسمعه من أقاويل ورؤى صادرة عن بعض المثقفين والمسؤولين العرب –والتي تكتفي بالنظر إلى المشكلة القائمة من زاوية الاقتصاد فقط، وتغض الطرف عن الناحية السياسية- فإنها لا تعدو أن تكون أكثر من محاولة فاشلة للهروب (مع المشاكل والأزمات المقيمة راهناً) إلى الأمام، وتأجيل البت والبحث في المسألة الجوهرية الحقيقية وهي المسألة السياسية التي تشكل حجر الأساس لأي رؤية تغييرية أو إصلاحية يراد حصد نتائج إيجابية لها خلال زمن قصير.
فأي مشروع للإصلاح والتطوير والتحديث في عالمنا العربي والإسلامي مرتبط أشد الارتباط بالقيام بإصلاحات سياسية جوهرية وفورية شاملة، تنطلق أساساً –وقبل كل شيء- من قاعدة إلغاء كل القيود والمعيقات الاستثنائية الموضوعة أمام الحريات الديمقراطية، وإعادة السياسة إلى حضن المجتمع من خلال جعل المواطن-الإنسان رافعة التغيير وهدفه النهائي والمستفيد منه.
إننا ندرك تماماً أهمية إصلاح وتحديث البنى الاقتصادية لبلداننا –خصوصاً وأننا دخلنا مرغمين في زمن العولمة الذي يفرض علينا خيارات محددة مثل: اقتصاد السوق، تحرير الأسعار، الخصخصة، إعادة الهيكلة، وحرية التجارة، وو..الخ، حيث أنها يمكن أن تثير أمامنا مشاكل وأزمات حقيقية تطال آليات عمل السوق القائمة حالياً والمتوارثة منذ عقود، وقطاعات اجتماعية واسعة مهددة بالبطالة وزيادة التهميش- كل هذا صحيح ولكننا –مهما كنا جديين وأصحاب إرادة ومصلحة في اتخاذ إصلاحات اقتصادية- لن نحقق شيئاً يذكر في هذا الطريق إذا لم نأخذ بالحسبان قاعدة تطور المجتمعات.. وهي "تحقق كرامة وحرية الإنسان" في النقد والرقابة والمحاسبة والإشراف الدائم على عمل النظم والحكومات.. أي أن تتجسد الرقابة الممأسسة التي تمكن من وضع الإنسان المناسب –بقدراته وطاقاته وإمكاناته العلمية، وليس بحجم موالاته وطاعته العمياء- في المكان المناسب. وهذا هو أهم شرط لتحقيق الإصلاح والتقدم الاقتصادي. وهو لا يجد طريقه للتجسد الواقعي والحقيقي إلا في ظل المناخ السياسي الديمقراطي الذي يوفر الأطر ويفتح الإمكانات المناسبة لقيام مؤسسات وهيئات المجتمع المدني بعملها ووظيفتها التنويرية والرقابية على كامل الجهاز الحكومي والسلطوي بالاستناد للدستور والقوانين ذات الصلة، وبما يضمن إجرائية التحقق وهدفية العمل، وفعالية الأداء والإنتاج.
إن عودة الروح والفاعلية العملية إلى المجتمع المدني –وضمان استقلال مؤسساته عن سلطات الدولة- هو الذي يجعل مجتمعاتنا تسترد حراكها السياسي والاجتماعي والثقافي، ويعيد الناس من جديد إلى قلب الفعل والإثمار الحضاري بما يخدم بناء الدولة الوطنية الحديثة البعيدة عن الشعارات المزيفة والزائفة.
والدولة التي لا تستمد شرعيتها من قوة مجتمعها المدني والأهلي -المتولد من مفاهيم السياسة المدنية والعقد الاجتماعي- ستكون حتماً هشة ومضعضعة ومفككة، وغير قادرة على مواجهة أدنى التحديات والأخطار الخارجية، ولنا في المثل العراقي أفضل دليل على ذلك.
