{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
لقراءة تقرير التنمية العربية الخطير جد بالعربية ا لعام 2004
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #1
لقراءة تقرير التنمية العربية الخطير جد بالعربية ا لعام 2004
04-07-2005, 01:38 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #2
لقراءة تقرير التنمية العربية الخطير جد بالعربية ا لعام 2004


تقرير التنمية


عبدالوهاب بدرخان الحياة 2005/04/7


تقرير التنمية الانسانية العربية، وهو الثالث من نوعه، يتناول هذه السنة مسألة الحرية بمستوياتها كافة في العالم العربي. وعلى رغم ان «التقرير» ليس «حزباً» إلا أن الأوساط الحكومية تعاملت معه كأنه كذلك خصوصاً أنه ولد في لحظة غير مناسبة التقطتها الولايات المتحدة لتسقط على التقرير عناوين سياستها الجديدة حيال العرب. لكن التقرير، كما هو معروف، ثمرة أنشطة الأمم المتحدة في اطار برنامج التنمية التابع لها.

كان الاستخدام الاميركي الانتهازي لعمل فريق التنمية العربية أسوأ خدمة قدمتها واشنطن، ليس فقط لأهداف برنامج الأمم المتحدة، بل حتى للشعارات «النبيلة» التي رفعتها تبريراً لحربها على العراق. اذ أنها وظفت تلك الحرب في اعادة رسم خريطة المنطقة، ووضعت أجندة عنوانها «الاصلاح»، ثم راحت تمارس الضغوط لحمل الدول العربية على الرضوخ لها. وتحاول الولايات المتحدة الايحاء بأنها اعتمدت أخيراً معايير جديدة لعلاقاتها مع العرب، إلا أن معالم التغيير لم تظهر في السياسة الاميركية بعد. نعم هناك ضغوط لاجراء اصلاحات، وهناك استجابات متفاوتة لها، إلا أن معالم السياسة القديمة لا تزال هي الغالبة.

وكان مستغرباً ان تستاء الولايات المتحدة مما ورد في التقرير الثالث للتنمية العربية، تحديداً في تسجيل اثر ممارسات الاحتلال الاسرائيلي على التنمية في الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن اشارة التقرير الى ممارسات سلطة الاحتلال الاميركي في العراق، لكن اللافت ان الاستياء كان أكبر في ما يتعلق باسرائيل، وهو لا يعني ان انتقاد اسرائيل ممنوع فحسب بل يتعدى ذلك الى رفض تقويم عقلاني أكاديمي يتعاطى مع الحقائق كما هي. وإذا كانت واشنطن لا تعترف بواقع ان الاحتلال، أي احتلال، معوق للتنمية، فإن أقل واجباتها يستلزم ان تشرح لماذا دمر احتلالها للعراق كل الخدمات العامة الأساسية في العراق ولماذا عجز عن اعادة تشغيلها حتى الآن.

التهديد الاميركي بعدم التزام المساهمة المالية في برنامج التنمية لا يزال قائماً، وليس معروفاً اذا كان سينفذ فعلاً أم لا، وكان سبقه العام الماضي اقتطاع «عقابي» لجزء من هذه المساهمة. في المرة السابقة كان بعض عبارات في تقرير التنمية العربية سبباً لهذا العقاب، اما التهديد الراهن فأطلق في سياق الاستياء من التقرير العربي الجديد، لكنه ربما يتعلق أكثر بالعلاقة غير المستقرة بين الدولة العظمى الوحيدة والأمم المتحدة. فمسار الابتزاز بين واشنطن والأمين العام كوفي انان لم ينته بعد، ويبدو انه يسير بشكل تصاعدي يشبه الى حد كبير مسار «الاصلاحات» العربية، وكلما استجاب الطرف المستهدف بالضغط وقدم تنازلاً يأتيه الجواب: مطلوب أكثر.

بعيداً عن التدخل الاميركي، وهو تخريبي في أحيان كثيرة، يفترض التعامل مع تقرير التنمية العربية على انه وثيقة طموحها ان تكون مفيدة في حد ذاتها. ولنقل وثيقة للحكومات والمعارضات على السواء، لكنها برسم الحكومات اولاً لأن الأمم المتحدة تتعامل معها. تنبغي الاشارة الى أن التقارير السابقة كانت موضع نقد كثير، بعضه استند خصوصاً الى الاستغلال الاميركي ووضعه في السلة نفسها مع السياسات الاميركية المجحفة، وبعضه الآخر تناول معطياته الاساسية ومقارناته وأرقامه واستخلاصاته. قد تكون هناك حاجة الى ورشات عمل بين فريق التقرير ومنتقديه الجادين بهدف تغليب المنهج العلمي، لأن العالم العربي ـ شاء من شاء وأبى من أبى ـ يحتاج الى تشخيص واضح لواقعه في مجالات المعرفة والطبابة والحريات وغيرها، وبالتالي فإن المهاترات التي جربت طويلاً لم تعد لتنفع في المرحلة الراهنة التي تبدو «انتقالية» ويفترض ان تكون واعدة.

لدى قراءة ملخص التقرير ومعظم اجزائه المفصلة، يصعب اعتباره وثيقة تحريضية، أو حتى «نضالية» بالمعنى الذي اهترأ من كثرة الاستخدام، لكنه بالتأكيد وثيقة تتعامل مع وقائع. ومنذ الآن يمكن القول ان أنظمة وحكومات سترمي المعايير التي ارتكز اليها. فهو مثلا يطرح مسألة الشرعية، ومن الطبيعي ان أي حكم قائم لا يعترف بوجود مشكلة على هذا الصعيد. طبعاً هناك دول لا تبدو هذه القضية مطروحة لديها، بل تعتبر محسومة فيها بحكم التوافق الأهلي الواضح، لكنها مأزومة في دول أخرى بشكل سافر لا تنفع المكابرة في انكاره. وفي أي حال، ليست هذه المعضلة الأهم في مسألة الحريات التي لم تكن لتعني يوماً اتاحة الانفلات والفوضى. فالخطابات الرنانة عن «الحرية المسؤولة» خطابات مسؤولة لكنها تتحدث عن شيء آخر غير الحرية. تقرير التنمية لا يرفع شعارات للتظاهرات وانما يقترح برنامج عمل ولا يفرض شيئاً على أحد.

يتضح في طيات التقرير ان الحرية نتيجة لسلسلة من الاصلاحات والممارسات. فأي اصلاح يحدده التشريع لا يصبح حقيقة إلا بالتطبيق. وكل الدول عندها دساتير وقوانين، أكثرها جيد وعصري، لكنها إما معطلة بقرارات أو لم تطبق أصلاً أو تطبق وفقاً للاهواء ولتقاليد غير دستورية وغير قانونية. ولطالما أهملت استقلالية القضاء كأنها بلا قيمة أو لا تعني شيئاً، الى أن تآكل مفهوم العدالة ليرتسم مكانه نظام عشوائي مصنّع في غرف الأجهزة الأمنية أو في صالونات الفساد. والواقع الحالي يرينا مواطنين في مستويين: فوق القانون أو تحت القانون، وبينهما مستوى غير ثابت يتصارع الموجودون فيه من أجل الارتقاء فوق القانون، ومنهم من يكسب ومنهم من يبقى تحت.

الوضع ليس مأسوياً، بمعنى انه ليس ميؤوساً منه، لكن لا بد من بداية أو بدايات. والأكيد ان المراوحة ليست حلاً. فمن يفهم الحرية على انها فوضى، ويفضل عليها ما يعتبره استقراراً أمنياً سيكتشف عاجلاً أم آجلاً ان هذا الاستقرار وهم كبير. هناك طريق الى استقرار حقيقي، لكنه صعب ويتطلب اصلاحات دستورية وتشريعية، بمعزل عما يطلبه أو لا يطلبه جورج دبليو بوش. نعم، الاصلاحات شأن داخلي، لكنها تحولت في هذا العصر وسيلة لا بد منها للتعامل مع العالم.


04-07-2005, 02:18 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #3
لقراءة تقرير التنمية العربية الخطير جد بالعربية ا لعام 2004
تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2004: نحو الحرية في الوطن العربي (1 من 3)
2005/04/04

استمرار الاحتلال الاسرائيلي.. وفظائع الاحتلال الامريكي في العراق أثرا علي مسار التنمية في العالم العربي
السلطات تنتهك الحق في الحياة وتمارس كبتا علي حرية التعبير... وتستباح الحياة الشخصية في دول عربية
لندن ـ القدس العربي :
يطرح تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2004: نحو الحرية في الوطن العربي ، معالجة متعمقة لنقص الحرية والحكم الصالح في العالم العربي، ولعل هذه القضية هي الأشد حضورا في النقاش الدائر داخل المنطقة وخارجها في الوقت الراهن. وهذا التقرير هو الاصدار الثالث من سلسلة تقرير التنمية الانسانية العربية التي تستهدف طرح نواة فكرية تعين في صوغ مشروع النهضة عبر حفز نقاش جاد حوله في البلدان العربية.
لقد اضحت أزمة التنمية في الوطن العربي من الجسامة والتعقيد وتشابك الجوانب، بحيث اصبح اي اصلاح حق لاحدي النواحي المطلوبة لبناء نهضة انسانية في المنطقة يستلزم ان يمتد الي جنبات المجتمعات العربية كافة. فلم يعد الاصلاح الجزئي كافيا مهما تعددت مجالاته، بل ربما لم يعد ممكنا من الاساس بسبب احتياج الاصلاح الجزئي الفعال لبيئة مجتمعية حاضنة. ومن ثم، فان الاصلاح المجتمعي الشامل في البلدان العربية لم يعد يحتمل الابطاء او التباطؤ حرصا علي مصالح راهنة مهما كان نوعها. ذلك ان القيد السياسي هو الأكثر وطأة والأبعد اعاقة لغرض النهضة فيها.



تطورات التنمية الإنسانية منذ اصدار
تقرير التنمية الانسانية العربية 2003

يبدأ التقرير، علي النهج الذي درجت عليه هذه السلسلة، برصد الاحداث علي المستويات القطرية والاقليمية والعالمية، التي يُقدر انها ستترك اثرا ملحوظا علي مجمل مسيرة التنمية الانسانية في الوطن العربي.

تصاعد وتائر المناداة بالاصلاح

طرحت منذ نشر تقرير التنمية الانسانية العربية 2003 ، مبادرات اصلاح، رسمية ومن منظمات المجتمع المدني، استهدفت معالجة بعض من اوجه القصور في البلدان العربية. وكان اهم المبادرات الرسمية بيان مسيرة التطوير والتحديث الذي صدر عن القمة العربية التي انعقدت في ايار (مايو) 2004. ودعا البيان الي استمرار الجهود وتكثيفها لمواصلة مسيرة التطوير العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، تحقيقا لتقدم المجتمعات العربية النابع من ارادتها الحرة. ودعا البيان تحديدا الي تعميق اسس الديمقراطية والشوري، وتوسيع المشاركة في المجال السياسي والشأن العام وفي صنع القرار، في اطار سيادة القانون، وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين واحترام حقوق الانسان وحرية التعبير.. وضمان استقلال القضاء .
كما ظهرت خلال فترة اعداد التقرير مبادرات عديدة من القطاع الأهلي مطالبة بالاصلاح، كان اهمها اعلان صنعاء الذي تمخض عن المؤتمر الاقليمي حول الديمقراطية وحقوق الانسان ودور المحكمة الجنائية الدولية (صنعاء، كانون الثاني (يناير) 2004)، و وثيقة الاسكندرية التي صدرت عن مؤتمر قضايا الاصلاح العربي، الرؤية والتنفيذ (الاسكندرية اذار/مارس 2004).
وفي الوقت نفسه، صعدت القوي السياسية والمدنية في الوطن العربي من تحركها الايجابي نحو الاصلاح السياسي، وحققت اختراقات هامة في بعض الاحيان. فقد نجحت المنظمات الحقوقية والسياسية في المغرب في حث الحكومة علي الاعتراف بخروقات سابقة، ابرزها ملف اختفاء المعارضين السياسيين، والسعي لمعالجة القضية.
وفي البحرين، بدأت اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب تطالب بتعويضات لعائلات الذين قتلوا وعذبوا بيد قوات الأمن في الاحداث السياسية السابقة، كما طالبت بمحاكمة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان.
وفي سورية، صعد اعضاء الجمعيات والمنظمات من مطالبتهم بالغاء حالة الطوارئ واطلاق الحريات. كما اعلن الاخوان المسلمون مبادرة للاصلاح السياسي في مصر.
وشهدت المملكة العربية السعودية بداية هذا العام حيوية غير مسبوقة في المبادرات المدنية، تميزت بتقبل نسبي لها من جانب الحكومة. وقدمت العديد من الوثائق لولي العهد تضمنت بعضها مطالب بعض الجماعات الفرعية كالشيعة في الحريات الدينية والحقوق المدنية والمساواة بين المواطنين. ونددت اخري بأعمال العنف ودعت الي الانفتاح السياسي كمخرج للأزمة الحالية. وطالب بعضها باصلاح وضع المرأة وضمان مشاركتها الكاملة في الحياة العامة. وتضمنت احدي هذه العرائض الدعوة لملكية دستورية واصلاحات سياسية اساسية منها الانتخابات والرقابة علي المال العام واصلاح القضاء.
وفي فلسطين، نشطت منظمات المجتمع المدني في مختلف المجالات، من مقاومة الاحتلال الي الدفاع عن حقوق الانسان، الي المساهمة في عمليات الاغاثة والمساعدات الانسانية والمطالبة بالاصلاح.
كما شهدت المرحلة محاولات للتغيير من الخارج، بدأت بمشروع الشرق الاوسط الكبير الذي طرحته الادارة الامريكية علي مجموعة الدول الثماني، الا ان تحفظات من اطراف عربية ومن دول اوروبية، حدت بالولايات المتحدة الي تعديل هذه المبادرة وطرح مشروع معدل اطلق عليه اسم مشروع الشرق الاوسط الأوسع ، وضعت له اهداف اكثر تواضعا، وتم اقراره داخل مجموعة الدول الثماني في حزيران (يونيو) 2004.
غير ان مبادرات الاصلاح التابعة من داخل الوطن العربي والوافدة من الخارج، قامت في مناخ اقليمي وعالمي معاق.

