في بيتنا ملكة
فوزية سلامة


قرأت للأستاذ أنيس منصور انه التقى ست ملكات وكانت لديه نية كتابة جانب من حياة كل منهن، ولكن المشروع لم يتم. تحدث عن الملكة نازلي والدة فاروق ملك مصر السابق وفريدة زوجته الاولى وأم بناته والملكة ناريمان أم ابنه أحمد فؤاد. وتحدث استاذنا الكبير عن ثريا زوجة شاه ايران الاولى وفرح ديبا زوجته الثانية.
هن نساء تزوجن ملوكا سبقوهن الى ذمة التاريخ. ولم يكن التاريخ رحيما بأولئك الملوك ولا ذاكرة الشعوب التي حكموها. فكيف عاشت الملكات؟ ثريا اصبحت ايقونة لفها التاريخ في غلالة رومانسية، ولم يحمّل التاريخ فرح ديبا أوزار السافاك وتركت وشأنها تجتر الذكريات والاحزان.
مند خمسة وعشرين عاما كنت اخطو خطواتي الاولى في دنيا الكلمة. وكان لي بيت صغير في لندن أعيش فيه مع زوجي وابنتي. وفي تلك الفترة استقبلت شقيقي الكبير زائرا، وهو طبيب كان يشغل منصبا في القوات الجوية المصرية. وفاجأني يوما بأن زميلا له أتى الى لندن لعرض زوجته على الاطباء واستأذنني في ان يستضيفهم في بيتي. فرحبت بلا تحفظ الى ان اخبرني بأن الزوجة هي ناريمان ملكة مصر السابقة. فشعرت بشيء من التوتر اذ كيف تستقبل امرأة عادية امرأة فوق العادة؟ ولكني لذت بالصمت واستعنت ببركة دعاء الوالدين. وحين دخلت ناريمان وسلمت تبدد لدي كل خوف. فقد كانت سيدة جذابة بلا تكلف وحلوة الحديث. وقبل ان تمر ساعة كنا نتحدث كما لو كنا صديقتين وحين قمت لتحضير الطعام دخلت المطبخ وساعدتني في تقشير البطاطس. بعد ان زالت الكلفة سألتها عن فاروق واذا كان كل ما تردد عنه صحيحا. فأنا من جيل الثورة الذي كان يتلقف ما تنشره الصحف والمجلات عن الملك السابق ويصدق كل ما يكتب. واشيع ضمن ما اشيع انه كان يشبعها ضربا وإهانة حبا في القسوة التي كان يمارسها على كل الكائنات.
كثيرا ما تذكرت الحديث الذي احتفظت به لنفسي طوال السنوات الماضية. ثم تحركت بداخلي الرغبة في نشره بعد ان توفيت ناريمان وحين قرأت ما كتبه أنيس منصور. فقد قال ان كلا من فريدة وناريمان رفضت ان تنشر مذكراتها. فريدة عاشت على دخل محدود حققته من ممارسة هوايتها للرسم. كانت ترسم وتبيع اللوحات لتعيش. وناريمان عاشت مع زوجها خمسة وثلاثين عاما عيشة غير مرفهة لأنها مرضت وأنفق زوجها الكثير لتأمين تكاليف العلاج. ورغم تلك الظروف لم تنشر كلمة واحدة على لسان احداهما لا في مصر ولا خارجها يمكن ان تسيء الى ذكرى فاروق كزوج، علما بأن هناك مؤسسات كانت على استعداد لدفع الألوف، بل والملايين للحصول على حق النشر خاصة اذا كان ما ينشر يتناسب مع اتجاهات الريح.
حين سألت عن فاروق وقسوته، ابتسمت ناريمان ابتسامة خفيفة وقالت لي: لا تصدقي كل ما يقال. فاروق كان ابن بلد وابن نكتة وكان لطيفا للغاية.
وقبل ان افيق من دهشتي وجدتني أسألها: أكنت تحبينه؟ فقالت ولم لا؟ كان زوجي ووالد ابني.
صفحات من تاريخ مصر ما زالت مجهولة ولا بد ان يأتي اليوم الذي تعاد فيه كتابة تلك الصفحات بحيث تكتمل الصورة وتحترم الحقيقة بكل جوانبها. ولكن يكفيني اليوم ان استشهد بوفاء المرأة للزوج.

[SIZE=4]انها فعلا كوميديا عربية سوداء....جعل كل من يعارضنا جاسوس وعميل وخائن وقاسي ومنحرف جنسيا ....الخ...بالفعل يتوجب اعادة كتابة التاريخ وعدم الاكتفاء بكتبة تاريخ جمال عبد الناصر .....او...الخ....