والمناخ السابق يختلف عن المناخ السائد حالياً في عالمنا العربي وهو مناخ سلطة الاستبداد التي لا تزال تفعل فعلها في اجتياح مجتمعاتها ومصادرة حريات الناس، بحيث لم يعد هناك أي مجال إلا للحديث عن دولة عصابات ومافيات تحديثية!! عربية.. وفي هكذا "مجتمع شعبوي مركزي شمولي" يتم إحلال سلطة أجهزة الأمن محل سلطة القانون. ويتم تعميم قيم الفساد والإفساد والوشاية والمخبرين، ويصير الأدنى يشي بالأعلى، والأقل كفاءة يشي بالأكفأ، والمختلس يشي بالنزيه والمستقيم، والجاهل بالعالم، والأقل علماً بالأعلم، وغير المؤهل بالمؤهل، وعديم الضمير يشي بصاحب الضمير..الخ. والنتيجة لذلك هي –كما ذكرنا- ما نراه اليوم من انهيار أسس الحياة العمومية السياسية والمدنية، واحتلال التنازع والتناحر والصراع العنيف والدموي على السلطة محل الاجتهاد المادي والفكري لإنتاج ومراكمة الابتكارات والإبداعات الحضارية[2]. وهذا كله لا يجتمع إطلاقاً مع التحديات المصيرية التي يواجهها العرب والمسلمون في تاريخهم الحديث (وهي في تصوري تحديات داخلية تتمظهر في انعدام شروط الحياة الصحيحة لمجتمعاتنا).. وهي تحديات تتطلب بناء إنسان عربي حر ومعافى وخالٍ كلياً من الأمراض والعقد النفسية والعملية، ومن أبرزها مرض الاستبداد والخوف والكبت والجوع للحرية والتنفس في الهواء الطلق عبر بناء سياسات وحريات ديمقراطية، واقتصادات وطنية قوية حديثة مناسبة لاقتصادت العصر، توفر للإنسان إمكانية العيش الكريم تحت ظل دولة العدل والقانون والمؤسسات. وفي هكذا مناخ سليم يمكن للمواطن عندنا أن يبذل ويضحي دفاعاً عن كرامة وطنه وأمته.
إذن لا بديل عن بناء النظام الديمقراطي التعددي باعتباره نظاماً سياسياً مؤسساتياً يعمل الناس فيه على إدارة شؤونهم واختلافاتهم -وتعددية المجتمع المدني الذي يعايشونه، وإدارة قوى وفئات هذا التعدد- بواسطة مؤسسات متعاقد عليها.. بحيث تكون الحرية فيه هي القيمة الأساسية والنهائية بغرض تحقيق سيادة حقيقية للشعوب التي تحكم نفسها من خلال التعددية السياسية التي تقود إلى تغيير واستبدال الحكومات، وتقوم على احترام كل الحقوق المرتبطة بالفكر والرأي وحرية الضمير والمعتقد لكل الأشخاص.
إن النظام الديمقراطي هو القادر[3] على ضبط إيقاع حركة التنظيمات والقوى السياسية المختلفة والمتعددة الرؤى والاتجاهات بما يحافظ على تطور المجتمع، ويقلل من حجم واحتمالات إصابته بالأمراض المستعصية، ويفسح في المجال لأبناء المجتمع كي يحققوا ذواتهم ويصنعوا خياراتهم الحقيقية.
والتقدم باتجاه تحقيق هذا النظام لا بد وأن يؤسس له جيداً –خصوصاً في مجتمعاتنا التي أنهكها الاستبداد، وهدّها القهر والحرمان المفروض عليها منذ قرون طويلة- وذلك من خلال وضع ضمانات فعالة في مجالات حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والعمل على تجسيد حي ومكفول للقيم التالية: احترام التنوع والتعدد-التبادل الحر للأفكار والمعارف-الحل السلمي للخلافات-إصلاح أجهزة الدولة-الحكم الرشيد والعادل-حرية التعبير-المساواة بين الرجل والمرأة-الحصول على تقنيات العلم والمعلومات الحديثة-خلق الوظائف-توسيع الفرص وتكافؤها-توسيع الاستثمار-الحصول على رؤوس أموال-تشجيع مشاريع الإصلاح المالي والضريبي-ضمان حقوق الملكية الفردية-الشفافية-محاربة الفساد والإفساد.
إنني أعتقد أنه إذا كان هناك ثمة أمل بتحقيق الأهداف والتطلعات الكبرى السابقة من خلال صياغة مشروع جاد ومسؤول للولوج في مشروع الحرية والديمقراطية -بتحليلاتها وتجلياتها وعناوينها الشورية (التعددية) الإسلامية- فلابد من بذل الجهد العالي في التفكير في كيفية استنبات الديمقراطية في أرضنا بكل ما يعنيه مفهوم الاستنبات من شروط وتهيئة البذور وتربة صالحة، وري ومناخ موات ومنشطات. أي أن ذلك يحتاج إلى اعتماد طريق الحوار العقلاني في بلادنا غير المستقرة، سياسياً واجتماعياً، وحَلِّ الخلافات بروح التفاهم والتعاون والجدال "بالتي هي أحسن" حول مختلف القضايا والإشكاليات المتصلة بآليات تنفيذ و تطبيق التعددية في مجالنا السياسي والاجتماعي العربي والإسلامي، ودراسة الشروط والخصائص التاريخية الخاصة بتطبيق نظام التعددية في بلداننا، وإيمان جميع الأطراف والقوى بضرورتها، وقبولهم لنتائجها.