بيئة اقليمية ودولية معاقة

كان لاستمرار الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، ولاحتلال الولايات المتحدة للعراق، ولتصاعد وتائر الارهاب، آثار بالغة السوء علي التنمية الانسانية العربية.

1ـ الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين يخنق الحرية ويعوق التنمية الانسانية.
فقد استمر انتهاك اسرائيل لحق الفلسطينيين في الحياة من خلال عمليات الاغتيال المباشر للقادة الفلسطينيين، وقتل المدنيين خلال اغاراتها علي مدن وقري الضفة الغربية وقطاع غزة. وبين شهري ايار (مايو) 2003 وحزيران (يونيو) 2004، اسفرت عمليات القصف والاجتياح المتتالية عن مقتل 768 فلسطينيا واصابة 4064 آخرين. وبلغت نسبة القتلي من الاطفال تحت سنة 18، 22.7% خلال تلك الفترة. كما واصلت اسرائيل انتهاك الحقوق والحريات العامة والشخصية للفلسطينيين. وتجلي ذلك في اعمال العقاب الجماعي التي اتخذت اشكالا عديدة، منها الاعتقالات التعسفية والحبس والاغلاقات المتكررة للاراضي الفلسطينية.
وصعدت اسرائيل كذلك من سياسة هدم المنازل، وتخريب الممتلكات، وتجريف الاراضي، وفي شهر ايار (مايو) 2004 وحده، تم تشريد قرابة أربعة الاف فلسطيني في رفح نتيجة لتدمير منازلهم بواسطة جيش اسرائيل.
وادي ذلك كله الي تكبيد الفلسطينيين خسائر اجتماعية واقتصادية فادحة، فأضحي 58% من السكان يعانون من الفقر.
واستمرت اسرائيل في انشاء جدار الفصل الذي لا يحترم الحدود بين المناطق المحتلة واسرائيل، مما يشكل توسعا متعمدا من اسرائيل علي حساب فلسطين. وفي 9 تموز (يوليو) 2004، واستجابة لطلب الجمعية العامة للامم المتحدة، اصدرت محكمة العدل الدولية (لاهاي) حكما استشاريا قضي بأن انشاء الجدار مناقض للقانون الدولي، وان علي اسرائيل هدم ما انشئ منه في الاراضي المحتلة والتعويض عن جميع الاضرار المترتبة علي انشائه.

تداعيات احتلال العراق علي التنمية الانسانية

نتيجة لغزو العراق واحتلاله، خرج الشعب العراقي من تحت وطأة حكم استبدادي انتهك جميع حقوقه الاساسية وحرياته، ليقع تحت سلطة احتلال اجنبي زاد من معاناته الانسانية.
في ظل الاحتلال، تدهور امن المواطن العراقي واستبيحت حياته مجددا. وقدرت دراسة علمية اعداد الوفيات المرتبطة حصراً بالغزو والعنف المصاحب للاحتلال بنحو 01 الاف قتيل عراقي.
وبسبب فشل قوات الاحتلال في تنفيذ التزامها كسلطة احتلال، وفق اتفاقيات جنيف، في توفير الأمن للمواطنين، شهد العراق انفلاتاً امنياً غير مسبوق. وانتشرت اعمال القتل والارهاب في معظم ارجائه، وطالت المنظمات الدولية والجمعيات الانسانية، اضافة الي المدنيين العراقيين.
وكانت النساء هن الاكثر معاناة، حيث تعرضن منذ الاحتلال للخطف والاغتصاب من قبل عصابات محترفة. كما تعرضت سجينات للاغتصاب من قبل جنود الاحتلال في بعض الحالات.
وتعرض الآلاف من العراقيين للاعتقال والتعذيب. وعومل المعتقلون واغلبهم من المدنيين، معاملة لا انسانية ولا اخلاقية في سجن ابو غريب وغيره من سجون الاحتلال، مما شكل انتهاكا واضحا لاتفاقيات جنيف.
من ناحية اخري لم تنجح سلطات الاحتلال حتي في توفير الخدمات الاساسية. فلم تصل قوات الاحتلال ببعض الخدمات (مثلا الكهرباء والماء والهاتف) الي مستويات ما قبل الحرب. وقد بين تقرير امريكي ان سلطات الاحتلال لم تنفق علي اعادة اعمار العراق حتي نهاية تشرين الاول (اكتوبر) 2004 سوي 1.3 مليار دولار من اصل 18.4 مليار دولار تم تخصيصها من قبل الكونغرس الامريكي لهذا الغرض. اي اقل من 7%.

مواجهة النواقص الثلاثة: تقدم يخالطه تراجع

اقدمت البلدان العربية خلال هذه الفترة علي خطوات للتغلب علي النواقص الثلاثة في المعرفة والحرية وتمكين المرأة، الا ان التقدم نحو هذه الغاية كان متفاوتا، وعاني مجال الحرية، علي وجه الخصوص، من نكسات.
وشهدت تلك الفترة تطورات ايجابية في ميدان التعليم كان اهمها تنامي الاهتمام بنوعيته. فشاركت تسع دول عربية في دراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم. واتخذ اتحاد الجامعات العربية قرارا بانشاء مؤسسة مستقلة لتقييم نوعية التعليم العالي.
وفي مجال تعزيز الحكم الصالح، بدأت بعض الحكومات العربية توجها حذرا وانتقائيا نحو الانفتاح السياسي علي قوي المعارضة وافساح مجال العمل العام. وعلي الرغم من ذلك، تراجعت مؤشرات المشاركة الشعبية، واستمرت انتهاكات صارخة لحقوق الانسان، وعانت منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام من تشديد القيود عليها. كما تعرض المراسلون الصحافيون للقتل خاصة علي ايدي قوات الاحتلال. فقد وصل عدد المراسلين الذين قضوا خلال عام 2003 في البلدان العربية الي 14 مراسلا، قتل 12 منهم في العراق، من ضمنهم خمسة علي ايدي قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة، واثنان من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلية في فلسطين.
كما استمر انتهاك حقوق الجماعات الفرعية خاصة في دارفور، حيث ظل الصراع مستعرا وتفاقمت المعاناة الانسانية رغم التوصل الي اتفاقية لوقف اطلاق النار، وتدخل المجتمع الدولي.
وفي مجال تمكين النساء، حقق المغرب الانجاز الاكبر باصدار المدونة الجديدة للأسرة التي لبت الكثير من مطالب الحركة النسائية في ضمان حقوق النساء، وخاصة فيما يتصل بالزواج والطلاق ورعاية الابناء. وشهدت معظم البلدان العربية اطراد ارتقاء النساء لمناصب عليا في الجهاز التنفيذي، وتوسيع فرص مشاركتهن في المجالس النيابية.
عند التمعن في مجمل التطورات التي امكن رصدها منذ اصدار تقرير التنمية الانسانية العربية الثاني، يمكن الخلوص الي ان أزمة التنمية الانسانية في البلدان العربية لم تشهد بعد انفراجاً يعتد به. وثمة بدايات اصلاح في اكثر من مجال من تلك التي يدعو لها التقرير، ولكنها ما زالت جنينية ومتناثرة. ولا خلاف في ان بعض الاصلاحات التي قامت حقيقية وواعدة، ولكنها لا ترقي في مجملها لمستوي القضاء علي مناخ كبت الحرية المستقر.

حال الحرية والحكم

لا مراء في ان الحرية شرط ضروري وحيوي، وان لم يكن الوحيد، لقيام نهضة عربية جديدة. كما ان قدرة العالم العربي علي مواجهة التحديات الداخلية والخارجية مرهونة بمدي انحسار الاستبداد وبمدي تقدم قضية الحقوق والحريات الاساسية.
ويتفاوت نطاق مفهوم الحرية بين حدين، الاول ضيق يقصرها علي الحقوق والحريات المدنية والسياسية، والثاني شامل يضيف الي الحريات المدنية والسياسية ـ بمعني التحرر من القهر ـ التحرر من جميع اشكال الحط من الكرامة الانسانية مثل الجوع والمرض والجهل والفقر والخوف. وذلك هو النهج الذي يسلكه هذا التقرير.
الا ان الحرية هي من الطيبات الانسانية الخواتيم التي تحتاج بني وعمليات مجتمعية تقضي اليها وتصونها، وتضمن اطرادها وترقيتها. وتتلخص هذه البُني والعمليات المجتمعية الضامنة للحرية في نسق الحكم الصالح الذي يقوم علي المحاور التالية:
صون الحرية بما يضمن توسيع خيارات الناس (يحمي جوهر التنمية الانسانية).
الارتكاز الي المشاركة الشعبية الفعالة، مع تمثيل شامل لعموم الناس.
الاعتماد علي المؤسسات بامتياز، نقيضا للتسلط الفردي، بحيث تعمل مؤسسات الحكم بكفاءة وبشفافية كاملة، وتخضع للمساءلة الفعالة، في ما بينها في ظل فصل السلطات والتوازن بينها، ومن قبل الناس مباشرة من خلال الاختيار الدوري الحر النزيه.
سيادة القانون، المنصف والحامي للحرية، علي الجميع علي حد سواء.
سهر قضاء كفء ونزيه ومستقل تماما علي تطبيق القانون، وتنفيذ احكامه بكفاءة من جانب السلطة التنفيذية.
ولا يكون الفرد حراً تماما الا في مجتمع/وطن حر. فأين حال الحرية والحكم في الوطن العربي من هذا الانموذج؟

