الكاتب رفيق عنيني
ما بين زئير الأسد وثغاء النعجة
http://www.mahjoob.com/ar/arads/rafik.php
ما بين زئير الأسد وثغاء النعجة
تعودت النعجة منذ نعومة أظلافها إزعاج أصدقائها من خراف وماعز وتيوس من باقي أفراد القطيع..
كانت دائما تبتكر وسائل جديدة لتخويفهم وتعكير مزاجهم اليومي المتمثل بالرعي والاجترار والسرحان في سهوب ممتدة غزاها الجفاف والأشواك مما زاد في صعوبة حصولهم على المرعى والزاد..
إلى أن ابتكرت محاولة جديدة في الإزعاج والتخويف... فقامت بالتدرب الطويل على إطلاق أصوات زئير الأسد ملك الحيوانات وأقواها..
أمضت أيام طويلة تنفرد بها بعيدا محاولة التدرب على أصوات الزئير ولم تجد مرشدا لها في هذا التدريب سوى الكلب الذي انساق رويدا رويدا إلى لعبتها الماكرة في إخافة وإزعاج باقي أفراد القطيع.... وهكذا مضت الأيام حتى أتقنت النعجة صوت الزئير تماما وقررت أن تباشر لعبتها بالاتفاق مع الكلب الذي سيكون له الدور الأهم في إقناع القطيع بأن هناك أسد متربص بانتظار مهاجمة القطيع..
في المرة الأولى التي صدح بها صوت الزئير ارتعب القطيع وتجمع حول الكلب الذي قال:
_إنه الأسد انه ملك الحيوانات وأقواها جميعا.. إنه الوحش الكاسر الذي لا يقف في طريقه أحد.. عليكم الهروب والعودة إلى الحظيرة لأننا سنصير جميعا لقمة سائغة له..
تجمع القطيع بسرعة وانسحب هاربا باتجاه الحظيرة خوفا من زئير الأسد ومضت الأيام يوما بعد يوما والنعجة تمارس هوايتها بتخويف القطيع وإرهابه بزئير مصطنع موهمة القطيع أن هناك أسد يتربص بهم..
ذات يوم وبينما النعجة منزوية بعيدا تطلق زئيرها وصلت مسامع هذا الزئير إلى الذئب اللعين الذي كان يحوم قريبا من مراعي القطيع.. القطيع طبعا تراجع خائفا هاربا نحو حظيرته لا يعتريه أدنى شك بقدوم الأسد..
قفز الذئب سريعا نحو النعجة يريد تمزيقها بمخالبه بينما هي تمط رأسها مطلقة أصوات الزئير المرعب الذي لا يخفى طبعا على حيوان ماكر مثل الذئب...
قبل أن يمزقها بأنيابه ومخالبه صرخت به النعجة قائلة:
_قف انتظر قليلا أريد أن أفاوضك
_على ماذا تفاوضيني أيتها النعجة الغبية وأنا الأقوى والأقدر على سحقك وجعلك لقمة سائغة بين فكيَّ؟؟
_وأنت ماذا تستفيد من قتلي الآن؟؟ الكل سيعلم أن الذئب هو من قتلني والتهم لحمي القاسي.. وبذلك سيقوم الراعي وكلبه الأمين بالبحث عنك وقتلك... وبذلك لن تكون حصتك قبل موتك سوى نعجة ضعيفة مثلي وتكون بذلك نهايتي مرتبطة بنهايتك..
_وماذا تقترحين بدلا عن ذلك أيتها الغبية؟؟
_أقترح خطة تتلخص بأن تبقيني على قيد الحياة وأبقى أنا أطلق زئير الأسد في كل مرة نخرج بها إلى المرعى...
_وماذا أستفيد أنا من كل ذلك؟؟
_لا تتعجل.. ستكون حصتك من الغذاء مضمونة في كل يوم أثناء هرب القطيع خوفا من زئير الأسد
_وكيف سيكون ذلك؟؟
_ستقوم أنت أثناء هرب القطيع خوفا من الزئير بمهاجمة إحدى النعاج من القطيع وتسحبها مبتعدا بها.. وعندها لن يشك أحد أن الأسد هو من أكل النعجة وهو من هاجم القطيع..
وبما أن التهمة ستكون موجهة إلى الأسد فلن يجرئ أحد على مجابهة أسد الغابة الذي يفتك بالقطيع.. وعندها ستكون حصتك مضمونة كل يوم بوجبة شهية لذيذة لا مخاطرة عليك في التهامها والتمتع بها كل يوم..
وافق الذئب على خطة النعجة وأطلق سراحها بين مخالبه وهدد بأنه سيمزقها إربا إن هي خانت وعدها أو فشلت خطتها..