[1] عندما نتحدث عن الديمقراطية بهذا الشكل فإننا لا نصورها كحل سحري سيحقق لنا كل طموحاتنا بين يوم وليلة، ولكننا أردنا أن نؤكد على أنها الطريق الأصوب على مستوى تنظيم اختلافات وتعارضات مجتمعاتنا، والأقدر على التعاطي المجدي والفعال مع التحديات والمستجدات المحيطة بنا في داخل اجتماعنا الديني والسياسي. ومن هنا لم تعد الحاجة الماسة للبدء الجدي بتطبيق العملية الديمقراطية –من دون سوابق ولواحق- في مجتمعاتنا مجرد ترف أو مجرد مطلب معين ترفعه هذه الفئة أو تلك، بل إنها تمثل دعوة مسؤولة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن الاستراتيجية التي يجد فيها الجميع استقراراً حقيقياً لأوضاعنا وضماناً عملياً مؤكداً لولوج أمتنا على طريق التقدم.
[2] وهذا ما يتضح أكثر من خلال أن تأخر مجتمعاتنا وتقهقرها نحو الوراء –قياساً بأدنى معدلات التنمية البشرية- يكون مرتبطاً في الأغلب مع نشوء طبقة ارستقراطية جديدة (ملبرلة) تفرض نفسها على الناس بقوة القمع، وتعتاش على ريع المكانة والمنصب والأسبقية الاجتماعية. [3] لأن الديمقراطية نوع من التنسيق والترتيب المؤسساتي -إذا جاز التعبير- لأجهزة الدولة للوصول إلى القرارات السياسية العامة التي تحدد مصلحة الأمة والشعب من خلال تمكين الناس من اتخاذ القرارات المصيرية عبر الانتخاب والحكم. وتبعاً لذلك ينتج عن الديمقراطية مجموعة من المعايير والقيم من أبرزها:
1-المشاركة العامة في اتخاذ القرار وضمان حرية الأفراد.
2-مسؤولية الفرد عن أفعاله.
3- تحقيق العدالة والمساواة بين الناس.
4-العناية الفائقة بحقوق الإنسان.


نبيل علي صالح : كاتب وباحث سوري

05-08-2005, 07:45 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #2
شرور الديمقراطية أفضل من "خيرات!!" الاستبداد
نعم هذا صحيح تماما

لكن لكى يثبت هؤلاء المثقفين ديمقراطيتهم وقبولهم بمبدا ان شرور الديمقراطية أفضل من "خيرات!!" الاستبداد... عليهم مسبقا ان يعلنوا وبدون تحفظ قبولهم لمبدا مشاركة التيارات الاسلامية وامكانية فوزها فى الانتخابات الديمقراطية.............ان لم يقبلوا ذلك فهم غير ديمقراطين ومجرد فارغين وكل ما يقوموا به هو ترجمات اكاديمية من كتب تعليمية للمبتدئين ليس لها علاقة بالواقع العربى المعاش
05-08-2005, 11:45 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  لماذا الديمقراطية أولاً ؟ فارس اللواء 0 426 03-24-2014, 12:16 AM
آخر رد: فارس اللواء
  عناوين مثقلة بالمعان الانسانية تستخدم اليوم ضد الانسانية مثل الديمقراطية والحرية وحقو نوئيل عيسى 0 482 10-05-2013, 10:30 PM
آخر رد: نوئيل عيسى
  خواطر في زمن الاستبداد فارس اللواء 182 8,475 08-01-2013, 07:32 PM
آخر رد: فارس اللواء
  الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي الكندي 11 2,195 05-26-2012, 03:10 AM
آخر رد: الكندي
  إضحك على مهزلة التطبيق العملي ل الديمقراطية في العالم مؤمن مصلح 3 1,145 04-23-2012, 08:22 AM
آخر رد: مؤمن مصلح

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS