تفاصيل أنثى / صادق أبو حامد
جسد
عند هبوب لمسات الفجر فوق جسدها , فاتحة مساماته بخدر يوقظ رعشة أنوثتها , كانت ترتب في نومها قصاصات رأسها , و تنظر بطرف عينها جدولاً يزحف فوق آثار خطواتها منذ زمن سحيق .
فجأة .. , صحت فزعة من صوت أمها :
- هيا .. انهضي و حضري الإفطار .. , ألا تشبعين النوم .. هيا ..
نهضت بسرعة , و عيناها تحاربان الضوء . توجهت نحو المطبخ , فرأت أخاها ينام بانتشاء في غرفته .
صاحت :
- أمي ..!
همست أمها , واضعة سبابتها فوق فمها بعصبية :
- لا ترفعي صوتك هنا .. دعي أخاك ينام .. لقد تأخر في السهر عند صديقه ..
نظرت إلى جسد أمها , و استغربت شبهه بجسدها ..
ابتسمت .. و بدأت تحضر الإفطار ..
شهيق
حين استأذنت أهلها بزيارة صديقتها ..
سألت أمها :
- لصديقتك أخوة شبان ؟
- لا .. فقط طفل صغير .!!
- و كم ستبقين هناك ؟
- ساعتين ..!
رفع والدها نظارته .. و همهم :
- متى تنتهي هذه الزيارات ..؟ ألا تكفيك الجامعة ..!
- أرجوك أبي .. أريد أن أسألها عن الامتحان ..
- اذهبي .. لكن .. لا تتأخري ..
استرقت شهيقاً , شعرته مسموماً, و غادرت المنزل ..
نهدان
مشت في شارع حيها , و قبل أن تجتازه , كانت قد شعرت بأن العيون أتمت تمزيق ثيابها , و الأفواه لونت جسدها بكل الزخارف , حتى لم تعد متأكدة أطويلة هي أم قصيرة ؟ .. ما لون عينيها ؟.. شفتيها ؟.. شعرها ؟.. و هل نهداها يشبهان الرمان إلى هذا الحد..؟!
بكاء
جلست تحدث صديقتها باندفاع , و تطل بين الجمل على قلبها .. لتطمئن عليه :
- ماذا أقول ..؟ أهلي يتشهون موتي , سواء في قبري أو في بيت الزوج , المهم أن يتجنبوا عاراً يقبع في زوايا جسدي منذ ولدت بنتاً ..
كانت أثناء حديثها تهز بكفها كأس الشاي , فترى صورتها تنزلق على سطح السائل الأحمر ..
رفعت رأسها لتسمع رأي صديقتها , فدهشت بها غارقة في بكاء أخرس .. سألت بلوعة :
- ما بك .. عزيزتي ؟
نظرت صديقتها إليها عاتبة .
معاً ..رسمتا ابتسامة بلا ألوان ..
أذن
كانت تقدم الشراب لزوار أبيها , عندما سمعته يقول :
- اسألوها .. أنا .. لم أعترض يوماً على قرارها . أنا .. ضد التشدد . أتعلمون .. أنا .. مع أن تعطى الفتاة الحرية .. لكن .. بأصول .
رمت ابتسامتها عند باب الضيوف . و كان ألم أذنيها يزور رأسها و يشرب الشراب .
صور
جلست لتتسامر مع أخيها .. حدثها عن صديقاته .. مغامراته .. و قبل أن يذهب سألها عن علاقاتها ..
- لو تتعرف عليه .. إنه شاب يشبهك كثيراً .. أفكاره .. أقواله .. حتى طريقة انفعاله ..
- لا تكوني مراهقة . هذا نفاق .. فكري جيداً .. يريد الحصول على شيء منك .. أفهمتني ..!؟
- لكن ..؟!!
- لا زلت جاهلة بهذه الأمور . اهتمي بدراستك فقط . أم ستجعلينني أندم على إعطائك حريتك ..
حملت صوراً ممزقة في رأسها , و ذهبت لتنام ..
قلب
"يا حواء .. أي ذنب اقترفت كي نحاصر حتى اللحظة , هل من سبب لكل هذا العقاب ..؟! , أليس كثيراً على تفاحة أن تخنق تاريخنا ..أن تجعلنا سبايا ..,أي ذكر يستطيع امتلاك حرية أنثى ليساوم عليها , حتى رعاة الشوارع , يستطيعون ذلك .. لكل واحد منهم عكازه الذي يتكئ عليه , عكاز لا يشق البحر و حسب , بل و يشق البشر نصفين ..
يا حواء .. إلى متى ؟!.. أشعر بجسدي يحاصرني .. و كأنه ليس لي ,.. يفاعتي تذبل بصمت .., تصير مياهاً فاترة بلا لون و لا رائحة . تتجمع في صدري و تثقل أنفاسي ..
حواء ..أنت ..يا حواء .. إني أحب .. و كثيراً أحب . قلبي غض بمياه عشقي للعالم .. , لكني لا أجد سوى الموت يحملق بي , .. يسألني عن بعدي .. فلا أجد سبباً …"
شَعر
كان العالم يسبح في الطمأنينة , و البساتين تهندم مساحات النظر بالخضرة .. و بتطريزات ملونة ..
جلست تحت شجرة صغيرة تأكل ثمر التوت , و كلما بلعت حبة , رأتها تهبط في مريئها .. و تبقى منزلقة حتى تصل أسفل بطنها فتضيء .. تبعث فيها ومضة من نشوة , ما أن تبتسم لها حتى تبكي ..
قريباً منها , كان حبيبها يسترخي في ظل شجرة منتفخة , يقضم فاكهة حمراء , و بنعاس .. يطلق امتداداته , و يهدهد جسده ..
من غفلتها .. تسللت أفعى إليها , رفعت رأسها المشدود , و فحت في أذنها كلمات . قفزت الفتاة من الرعب ,.. أخذت تنادي حبيبها .. تستغيث , لكنه ظل يهز أعضاءه بتثاقل , غير عابئ بصراخها . لما يئست .., حدقت في الأفعى , فأحست بأنها رأت هاتين العينين قبلاً . تراجعت قليلاً , غير أن مهاجمتها مدت لساناً كالعكاز , و بدأت تنفث سماً في وجهها ..
لملمت قوة خبأتها في زوايا جسدها , و هاجمت الأفعى , أمسكت برأسها , و بقوة رعبها , ضربته بجذع الشجرة . تلوت الحية , ثم تحولت , فانتشرت شعراً لرأس الفتاة . حاولت نزعه , لكنه كان قد أصبح كثيفاً .. داكناً .. و جميلاً , فعدلت عن ذلك . زفرت بفرحة يمازجها خوف , ثم نظرت إلى حيث تجلس , فرأت جدولاً عطر الرائحة , ينبع من بعيد و ينتهي تحت قدميها . تذكرت حبيبها . ركضت إليه عانقته بشبق صارخة :
- أنت جبان .. جبان ..
فتح جفنه بهدوء , و همس :
- استري شعر رأسك .. و تعالي أعلمك طبخ التفاح ..
حملت قصاصات رأسها بيدها , و غادرته . بينما كان الجدول لا يزال يلملم آثار خطواتها .. و يسير خلفها ..
صادق أبو حامد
|