الحريات المدنية والسياسية:
بين النقص والنقص الفادح

يتدني مستوي التمتع بالحرية في جميع البلدان العربية، وان بدرجات متفاوتة. فالحريات، حتي عندما نضع القهر الخارجي جانباً، مستهدفة من سلطتين: سلطة الانظمة غير الديمقراطية، وسلطة التقليد والقبلية المتسترة بالدين احياناً. وقد ادي تضافر السلطتين علي الحد من الحريات والحقوق الاساسية الي اضعاف مناعة المواطن الصالح وقدرته علي النهوض.
تعاني الحريات، لا سيما حرية الرأي والتعبير والابداع، وجوها من الكبت والقمع في معظم البلدان العربية، باستثناء اختراقات محدودة في بعض البلدان او بعض النواحي. فقد ظل الصحافيون مثلا علي مدار ثلاثة اعوام (2001 ـ 2003) هدفا لملاحقات قضائية متعددة في قضايا الرأي، وصدرت في حق بعضهم احكام قضائية قاسية، وتعرض بعضهم لاعتداءات بدنية او للاحتجاز. وقد وصف تقرير مراسلون بلا حدود لعام 2002 المنطقة بأنها ثاني اكبر سجن للصحافيين في العالم. واي اتفاق وزراء الداخلية العرب علي استراتيجية لمكافحة الارهاب في مستهل العام 2003 الي مزيد من القيود علي حرية الرأي والتعبير، بل وعلي غيرها من حقوق الانسان.
وشملت انتهاكات حرية الرأي والتعبير الاعتداء علي الناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الانسان بسبب إبداء آرائهم.
وامتد التضييق علي حرية الرأي والتعبير الي صنوف الابداع الادبي والفني كافة. بل ان محاولة الهيمنة علي الفكر في بعض الدول العربية وصلت درجة منع التداول لروائع اغنت التراث العربي ككتاب النبي لجبران خليل جبران، وكتاب الف ليلة وليلة .
كما انتهكت حرية تكوين الجمعيات برفض تأسيس جمعيات او حلها. وانصبت معظم هذه الاجراءات السلبية علي المنظمات الاهلية العاملة في مجال حقوق الانسان.
وباستثناءات قليلة، وشكلية في بعضها، لا تجري في البلدان العربية المعنية انتخابات رئاسية حرة يتنافس فيها اكثر من مرشح في انتخاب عام.
في بلدان عربية ثلاثة فقط هي الجزائر والسودان واليمن وفي رابعة تحت الاحتلال هي فلسطين، تجري انتخابات الرئيس من خلال انتخابات مباشرة يتنافس فيها اكثر من مرشح ويقيد حكم الرئيس المنتخب فيها بفترات محددة. وما زالت سورية ومصر تعتمدان اسلوب الاستفتاء. حيث يتم ترشيح الرئيس من قبل مجلس الشعب، ثم يجري استفتاء شعبي. وتتراوح النتائج في مثل هذه الاستفتاءات الرئاسية بين الاكثرية المطلقة والاجماع التام.
وتوجد مجالس نيابية منتخبة كليا او جزئيا في سائر الدول العربية باستثناء دولتين، هما السعودية والامارات، ولكن علي الرغم من كثرة العمليات الانتخابية التي تجري علي الساحة العربية، فقد ظلت ممارسات الحق في المشاركة طقوسا اجرائية تمثل تطبيقا شكليا لاستحقاقات دستورية. وعاني معظمها من تزييف ارادة الناخبين وتدني تمثيل المعارضة. وبهذا لم تؤد الانتخابات دورها المفترض كوسيلة للمشاركة او تداول السلطة، فأعادت انتاج الفئات الحاكمة نفسها في معظم الحالات.
كما تستباح الحياة الخاصة والشخصية في بعض الدول العربية، تارة من قبل السلطات السياسية عبر خرق حرمة المنزل، والرقابة علي المراسلات الخاصة والتنصت علي المكالمات الهاتفية، وطورا من قبل فئات اجتماعية باسم العرف والتقاليد.

الانسان المحاصر خارج الحريات الاساسية

تنتهك بعض السلطات الحق في الحياة، خارج اطار القانون والقضاء. وتلاحظ منظمات حقوقية ان البيانات الرسمية التي تصدر حول عمليات القتل تتميز بقلة المعلومات، ولا تشير في بعض الدول حتي الي اسماء القتلي. ولا يجري اي تحقيق معلن في هذه الحوادث.
وتنتهك الحق بالحياة ايضا جماعات متطرفة من خلال التصفيات الجسدية والتفجيرات وتسويغ العنف، كما ان المواجهات المسلحة التي تدور بين السلطات الامنية والجماعات المسلحة تؤدي الي وقوع ضحايا بين المدنيين، تفوق نسبتها بينهم نسبتها بين المتقاتلين.
وتشهد المنطقة منذ بدء الحملة الدولية لمكافحة الارهاب ارقاما غير مسبوقة في الاعتقالات، وتنتهك الضمانات القانونية للمجردين من حريتهم، ويتعرض كثيرون منهم للتعذيب وسوء المعاملة، ولا يكفل لهم حتي ضمان سلامتهم الشخصية في السجون والمعتقلات ومراكز الاحتجاز. ولعل مشكلة المفقودين في السجون هي من المآسي التي لا تزال تؤرق العديد من المواطنين في الدول العربية كافة.
كما تهدر ضمانات المحاكمة العادلة في العديد من البلدان العربية، من خلال احالة المدنيين الي القضاء العسكري، واستخدام اشكال القضاء الاستثنائي المتعددة مثل محاكم الطواريء، ومحاكم امن الدولة والمحاكم الخاصة والمحاكم العرفية.

الاقصاء خارج المواطنة

لعل اقصي اشكال الاقصاء خارج المواطنة هو امكان سحب الجنسية من المواطن العربي الذي تتيحه بعض التشريعات العربية بمقتضي قرار اداري من مسؤول حكومي دون مستوي الوزير في بعض الحالات.

انتهاك حقوق الجماعات الفرعية

غير ان الانتهاك المعمم لحقوق الانسان في البلدان العربية يتحول الي انتهاك ابشع حين يتضاعف بالتقاطع مع خصوصيات ثقافية، دينية او عرقية. ففي مناطق النزاعات المزمنة في العراق والسوان، عانت الجماعات الفرعية من اضطهاد سافر او مبطن.
ويشمل هذا الصنف من القهر المزدوج للجماعات عدة فئات اخري يأتي للفئة الاولي كأجانب. وتعامل الفئة الثانية كمواطنين من الدرجة الثانية لا يحق لهم الترشح في الهيئات التمثيلية او التصويت في الانتخابات. كما تتكرر الظاهرة نفسها مع فئة اصحاب البطاقات في المناطق الحدودية في السعودية، والاكراد المحرومين من الجنسية اثر تعداد 1962 في سورية، والاخدام في اليمن. ولا تنجو العمالة الوافدة في البلدان العربية النفطية، بما في ذلك العرب، من معاناة بعض اشكال التمييز حسب المعايير الدولية، اشتهرت من بينها مسألتا نظام الكفيل واساءة معاملة عمال الخدمة المنزلية، خاصة النساء .
وتخلق الظروف الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية حالتين شاذتين في موريتانيا والسودان. ففي الاولي تعاني طائفة الحراطين (الارقاء المحررين) من اشكال شبيهة بالرق. اما في السودان، فقد ادي النزاع المسلح الي عمليات اختطاف متبادل بين القبائل المنغمسة في النزاع العسكري للنساء والاطفال في اشكال شبيهة بالرق ايضا.

الاقصاء المزدوج: المرأة

تعاني النساء بشكل عام من عدم المساواة بينهن وبين الرجل، ومن التمييز ضدهن في القانون وفي الواقع. وعلي الرغم من الجهود المطردة لتطوير وضع المرأة، تظل هناك مجالات عديدة تتعثر فيها الجهود، ويمكن اجمالها في المشاركة السياسية للمرأة، وتطوير قوانين الاحوال الشخصية، وادماج المرأة في عملية التنمية، وحرمان المرأة المتزوجة من اجنبي من منح الجنسية لابنائها، وعجز النظام التشريعي القائم عن كفالة الحماية للنساء في مجال العنف في الوسط العائلي او العنف الصادر عن الدولة او المجتمع. كما يبلغ العنف ضد النساء ذروته في مناطق النزاعات المسلحة، خاصة في السودان والصومال والعراق.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

تبين نتائج الدراسات التي اجريت علي خمسة عشر بلدا عربيا، ان 32 مليون شخص يعانون من نقص التغذية، اي ما يقارب 12% من مجموع سكان هذه الدول. وفي التسعينات، ازداد العدد المطلق لناقصي التغذية في الوطن العربي بأكثر من ستة ملايين نسمة، وكانت اسوأ النتائج في الصومال والعراق. وما زال الاعتلال الجسدي ينتاب سنوات حياة المواطن العربي. فاذا ما استبعدنا سنوات المرض من توقع الحياة عند الميلاد، يفقد العربي للمرض عشر سنوات او اكثر من حياته المتوقعة. اما التعليم، فينتقص من انتشاره كميا، مستوي غير مقبول من الأمية الهجائية (حوالي ثلث الرجال ونصف النساء، 2002) وحرمان بعض الاطفال العرب، مهما قلت نسبتهم، مــــن حقهم الاصيل في التعليم الاساسي. وينتقص من قيمته جوهريا التردي النسبي في نوعيته، بمعني افتقار المتعلمين للقدرات الاساس للتعلم الذاتي وملكات النقد والتحليل والابداع.


04-07-2005, 04:13 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #4
لقراءة تقرير التنمية العربية الخطير جد بالعربية ا لعام 2004
تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2004: نحو الحرية في الوطن العربي (2 من 3)
2005/04/05

انظمة عربية تمثل دولة الثقب الاسود .. فيها حالة طواريء دائمة.. لا يتحرك فيها شيء وتقمع الجميع
شرعية الابتزاز تخفي وراءها فشل الانظمة بحل القضايا الكبيرة وتصور نفسها علي انها اهون الشرين
لندن ـ القدس العربي :
يطرح تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2004: نحو الحرية في الوطن العربي ، معالجة متعمقة لنقص الحرية والحكم الصالح في العالم العربي، ولعل هذه القضية هي الأشد حضورا في النقاش الدائر داخل المنطقة وخارجها في الوقت الراهن. وهذا التقرير هو الاصدار الثالث من سلسلة تقرير التنمية الانسانية العربية التي تستهدف طرح نواة فكرية تعين في صوغ مشروع النهضة عبر حفز نقاش جاد حوله في البلدان العربية.
لقد اضحت أزمة التنمية في الوطن العربي من الجسامة والتعقيد وتشابك الجوانب، بحيث اصبح اي اصلاح حق لاحدي النواحي المطلوبة لبناء نهضة انسانية في المنطقة يستلزم ان يمتد الي جنبات المجتمعات العربية كافة. فلم يعد الاصلاح الجزئي كافيا مهما تعددت مجالاته، بل ربما لم يعد ممكنا من الاساس بسبب احتياج الاصلاح الجزئي الفعال لبيئة مجتمعية حاضنة. ومن ثم، فان الاصلاح المجتمعي الشامل في البلدان العربية لم يعد يحتمل الابطاء او التباطؤ حرصا علي مصالح راهنة مهما كان نوعها. ذلك ان القيد السياسي هو الأكثر وطأة والأبعد اعاقة لغرض النهضة فيها.



تصور العرب لتمتعهم بالحرية

صمم فريق التقرير، بالتعاون مع بعض مؤسسات قياس الرأي العام، مسحا ميدانيا لتقصي مفهوم الحرية عند العرب، وللتعرف علي تقديرهم لمدي التمتع بالحريات المختلفة في بلدانهم. ونفذ المسح في خمس دول عربية فقط (الجزائر والاردن وفلسطين ولبنان والمغرب)، تضم حوالي ربع العرب.
وعبر المجيبون في البلدان العربية الخمسة عن مستوي اعلي نسبيا من التمتع بالحريات الفردية، في حين اعربوا عن تقديرهم بقلة نسبية في التمتع بالحريات العامة، خاصة تلك المعبرة عن الحكم الصالح. فجاءت حريات التنقل والزواج والملكية وحرية الاقليات في ممارسة ثقافتها الخاصة علي أس مكونات الحرية المتحققة برأي المجيبين، بينما كان اقلها تحققا قيام معارضة فعالة، واستقلال الاعلام والقضاء، وشفافية الحكم وامكان مساءلته، ومحاربة الفساد.
وحول التغير في مدي التمتع بعناصر الحرية المختلفة (ان كان قد تحسن او تراجع) في السنوات الخمس السابقة علي وقت المسح، قدر المجيبون ان اعلي تحسن في التمتع بعناصر الحرية تحقق في مجال الحريات الفردية، مثل المساواة بين النوعين وحرية الزواج والفكر والتحرر من الجهل والمرض، وحرية الاقليات في ممارسة ثقافتها وحرية المنظمات الاهلية والتعاونية، هذا علي حين قدروا ان اشد معدلات التدهور في التمتع بالحرية كانت في مجالات محاربة الفساد، وشفافية الحكم ومساءلته: واستقلال القضاء والمساواة امام القانون، بالاضافة الي انتشار الفقر.

