عسس محاكم التفتيش


مشكلة البعض من الناس أنهم يريدون من الآخرين أن يفكروا مثلهم وأن يسيروا على ذات المنهج الذي يسيرون وأن يفرضوا على الآخرين مفاهيمهم التي يدينون بها ظنا منهم بأنها هي الحقيقة المطلقة، بالضبط كما يدعي السنة السلفيون عندما تناقشهم فيقولوا لك بلا منازع أن جميع فئات المسلمين في النار الا واحدة وهي الفرقة الناجية ويقصدون أنفسهم طبعا!!...

ومن هؤلاء الناس باسم البركات فهو يعتقد إنه الحقيقة المتحركة على الأرض ويريد من الآخرين بسماجة تبني تصوراته ويطلب مقالات "إيجابية" تخدم أسلوب تفكيره ومنهجه وتطبل للخط الذي ينتمي إليه.. فإذا جاء بها الكاتب فهو واع وينبغي احترامه والتصفيق له!! أما إذا لم يأتي بها فهو شتام ومنتقد وضال الخ.. وليسمح لنا هؤلاء أيضا كما سمحوا لانفسهم أن نجعل منهم (اختبار) في مقالتنا هذه. فهؤلاء حقا حالة مثالية لنوع من الناس تشجع الباحثين على دراسته وهم "العسس" الذين يفتشون عن عقائد الناس وعندما لا تروق لهم أطروحاتهم يهاجمونهم بشخوصهم انتقاما من أفكارهم!!.. هؤلاء حقا معضلة وهم مع الأسف كثيرون اليوم فتراهم يدورون ويطوفون على المواقع الالكترونية ويهاجمون شخصيات الكتاب ويوصمونهم بأقذر الألفاظ دون أن يتطرقوا لأفكارهم بهدوء.. لقد باتت صفحات المواقع العربية مليئة مع الأسف بأسماء الضباع والدواب والسباع والطيور والزواحف.!! يستعين بها بعض ضعاف النفوس والبيان ليطعنوا معارضيهم بها.. فيورد أحدهم على سبيل المثال لفظ الضباع وغيره الكلاب والآخر يستعمل لفظ القردة والرابع الحمير أجّلكم الله ولا ينسوا الخنازير طبعا.. ومنهم من يستعين بالهجوم على غريمه باستعمال اسم طائر الغراب والآخر يطلق عليه اسم الخفافيش.. وفي أحدث صرعة من صرعات القبائح اللسانية البذيئة استعمال البعض منهم لفظ الفأر على من يختلفون معهم بالفكر.. فما بالك لو اختلفوا معهم على بئر نفطية في جنوب العراق تنتج مليون برميل من النفط يومياََ!! وهذا معناه 40 مليون دولار يوميا!! تصور ماذا سيحصل؟؟! هذه النوعية من الناس موضع الاختبار في مقالتنا بدلا من أن تنقد أطروحة معينة وأفكار محددة تهاجم صاحب الفكرة وصاحب الطرح وهذا يدل على ضعف الحيلة وقلة الزاد وعقم البرهان ووهن الدليل ولذلك ينعتون الناس بأبشع الإهانات ظنا منهم أن باستطاعتهم إفراغ ساحات الصدام منهم معتبرين أن الغلبة لمن يستقوي بفحش الكلام وحِدّة البيان وهذا نوع من الإرهاب الفكري.. هؤلاء لماذا لا يدَعون صاحب الفكرة جانبا وعوضا عن اتهامه بأبشع الخصال يقدّمون هم ما عندهم من أفكار وأطروحات داعمين إياها بأدلة مهما كانت الأدلة قوية أو ضعيفة لا ضير.. هكذا ستصلح الأمور ويكون النقاش موضوعيا وبعيدا عن التهكم والتهجم.. أما مهاجمة الكاتب لعدم تبنيه لأفكارهم فهذا من ضعف الدليل وهوان البيان.. فمثلا عندما يقرأ هؤلاء بحثا لكاتب علماني ينكر وجود الله فبدلا من مناقشته بموضوعية وهدوء يطعنون به في الصميم ويقولون أن فلان زنديق كافر بل ويحلل البعض منهم دمه وماله وعرضه!! وهذا ما نشاهده كثيرا هذه الأيام بين فريقين من الناس.. فما أن رأى