جقل
عضو متقدم
   
المشاركات: 678
الانضمام: Oct 2004
|
الناسخ و المنسوخ في الأغنية العربية....
النص التالي هدية "معفاة من الضرائب" مقدمة الى المدعو أيبلا لأن له أيادي بيضاء و رمادية على أخراج هذا النص.
في البداية ساذيع سرا مفاده أن الجمهور العربي لا يتذوق الموسيقا أذا لم يصاحبها كلام منظوم و هذا سر عدم أنتشار ما يسمى يالتأليف الموسقي الصرف و يكاد المستمع العربي لا يطيق سماع مقدمة موسيقية لأغنية مهما كان مستواها الفني فتراة يستحث المغني للدخول في الموضوع مباشرة.رغم أن أنتشار أي أغنية يتوقف على مدى مقدرة الملحن على الدخول الى وجدان المستمع بغض النظر عن الكلام.يبدو هذا الكلام متناقض و هذا ما يميز العقل العربي.
ما بين ستينات القرن الماضي و حتى اليوم تلونت الأغنية العربية و تشقلبت و تماشت مع الظرف الأجتماعي و السياسي السائد و ما أقصده هنا الكلام بالدرجة الأولى الذي يشكل مادة الأغنية الأساسية.تغير أسلوب الخطاب و لهجته و نبرته و موضوعاته,و تغيرت المفردة الملقاة.و هذا شيء طبيعي فقد تغير كل شيء,الأذن المتلقية ,و الكاتب الصنديد و الحنجرة المغنية.سأحاول هنا أن أشير الى أهم نقاط التحول,و سأدل على المؤدي في زمن الستينات و السبعينات" بالمطرب" و على زميلة مؤدي ما بعد ذلك "بالمغني".و للأسم دلالة سأبين سببها فيما يأتي...فألحقوني.
الكلمات التي صدح بها كل من عبد الحليم و أم كلثوم و صباح فخري و فيروز,كانت أقرب الى المنظوم الشعري و بعضها كانت شعرا صرفا فقد غنت أم كلثوم الأطلال, و رباعيات الخيام,وحتى أغانيها اللهجة المصرية المحكية كانت أقرب الى الشعر و كذلك فعل فريد الأطرش و صباح فخري.فيروز و هي ذات لون مميز غنت شيء يقترب كثيرا بما يعرف بالزجل و هو شعر يستلهم بعض التفعيلات الخليلية بلهجة محكية.الشعر المغنى لأقى قبولا و خاصة بعد أن تبنته أصوات من الوزن الثقيل. و لكنه من ناحية أخرى قيد الملحن كثيرا و لم يعطه فرصة ليضع نقاط علامه الخاصة لأن الشعر يحمل موسيقاه الداخلية و لا يمكن لملحن تجاهل هذه الموسيقا الداخلية و علية توضيب موسيقاه لتماشي البحر الذي تسبح به القصيدة فجاءت الموسيقا أكاديمية قليلا و حتى مترفة أحيانا أخرى.أما تهافت الجمهور عليها فمردة الصوت الشجي و حلاوة الكلمة .
أختفى الشعر تدريجيا من الأغنية و حل محلة منظوم كلامي من نوع آخر يقول الشاعر فيه ما يريد و يسبك لنفسه بحره أو بحيرتة أو حتى مستنقعة الشعري الخاص.التبرىء من الشعر في الأغنية لم يكن سيئا للملحن بشكل خاص و لا للشاعر نفسة فقد تحلل من قسوة الميزان و اخذ الملحن فرصته الذهبية ليفبرك .و في هذه اللحظة بالذات أنتبه المتلقي للحن و بدأ يعطيه مساحة سمعية أكبر,وقد يكون هذا أحد فضائل التحول في شكل الأغنية.