ارتاحت النعجة ونفدت بصوفها المجعد القذر وأمضت ليلتها في الحظيرة متفكرة بما هي مقدمة عليه...
في اليوم التالي قامت بتنفيذ وعدها الذي قطعته للذئب.. فأطلقت زئيرها المعتاد الذي أربك القطيع ودفع به إلى الهروب العشوائي بينما الذئب متربص به.. إلى أن حانت الفرصة فهجم على جدي صغير غارسا فيه أنيابه وسحبه إلى مكان جانبي كي يقضي عليه ويلتهم لحمه الطري..
شعر الكلب أن هناك شيئا يجري من وراء ظهره ففاتح النعجة به مهددا بكشف سرها وزئيرها الكاذب فاضطرت إلى اطلاعه على الحقيقة كاملة.. فأجابها:
_وأنا.. ماذا استفيد من كل هذه المؤامرة؟؟؟ ستقع المسؤولية علي فأنا حارس القطيع ومسؤول عن حمايته من الذئاب
_صحيح أنت مسؤول عن حمايته من الذئاب و لكن لا أحد يحملك المسؤولية إذا كان المعتدي هو الأسد فأنت لا تقوى عليه وليست لك القدرة على مهاجمته..
_ولكني أريد حصتي من هذه الصفقة
_لا تقلق سأبحث مع الذئب إمكانية تزويدك ببقايا عظام ضحاياه وهكذا تكون لك حصة مع كل ذبيحة جديدة..
ارتاح الكلب لهذا الاتفاق الذي وافق عليه الذئب بدوره واعدا بإخفاء عظام ما تبقى من وجبته في حفرة معينة ينبشها الكلب فيما بعد مستحصلا على حصته من المؤامرة..
مضت الأيام والذئب يفتك بالقطيع ولا أحد يستطيع شيئا أمام الأسد وزئيره المخيف الذي ترتعد له السهول والوديان.. حتى الراعي نفسه شعر أن عصاه الغليظة لن تقف في وجه الأسد ملك الحيوانات فسلم أمره لله واتكل عليه..
الحمار وحده شك بأمر مريب.. تبع الكلب ذات مساء فوجد حفرته التي يزدرد منها فضلات الذئب.. في اليوم التالي حين سمع الزئير لم يهرب الحمار إنما توجه مختبئ وراء أكمة قريبة فشاهد من هناك النعجة وهي تقلد صوت الزئير ومن بعيد رأى الذئب يفتك بحمل صغير كان قد تعثر أثناء هروبه من زئير الأسد..
لم يطل الحمار الانتظار فأخبر الراعي في نفس الليلة بما شاهده من وراء الأكمة.. تأكد الراعي في الأيام التالية وبعد مراقبة طويلة بما تفعله النعجة فهجم أولا على الذئب وطاح بعصاه على رأسه بضربة موجعة جعلته لا يفكر بالعودة مرة ثانية صوب القطيع.. ثم التفت إلى النعجة يفكر في عقاب مناسب لها....
في نفس الليلة توجه إلى الحظيرة ربط حبلا في رقبتها جرها بعيدا عن الحظيرة وأخرجها في العراء دامس الظلام مما جعلها ترتعد خوفا وتتوسل إليه معتذرة عن كل جرائمها.. لم يعر إلى توسلاتها أذنا.. قادها بعيدا نحو وادي يسمى وادي الغربان حيث تلقى هناك جثث البهائم كي تلتهمها الغربان...
توسلت إليه أن يختار لها ميتة أخرى.. رفض بعناد الرعيان.. امتد ثغائها هذه المرة بعيدا.. دون أن يلتفت إليها.. بعد أن ربط قوائمها الأربعة بالحبل.. ازداد رعبها.. ستهشها الغربان حية.. توسلت إليه أن يقتلها قبل أن يغادر رفض بنفس العناد قائلا لها:
_عليك أن تجربي زئير الأسد هنا أيتها النعجة الجرباء وتركها ملقية هناك بقوائمها الأربعة المربوطة دون أن تقوى على حراك.. وعاد إلى حظيرته.
في الصباح الباكر كانت لا تزال تطلق أنفاسها الأخيرة محاطة بعشرات الغربان التي تنقر فيها وتنهش جسدها مستلة روحها رويدا رويدا....
بعد عدت محاولات عرفت أنها لن تخيف الغربان بإصدار أي زئير مزيف كاذب..
كانت أنفاسها المتقطعة لا تصدر سوى ثغاءً حزينا متقطعا... أدركت أخيرا أنها ستقضي تحت نهش مناقيرهم الحادة هي مطلقة صوت ثغائها الحقيقي متقطعا لاهثا حتى آخر رمق لها...