صورة المرأة اللبنانية في العالم العربي مثيرة للجدل
هل هي المسؤولة عن صورتها أم هي ضحية ظروفها؟
بيروت: سناء الجاك
في يومها العالمي تطرح خصوصية المرأة اللبنانية جملة اسئلة، لأجوبتها اتجاهات متقاطعة، مجملها يرفض تأطير النساء في لبنان تحت عنوان واحد، كما يرفض الصورة الشائعة عن اللبنانيات في الخارج، وتحديداً في الدول العربية، حيث تطغى المعطيات الاعلامية على هذه الصورة ، من دون تعمق في تنوعاتها.
فالنجومية الاعلامية لتسليع المرأة اللبنانية في مجالات الفن والاعلانات وعروض الازياء لا تلغي النسبة المرتفعة لنساء اقتحمن سوق العمل واحتللن الجامعات وشكلن منافسات للرجال في لقمة العيش وفرص التحصيل.
وحيال هذه التقاطعات من اين الدخول الى صورة المرأة اللبنانية بكافة جوانبها، واي صورة يفترض اعتمادها لتكتسب هذه المرأة هويتها؟ التقينا بمجموعة من اللبنانيات واللبنانيين، وناقشنا معهم هذه الصورة. بعضهم اقر بان المرأة هي المسيئة الى نفسها، والبعض الآخر بحث عن سبب العلة في هذه الاساءة ، والبعض الثالث اصر على ان المرأة اللبنانية متفوقة على مثيلاتها في العالم العربي نتيجة انفتاحها على ثقافات متنوعة.
تقول هالة، وهي موظفة في احدى الوزارات، ان «المرأة اللبنانية تفتقد فعلاً الى هوية محددة. والسبب انها لا تملك ركيزة منبثقة من اسس قانونية ودستورية، فهي لا تستطيع منح زوجها واولادها غير اللبنانيين جنسيتها او حق الإقامة معها، كما في الغرب اضافة الى ان حقوقها في الاحوال الشخصية ما زالت منقوصة، قياساً الى حقوق مثيلاتها في المغرب وتونس ومصر. وبالتالي لا يمكنها ان تكوّن هوية خاصة بها تحت وطأة هذه الظروف». وتضيف «لكن صورة المرأة اللبنانية في الخارج لا تعكس هذه الهموم ، فهي جميلة أنيقة متحررة الى حد المبالغة ومستفزة ايضاً. هذه صورة اعلامية بالدرجة الاولى، تفتقد الى الواقعية، ولا اعرف من ساهم بصنعها؟ هل المجتمع اللبناني ام المجتمع العربي ام المرأة بحد ذاتها؟ ومسؤولية المرأة تجاه صورتها تبدأ عندما تخلت عن نفسها ككائن بشري لتقبل بالتحول الى سلعة لقاء مردود مالي. فأنا لا اتصور ان هناك من يرغمها على رسم هذه الصورة».
من جهتها تقول ندى، التي تعمل في التدريس، «إن المرأة اللبنانية تختلف تماماً عن المرأة العربية ، بثقافتها وتطورها العلمي وانفتاحها على حضارات العالم. أما المرأة التي تعرض جسدها فهي، بشكل عام، رهينة الرجل، الذي يقايضها بعض الحقوق الاجتماعية والمهنية مقابل هذا العرض».
لكن المرأة السلعة موجودة في الدول الكبرى، حيث حققت المرأة انتصارات كبيرة من حيث حصولها على حقوقها. فلماذا تبدو صورة المرأة اللبنانية بالذات فاضحة الى درجة المبالغة؟
تجيب هالة: «يجب ألا ننسى اننا في بلد شرقي صغير، لذا تبدو الصورة فاضحة اكثر، لا سيما ان هناك من يستثمرها بشكل مريب. ويجب ألا ننسى اننا من بيئة عربية لها تقاليدها المرتبطة بالدين والقيم الاخلاقية المتوارثة، مما يساهم باحداث صدمة حيال الجرأة المبالغ بها لبعض النساء، سواء على صعيد الازياء او على صعيد السلوك».
اما الحديث عن ان المرأة اللبنانية هي محور انتقادات اكثر من غيرها من النساء العربيات في اكثر من مجال، فالجواب هو «لأنها استطاعت الخروج عن المألوف في العالم العربي، وانفتحت على ثقافات اخرى ، ومع الاسف نجد من يريد ان يحصر المرأة اللبنانية بصورة نانسي عجرم وهيفاء وهبي وأليسا، وينسون الفنانة فيروز مثلا.
