متابعات:
أعلن في الاردن رسمياً عن تقرير التنمية البشرية العربي الثالث الذي يحمل عنوان «نحو الحرية في العالم العربي».
وفيما ركز تقريرا العامين الماضيين على موضوعي التنمية البشرية في العالم العربي والمعرفة وفجوة المعلومات، يركز تقرير هذا العام على العلاقة بين التنمية البشرية من ناحية، وبين الحرية بمعناها الواسع التي تتجاوز الحرية السياسية الى حريات الرأي والتعبير والبحث العلمي والوصول الى المعلومات. ويحذر التقرير من ان معوقات الحرية في المنطقة يحول في الحقيقة دون المضي قدما في تعهدات التنمية التي تقطعها الحكومات العربية على نفسها.
وابرز ما تضمنه تقرير هذا العام هو التأكيد على ان ازمة التنمية العربية ما زالت تراوح مكانها وأن الاصلاح الجزئي لم يعد كافيا. واشار التقرير الذي ساهم في اعداده نحو 100 من خيرة الباحثين العرب الى ان نتائج الدراسات التي اجريت على خمسة عشر بلدا عربيا بينت ان 32 مليون شخص يعانون من نقص التغذية أي ما يعادل 12% من مجموع سكان هذه الدول، انه في التسعينات ازداد العدد المطلق لمن يعانون نقص التغذية في العالم العربي باكثر من ستة ملايين نسمة وكانت اسوأ الحالات هي الصومال والعراق.
وبالنسبة للتعليم اوضح التقرير ان هناك مستوى غير مقبول من الامية الهجائية (حوالي ثلث الرجال ونصف النساء) وحرمان بعض الأطفال العرب من حقهم في التعليم الاساسي، كما انتقد التقرير النظام التعليمي العربي من حيث افتقار المتعلمين للتعليم الذاتي وملكات النقد والتحليل والإبداع والاعتماد على التلقين فقط.
وبالنسبة للحريات الصحافية أوضح التقرير ان وسائل الإعلام عانت من تشديد القيود عليها، كما تعرض المراسلون الصحافيون للقتل خاصة على أيدي القوات الأميركية في العراق فقد وصل عدد المراسلين الذين قضوا خلال عام 2003 في البلدان خمسة على أيدي القوات الأميركية واثنين من قبل القوات الإسرائيلية. وفي مجال تمكين النساء حقق المغرب الإنجاز الأكبر وشهدت معظم البلدان العربية اطراد ارتقاء النساء لمناصب عليا وتوسيع فرص مشاركتهم بشكل عام. وشدد التقرير على أن مبادرات الإصلاح الوافدة من الخارج جاءت في مناخ اقليمي وعالمي معوق، فقد كان لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ولاحتلال الولايات المتحدة للعراق، وتصاعد وتائر الإرهاب آثار بالغة السوء على التنمية السياسية العربية.
وبعد أن عدد التقرير الانتهاكات المستمرة للقوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ببناء جدار عازل وإقامة مستوطنات في الأراضي الفلسطينية وعمليات الاغتيال وهدم المنازل والاعتقال، قال حول تداعيات احتلال العراق على التنمية الإنسانية إنه نتيجة لغزو العراق واحتلاله، خرج العراق من تحت وطأة حكم استبدادي انتهك جميع حقوقه الأساسية وحرياته، ليقع تحت سلطة احتلال أجنبي زاد من معاناته الإنسانية، بحيث تدهور الأمن وقتل نحو 100.000 عراقي حتى الآن، وكانت النساء هن الأكثر معاناة بتعرضهن للخطف من قبل عصابات محترفة، أو للاغتصاب من قبل جنود الاحتلال، كما تعرض آلاف العراقيين للاعتقال والتعذيب، بينما لم تتوفر حتى الآن البنية الأساسية مثل الكهرباء والمياه والهواتف. وأشار التقرير أستناداً الى تقرير أميركي بأن ما انفق على إعادة إعمار العراق حتى نهاية عام 2003 كان 1.3 دولار من أصل 18.4 مليار دولار تم تخصيصها من قبل الكونغرس الأميركي لهذا الغرض.
ويذكر إن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عكف منذ ثلاث سنوات على إعداد تقارير معنية بالشأن العربي، حيث أطلق أول تقاريره حول التنمية الإنسانية العربية في عام 2002 بعنوان «خلق الفرص للأجيال القادمة» في حين إن التقرير الثاني أطلق عام 2003 بعنوان «نحو إقامة مجتمع المعرفة».
وورد في التقرير الذي أعدته الأمم المتحدة أن المملكة العربية السعودية شهدت بداية العام الماضي حيوية غير مسبوقة في المبادرات المدنية، تميزت بتقبل لها من جانب الحكومة، وقدمت العديد من الوثائق لولي العهد تضمن بعضها مطالب بعض الجماعات الفرعية كالشيعة في الحريات الدينية والحقوق المدنية والمساواة، ونددت اخرى بأعمال العنف ودعت الى الانفتاح السياسي كمخرج للأزمة، وطالب بعضها بإصلاح وضع المرأة وضمان مشاركتها الكاملة في الحياة العامة، وتضمنت إحدى هذه العرائض الدعوة لإصلاحات سياسية أساسية منها الانتخابات والرقابة على المال العام وإصلاح القضاء.
