الوقفة الأولى: أن الفاعل الحقيقي هو الله _تعالى_ وليس الطبيعة ولو كانت نافعة أحداً هذه الطبيعة لنفعت نفسها، فليس للطبيعة حول ولا قوة إلا بإذن الله وإرادته، فهو الذي يأذن لها أن تتنفس "وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ" (الانشقاق:3-5)، "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ" (الأنعام: من الآية65).
قال مجاهد: من تحت أرجلكم الرجفة والخسف، فلا تنسب الحوادث للطبيعة ولا نشتم الطبيعة؛ لأنها غير فاعلة، وإنما الفاعل هو الله وهو الذي يجعلها سبباً لعذابه أو بلائه أو رحمته.
"قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ" (النحل:26).
الوقفة الثانية: إن ما يقع في الكون من أعاصير ورياح مدمرة وفيضانات وطوفان مهلك وزلازل قاتله وحروب طاحنة لله فيها حكمة بالغة فهي عقاب للمذنبين وابتلاء واصطفاء للمؤمنين وعبرة للناجين، فجعل الله طوفان نوح عقاباً لقومه، والريح الصرصر عقاباً لقوم هود، وطوفان موسى عذاب لفرعون وعبرة لبني إسرائيل.
الوقفة الثالثة: لا شك أن هناك أقواماً أراد الله عذابهم بهذا الزلزال، فإن قلت: لم؟
1- أقول لك: هناك من يشرك بالله، ويدعون أن لله ولداً في ليلة ميلاد المسيح، وأن هذه الليلة 25/12 هي ليلة ميلاد ابن الله _تعالى الله عن ذلك_، وأقاموا الاحتفالات بهذه الليلة، فلما ناموا داهمهم العذاب وهم نائمون، وقد حذر الله من هذا الاعتقاد، فقال: "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً" (مريم:88-91).
2- وهناك على هذه السواحل الذهبية من يمارس أشد أنواع الحرام من الزنا الجماعي والعلاقات المثلية واللواط وشرب الخمور ولعب القمار، وكلها معلنة في أرض الله وتحت سمائه.
3- وهناك دول تحب الربا وتشجعه وتغذيه وتدعمه، وفيه إعلان الحرب مع الله "فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ" (البقرة: من الآية279).
4- وكثير من هذه المجتمعات تعيش على الرشوة، خاصة التجار وأصحاب المصانع والفنادق، وقد لعن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الراشي والمرتشي.
5- وهناك الخلاعة النسائية على الشواطئ.
6- وهناك من هو معرض عن الدين من أبناء المسلمين فلا يعرف من الدين إلا اسمه، ولا من الإسلام إلا رسمه، فهو مشغول في هذه الدنيا يلهث وراءها.
7- وغالب هذه الدول معرضة عن شريعة الله لا نزيدها حكماً ونظاماً ناهيك عن الذنوب الفردية والجماعية والرسمية، وقد قال _تعالى_: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" (الشورى:30).
"مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ" (النساء: من الآية79)، وقال _تعالى_: "فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" (العنكبوت:40).
وإن قال قائل: فهذه أوربا وأمريكا وروسيا فيها ما هو أعظم وأكبر وأكثر من آسيا ذنباً وخطيئة نقول: ومن يقول: إنها سالمة من العقوبة الإلهية، وقد قال _تعالى_: "وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" (آل عمران:178)، وهم لم يسلموا من الأمراض والتفكك الاجتماعي والعواصف، وهي أنواع من العذاب، ولا شك أن الذنوب إذا ظهرت في مكان فهي علامة على النهاية، كما جاء عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة؟ فقالت: إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف، غار الله _عز وجل_ في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي، فإن تابوا ونزعوا، وإلا أهدمها عليهم قال: يا أم المؤمنين أعذاباً لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين، وروى الترمذي حديثاً غريباً عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ يرفعه لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "إذا اتخذ الفيء دولاً والأمانة مغنماً والزكاة مغرماً، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القبنات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع».
الوقفة الرابعة: هذه المقادير المؤلمة تكون اصطفاء ورحمة للمؤمنين، فعن أم سلمة _رضي الله عنها_ قالت: سمعت رسول لله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده، فقلت: يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون قال: بلى، قلت: كيف يصنع بأولئك؟ قال: يصبهم ما أصاب الناس، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان" رواه أحمد.
ولا شك أن المؤمن الموحد الغريق شهيد كما قال _صلى الله عليه وسلم_: "والغريق شهيد" فلعل الله أراد أن يصطفي شهداء من النساء والأطفال والعجزة والفقراء يدخلهم الجنة ويصلح بالهم "وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ" (محمد:4-6).
الوقفة الخامسة: إن في هذه الزلازل عبرة للناجين والمتفرجين دولاً وشعوباً أمماً وأفراداً، قال ابن القيم _رحمه الله_: "وقد يأذن الله _سبحانه_ للأرض في بعض الأحيان فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله _سبحانه_ والندم كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: "إن ربكم يستعتبكم"، وقال عمر بن عبد العزيز: "إن هذا الرجف شيء يعاتب الله _عز وجل_ به عباده فتصدقوا واستغفروا" وأن ما وقع في أسيا قد يقع في أي مكان على هذه الأرض فهي عبرة لهم قال _تعالى_: "أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ" (النحل:45، 46).
الوقفة السادسة: إن كثرة الزلازل دليل على قرب فناء العالم وحدوث الزلزلة الكبرى، وهي يوم القيامة "إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ" (الحج: من الآية1)، فقد روى البخاري أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ويتقارب الزمان وتكثر الزلازل وتظهر الفتن ويكثر الهرج".
الوقفة السابعة: إن واجب المسلم في حال وقوع الزلازل ألا يكون كمن ماتت قلوبهم فيقول: "قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ" (الأعراف: من الآية95) وأنها أحداث طبيعية، بل عليه بكثرة الاستغفار والفزع إلى الله _تعالى_ والرحمة على المساكين والصدقة عليهم والعطف لحالهم، فالراحمون يرحمهم الله "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، وعليه الإنابة إلى الله وترك المعاصي والتوبة إليه، والحث على تحكيم شريعته وكتابه ورفع راية الدين، وتحقيق غايته ونصرة أوليائه.
فإن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان إذا رأى خسوف الشمس في السماء أو كسوف القمر فزع إلى الصلاة رجاء رحمة الله ومغفرة وهرباً من أليم عذابه وعقابه.
نسأل الله أن يرحمنا برحمته الواسعة، وألا يؤاخذنا بسفهائنا، فلا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين...
http://www.almoslim.net/articles/show_arti...main.cfm?id=615