البني المعوقة للحرية

لماذا بقي العرب الاقل تمتعا بالحرية بين مختلف مناطق العالم؟ وما الذي يفرغ المؤسسات الديمقراطية ، حين تنشأ في العالم العربي، من مضمونها الاصلي الحامي للحرية؟
لقد حاول البعض تفسير هذا التفارق في سياق اشكالية العلاقة بين الشرق والغرب وثنائيتها، التي عادة ما تربط القطب الاول بـ الاستبداد باعتباره سمة للشرق والحضارة الشرقية، علي حين تربط القطب الثاني بالحرية باعتبارها ميزة للحضارة الغربية، كما ادعي البعض احيانا ان العرب والمسلمين لا يمكن ان يكونوا ديمقراطيين، وبسبب العروبة العقلية العربية او الاسلام، الا ان الدراسات تشير الي ان هناك تعطشا، منطقيا ومفهوما، لدي العرب لنبذ الحكم التسلطي والتمتع بالحكم الديمقراطي. ففي مسح القيم العالمي، الذي شمل تسع مناطق من العالم بما فيها البلدان الغربية المتقدمة، جاء العرب علي رأس قائمة الموافقة علي ان الديمقراطية افضل من اي شكل اخر للحكم . كما جاءوا بأعلي نسبة رفض للحكم التسلطي (حاكم قوي لا يأبه ببرلمان او انتخابات).
ولا ريب ان السبب الرئيسي لاخفاق عملية التحول الديمقراطي في العديد من الاقطار العربية لا يرجع الي مسائل ثقافية بقدر ما هو تعبير عن تضافر بني اجتماعية وسياسية واقتصادية عملت علي غياب او تغييب القوي الاجتماعية والسياسية المنظمة القادرة علي استغلال ازمة النظم التسلطية والشمولية، وبالتالي الي افتقار الحركة الديمقراطية الي قوة دفع حقيقية. اضافة الي ذلك، فان ثمة بعض الاشكاليات التي خصت هذا الجزء من العالم دون سواه وساهمت في تعميق ازمة الحرية.

اشكاليات الحرية والحكم في مطالع الالفية الثالثة
التناقض بين الحرية في البلدان العربية
ومصالح القوي المهيمنة عالميا

برز في النصف الاول من القرن الماضي عاملان قدر ان يصبح لهما ابلغ الاثر في مواقف الدول الكبري تجاه الحرية في المنطقة العربية، هما اكتشاف النفط وانشاء دولة اسرائيل. فقد ادي اكتشاف النفط بوفرة في المنطقة، وتعاظم دوره في الاقتصادات المتقدمة الي ان يصبح تأمين تدفق النفط باسعار مناسبة علي رأس مصالحها في المنطقة العربية. ونظرا لارتباط مصالح بعض الدول الغربية باسرائيل، اصبح من اهم معايير رضا هذه القوي، خاصة الولايات المتحدة الامريكية، عن دولة عربية ما هو موقفها من دولة الاحتلال الاسرائيلي وممارساتها.
وكانت النتيجة ان تعاملت القوي الدولية، حتي وقت قريب، عن انتهاكات حقوق الانسان في البلدان العربية ما دامت الدول المعنية لا تهدد هذه المصالح، وترتب علي ذلك استفحال القمع والقضاء علي فرص التحول الديمقراطي في البلدان العربية.
وزادت احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) بعدا اضافيا لهذا التوتر حين اختارت الادارة الامريكية الحالية التضييق علي الحريات المدنية والسياسية، خاصة للعرب والمسلمين، سبيلا لمكافحة الارهاب كما تعرفه. وقد ادي لجوء بعض البلدان الغربية الي ممارسات تعد قمعية وتمييزية، خاصة بالنسبة للعرب والمسلمين، الي اضعاف موقف القوي المطالبة بالحرية والحكم الصالح في البلدان العربية في مواجهة سلطات لم تعد ممارساتها تختلف جذريا عن النموذج الذي كان يعد المثال للحرية والديمقراطية في العالم.

حرية بلا حركات سياسية تناضل من اجلها؟!

عانت قضية الحرية من قلة حضور حركات سياسية عربية ذات عمق جماهيري واسع تناضل من اجلها. اذ لم تضع الحركات السياسة التي لاقت رواجا شعبيا واسعا، خاصة التيار القومي العربي والتيار الاسلامي لاحقا، الحرية علي رأس اولوياتها الفعلية. وحين اولت هذه الحركات اهتماما لقضية الحرية، طغي عليها بعد التحرر الوطني الذي ساهم في اعلاء اولويته، ولا شك، في اتقاد الصراع مع القوي الاستعمارية في النطاقين الاقليمي والعالمي.

تفسيرات مناوئة للحرية

التيار الرئيسي في الفقه الاسلامي مع الحرية دون حيف. وتري التأويلات الاسلامية المستنيرة في آليات الديمقراطية، عندما تستقيم، واحدا من الترتيبات العملية التي يمكن ان تستخدم لتطبيق مبدأ الشوري. ومــــن المباديء الجـــوهرية في الاسلام التي توجب اقامــــة الحكم الصالح، تحقيق العدل والمساواة، وكــــفالة الحريات العامة، وحق الامة في تولية الحكام وعزلهم، وضمان جميع الحقوق العامة والخاصة لغير المسلمين.
غير ان هذه المباديء السامية، والتفسيرات المستنيرة النابعة منها، لا تنفي ان هناك تفسيرات للاسلام ما فتئت توظف من قبل قوي سياسية، سواء في السلطة او المعارضة، لدعم التسلط او ترسيخه في المستقبل ـ وذلك هو الاحتمال الاكثر خطرا.

فخ الانتخاب لمرة واحدة

استعملت الانظمة العربية ما سمي فخ الانتخاب لمرة واحدة في المجتمعات الاسلامية لتخويف الفئات المجتمعية المتطيرة من ارتقاء جماعات اسلامية متشددة سدة الحكم في البلدان العربية.
كما استعمل لتبرير تدخل قوي خارجية في دعم نظم حكم تسلطية، بدعوي ان افساح المجال لجميع القوي المجتمعية، ومن انشطها سياسيا التيار الاسلامي، سينتهي بوصول هذه القوي للحكم والاستبداد به بحيث يصبح التنافس الديمقراطي تاريخا منقضيا بعد هذه المرة الوحيدة.

التذرع بالخصوصية
للتنصل من الالتزام بحقوق الانسان

يقصد بحقوق الانسان في الفقه المعاصر مجموعة الحقوق التي تضمــــنتها المواثيق الدولية والمكفولة للانسان لمجرد كونه انسانا، بصرف النظر عن جنسه ودينه ولونه وعرقه وفكره وعقيدته. ولكن كثيرا ما تثار قضية الخصوصية في البلدان العربية بغرض الانتقاص من عناصر القانون الدولي لحقوق الانسان.
وعلي الرغم من وجود اجتهادات فقهية توفق بين القانون الدولي لحقوق الانسان والشريعة، يستند البعض الي تفسيرات تقليدية سائدة للشريعة الاسلامية تركز علي التباين بينهما، للمناداة بعدم الالتزام بالشرعية الدولية لحقوق الانسان.

البنية القانونية

ان الظاهرة التي تميز البناء التشريعي في تعامله مع قضايا الحريات العامة وحقوق الانسان هي الفجوة بين مختلف المستويات التشريعية (الالتزامات الدولية، والدساتير، والتشريعات العادية)، وبين هذه المستويات التشريعية من ناحية وواقع الممارسة الفعلية من ناحية اخري.

دساتير تمنح الحقوق، وقوانين تصادرها

حريات الرأي والفكر والتنظيم: تتضمن العديد من الدساتير العربية احكاما خاصة بحرية الفكر والرأي والمعتقد، وبحرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام اليها. الا ان الدستور قد ينص في صلب مواده علي عدد من القيود علي حق تكوين الجمعيات حفاظا علي متطلبات الامن القومي او الوحدة الوطنية. ويسمح بالظاهرة الحزبية في 14 بلدا عربيا، في حين تحظر الجماهيرية الليبية والبلدان العربية الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي (السعودية، والامارات، وقطر، والبحرين، والكويت، وسلطنة عمان) تشكيل الاحزاب السياسية فيها.
وتحيل الدساتير الي التشريع العادي لتنظيم الحريـــــــات والحقوق. وغالبا ما يجنح التشريع العادي الي تقييد الحق، بل مصادرته احيانا، تحت ستار تنظيمه. وبهذا يفقد النص الدستوري الحقوق والحريات ـ رغم ما قد يوجد فيه
احيانا من قصور ـ كثيرا من جدواه، ليتحول الي مجرد واجهة دستورية تتفاخر بها الدولة امام المجتمع الدولي، رغم كونها لافتة فارغة من اي مضمون حقيقي. من ذلك النصوص التشريعة التي تحظر او تقيد ممارسة حقوق الاضراب والتظاهر والتجمهر والاجتماع السلمي.
وفي الدول التي تقوم علي الاقرار الدستوري بالتعددية الحزبية، اشترط المشرع ضرورة الترخيص المسبق لانشاء اي حزب من قبل هياكل يغلب علي تشكيلها الطابع الحكومي. وتضع تشريعات اخري شروطا غير منضبطة لنشاط الاحزاب كي تفتح الباب امام ممارسة الدولة سلطة الحل بزعم مخالفة هذه الشروط.
اما انشــــاء الجمعيات الاهلية وممارسة نشاطها في البلدان العربية فيخضع لقيود شديدة ولرقابة صارمة، وذلك باستثناء عدد قليل من التشريعات العربية التي تنحو منحي ليبراليا في تعاملها مع مؤسسات المجتمع المدني مثل المغرب ولبنان.
ومن قبيل الانتهاكات التشريعية لحقوق الانسان في البلدان العربية القوانين التي تقيد حرية الصحافة او تصادرها بدعوي التنظيم. يتحقق ذلك عن طريق نص التشريع علي جواز الرقابة المسبقة (في احدي عشرة دولة) او اللاحقة علي الصحف، او تلك النصوص التي تفرض القيود علي حق اصدار الصحف بحيث تجعل من الترخيص باصدار الصحيفة وسحب هذا الترخيص سلاحا في يد السلطة التنفيذية. ولم يرد نص علي حد الصحافي في الحصول علي المعلومات والاخبار، الا في تشريعات خمس دول عربية هي مصر والسودان واليمن والاردن والجزائر.
ان المشرع العربي في تنظيمه لحرية الرأي والتعبير، بما في ذلك التنظيم القانوني للصحافة ووسائل الاتصال الجماهيري، يغلّب ما يتصوره هو من اعتبارات للأمن والمصلحة العامة علي قيم الحرية والتعــــددية واحترام حقوق الانسان. وبهذا تمتلئ التشريعات العربية العقابية منها وغير العقابية بعديد من النصوص التي تنظر الي النشر الصحافي والبث المســـــموع والمرئي وممارسة حرية التعبير عموما علي انها انشطة خطرة تجدر احاطتها بسياجات قوية من المحظورات والقيود التي تفرض علي هذه الانشطة جزاءات رادعة.
حق الانسان في التقاضي: اجمعت الدساتير العربية علي استقلال القضاء وحرمته. الا ان الدساتير العربية حافظت علي حضور السلطة التنفيذية داخل جسم القضاء ومؤسساته. فعلاوة علي ان الاحكام تصدر وتنفذ باسم رؤساء الدول، فقد اوكلت لهم حق ترؤس الهيئات الدستورية المشرفة علي القضاء.
ويسجل للكثير من الدساتير العربية نصها علي العديد من ضمانات المحاكمة العادلة كمبادئ للشرعية الجنائية خصوصا وعدالة المحاكمة عموما.
وعلي الرغم من هذه النصوص الدستورية، فان ما يرصده الباحثون ونشطاء حقوق الانسان هو التباعد بين النصوص والواقع، لأسباب سياسية في اغلبها. ذلك ان القضاء، كمؤسسة، شأنه شأن القضاة كأفراد، يتعرضون لمخاطر تنال من استقلالهم. ففي النظم الشمولية ذات الزخم العقائدي المتحكم في امرها، لا يستطيع القضاء او القضاة ان ينأوا عن تأثير تدخل السلطة التنفيذية، بدعوي حماية الاسس العقائدية للمجتمع الشمولي.
كما ان وجود المخصصات المالية للقضاء في يد السلطة التنفيذية، وتدخل هذه السلطة في تعيين القضاة ونقلهــــم وعزلهم، اضــــافة الي الاغراءات المادية والمعنوية التي تقدمها للقضاة، يجعلهم في كثير من البلدان العربيــــة غير مستقلين من الناحية الفعلية، ويجعل اياديهم مرتعشة في اصدار الاحكام، خاصة عندما تكون الدولة ذات اهتمام مباشر او غير مباشر بالمنازعة القضائية. وتعتبر الزيادة المفرطة في عدد القضايا المنظورة امام محاكم بعض الدول العربية حائلا قويا دون كفاءة ادارة العدالة والحفاظ علي حق الانسان في التقاضي. من شأن هذا القضاء البطيء ان يساهم في استشراء ظواهر العنف والقصاص الفردي في غيبة سلطة قادرة علي انفاذ القانون، وقلة استعداد الناس للجوء الي القضاء.
الحق في الجنسية: الجنسية هي ما يخول الانسان المركز القانوني الذي يمنحه الحقوق والواجبات، ويسعفه في اكتساب المواطنة الكاملة. ومن الملاحظ اختلاف حال هذا الحق وواقع المستفيدين منه في البلدان العــــربية. اذ ثمة دساتير سكتت تماما عن مسألة الجنســــــية، في حين احالت اخري امور تنظيمها الي القانون كما هو الامر بالنسبة لمصر، ولبنان، والاردن، والسعودية، والجزائر. اما بعض الدساتير، فاضافة الي اسنادها تنظيم حق الجنسية الي القانون، فقد تعرضت الي موضوع اسقاطها والشروط اللازمة لذلك، مقرة بذلك امكان اسقاط الجنسية، مثلما هو وارد في دساتير قطر وعمان والامارات والكويت.
وثمة توجه تشريعي محمود في عدد من الدول العربية الي منح الجنسية الاصلية للمولودين لأم تحمل جنسية الدولة تحقيقا للمساواة بين الأم والأب في منح الجنسية لأبنائهما ودرءا لمآس انسانية تترتب علي حجب جنسية الدولة عن اولاد الأم المتزوجة بأجنبي.