وتحت عنوان مواجهة النواقص الثلاثة: تقدم يخالطه تراجع، ذكر التقرير ان البلدان العربية اقدمت خلال هذه الفترة على خطوات للتغلب على النواقص الثلاثة في المعرفة والحرية وتمكين المرأة. الا ان التقدم نحو هذه الغاية كان متفاوتا، وعانى مجال الحرية، على وجه الخصوص من نكسات. كما اشار الى ان عام 2004 شهد تطورات ايجابية في ميدان التعليم كان اهمها تنامي الاهتمام بتوعيته. فشاركت تسع دول عربية في دراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم. واتخذ اتحاد الجامعات العربية قرارا بانشاء مؤسسة مستقلة لتقييم نوعية التعليم العالي. وفي مجال تعزيز الحكم الصالح، ذكر التقرير ان بعض الحكومات العربية بدأت توجها حذرا وانتقائيا نحو الانتاج السياسي على قوى المعارضة وافساح مجال العمل العام. وعلى الرغم من ذلك، تراجعت مؤشرات المشاركة الشعبية، واستمرت انتهاكات صارخة لحقوق الانسان، وعانت منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام من تشديد القيود عليها. وفي مجال تمكين النساء، ذكر التقرير ان المغرب حقق الانجاز الاكبر باصدار المدونة الجديدة للاسرة التي لبت الكثير من مطالب الحركة النسائية في ضمان حقوق النساء، وخاصة فيما يتصل بالزواج والطلاق ورعاية الابناء. وشهدت معظم البلدان العربية اطراد ارتقاء النساء لمناصب عليا في الجهاز التنفيذي، وتوسيع فرص مشاركتهن في المجالس النيابية. وعند التمعن في مجمل التطورات التي امكن رصدها منذ اصدار تقرير «التنمية الانسانية العربية» الثاني، يمكن الخلوص الى ان ازمة التنمية الانسانية في البلدان العربية لم تشهد بعد انفراجا يعتد به. وثمة بدايات اصلاح في اكثر من مجال من تلك التي يدعو لها التقرير، ولكنها ما زالت جنينية ومتناثرة. ولا خلاف في ان بعض الاصلاحات التي قامت حقيقية وواعدة، ولكنها لا ترقى في مجملها لمستوى القضاء على مناخ كبت الحرية المستقر.
وتحت عنوان الحريات المدنية والسياسية: بين النقص والنقص الفادح، ينتقد التقرير تدنى مستوى التمتع بالحرية في البلدان العربية «تعاني الحريات، لا سيما حرية الرأي والتعبير والابداع، وجوها من الكبت والقمع في معظم البلدان العربية، باستثناء اختراقات محدودة في بعض البلدان او بعض النواحي. فقد ظل الصحافيون مثلا على مدار ثلاثة اعوام (2001 ـ 2003) هدفا لملاحقات قضائية متعددة في قضايا الرأي، وصدرت في حق بعضهم احكام قضائية قاسية، وتعرض بعضهم لاعتداءات بدانية او للاحتجاز». وذكر التقرير ان التضييق على حرية الرأي والتعبير امتد الى صفوف الابداع الادبي والفني كافة، بل ان محاولة الهيمنة على الفكر في بعض الدول العربية وصلت درجة منع التداول لروائع اغنت التراث العربي ككتاب «النبي» لجبران خليل جبران، وكتاب «الف ليلة وليلة».
وقال التقرير ان النساء بشكل عام يعانين من عدم المساواة بينهن وبين الرجل، ومن التمييز ضدهن في القانون وفي الواقع. وعلى الرغم من الجهود المطردة لتطوير وضع المرأة، تظل هناك مجالات عديدة تتعثر فيها الجهود، ويمكن اجمالها في المشاركة السياسية للمرأة، وتطوير قوانين الاحوال الشخصية، وادماج المرأة في عملية التنمية، وحرمان المرأة المتزوجة من اجنبي من منح الجنسية لابنائها، وعجز النظام التشريعي القائم عن كفالة الحماية للنساء في مجال العنف في الوسط العائلي او العنف الصادر عن الدولة او المجتمع.. كما يبلغ العنف ضد النساء ذروته في مناطق النزاعات المسلحة، خاصة في السودان والصومال والعراق.
وتحت عنوان «حرية بلا حركات سياسية تناضل من أجلها»، ذكر التقرير ان قضية الحرية عانت من غياب حركات سياسية عربية ذات عمق جماهيري واسع تناضل من اجلها، اذ لم تضع الحركات السياسية التي لاقت رواجا شعبيا واسعا، خاصة التيار القومي العربي والتيار الاسلامي لاحقا، الحرية على رأس اولوياتها الفعلية. وحين اولت هذه الحركات اهتماما لقضية الحرية، طغى عليها بعد التحرر الوطني الذي ساهم في اعلاء اولويته، ولا شك، اتقاد الصراع مع القوى الاستعمارية في النطاقين الاقليمي والعالمي.
http://www.alsahwa-yemen.net/