قرأت لك
كل أربعاء
عقدة الاتهام الجماعي
بقلم: محمد السماك
يشكو العالم الإسلامي من ظاهرة الإسلاموفوبيا, أو الخوف من الإسلام التي تزداد اتساعا وانتشارا في العالم, خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وبالمقابل يشكو العالم الغربي من ظاهرة الاتهام الجماعي له, خاصة في العالم العربي, بأنه معاد للإسلام سياسة وثقافة.
هناك أمثلة كثيرة تؤكد شكوي العالم الإسلامي, وهي مكررة ومعروفة, أما الأمثلة الأخري التي تؤكد شكوي العالم الغربي, فنادرا ما يشار إليها, من هذه الأمثلة ما صدر عن الهيئة التنفيذية لمجلس الكنائس العالمي في جنيف, فالمجلس الذي يضم242 كنيسة انجيلية وارثوذكسية من120 دولة من القارات الخمس, أصدر عدة قرارات في جلسته الأخيرة التي عقدت في22 فبراير.
يدعو القرار الأول, الكنائس والمؤمنين المسيحيين ودول العالم, الي سحب الاستثمارات المالية من إسرائيل ومقاطعة الاقتصاد الاسرائيلي.
أما الأسباب الموجبة لهذا القرار كما حددها المجلس, فهي:
1 ـ مواصلة إسرائيل بناء جدار الفصل الذي يصادر مساحات واسعة من الأرض الفلسطينية.
2 ـ تهديم بيوت الفلسطينيين.
3 ـ بناء المستعمرات اليهودية فوق أراض فلسطينية محتلة.
4 ـ انتهاك القانون الدولي لجهة معاملة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي, لذلك حث المجلس اعضاءه من الكنائس التي يزيد حجم استثماراتها علي ثمانية مليارات دولار, علي اتخاذ الإجراءات التي تحول دون توظيف ههذه الاستثمارات في أعمال تنتهك القانون الدولي وحقوق الانسان, وتدعم أي شكل من أشكال العنف.
وكانت الكنيسة المشيخية الأمريكية, قد بادرت الي اتخاذ قرار بهذا الشأن منذ عدة أشهر, تبناه مجلس الكنائس العالمي, برغم الحملة الصهيونية المعاكسة التي انفجرت ضده داخل الولايات المتحدة وخارجها.
أما القرار الثاني, الذي اتخذه مجلس الكنائس العالمي, فهو الدعوة الي تأييد قيام دولة فلسطينية مستقلة ودعمها, والمهم في هذا القرار أنه يشير الي أن حدود هذه الدولة الفلسطينية يجب أن تكون حدود التقسيم التي رسمتها الأمم المتحدة بموجب معاهدة الهدنة لعام1949.
وفي القرار الثالث, أكد المجلس أن انتقاد السياسة الإسرائيلية ليس معاديا لليهود, وبالتالي لا يجوز علي الاطلاق أن يصنف علي أنه لا سامية, كما حث الكنائس الأعضاء علي القيام بالمزيد من المبادرات لاقامة جسور تتفاهم وتعاون مع المسلمين ومع اليهود علي حد سواء.
ولم تكد هذه القرارات تعلن رسميا, حتي قامت الدنيا ضد المجلس, حتي ان دافيد ايلكوت مدير اللجنة الأمريكية ـ اليهودية في واشنطن, اتهمه بالعمل علي تقويض فرص السلام في الشرق الأوسط التي تلوح الآن في أفق المنطقة!
ولعل أغرب انتقاد إسرائيلي للمجلس بدا من خلال اتهامه بأنه يوظف الدين لاغراض سياسية!!.. وكأن إسرائيل ليست في وجودها واستمرارها تجسيدا لتوظيف الدين لأغراض سياسية!!
اذا كانت لإسرائيل مصلحة في التهجم علي مجلس الكنائس العالمي, وفي تشويه سمعته, كما فعلت من قبل مع الكنيسة المشيخية الأمريكية, فأي مصلحة للعالم العربي أن يتصرف وكأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد؟ أليس من الحكمة ومن المصلحة معا, أن تقوم المؤسسات والمراجع الاسلامية المتعددة بمبادرات تشجع المجلس في توجهاته الإنسانية وتتعاون معه في اطارها؟..
لا يجوز أن يبدو مجلس الكنائس العالمي, وكأنه ملكي أكثر من الملك, لقد حدث ذلك من قبل مع الفاتيكان, ومع البابا يوحنا بولس الثاني تحديدا, وحدث مع رئيس اساقفة كانتربري الانكليكاني في بريطانيا, وهذه أمور ما كانت لتحدث لولا أن عقدة الاتهام الجماعي للغرب لاتزال تتحكم في سلوكنا فمتي نتطهر منها؟ ومتي ندرك أن في العالم الغربي عامة, وفي العالم المسيحي خصوصا, ضميرا حيا نستطيع أن نربح الرهان عليه اذا ما عرفنا كيف نثق به وكيف يمكنه من أن يثق بنا؟
كاتب لبناني
بداية الصفحة
--------------------------------------------------------------------------------
تقارير
|