ودساتير اخري تنتهك الحقوق

تحمل بعض الدساتير العربية في صميم نصوصها تعارضا مع المبادئ الدولية لحقوق الانسان عن طريق تبني صياغات ذات طبيعة ايديولوجية او دينية تصادر الحقوق والحريات العامة او تسمح بمصادرتها. ومن الامثلة علي ذلك تعديل ادخله المشرع اليمني علي مادة كانت تنص علي انه لا جريمة ولا عقوبة الا باقانون لتصبح لا جريمة ولا عقوبة الا بناء علي نص شرعي او قانوني .
ان اعتبار الشريعة الاسلامية مصدرا للتشريع في بعض الدول العربية لا يشكل في ذاته انتهاكا لمبادئ حقوق الانسان. ولكن الاعتراض هو ان يكون الخطاب موجها الي القاضي دون المشرع، لان اعطاء السلطة التقديرية للقاضي في تأويل النص الشرعي والاختيار بين اقوال الفقهاء في المجال الجنائي ينطوي علي مساس بالانضباط القانوني اللازم للشرعية الجنائية. ومن هنا، لا بد ان تنص دساتير الدولة التي تأخذ بالشريعة مصدرا لها علي انه لا جريمة ولا عقوبة الا بنص تشريعي. ومفهوم ان هذا النص التشريعي سيكون متسقا مع احكام الشريعة ما دام الدستور ينص عليها كمصدر للتشريع.
وقد تأخــــذ المفارقة الدســــتورية لمبدأ المساواة امام القانون شكلا طائفيا. ومثال ذلك ما ينص عليه القانون اللبناني من توزيع المقاعد النيابية في مجلس النواب علي اساس ديني وطائفي.
كما قد يأخذ الانتــهاك الدستوري لحقوق الانسان صورة الانحياز الايديولوجي الذي لا يفسح مكانا للمخالفين في الرأي او الانتماء السياسي. من ذلك ما نص عليه الدستور السوري الذي يؤكد قيادة حزب البعث للمجتمع والدولة، مما يعني عدم المشروعية الدستورية للتعددية السياسية.
ومن اخطر صور الانتهاكات التشريعية لحقوق الانسان في العالم العربي سماح المشرع العربي للسلطة التنفيذية باللجوء الي اعلان حالة الطوارئ بافراط. فأصبحت حالة الطوارئ حالة دائمة مستمرة دون وجود ما يستدعيها من اخطار، وتحول الاستثناء الي قاعدة (نموذج مصر وسورية والسودان). وتجرد حالة الطوارئ المواطن من كثير من حقوقه الدستورية مثل حرمة المسكن، والحرية الشخصية، وحرية الرأي والتعبير والصحافة، وسرية المراسلات، والحق في التنقل، والحق في الاجتماع. وهي تنزع قدرا من سلطة التشريع من يد البرلمان المنتخب وتضعها في يد السلطة التنفيذية او الحاكم العسكري (سلطة الطوارئ).

البنية السياسية

قد يبدو من الصعب لاول وهلة الحديث عن ملامح مشتركة لنظم الحكم في العالم العربي، وذلك بسبب التنوع الكبير في الانظمة القائمة التي تتراوح بين الملكية المطلقة، والجمهورية الثورية، والراديكالية الاسلامية. ولكن مزيدا من التأمل يكشف عن تقارب مثير للاهتمام في بنية وأساليب نظم الحكم العربية.

دولة الثقب الاسود

تجسد الدولة العربية الحديثة الي حد كبير التجلي السياسي لظاهرة الثقب الاسود الفلكية، حيث تشكل السلطة التنفيذية ثقبا اسود يحول المجال الاجتماعي المحيط به الي ساحة لا يتحرك فيها شيء ولا يفلت من اسارها شيء.
نجد هذه المركزية المتزايدة في الجهاز التنفيذي مضمنة في النصوص الدستورية للدول المعنية، التي تمنح رأس الدولة صلاحيات واسعة باعتباره الرئيس الاعلي للجهاز التنفيذي ولمجلس الوزراء وللقوات المسلحة وللقضاء والخدمة العامة.
اضافة الي الصلاحيات المطلقة المركزة في يد الجهاز التنفيذي، فان هناك آليات اضافية تتيح للحاكم مزيدا من تركيز السلطات في يده. وعلي سبيل المثال، فان ما يسمي بالاحزاب الحاكمة (ان وجدت) ما هي في الواقع الا مؤسسات تابعة للجهاز التنفيذي، حيث يتم تعيين المسؤولين الحزبيين (او المرشحين في حال الانتخابات) من قبل الرئيس الذي يعتبر في الوقت نفسه رئيس الحزب. وهذا يعني عمليا ان البرلمان يصبح جهازا بيروقراطيا يعينه الجهاز التنفيذي ولا يمثل الشعب بحق.
اضافة الي ذلك، فان الجهاز التنفيذي يستخدم القضاء العادي والاستثنائي لاقصاء وتحجيم الخصوم والمنافسين وحتي بعض الاتباع المتمردين. ويقترن هذا بما يسمي الفساد المسكوت عنه ، حيث يسمح للانصار المقربين باستغلال مناصبهم للاثراء غير المشروع، في حين يظل تطبيق القانون عليهم سلاحا مشهرا لضمان استمرار ولائهم الكامل.
وتعتبر اجهزة المخابرات هي الآلية الاهم في تعزيز سلطة الجهاز التنفيذي. وهذه الاجهزة ليست مسؤولة امام الاجهزة التشريعية او الرأي العام، اذ تخضع مباشرة لهيمنة الرئيس او الملك، وتملك صلاحيات تفوق صلاحيات اي جهاز آخر. يمتلك الجهاز الامني موارد هائلة، ويتدخل في جميع صلاحيات الجهاز التنفيذي خاصة فيما يتعلق بقرارات التوظيف وتقنين الجمعيات حتي اصبح من الشائع اطلاق صفة دولة المخابرات علي الدولة العربية المعاصرة.
ولئن تفاوتت الدول العربية في تجسيدها لهذه الملامح العامة، وخاصة في هامش الحريات الذي تسمح به دون ان تعتبره تهديدا، فان القاسم المشترك بين الانظمة هو تركيز السلطات في قمة هرم الجهاز التنفيذي، والتأكد من ان هامش الحريات المتـــــاح (الذي يمكن تضييقه بسرعة عند اللزوم) لا يؤثر في القبضة الصارمة علي السلطة.

ازمة الشرعية

في غياب شرعية تُستمد من ارادة الاغلبية، لجأت معظم الانظمة العربية الي الاستناد الي شرعيات تقليدية (دينية/قلبية) او ثورية (قومية/تحريرية) او ابوية تدعي الوصاية علي المجتمع بحكمه رب العائلة . بيد ان الفشل في التصدي للقضايا الكبري مثل قضية فلسطين والتعاون العربي، ووقف التدخل الاجنبي، والتنمية الانسانية، اضافة الي ضعف تمثيل الدولة العربية للقوي الفاعلة في المجتمع وقيام مواجهة بينها وبين هذه القوي جعلها تواجه ازمة شرعية مزمنة. فباتت بعض هذه الانظمة تركز في خطابها للجماهير علي شرعية الانجاز (او الوعد به) في مجالات محددة مثل الاقتصاد او السلام او الرخاء والاستقرار او المحافظة علي القيم والتقاليد.
وكان مجرد الحفاظ علي كيان الدولة في مواجهة تهديدات خارجية في بعض الاحيان انجازا يكرس الشرعية.
وتعضد بعض الانظمة الان شرعيتها باعتماد صيغة مبسطة وفعالة لتبرير استمرارها، وهي كون هذا النظام بعينه اهون الشرين، وخط الدفاع الاخير ضد الاستبداد الاصولي او ما هو اسوأ، اي الفوضي وانهيار الدولة وهو ما ما اسماه البعض شرعية الابتزاز .
ومع تآكل شرعية الابتزاز، بسبب الادراك المتزايد بأن عدم وجود البديل الصالح هو في حد ذاته ثمرة من ثمرات سياسات الانظمة التي اغلقت منافذ العمل السياسي والمدني بما يمنع تبلور البدائل، فان استمرارية دولة الثقب الاسود اعتمدت الي حد كبير علي اجهزة التحكم والدعاية اضافة الي تحييد النخب بالترغيب والترهيب والمسارعة الي عقد الصفقات مع قوي الهيمنة الاجنبية او الاقليمية او الي التكتل فيما بين الدول لتعزيز وضع النخب الحاكمة ضد القوي الصاعدة.


04-07-2005, 04:15 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #5
لقراءة تقرير التنمية العربية الخطير جد بالعربية ا لعام 2004
تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2004: نحو الحرية في الوطن العربي (3 من 3)
2005/04/06

الحرب علي الارهاب اقتصت مزيدا من حريات العرب والانظمة المستبدة اتخذتها ذريعة لقمع شعوبها
العرب يعيشون بين قلق الخراب القادم ووهم الازدهار الملتبس المتمثل بقوي اجنبية لا يهمها الحكم الرشيد
لندن ـ القدس العربي :
يطرح تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2004: نحو الحرية في الوطن العربي ، معالجة متعمقة لنقص الحرية والحكم الصالح في العالم العربي، ولعل هذه القضية هي الأشد حضورا في النقاش الدائر داخل المنطقة وخارجها في الوقت الراهن. وهذا التقرير هو الاصدار الثالث من سلسلة تقرير التنمية الانسانية العربية التي تستهدف طرح نواة فكرية تعين في صوغ مشروع النهضة عبر حفز نقاش جاد حوله في البلدان العربية.
لقد اضحت أزمة التنمية في الوطن العربي من الجسامة والتعقيد وتشابك الجوانب، بحيث اصبح اي اصلاح حق لاحدي النواحي المطلوبة لبناء نهضة انسانية في المنطقة يستلزم ان يمتد الي جنبات المجتمعات العربية كافة. فلم يعد الاصلاح الجزئي كافيا مهما تعددت مجالاته، بل ربما لم يعد ممكنا من الاساس بسبب احتياج الاصلاح الجزئي الفعال لبيئة مجتمعية حاضنة. ومن ثم، فان الاصلاح المجتمعي الشامل في البلدان العربية لم يعد يحتمل الابطاء او التباطؤ حرصا علي مصالح راهنة مهما كان نوعها. ذلك ان القيد السياسي هو الأكثر وطأة والأبعد اعاقة لغرض النهضة فيها.