العربية الفصحى التي كانت موجودة ومألوفة في غناء المطربين أنمحت تماما و لم يعد لها وجود على الأطلاق و" بعيق" يوري مرقدي "عربي أنا" لم يكد يصل الى ركبتيه و لا يعد ما أفتعلة بالعربية الفصحى فصاحة على الأطلاق. و قد تكون هذه النتيجة تحصيل حاصل للهجرة من الشعر الى الأغنية المكتوبة خصيصا لتغنى و هذه غالبا أو دائما ما تكوون باللهجة المحكية.وربما لم يرد المغنون أن يظهروا بشكل رسمي و جدي فهجروها أو طلقوها بالثلاثة و ذهب بعضهم الى أبعد من ذلك بكثر بأن أعتمد لهجة مغرقة في المحلية مثل "علي الديك" في "الحاصودي,علوش"و الشاب "خالد" في " ديدي واه و عبد القادر".و لجأ صنف آخر من المغنين الى كلمة طريفة أو حتى متطرفة ليغني بها مثل "شعبان عبد الرحيم".
كان المطرب يجهد ليقدم في أغنيته "تطريبا" و هو هدف حسي مشروع و أنتشر مصطلح "سلطنه" و المستمع يمكن أن "يسلطن"على صوت مطرب ما و قد يمتد الأستماع الى ساعات لتتحول السلطنه الى "نشوة" و ربما كان هذا سببا في أطالة ما كان يغنيه المطربون و قد أمتدت بعض أغاني أم كلثوم الى ساعة كاملة كما حقق صباح فخري رقما قياسيا في الغناء المتواصل.
لم يعد هدف الغناء تطريبيا و لا أدري ما هو السبب فقد يكون المستمع نفسة لم يعد يألف هذا النوع أو لم يعد يوجد لدينا مغنيا يمتلك قدرة تطريبة و تغير هدف الأغنية ليصبح " ترفيهيا",فتكثفت فكرة الأغنية و قلصت زمنها الأستماعي و قصرت عمرها مما يوحي بعوامل أستهلاكية أو تجارية دخلت بشكل كبير لتصبح أحدى عوامل شكل الأغنية, و تنبهت بعض السيدات الجميلات لهذه النقطة و أحترفن الغناء من المنطلق الترفيهي مثل "هيفا وروبي" بدون أملاك مقدرة صوتية حقيقة أو قيمة شعرية للكلمة و في نظرة الى كلام الأغنية عند هيفا مثلا ستجد أنها لا يقول شيئا مهما و تبدو الأغنية كلها مرصوفة لتدوس عليها هيفا بالكعب العالي.
أعتنى المطرب بالكلمة أعتناءا أستثنائيا و حاول بنفسة أن يجعلها مثقفة مؤدبة لا تؤذي شعورا,فقد أبدل فريد الأطرش مثلا كلمة" القرآن"" بالأيمان" في قصيدة "عش أنت" لبشارة الخوري حيث أن البيت يقول:
وحياة عينك و هي عندي مثلما القرآن عندك
و لم يرد أن يخدش شعور المؤمن بهذه الجملة فعوضها أخرى مكافئة و موازية,كما غيرت أم كلثوم كلمة "أنسة"الى"فاتنة" في قصيدة أبو فراس
وفيت و في بعض الوفاء مذلة لآنسة في الحي شيمتها الصبر
و قد يكون وقع كلمة آنسة عند المستمع مخالف لما هو مقصود في الأغنية. فجاء التغيير مناسبا.لترسيخ معنى.
مثل هذا السلوك ينم عن أحترام للمستمع و مبالغة في محاولة توصيل المطلوب بأفضل طريقة.المبالغة لم تتوقف عند هذا الحد بل تجاوزته في وصف العواطف الذي جاء أكثر مبالغة وحتى وصل الى حدود التطرف و تحول العشق الى عبادة,و الفراق الى موت و الشوق ذوبان.