فريق من الجهال شخصا يتناول قضية خلافية حتى ينبروا له مثنى وفرادى فيرموه بأقذع الصفات وأسوا الشتائم ويحاولون إخراس صوته و يهددونه بعظائم الأمور عبر رسائل سخيفة أو يتكالبوا عليه عسى أن يسكتوا صوته.. أما لماذا لا يتناولون هم منجزاتهم الفكرية ويروجون لها فتلك مسألة.. ولماذا يطالبون الآخرين بالحديث عن "إيجابياتهم" أو السكوت عن سلبياتهم فهذا ما لا يمكن فهمه أيضا.. أن هذه النوعية من الناس هم عسس مع الترصد وسبق الإصرار تعسعس في مكامن الأزقة والطرقات ليلا.. وكذلك نهارا على خلاف ما يوحي به لفظ "عسس".. وما أن رأوا شخصا قال كلاما لم يعجبهم تبحلقت أعينهم عليه ليزلقونه بأفواههم ويرموه بالعمالة أو ألفاظ بذيئة أخرى.. هؤلاء العسس يريدون من الناس أن يفكروا مثلهم بل من سذاجة عقولهم أنهم يتأسفون على الذين لا يوافقونهم الرأي ويحسبون أنهم في ظلال وهم هداة مهديون!! فمثلا عندما تقع أحداث سياسية أو عسكرية دامية وفتن داخلية واجتماعية ومناقشات فكرية متباينة تثير قلم المراقب للتعليق عليها ومتابعتها يطلبون من الآخرين أن يوافقونهم الرأي ويريدون أن يعلق الآخرين على محاور هم يريدون الخوض فيها لا في غيرها.. فعندهم "المقال الإيجابي" ما وافق رأيهم أما المقال السلبي والذي لا يوافقون عليه تتسبب في إخراج السيوف من أغمادها استعدادا للطعن.. لذلك تجدهم يتهجمون على الآخرين الذين يختارون محاور الأحداث بالبحث والتمحيص بأنفسهم وبملء حريتهم ليقولوا كلمتهم ويبدوا رأيهم.. ويبدو أن البعض من هؤلاء كالمسبار مغرم بسبر أغوار النفوس وأفكار الآخرين ليقف على ما في خبايا الأدمغة والسرائر والقلوب.. هؤلاء يصرحوا أنهم لم يتمكنوا بعد قراءة كل مقالات بعض الكتاب أن يعرف اتجاهه الفكري.. ويتساءلون عن خفايا الأفكار والأنفس ولا يقتنعون بما ظهر من الأفكار فيريدون سبر أغوار الأنفس وهم بذلك يتحولون إلى عسس يمارسون نفس الدور الذي كانت تمارسه محاكم التفتيش في القرون الوسطى.. فمثلا يطلبون من الكتاب كتابة "مقالات إيجابية" بحق "الارهابيين والمجرمين" إن معظم الكتاب في المواقع العربية بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم الفكرية سواء الدينية منها او العلمانية .. اليسارية منها او اليمينية.. القومية منها أو الوطنية.. العرقية منها او المذهبية يتناولون الأحداث بأساليب ورؤى مختلفة.. بعضهم بفضاضة والآخر بهدوء.. البعض بعقلانية والبعض الآخر بعصبية.. والجميع مرتاح لإبداء رأيه سواء كان صائبا أم خاطئا.. إيجابيا أم سلبيا.. أما أن تتهم من لا يوافقك بالرأي منهم على أنهم لا يكتبون مقالات "إيجابية" فهذا أمر يدعو إلى السخرية.. فهؤلاء الكتاب متابعون لأحداث تهمهم، يحاولون نقد ما يروه قابلا للنقد وليسوا مطبلين لأحد وإن كتبوا مقالا إيجابيا ليس معناه أنهم كتاب جيدون أو سيئون بل لأنهم مقتنعون بما يكتبون ولا ينبغي على الآخر فرض ما يراه هو مناسب على الكاتب.. فللكاتب قناعة بأن ما يكتب يمكن أن يكون صحيحا وإلا فما جدوى الكتابة.. وهل يكتب أحد وهو مقتنع بأن ما يكتبه دجلا؟؟ عندما يدخل المتابع في موقع من المواقع السنية السلفية مثلا يقرأ محاور عديدة ومباحث جمة منها الغث والسمين.. ومنها الواقعي والخيالي.. منه الذي يحترم العقل ومنه الهذيان.. وقد يجذبه عنوان مثير فيقرأه ويظهر له بعد قراءة المقال مدى سطحية الموضوع فيتخذها مادة للتعليق عليها.. وليس من مسؤولية المتابع أن يتبنى المحاور الإيجابية في المادة ولا أن يتناول كافة المحاور بالبحث والتمحيص بل ما يراه موضوعا للتعليق فيعلق عليه.. فهو ليس مصلحا اجتماعيا وإن أقر بمسؤولية الكلمة.. فالباحث عن مواد فكرية أو إعلامية او اجتماعية او سياسية يستطيع أن ينتقي ما يشاء دون تدخل من أحد.. ولسنا في وزارة إعلام المهرج الصحاف أو في صحف المجرم صدام أو قناة المقبور عدي حتى تُملى عليك الأوامر أن تكتب مقالا "إيجابيا" كما تعود البعض عليه طيلة الأعوام الماضية وتشرب بثقافة الصوت الواحد والقائد الواحد والحزب الواحد والفكر الواحد وهلم جراً.. لا يحق لأحد أن يفرض على الآخر أن يقرأ ما لا يريد أو يكتب عن موضوعات لا يستسيغها حتى يطلق الآخرين عليه آنذاك "كاتب إيجابي" ويكتب مقالات "إيجابية"!! ويطبل لهذا التوجه أو يزمر لذلك الفكر وحتى يكسب رضاء العسس!! أما النبال السامة التي يرمون بها الناس فما اسهل للطرف الآخر أن يتراشق بها معهم فهم كذلك لديهم سهام قد تكون أشد وأفتك منهم ولكن الكثير منهم لا يستعملها حتى لا ينزل منازل النازلين.. وإذا كان .......... يجعل من الناس "فئران اختبار".. فالناس أيضا لهم الحق أن يجعلوا منه "جرابيع وضباع اختبار".. فيقولوا أن هناك "جربوع بعثي" و" ظبع ........." وما إلى ذلك من التسميات ولكنهم لا يستعملوا هذه الألفاظ.. ومن نافلة القول أن العسس لا يريدون سماع الرأي الآخر ونقد الآخرين الذين يناصرونهم بالرأي.. فمثلا لو كتبت مقالا تطابقت مع وجهة نظر بعض الجهات تحصل على التصفيق الحاد وتصلك برقيات سريعة من كافة المستويات.. ولكن ما أن أبديت في موضوع آخر رأيا كان مغايرا لرأي الجهة ذاتها أصبحت ليس فقط من المغضوب عليهم بل والضالين أيضا!!.. وقد تصلك رسائل تأييد ومؤازرة من أتباع رؤى معينة وتطالبك الكتابة في موضوعات محددة ولا ينسوا أن يعطوك الأجر والثواب المعنوي وأنت عندهم هاديا مهديا!! ولكن عندما تخالفهم في الرأي تنهال عليك عشرات الرسائل فيها لعنات وسيوف تسلط على الرقاب.. هم يريدون مقالة "إيجابية" واحدة ويقولوا أن ذلك لم يحصل في حين أن العشرات من الرسائل تصلني تشكرني فيها وتعتبر ما كتبته عن الموضوع الفلاني أكثر من "إيجابي" ورائع في هذا الموقع او غيره ..... إذا المعيار في تقييم المقالة، الفرد ذاته.. فالمقال السلبي عند البعض هو مائة في المائة إيجابي عند الآخرين ولكنهذا وهؤلاء لا يعترفون بوجود رأي آخر.. فهو يرى نفسه المحور الذي ينبغي على الآخرين ضبط إيقاع أفكارهم على ساعته.. ولست مهتما أن أعرف ما هي دقات ساعته.. أهي دينية ام علمانية ام دكتاتورية أم جهة رابعة لم يبح بها وسماها بـ "الآخرين"...

أحمد الخفاف
________________________________________________

نقلت هذا المقال الرائع وبتصرف لانه افضل كلام ووصف للبعض