القمع وافقار السياسة

يتأرجح وضع المجال السياسي العربي اليوم بين دول تنهج المنع القاطع لأي تنظيم حزبي وبين دول تسمح بتعدد حزبي مشروط غالبا ما يشمل بالتحديد حظر اهم واقوي حزب معارض مع انحياز الدولة الي حزب تنشئة السلطة ويسمي الحزب الحاكم . وتضع الدول التي تسمح بالعمل الحزبي عراقيل في وجه احزاب المعارضة تتمثل في حرمانها من الموارد والتغطية الاعلامية والتحكم في اجراءات الترشيح والانتخاب واستخدام القضاء والجيش والاجهزة الامنية لتحجيم نشاطها وملاحقة قادتها وناشطيها والتأثير في نتائج الانتخابات.
وتعاني احزاب المعارضة اضافة الي ما تواجهه من قمع رسمي من مشكلات داخلية لا تقل خطورة. فعلي الرغم من احتكام هذه الاحزاب نظريا في نظمها الي الديمقراطية، فان الممارسة تكشف عن تسلط النخبة السياسية النافذة في غالبية هذه الاحزاب فترتب عن ذلك ان اصبحت القيادات ابدية لا تنتهي في الغالب الاعم الا بالوفاة، مع استثناءات نادرة مما شكك في شعاراتها الحداثية والديمقراطية.
وهناك الانشقاق الطائفي الحاد في المجتمع السياسي بين الاحزاب الاسلامية من جهة، والاحزاب العلمانية من ليبرالية وقومية من جهة اخري (هذا مع وجود انقسامات طائفية اخري مذهبية وعرقية وقبلية واقليمية). وقد دفع هذا التشرذم الطائفي بعض الاحزاب والقوي السياسية الي تفضيل التعاون مع الحكومات غير الديمقراطية علي التعاون مع منافسيها الحزبيين لارساء اسس حكم ديمقراطي يكون مفتوحا للجميع.
وادي وضع العراقيل امام مشاركة احزاب المعارضة في السلطة، الي تهميش بعض الاحزاب وضمورها. كما ولد قدرا كبيرا من عدم الثقة في العملية السياسية برمتها ودفع بالبعض الي اختيار العمل السياسي السري وانتهاج اساليب العنف والارهاب او الي السلبية السياسية. من جهة اخري ولد اغلاق الفضاء السياسي اقتناعا لدي بعض الناشطين والباحثين بضرورة التعويل علي منظمات المجتمع المدني وخاصة النقابات والمنظمات المهنية باعتبارها المؤهلة اكثر من الاحزاب السياسية العربية لقيادة المجتمع العربي نحو التنمية والديمقراطية.
الا ان المجتمع المدني يواجه مشكلة المجتمع السياسي مع السلطة بصورة لا تقل عنفا، حيث تسعي السلــــطة الي الهيمــــنة علي مؤسسات المجتمع المدني بطريقة مباشــــــرة او غير مباشرة عبر استراتيجية ثنائية مـــــن الاحتواء والقمــــع. كما تعاني بعض منظمـــــات المجتمع المدني من تبعيتها للاحزاب السياسية العربية التي تتخذها واجهة لتوسيع نفوذها السياسي في الاوساط الشعبية مما يفقدها القدرة علي المبادرة والحركية الذاتية.
ونتيجة لهذا كله لم تحقق منظمات المجتمع المدني الآمال المعلقة عليها في تجاوز الازمة السياسية القائمة، بل اصبحت بدورها اسيرة لها وجزءا من تجلياتها.
تلازم مناخ القمع واشاعة الفساد

كان الفساد الاقتصادي نتيجة طبيعية للفساد السياسي. ويأخذ الفساد في بعض البلدان شكل الفساد البنيوي ، حيث يعتبر الاستغلال الشخصي للمنصب والتصرف في المال العام امرا طبيعيا في العرف السائد (مثل اخذ العمولات في الصفقات مع الدولة). ويأخذ شكـــــل الفساد الصغير في بلدان اخري ويقصد به اضطرار المواطنين في البلدان العربية للجوء الي توظيف الوساطة والمحسوبية، او لدفع رشوة، للحصول علي خدمات كثيرا ما تكون مشروعة، او لتفادي عقاب ما من جهات الادارة.
واذا كانت معالجة الفساد تحتاج الي اجراءات تشمل، فيما تشمل، اصلاح الاوضاع الاقتصادية وتفعيل القانون وآليات المحاسبة وضمان الشفافية في الحكم فان الفساد البنيوي لا علاج له الا باصلاح جذري للبنية السياسية.

سلسلة خنق حرية الفرد

انعكست ازمة البنية السياسية علي التنظيم المجتمعي في البلدان العربية بحيث بات هذا الاخير يحمل بذور وأد الحرية. اذ يمكن تشبيه هيكل تنظيم المجتمع في البلدان العربية علي شدة تنوعه بسلسلة متشابكة الحلقات ـ تبدأ من التنشئة في نطاق الاسرة مرورا بمعاهد التعليم وعالم العمل والتشكيلة المجتمعية وانتهاء بالسياسة، في الداخل ومن الخارج ـ حيث تقتص كل حلقة من الفرد قسطا من الحرية وتسلمه، مسلوبا ذلك القسط من حريته، الي الحلقة التالية من السلسلة لتقتص بدورها نصيبها من حرية الفرد.
تقوم الأسرة وحدة المجتمع العربي، الي حد يتفاوت من سياق مجتمعي لاخر، علي العصبية التي تفرض الرضوخ والتبعية، والتي تعتبر عدوة للاستقلال الذاتي والتجرؤ علي الفكر وبناء كيان فريد واصيل. وقد اشتدت العصبية وقوي تأثيرها السلبي علي الحرية والمجتمع بسبب غياب او ضعف البني المؤسسية، المدنية والسياسية، التي تحمي الحقوق والحريات وتساند كينونة الانسان. فكان عندها البديل الوحيد المتاح للفرد هو الاحتماء بالولاءات الضيقة التي توفر له الامن والحماية. وقوي من العصبية ايضا قلة فعالية القضاء وتقاعس السلطة التنفيذية عن انفاذ احكامه، مما يجعل المواطنين غير مطمئنين علي حقوقهم خارج اطار العصبية.
وما ان يدخل الطفل المدرسة، حتي يجد مؤسسة تعليمية تغلب علي المناهج واساليب التعليم والتقييم فيها نزعة التلقي والخضوع التي لا تسمح بالحوار الحر والتعلم الاستكشافي النشط، ولا تفتح، من ثم، الباب لحرية التفكير والنقد، بل تضعف القدرة علي المخالفة وتجاوز الراهن. ويتركز دورها المجتمعي في اعادة انتاج التسلط في المجتمعات العربية.
ولكن التعليم، علي تعدد اوجه قصوره، وخاصة عند الوصول الي مراحله الاعلي، يبقي مصدرا اساسيا للمعرفة والاستنارة، وخميرة لقوي التغيير.
وعندما يتخرج الطالب، وبعد ان يقدر لفترة البطالة ان تنقضي، يلتحق بأدني درجات سلم مقيد جامد. خاصة في الخدمة المدنية.
وفي عالم السياسة تكتمل حلقات سلسلة خنق الحرية، حيث يزيد من الواقع القهري علي الفرد ضيق المجال العام وضعف منظمات المجتمع المدني التي يمكن ان يحتمي بها الشخص من ضعفه كفرد مما يعظم من قدرة قوي القمع علي البطش بحريات الافراد ناهيك عن تنزيل القهر من العالم الخارجي.
ويتحول حصار سلسلة خنق الحرية، مع الوقت، الي حصار داخلي للذات. يصبح فيه الانسان علي نفسه رقيبا، يحارب في ذاته كل نواة للقول والفعل. وقد دفعت هذه التركيبة المعقدة بمواطنين، وحتي مثقفين عرب الي حالة من الاستكانة يغذيها الخوف ـ الانكار لواقع القهر الرديء. بل والرضوخ السلبي له. ولكن ثمة شواهد علي ان تزايد الضيق بواقع القهر قد وصل الي حالة من الاستنفار تهدد الرضوخ ـ الانكار المعتاد، حتي بين فئات مجتمعية كانت حتي وقت قريب تعد من دعائم نسق الاستبداد الراهن وتدفع الانسان للمطالبة بالحرية.

نمط انتاج يكرس الحكم التسلطي

يفصم نمط انتاج الريع العلاقة الاساسية بين المواطنين كمصدر للايرادات العامة من خلال الضرائب وبين الحكم، باعتباره معتمدا علي تمويل المواطنين لاداء مهامه، ومن ثم معرضا لمساءلته عنه في كيفية استخدامه لموارد الدولة التي يقدمها المواطنون من خلال دفع الضرائب، بل يتاح للحكم في نمط انتاج الريع ان يلعب دور المانح، السخي احيانا، الذي لا يطلب مقابلا في صورة ضرائب او رسوم. ويحق لهذا المانح ـ المانع من ثم، توقع الولاء في ظل ذهنية العصبية من رعاياه.

التوق الي الحرية والعدل في الثقافة الشعبية

ليس ادل علي اتقاد التشوق للحرية والعدل في الوجدان العربي من مركزية مفاهيم الحرية والعدل في الثقافة الشعبية العربية، والنضال من اجلهما في مواجهة ابنية القهر والاستبداد.
وينهض اعظم تجليات هذا التراث الادبية دليلا ساطعا علي تمجيد حلم الحرية . فقد ادت السير والملاحم الشعبية في عصور الظلام والتفكك والضعف العربية، دورا عميقا في التعبير عن السخط والظلم والقهر والجبروت. وعن النزعة الي توحيد الصفوف وتحرير البلاد، والتعبير عن الحلم بعالم افضل. وذلك بـ صناعة الابطال الشعبين او الملحميين الذين يقهرون ذلك الواقع الجارح . تموج الثقافة الشعبية بشتي اشكال التعبير الشعبي عن الحرية، وبخاصة في الاهازيج والاشعار الشعبية.

بيئة عالمية واقليمية تقتص مزيدا من الحريات

يتعذر فهم اشكالية الحرية في البلدان العربية من دون اعمال النظر في دور العوامل الاقليمية، وتلك الوافدة من خارج المنطقة، خاصة العولمة ونسق الحكم علي الصعيد العالمي.
يمكن للعولمة، من ناحية ان تدعم حرية الفرد نتيجة للتقليل من قدرات الدول علي قهر الناس، خاصة في مجال الافكار والتصورات. كما انها يمكن ان توسع فرص الناس في التوصل للمعرفة وتفسح آفاق الوجود الانساني المتحضر من خلال سهولة الاتصال وانتقال الافكار. وعلي وجه الخصوص تتيح فرص العولمة امكان دعم الحرية من خلال تقوية المجتمع المدني عبر التشابك بين منظماته خاصة باستعمال تقنيات الاتصال والمعلومات الحديثة.
غير ان في العولمة حبسا انتقائيا للحرية علي صعيد العالم، من خلال التقييد الانتقائي لتدفق المعرفة في مجالات حيوية. وايضا في مجال انتقال البشر.
ومع العولمة فقدت الدولة جزءا من سيادتها لمجموعة من الفاعلين الدوليين كالشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية، خاصة في مجالات الاقتصاد، مما اصبح يستلزم تطوير بنية الحكم، المتمثلة في منظومة الامم المتحدة. علي الصعيد العالمي. الا ان هذا لم يتحقق، فقد ادي انتهاء التوازن بين القوتين العظميين والانتقال الي عالم احادي القطب الي اضعاف المنظمة العالمية او تهميشها، مما انعكس سلبا علي الحرية في العالم العربي. فقد ادي الاستخدام المتكرر لحق النقض او التلويح به من جانب الولايات المتحدة، الي الحد من فعالية مجلس الامن في احلال السلام في المنطقة، كما ساهم في زيادة المعاناة الانسانية. وفي خلق حقائق جديدة علي الارض كقيام اسرائيل ببناء المستوطنات وجدار الفصل التوسعي الذي يبتلع المزيد من الارضي الفلسطينية. وفي ظل هذا الوضع، اصبح التوصل الي حل عادل ودائم في فلسطين حلما بعيد المنال.
ودفع هذا بالعديد من ابناء المنطقة الي ان يفقدوا الامل في عدالة الحكم علي الصعيد العالمي وفي قدرته علي انصافهم. وقد يؤدي ذلك كله الي تغذية دوامة من العنف والعنف المضاد.
من ناحية اخري، اقتصت الحرب علي الارهاب مزيدا من حريات العرب فعلي الرغم من ان تصريحات المسؤولين في الغرب تؤكد علي ان نشر الحرية والديمقراطية يشكل الحل الامثل للتصدي لظاهرة الارهاب في الاجل الطويل، الا ان الممارسة الفعلية تدل علي تشدد مبالغ فيه من قبل كثير من البلدان الغربية في تشريعاتها الامنية. وكان من الاثار الجانبية المؤسفة لذلك التشدد ان اصبح العرب بصورة متزايدة ضحايا للتنميط، والمضايقة غير المبررة، او الاحتجاز دونما سبب. وفي الوقت نفسه، فان عددا من الحكومات في العالم العربي قد تذرعت بالخوف من الارهاب لاتخاذ اجراءات فرضت بموجبها قيودا اكثر تشددا علي مواطنيها.
وعلي المستوي القومي، فشلت الترتيبات المؤسسية الحالية للتعاون العربي في دعم التنمية العربية جوهريا. وفي الحفاظ علي الامن والسلام في المنطقة العربية.