ومقابل نسبة من النساء اللواتي يشوهن صورة المرأة العاملة، نجد مناضلات وموظفات يعتمدن الكفاءة وموهبة، فمن الخطأ تأطير المرأة اللبنانية في نمط واحد كما يصوره الاعلام. لكن ماذا عن المبالغة في الظهور والزينة الذي تعتمده نساء لا علاقة لهن بالاعلام؟ طرحنا هذا السؤال على حسن وهو مدير في احد المصارف وكان رده طريفا «يصعب علي ان اميز بين النساء في المبنى، حيث اسكن. كلهن يذهبن الى مزين الشعر ذاته، يصبغن شعورهن كل موسم باللون ذاته. يخضعن لعمليات تجميل تجعلهن متشابهات. نفس الشفاه، نفس الخدود. ويمكن القول نفس اسلوب الثياب. كيف يمكن ان اختار رفيقة لي بينهن؟ كيف احب واحدة وشخصيتها متوارية خلف اكسسوارات كثيفة؟
ويوافقه غسان، الطالب الجامعي، الرأي ويؤكد انه يريد فتاة طبيعية، لا تضع هذا الكم الهائل من مساحيق التجميل ولا ترتدي ثياباً مثيرة تناسب السهرة ، لتذهب الى الجامعة او الى العمل. «احلم بفتاة بسيطة ترتدي ثياباً انيقة تعكس انوثتها في حيز دافئ ولا تقدم نفسها قنبلة جنسية في كل لحظة».
عدنان، وهو مهندس غير لبناني، يقول انه «لا يثق بالمرأة اللبنانية، يخاف من جرأتها وطموحها. فهي حاضرة لاستخدام كل اسلحة الاقناع في سبيل الوصول الى هدفها، سواء كانت مهندسة او استاذة جامعية او صاحبة مؤسسة او موظفة بسيطة».
لكن مقابل هذه الصورة يؤكد رجال آخرون ان المرأة اللبنانية اثبتت انها جديرة بالاحترام. وعدا الاستهلاك العلني لما تصادفه في الاماكن العامة، هناك نساء تستحق الواحدة منهن ان تتخذ انموذجاً. ويقول اميل وهو استاذ جامعي: «المرأة اللبنانية قادرة على المواجهة. وخلف مظهرها العصري جداً نجد انساناً قوياً، كما شهدنا خلال الحرب، اذا كانت اللبنانية تحمي زوجها واولادها وتواجه المسلحين. وكانت تحمل قضية تواجه الموت والاسر لاجلها، كما هي الحال مع سهى بشارة التي امضت سنوات في معتقل الخيام». لكن تبقى المرأة اللبنانية، وبشكل عام، ماهرة في الشؤون الاجتماعية وكسولة عن الاهتمام بالشأن العام. ويأخذ عليها البعض أنها ولاسباب اقتصادية وبحثها على الامان المادي لا تسعى الى اكتساب مستوى ثقافي من شأنه ان يحميها ويقوي مناعتها. فاللبنانيات خرجن من الحرب محطمات، وظروفهن دفعت بهن الى العمل في الخارج، كما كانت حال الرجل سابقاً. واليوم نشهد ظاهرة اقبال النساء العاملات في الخارج على شراء المنازل وتأمين المسكن للأهل مما يدل على انهن معيلات لأسرهن.
وتشير منى التي عاشت بين بيروت وباريس الى «ان تصرفات اللبنانيات ليست تسيبا، وانما ثقافة حياة. تماماً كما هو الوضع في اوروبا.
لكن المثير للسؤال هو اقبال الصبايا اللواتي دخلن سوق العمل وهن صغيرات السن، على شراء السلع الغالية من ملابس وسيارات وهواتف محمولة. الامر الذي لا نألفه في الغرب والذي يؤشر الى قدرة شراء لا تتناسب والمداخيل، مما يفرض البحث عن الممول».
صبية تكرس هذا النموذج، تملك سيارة من طراز حديث وهاتفاً محمولاً من طراز احدث وترتدي اغلى الملابس لا تتورع عن القول: «ارتب اموري، فأنا جميلة واجيد تقديم نفسي لأحصل على امتيازات».
وتتابع «اريد ان اعيش واستمتع بشبابي.. ولا يهمني تأسيس اسرة وانجاب اولاد. انا ابنة الحرب ولا اعرف اذا ما كانت هذه الحرب ستعود أم لا. لا وقت لدي لأخطط كثيراً تكفيني المرحلة الراهنة».
تعلق المتخصصة في علم الاجتماع ، سهى حسين على هذه الظاهرة بالقول «ان البحث الميداني يثبت ان اللبنانيات يعبرن مرحلة انتقالية تسودها الفوضى وغياب الانتماء الفعلي. فالاضطراب الذي تعيشه منذ اكثر من عقدين، ينعكس في سلوكها اما سلباً او ايجاباً. فيجعل البعض قويات قادرات على التحدي واجتياز الصعوبات لتحقيق ذواتهن والنهوض بأعباء الحياة الى جانب الزوج ، الذي اهتزت صورته تحت وطأة الحرب وتدني المستوى الاقتصادي للاسرة. لكن من جهة ثانية هناك نساء أظهرن هشاشة ملحوظة في المواجهة، فانحرفن الى الطريق الاسهل، ومن دون اي تعمق في احوالهن، اخترن السطحية في السلوك والصورة التي يقدمن انفسهن فيها الى المجتمع اللبناني والعربي. من هنا يمكن القول ان المرأة اللبنانية بايجابياتها وسلبياتها ليست شرقية او غربية. وربما مع الوقت وعبور المرحلة الانتقالية تصل هذه المرأة الى صيغ نهائية لصورتها سواء من خلال القوانين او الثقافة».
http://www.asharqalawsat.com/view/family/f...05,03,07,286586