جلالتها قليلة الأدب
أنيس منصور

المؤسسات الثقافية المصرية تحتفل بمرور 250 سنة على حكم اسرة محمد علي لمصر ـ أو الاحتفال بمحمد علي باني نهضتها ومشعل التنوير.. فقد اعتلى حكم مصر واحدا واربعين عاما، وقد اصيب بالجنون في السنوات الاخيرة، ويبدو ـ والله أعلم ـ أن هذه السنة سوف تشهد نهاية هذه الأسرة واحدا واحدا.. ففي الشهر الماضي توفيت احدى بنات الملك فاروق وماتت اخيرا ملكة مصر ناريمان. وقد قالت لي الاميرة فريال آخر بنات فاروق، انها تعاني من السرطان الذي اقعدها عن الحركة ـ وكانت هذه الاميرة تعمل في جمع الثمار من الحدائق الخاصة. ولم تستطع أن تجيء مع جثمان اختها الى مصر.. كما ان الملك احمد فؤاد آخر ملوك مصر لم يستطع أن يمشي في جنازة أمه الملكة ناريمان.. ولقد سألته ونحن نصلي على جثمان اخته الاميرة فوزية، فقال ان والدته في الانعاش وان هناك خوفا عليها. ولما عاد الى الفندق كان ينزف دماء، وفي سويسرا ادخل المستشفى واخفوا عنه وفاة أمه. وهو ايضا في حالة خطيرة..
وكان الملك احمد فؤاد في حالة مادية لا توصف. فقد حجزت عليه زوجته فضيلة بعد الطلاق منه.. واستولت على كل فلوسه في البنوك.. ولولا مساعدة احد الأمراء السعوديين ما انتقل احمد فؤاد من غرفة فوق السطوح الى شقة انيقة تديرها سيدة سويسرية.. وكذلك لم تعد اخته الاميرة فريال تعمل في الحدائق.. والامبراطورة فوزية قد تقدمت في السن تماما. وهى في حالة صحية سيئة وفي عزلة تامة.. والذين رأوها يقولون انها هي الاخرى في طريق النهاية..
وعندما استولت حكومة الثورة المصرية على القصور الملكية، اختفى كثير من روائع القصور في بيوت بعض الثوار ـ أو الملوك الجدد، وفي يوم ذهبت اتفرج ودخلت غرفة الملكة ناريمان.. ذات الألوان الزرقاء السماوية.. الجدران والأثاث والحمام، وجدت شيئا عجيبا الى جوار سرير الملكة: نسخة من رواية (عشيق الليدي تشاترلي) باللغة الفرنسية للمؤلف الانجليزي د.هـ. لورانس، وهى قصة جنسية عريانة نشرت لأول مرة سنة 1960، أي بعد وفاة المؤلف بثلاثين عاما، ومنعتها الرقابة في الولايات المتحدة هى ورواية (لوليتا) للكاتب الروسي نابوكوف، ثم تم الافراج عندما وقف المحامي يقول للقضاة: ان الجنس في هاتين الروايتين اقل كثيرا جدا من الجنس الموجود في الكتاب المقدس، الذي يضعه الملايين تحت المخدة..
أما الغرض من ترك هذه الرواية الى جوار سرير الملكة، فلكي تقول إنها قليلة الأدب وأنها منحلة!
ونحن على يقين من أنها لم تكن كذلك وأنها لم تكن تعرف اللغة الفرنسية. فالملك فاروق عندما كان يبعث لها قبل الزواج بخطاباته الغرامية كان يكتبها بالفرنسية، وكانت هي تطلب من مدرستها أن ترد على الملك باللغة الفرنسية، فهي لا تستطيع أن تقرأ هذه الرواية! ومع ذلك فالجنس في هذه الرواية التي كتبها لورانس وهو على فراش الموت تحكي قصة زوجته الالمانية مع عشيقها الايطالي.
وتشويه سمعة هذه الملكة الغلبانة هو محاولة ساذجة لإلقاء الوحل (عمال على بطال)، على كل افراد الاسرة المالكة.. ونحن على يقين من أن الثوار لم يكونوا على هذه الدرجة من الطهارة. وقد عاش افراد الاسرة المالكة فقراء.. وكنا نسمي زمانهم (العهد الاسود البغيض).. أما ابناء (النقاء الثوري) فيملكون عشرات ومئات الملايين - عجبي!