رؤية استراتيجية: بدائل مستقبل الحرية والحكم

لا شك في ان مسيرة التحديث في البلدان العربية قد اسفرت عن انجازات ملحوظة خاصة في مجالات مكافحة المرض، وفي اقامة البني الاساسية والنشر الكمي للتعليم، وزيادة ادماج المرأة في المجتمع.
علي ان الدول العربية لم تف بعد بطموحات الشعب العربي في النماء والامن والتحرر بمعايير القرن الحادي والعشرين وان قامت فروق بين بلد عربي واخر في هذا المضمار. بل هناك ما يشبه الاجماع علي وجود خلل كبير في الاوضاع العربية، وعلي ان المجال السياسي تحديدا، هو موطن هذا الخلل ومحوره.

بدائل المستقبل العربي

وحيث ان السلطة القائمة لم تنجز اصلاحا جوهريا من داخلها بما يصوب المسيرة ويعزز الامل في مستقبل افضل، ينفتح المستقبل للعرب علي بدائل شتي، بعضها كارثي وبعضها الاخر واعد.

مسار الخراب الآتي

ان استمرار الاوضاع الراهنة، من عجز تنموي يلازمه قهر في الداخل واستباحة من الخارج، يمكن ان يفضي الي تعميق الصراع المجتمعي في البلدان العربية. وفي غياب آليات سلمية، ولكن ايضا فعالة، لمكافحة المظالم التي يتمخض عنها الواقع العربي الراهن، قد يلجأ بعضهم لاشكال من الاحتجاج العنيف تتزايد معه فرص الاقتتال الداخلي. وقد يفضي ذلك الي تداول قادم للسلطة يتأتي عن العنف المسلح، بما ينطوي عليه من خسارة انسانية لا تقبل مهما صغرت ولا تحمد عقباها بالضرورة، خاصة فيما يتصل بطبيعة التنظيم السياسي الذي قد يتولد عنه.

مسار الازدهار الانساني

ان السبيل لتلافي بديل الخراب الآتي هو التداول السلمي العميق للسلطة من خلال عملية تاريخية تتبناها جميع الشرائح المناصرة للاصلاح في عموم المجتمع العربي في السلطة وخارجها علي مختلف الجبهات باطراد، وبالسبل الديمقراطية كافة، بهدف تعزيز الحريات والحقوق. والنتيجة المتوخاة هي اعادة توزيع القوة في المجتمعات العربية بما يوصلها لمستحقيها من السواد الاعظم من الناس. والعمل علي اقامة نسق للحكم الصالح يشكل اساسا متينا لنهضة انسانية في الوطن العربي.
مسار وسط: الاصلاح المدفوع من الخارج

في المنظور الواقعي، قد يتبلور المستقبل العربي علي مسار ما بين هذين البديلين، ونقصد ما يمكن ان يتمخض عنه الضغط الخارجي، الذي يمكن ان يدفع موجة من الاصلاح الداخلي في البلدان العربية. وهذا البديل الملتبس قد لا يرقي لبديل الازدهار الانساني . ذلك انه قد ينطوي علي التخضع للضغط من الخارج وفق رؤي قوي اجنبية لاتتقاطع بالضرورة مع الحرية والحكم الصالح، خاصة فيما يتصل بالتحرر والاستقلال الوطني وطبيعة النظام المنشود.
والتحدي الذي يواجه قوي النهضة في الوطن العربي هو كيفية التعامل مع هذا البديل بما يعزز مسار الاصلاح من الداخل، ويقلل ما امكن من مساويء هذا البديل الجوهرية.
وفي جميع الاحوال، فان اي تعاون مع منظمات اهلية او رسمية غير عربية سيكون مجديا اذا ما احترمت جميع الاطـــراف مباديء اساسية نجملها في:
الاحترام البات لكامل منظومة حقوق الانسان علي صعيد العالم اجمع وتجريم الانتقاص من حقوق الانسان ايا كان مصدر الانتهاك.
احترام حق العرب في ايجاد طريقهم الخاص الي الحرية والحكم الصالح عبر ابداع قوي المجتمعات العربية، دون فرض نماذج مسبقة.
القبول بادماج القوي المجتمعية الفاعلة كافة في نسق للحكم الصالح يضمن شمول التمثيل الشعبي ومقاومة التوجهات الاقصائية.
الالتزام بنتائج تعبير الارادة الشعبية عن نفسها.
التعامل مع الشعوب العربية من منطق شراكة الانداد لا من منطق الوصاية.

مضمون الاصلاح المطلوب في البنية
المجتمعية العربية لضمان الحرية

يتطلب قيام مجتمع الحرية والحكم الصالح اصلاحا متكاملا لنسق الحكم في ثلاثة نطاقات مترابطة: داخليا واقليميا ودوليا.

الاصلاح الداخلي

يتطلب الاصلاح الداخلي اصلاحا مؤسسيا للدولة وللمجتمع المدني والقطاع الخاص لتعزيز مباديء الادارة الرشيدة. كما يتطلب تصحيحا لمسار التنمية، واصلاحا سياسيا يشتمل علي ما يلي:

الاصلاح في الممارسات: لا بد لاي اصلاح ان يعطي اولوية قصوي لاصلاحات ثلاثة لا تحتمل التأجيل:
الغاء حالة الطواريء.
القضاء علي التمييز ضد الجماعات الفرعية.
ضمان استقلال القضاء.

الاصلاح القانوني: يتطلب اصلاح النظام القانوني في بعض الحالات اصلاحات دستورية. وفي اخري اصلاحات في التشــــريعات، ليصبح النظام متوافقا مع القانون الدولي لحقوق الانسان، وليصبح فعالا في حماية حقوق الانسان والحريات في الواقع الفعلي.
وفيما يتعلق بالدساتير، بات من الضروري اصلاحها لتحقيق عدم تأييد السلطة السياسية وجعلها سلطة مسؤولة عن تصرفاتها امام الاجهزة القضائية والهيئات التمثيلية المنتخبة، وضمان التعددية الفعلية في نظام سياسي يقوم علي مبدأ المساواة.
كما بات مطلوبا ان تضمن الدساتير العربية جميع الحقوق والحريات الاساسية، وان يرد نص صريح فيها علي عدم مشروعية قيام التشريع بتقييد الحقوق والحريات الاساسية في معرض تنظيمه لها.
ولا بد من اصلاح التشريعات الخاصة بمباشرة الحقوق السياسية باتجاه تكريس مبدأ المساواة بين جميع العناصر المكونة لنسيج الوطن علي اساس مبدأ المواطنة. ولا بد ان تضمن القوانين حرية المواطنين في تشكيل منظـمات المجتمع المدني وفي اقامة احزابهم وحق الاحزاب في مباشرة نشاطها السياسي السلمي. كما بات ملحا تعديل التشريعات العربية، بما يضمن الحماية من التعرض للحرية الشخصية، بالقبض غير القانوني والتعذيب والاعتقال الاداري والاختفاء القسري.
اصلاح البنية السياسية: يكمن الاصلاح الرئيسي في هذا المجال في اخضاع قيادات الحكم للاختيار الشعبي المباشر، ويمر الطريق اليه بانهاء احتكار الجهاز التنفيذي للسلطة وتهميشه لاجهزة الدولة الاخري وعرقلته للتطور الحر والصحي لقوي المجتمع وطاقاته، وفي بعض البلدان، يتطلب ذلك الفصل بين جهاز الدولة وبين الحزب الحاكم بحيث لا يحظي هذا الحزب بميزة استخدام الخدمات التي تقدمها الدولة لدعم وترسيخ وجوده اخلالا بقاعدة المساواة امام القانون. ولكي يحقق الاصلاح مبتغاه، فان هناك واجبات ومسؤوليات تقع علي عاتق الدولة وقوي المجتمع كافة.
يترتب علي الدولة اطلاق حريات التعبير والتنظيم، وفتح حوار مباشر وفوري مع كل القوي الفاعلة في المجتمع والمحافظـة علي استقلالية وسلامة مؤسسات الحكم، اضافة الي اجراء اصلاح شامل في بنية الاجهزة الامنية ووظيفتها. ويشمل ذلك ان تحترم كل هذه الاجهزة القانون، وان تكون في خدمة الشعب والوطن لا شخص الحاكم او الحزب او الطائفة او القبيلة.
ويترتب علي نخب المجتمع السياسي ان تسعي لتطوير خطاب بناء غير اقصائي، والاجتهاد في ايجاد القواسم المشتركة بين جميـــــع القوي السياسية للخروج من حالة الاستقطاب والتشرذم التي طفقت تسد الطريق علي اي تحـــــول ديمقراطي حقيقي في الوطن العربي. وعليـــــها ايضا ان تحدد بوضوح التزامها بالحلول الديمقراطية لكل خلافاتها.
اما مؤسسات المجتمع المدني، فلا بد لها من تطوير صياغ عمل واطارات نظرية ملائمة لتوطين النشاط المدني والحقوقي بصورة تضمن مشاركة واسعة وفعالــــة من قطاعات المجتمع كافة اضافة الي العمل علي تعزيز استقلاليتها وانشاء شبكات من المنظمات والجمعيات التي تتلقي حول الاهداف نفسها.
وفي مجال التمثيل النيابي، لا بد من البدء باقرار مبدأ المساواة التامة في المواطنة وعدم الاستبعاد من التمثيل النيابي علي اي معيار، كما يستحسن اتباع سياسات تقوم علي مبدأ التمييز الايجابي لصالح الفئات المهمشة، منها تخصيص حصة لابناء وبنات الجماعات الفرعية والنساء في المناصب الحكومية وفي المجالس النيابية، مع اقرار مبدأ التنافس داخل الحصص. كما بات لزاما انشاء لجان خاصة للنزاهة في المجالس النيابية لمنع النواب من استغلال نفوذهم السياسي.

المستوي القومي

يعني التحول نحو الحكم الصالح علي الصعيد القومي في الوطن العربي الانتقال من نسق الحكم الاقليمي القاصر القائم حاليا الي تنويعه من ترتيبات الحكم الاقليمي المتوجهة نحو التكامل. ويقترح ان يقوم الجهاز الاقليمي بانشاء آليات لفض المنازعات. وربما للدبلوماسية الوقائية، بين الدول. كما بات من الضروري ان تقوم الدول العربية بابرام ميثاق عربي جديد لحقوق الانسان يتمشي مع كامل منظومة حقوق الانسان، ويوفر الاليات اللازمة لوقف الانتهاكات علي المستوي الوطني والقومي. ولعل ابرز هذه الاليات انشاء مجلس عربي لحقوق الانسان، ومحكمة عربية لحقوق الانسان يتاح فيها للافراد ان يتقدموا بشكاواهم مباشرة ضد حكوماتهم.

الحكم علي الصعيد العالمي

اضحي هذا النسق بحاجة الي اصلاح يتيح قنوات سلمية وفعالة لفض المنازعات، من خلال اطار من القواعد العادلة واليات فعالة يخضع لها الجميع، القوي قبل الضعيف. ويستلزم ذلك تطوير المنظمة الدولية لتصبح سلطة محايدة قادرة علي المساهمة في توفير الامن والسلام والازدهار للبشرية جمعاء، علي اساس متين من حقوق الانسان والعدالة والرخاء للجميع.
وفي ضوء مصداقية منظومة الامم المتحدة التي ستعزز في حالة تطويرها، يمكن لها ان تساهم في التحول نحو الحرية والحكم الصالح في البلدان العربية من خلال ضمان تحقق الاصلاح القانوني الابتدائي المطلوب لحرية تكوين منظمات المجتمع المدني ونشاطها، وضمان توافر الشروط اللازمة لحيدة ونزاهة الانتخابات.