لم يبدو على المغني أنه مهتم كثيرا بالكلمة المنفردة التي تشكل أغنيته بقدر أهتمامة ببنائها العام و الحرص على أن تكون متفردة, و أن لم ينجح التفرد في الكلام فلا بد أن يتفرد باللحن.و فطن الى مسئلة جذب الآذن فأعتنى كثيرا بالمطلع و شدد علية.بأعتبارة مدخلا مشروعا لجذب المستمع.و أعتمد كثيرا على النقل من الأمثال الشعبية الدارجة التي تعودت الأذن على سماعها.فقال كاظم الساهر"
ل تلدغه الحيّة بيده يخاف من جرّ الحبل
و يقول جورج وسوف:
لسة الدنيا بخير
و ربما يستلهم المغني قصة مشهورة ليبدأ بها أغنيته فتقول أصالة:
يا مجنون مش أنا ليلى
و قد يذهب المغني مذهب مبهم ليبدأ بعبارات غير مفهومة تماما فتقول ألين خلف في أحدى المطالع:
لالي ليه...
و تبدأ نجوى كرم كما يلي:
روح روح روح روحي
بهذا الأسلوب أراد المغني جذب زبائنة السميعة فنجح كثيرا و فشل قليلا .
عاطفة المغني كانت أبرد بكثير من عاطفة المطرب فتقول أم كلثوم:
أمل حياتي يا حب غالي ما يتنسيش
خد عمري كلو بس النهاردة خليني عيش
و في هذا المطلع أم كلثوم مستعدة للموت في سبيل الحبيب و لكن نجد نجوى كرم تقول:
أنا ما فيي حبك أكتر من عينيي
و الفرق واضح فنجوى تحب حبيبها و لكن ليس لدرجة العمى.
و في مطلع جيد لعبد الله الرويشد يقول فيه:
قالو فؤادك خفق غابت تماريحة
القلب لما عشق ضاعت مفاتيحة
لا يخفى هنا الأحتيال على الكلمات للوصول لقافية ما و في الطريق أليها يضيع الحس ايضا ليبقى الكلام المقفى و هذا سر قصر عمر الأغنية.في مطلع شبيه يقول راغب علامة:
حد ينسى قلبة حد ينسى عمره
مين غيرك أحبة و أبقى تحت أمره
في هذا المطلع يظهر المبالغة في أظهار الجناس الكلامي و لو على حساب المعنى .
أصبح لدى المغني هم. ما يريد قولة كجرد كلامي يأتي في الدرجة الأولى و أختفى تحتها موضوعات تقليدية كالحب و الهجر ووصف الحبيب.و هذه الموضوعات أختلف طريقة صياغتها بشكل كبير فأذا قال عبد الحليم:
حبك نار
فيقول هشام عباس:
ناري نارين
و أذا غنت أم كلثوم للصبر تقول:
للصبر حدود
بينما عاصي الحلاني يقول للصبر:
مالي صـبر يا نـاس
و في الجفون يقول عبد الوهاب:
جفنه علم الغزل
بينما تقول باسكال مشعلاني:
بتأمل فيك و بسحرجفونك
النظرة الى الموضوع أختلفت بشكل كبير و أسلوب التعبير عنه كذلك ,فما كان يراه المطرب في عيني المحبوب لم يعد راه المغني و كأن الأضافات التي حملتها العين من رموش و عدسات و خلافة عدل الرؤية و غير التوصيف.
لم يكن الهدف من النص السابق القول أن القديم أفضل و الجديد سيء.و الهدف كلة عرض ما كان و ما هو حاصل فكثر من القديم كان سيئا و كثير من الجديد جيد.
و أنا أحب فيروز كثيرا و لا أحب أم كلثوم أبدا و تعجني بعض أغاني عبد الحليم و عبد الوهاب و صباح فخري و لكني أموت بلطيفة....أما يوري مرقدي فلا أطيقة.
|
|
01-18-2005, 04:23 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}