انفاذ التداول السلمي العميق
للسلطة في البلدان العربية وصولا للحرية
والحكم الصالح في بديل الازدهار الانساني

تمر سلسلة الاحداث الناظمة للتحول التاريخي المطلوب لبناء مجتمع الحرية والحكم الصالح، بمحطات عدة، وحيث ان مدي الرؤية يتناقص كلما ابتعد الافق الزمني في المستقبل، وتزداد من ثم فرص قيام تنويعات عديدة علي بدائل الفعل المستقبلي، سنقتصر هنا علي المشهد الاول، الذي يعد في تقديرنا المعيار الجوهري للحكم علي جدية عملية الاصلاح في البلدان العربية.
يشتمل هذا المشهد المفتتح علي اطلاق الحريات المفتاح للرأي والتعبير والتنظيم في البلدان العربية، والقضاء علي جميع اشكال الاقصاء خارج المواطنة والتمييز ضد الجماعات الفرعية، والغاء جميع اشكال القانون الاستثنائي مثل حالة الطواريء والمحاكم الاستثنائية وتكريس مباديء الشفافية والافصاح في نشاط مؤسسات المجتمعات العربية كافة.
وعلي هذا الاساس يتطلب هذا المشهد بداية اصلاحا تشريعــــيا وتنظيميا يحقق الحريات المفتاح واستقـلال القضاء ويحدد مهام اجهزة الامن في دورها الاصيل لحماية امن الوطن والمواطن.
والمنتظر ان مناخ الحرية الذي يتبلور باطلاق الحريات المفتاح، ويتحقق باقي الشروط الضرورية، سيؤدي الي قيام مؤسسات صالحة في المجتمعين المدني والسياسي علي الصعيدين القطري والقومي، بما يمهد السبيل لنشأة المشاهد اللاحقة من مسيرة الازدهار الانساني في الوطن العربي.

مختتم: سدرة المنتهي

قد يبدو من التحليلات السابقة ان ديار مجتمع الحرية والحكم الصالح في البلدان العربية دونها اهوال، وهذا صحيح لا مراء فيه، ولكن علينا ان نتذكر ان منتهي هذه المسيرة العسيرة مقصد هو من النبل بحيث يستحق العناء.
وقد آن الاوان لتعويض ما فات. والمؤمل الا تتأخر الامة العربية مرة ثانية عن الامساك بالمسار التاريخي المؤدي الي الموقع الذي يليق بها في عالم جديد شجاع ونبيل تسهم في اقامته وتنعم بالانتماء اليه.


04-07-2005, 04:16 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #6
لقراءة تقرير التنمية العربية الخطير جد بالعربية ا لعام 2004
تقرير التنمية العربية:
نحو تجديد النقاش
جوزف سماحة




لم تنجح العرقلة الأميركية كثيراً، ولا التهديدات. صدر تقرير <<التنمية العربية للعام 2004>> أخيراً. عنوانه: <<نحو الحرية في الوطن العربي>>.
تفيد قراءة التقرير الذي يشرح أسباب نقص الحرية في بلداننا أن الوثائق الأخرى التي تهطل بغزارة منذ سنتين ونيف باهتة جداً وسطحية. التقارير الرسمية (عن القمة العربية) أو المرعية من جهات رسمية (الإسكندرية، صنعاء...)، أو المموّلة بالاشتراك بين مؤسسات أميركية والقطاع الخاص العربي، كل هذه التقارير لا تقول سوى القليل وتقوله، فوق ذلك، بصورة مشوّهة.
إلا أنه من الضروري، ربما، عقد مقارنة بين ما هو في أيدينا وبين ما أصدرته الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو قمة سي إيلاند. والمقارنة واجبة لأن الرئيس جورج بوش وضع سياسته لإعادة هيكلة <<الشرق الأوسط الكبير>> تحت عنوان <<إنهاء الطغيان في العالم>>.
هذه أبرز المحاور لما صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي:
أولاً توزيع المسؤوليات عن النقص في الحرية أقرب ما يكون إلى العدل. ثمة أسباب داخلية طبعاً ولكنها اقتصادية واجتماعية وسياسية (لا ثقافية) ويتحمّل دعاة تغليب التحرّر الوطني والقومي قسطهم. ولكن ثمة أسباب خارجية مباشرة: الاحتلال في فلسطين، وفي العراق، والإرهاب والتدابير المتخذة باسم الحرب على الإرهاب. ولكن الجديد، في وثيقة ذات شرعية دولية، هو التطرق إلى عاملي اكتشاف النفط ونشوء إسرائيل، والتركيز على أن سياسات الدول الغربية انحكمت بهذين العنصرين واندفعت نحو تأييد الأنظمة القمعية التي تحفظ مصالحها وتهادن إسرائيل. والملاحظ، هنا، أن واضعي التقرير يشرحون ما <<يتعفّف>> مسؤولو الإدارة الأميركية عن شرحه في معرض النقد الذاتي الذي يجرونه لقلة اهتمامهم بالقضية الديموقراطية في العقود الأخيرة. يبدو الأمر، من واشنطن، وكأن الله قذف نوراً في صدر جورج بوش فاستفاق على هذه الحقيقة.
ثانياً التفسير المعطى لنقص الحرية يلامس البنى الاجتماعية العربية والتأثيرات الخارجية. إنه تفسير ينفي العامل الثقافوي (تناقض الإسلام أو العروبة مع الديموقراطية). غير أنه، وفي السياق نفسه، يرفض نظريات <<المحافظين الجدد>> بدءاً من برنارد لويس إلى دانيال بايبس عن أن عملية تزوير قامت بها الأنظمة الديكتاتورية فوجهت حقد مواطنيها نحو الخارج.
ثالثاً ينتقد التقرير، بقسوة، العمليات التجميلية التي تقوم عليها بعض الأنظمة ويعتبرها غير كافية وجزئية. وهو يعارض، بذلك، العلامات الطيبة التي يوزعها أركان الإدارة على حلفائهم
كلما أقدموا على خطوة ناقصة. ولعل السبب هو أن واضعي التقرير ينطلقون من إدراك التطلع العربي إلى الديموقراطية في حين أن الآخرين يراوغون في أسوأ الأحوال، أو، في أحسنها، يصدرون عن نظرة أبوية تقول إن هذا القليل كثير على من يقوم به.
رابعاً إن أهم ما في التقرير، الأهم على الإطلاق، هو أنه يذهب مباشرة إلى اللب السياسي للمشكلة، إلى ما يسميه <<الثقب الأسود>>: إنه السلطات التنفيذية التي تصادر المجتمع وتصادر التشريع وتصادر القضاء وتصادر الأمن. إن القرّاء مدعوون إلى مقارنة بين الوارد في التقرير وبين كل ما صدر عن جهات أميركية وغربية. سيكتشفون هذه الحقيقة: إن دعوات الإصلاح الخارجية لا تقترب إطلاقاً من قدس الأقداس هذا، تحور وتدور وتتجنب ذكر السلطات التنفيذية في الوطن العربي واحتكارها للحكم.
خامساً في استطراد ما تقدم يفرد التقرير حيزاً واسعاً للكلام عن <<الأحزاب السياسية>> العربية. وهذا طبيعي. فبمجرد أن يكون موضوع السلطة هو المطروح لا يعود ممكناً تجنب الحديث عن الأحزاب وضرورة إطلاق حريتها في العمل وتوفير الشروط الدنيا لاحتمال التداول.
سادساً يتوسع التقرير في تعريفه لحقوق المواطن. يتقاطع، هنا، مع الدعوات الأميركية (المرأة، الإعلام، الشباب...) لكنه يتجاوزها ليتحدث عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية...
سابعاً يناقش التقرير <<الإصلاح الجزئي>> ويطالب بما هو أكثر جذرية منه، ولكنه يضع ذلك في <<مواجهة التحديات الخارجية والداخلية>>.
النص أكثر ثراءً طبعاً من هذا التلخيص. ولكن الذي يقفز إلى الأعين أنه يختلف كثيراً عن مزاعم <<الثورة الديموقراطية>> التي يدعونا إليها بوش. ففي هذه الثورة يبدو أن <<الثلاثي>> المدعو إلى القيام بها يتشكّل من السلطات (الصديقة)، والمجتمع المدني، ورجال الأعمال. ويتم، عبر تحديد هذا <<الثلاثي>>، تجنب المسألة السياسية برمتها، وعدم الإشارة إلى أي دور للأحزاب، والتشجيع على النيوليبرالية والانفتاح التجاري.
وفي الإمكان البرهنة على أن هذا <<الثلاثي>> ومهماته يلتقي مع نظرة الولايات المتحدة إلى مصالحها أكثر مما يلتقي مع نظرة شطر واسع من النخب العربية إلى المصلحة الوطنية والقومية.
إن واشنطن لم تفك أي تحالف مع سلطات القمع فهي تحتاجها في <<الحرب على الإرهاب>>. وفي تطويق <<الدول المارقة>>، وفي مكافحة انتشار الأسلحة غير التقليدية، وفي الاستسلام أمام إسرائيل. فضلاً عن ذلك إن الولايات المتحدة حريصة على الاستقرار الإجمالي لحلفائها وذلك بقدر نجاحه في تأمين مصالحها الاقتصادية والتجارية والنفطية.
إلى ذلك فإن واشنطن تفضل منظمات المجتمع المدني على الأحزاب لأنها، بالضبط، تود تجنب مسألة السلطة، ولأنها تدرك ضعف التيارات السياسية الموالية للغرب باسم ليبرالية مزعومة، ولأنها أقدر على التحكّم بهذه المنظمات، أو بعضها، تمويلاً وتدريباً ومشاريع، وأقدر، أيضاً، على تعيينها ممثلة لمجتمعاتها.
وإذا كانت واشنطن دائمة الاستحضار لرجال الأعمال فذلك من أجل تغييب النقابات والناشطين الاجتماعيين. صحيح أن الحريات الاقتصادية ناقصة، وصحيح أن الاشتراكية لم تعد شعاراً راهناً، ولكن الأصح هو أننا لا نعرف، في بلادنا، قطاعاً خاصاً مستقلاً ويملك مشروعاً يتجاوز الأنظمة، ولكننا نعرف، في المقابل، أن حجم المشاكل الاجتماعية ليس من النوع الذي يمكن ل<<سخاء>> رجال الأعمال حله.
ثمة تصوران. أحدهما أكثر التصاقاً بالمنطقة وهمومها ومشكلاتها. الثاني أكثر إطلالة عليها من الخارج وإخضاع إصلاحها، بعد تعريف مشكلاتها، لأجندة أجنبية. وكما جاء في التقرير الأخير من أن الأنظمة تتيح قدراً من الحرية لا يهدد قبضتها على المجتمع فإن الولايات المتحدة لا تعارض قدراً من الديموقراطية لا يهدد مصالحها.
يتقدم <<النقاش الإصلاحي>> في العالم العربي، وسط النخب على الأقل. ولكن المحاولة التي جرت لتحويل تقارير دولية إلى مادة لهذا النقاش قد لا تتكرر مع الأخير. فهو لا يتحدى فحسب المفاهيم الغربية عن الإصلاح المطلوب عربياً وإنما، أيضاً، وخاصة، تبسيطية الليبراليين العرب، أو بعضهم على الأقل. فضلاً عن ذلك يتحدى التقرير دعاة خنق الديموقراطية بما هو أسمى منها (القضية الوطنية) وهو الأمر الذي قادنا إلى خسارة مزدوجة ديموقراطية ووطنية.
04-07-2005, 11:16 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Jupiter غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,240
الانضمام: May 2003
مشاركة: #7
لقراءة تقرير التنمية العربية الخطير جد بالعربية ا لعام 2004


أشكرك يا فضل على نقل التقرير والمقالات وقد وجدت بالصدفة هذا التقرير في أحدى المكتبات القريبة وتصفحته وحين أردت شراءه وجدته ب 60 دولار فتركته وقررت شراءه من على الشبكه ب10 دولار يااخي اصحاب مكتبات حرامية بالفعل
04-07-2005, 11:52 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #8
لقراءة تقرير التنمية العربية الخطير جد بالعربية ا لعام 2004
Jupiter


جوبيتر لماذا تدفع فالنسخة العربية من التقرير يمكن انزالها مجانا

ها انا اقراه انه بالفعل تقرير خطير جدا ويجيب عن اسلة جوهرية تمس وضعنا خضعت فى السابق لحوارات نظرية شديدة لكنها الان تصاغ بطريقة اكاديمية وعلمية
04-08-2005, 01:25 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  تقرير خاص :حقيبة اسرار القذافي بحوزة الاسد والشيخ تميم يتصل بالاسد the special one 2 959 05-01-2012, 08:25 PM
آخر رد: Free Man
  تشاؤمات أبو علي الشيباني لعام 2012 مؤمن مصلح 7 6,272 04-05-2012, 05:42 PM
آخر رد: مؤمن مصلح
  موقع "الحوار المتمدن" يحوز على جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر لعام 2010 بسام الخوري 1 4,168 10-10-2010, 10:13 PM
آخر رد: هاله
  تقرير مركز بيوالأمريكي حول الأقليات في مصر ((الراعي)) 3 2,061 02-14-2010, 12:03 PM
آخر رد: طريف سردست
  ملاحظات بعد إقرار تقرير غولدستون المهاجر الفلسطيني 3 1,380 10-18-2009, 09:51 AM
آخر رد: المهاجر الفلسطيني

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS