.. عندما حل المساء عاودك الخوف كالعادة.... هل سيقوم والدك بتجارب الشجاعة التي يمارسها عليك ؟
.. هذا الولد ( حضري ! ) , كان يقول للآخرين في مجلسة...لقد أفسدته المدرسة !
.. أصبحت تكره إجازة منتصف العام بالرغم من قصرها....فأنت تفقد الأسبوع الأول منها بحثا عن أهلك في الصحراء...! وتقضي الأسبوع الثاني بالقيام .. بطقوس كثيرة يجبرك والدك على القيام بها لاستعادة بداوتك !
.. كانت والدتك تصرخ به : إنه ما يزال صغيرا........ما يزال صغيرا.... فيجيب والدك : بل جبان...بل جبان !
.. يتوجب عليك السير وحيدا لعدة أميال في ليلةٍ بلا قمر لتثبت له شجاعتك وهمجيتك....! تحتج أمك : إنه يخاف الطيور !
.. عندما يطير عصفوراً من تحت شجرة صحراوية صغيرة اختارها لقضاء مبيته يقفز قلبك إلى حلقك ... تظنه أفعى....أنت تخشى الأفاعي....!
.. ولكن والدك يصر على أن الأفعى حيوان مظلوم ! كان يقول لك : أنت أكبر من الأفعى ! الأفعى حيوان صغير وأنت حيوان كبير !
.. عندما تلسعك الأفعى فإنها تمارس حقها في الدفاع عن النفس لأنها تخشى حجمك !
.. حين عدت من ممارسة مسيرة الشجاعة الروتينية كان والدك قد ذهب إلى فراشه......الأفعى لا تحفر جحرا ولكنها لا تنام إلا بجحر !
.. قدمت لك أمك الطعام وهي تقول : لقد نفذ مني الحطب فأكملت طبخ الوجبة باستعمال قراطيسك ( كتبك ) !!!
.. ركلت طبق الطعام برجلك وشرعت بالبكاء.... ماذا ستقول لأستاذك عندما تعود إلى المدرسة ؟ تنتظرك علقه ساخنة من الأستاذ عدنان لا محالة
.. تواسيك والدتك قائلة : لا تخاف ! فأنا لم احرق القرآن .. لقد وضعته بالقرب من فراشك...
.. تتجه إلى الفراش مع والدتك....... تنقطع عن البكاء خوفا من أبيك الذي قرر وخلافا للعادة أن ينام في نفس الخيمة.... !!
.. تضعك أمك في الفراش وتضفي عليك الغطاء قائلة : لا تخاف فأنا سأكون بقربك.
.. تأخذ أمك الكتاب الوحيد الذي نجا من المحرقة ( قاموس عربي إنكليزي )....تقبله أمك وهي تضعه تحت رأسك...لا تخف !
.. اقرأ المعوذات وستنام سريعاً!
.. تعطيك يدها اليمنى بعد أن أطفأت الضوء لتزيدك اطمئناناً.....آنت تشك بان يدها اليسرى قد أعطيت لوالدك !!
.. أنت تخشى الظلام....فجميع الأشياء الممنوعة تحدث في الظلام !

.. تتظاهر بالنوم وبعد وقت قصير تفقد يد أمك ! هل ستخبرها في الصباح عن ماهية الكتاب الذي لم توقده ؟ لا......لا....فخير لها أن لا تعرف !!
.. أشرقت الشمس.....كان والدك يسير في مقدمة الإبل وأنت تسير في المؤخرة... كان الجمل الفحل مربوطاً بحبل طويل.. يده اليمنى ورجله اليسرى ..!
.. وكلما سألت والدك عن سر قيده قام بنهرك !!
.. .يسير الجمل متباطئا في المؤخرة....وتنظر إلية النوق بخوف وحذر.. ليتك تستطيع فك قيده.. !
.. الإبل عطشى......لم تشرب الماء لأكثر من عشرة أيام
.. لقد سمح لك والدك باصطحاب جهاز الراديو الصغير الذي أحضرته من المدينة
.. كانت زرقة مياه البحر تتراءى لك من بعيد.. لم يقترب والدك من البحر يوماً....وتسأله لماذا ؟
.. لأن ماءه مالحاً لا تشربه الإبل ....وهو مليء بالسمك وأنا لا آكل السمك ..
.. تخبره بأنك تعلمت السباحة في البحر فيحذرك من الغرق......وأنت تريد الغرق !
.. البحر أزرق وحوافه بيضاء....ترى ما هو إعراب كلمة بيضاء.....
.. يا الله كم أنت مشتاق للسباحة في البحر....قد تفعل ذلك لو يغفو والدك قليلا...إنه يفعل ذلك بعد الظهر
.. تفتح جهاز الراديو الصغير الذي تحمله معك....نشرة الأخبار.. يشعر والدك بالفخر عندما تشرح لرجال القبيلة معنى الأخبار
.. هجوم آخر للفيتكونغ على فيتنام الجنوبية....يسال والدك: منذ أحضرت هذا الجهاز لا نسمع إلا عن فيتنام.....ماذا يجري في الفيتنام هذه ؟
.. تشرح له ما تعرفه .....يسألك : ولماذا كل هذه الحرب ؟ ألا يدري ابن سعود ؟!
.. هو يدري ....هو يدري .....! ولكنهم كفار ! الجهتين كفار!
.. يسألك : أنا أريد أن اعرف كيف تكون النفط ؟
.. النفط يا والدي تكون من الشجر.....كانت الغابات تغطي الجزيرة العربية... ثم حدثت زلازل رهيبة ...قلبت ما فوق الأرض لباطنها!
.. انصهرت الأشجار في باطن الأرض بفعل الحرارة الشديدة وتحولت نفطاً.
.. كذب ! كذب ! يقول والدك.....أنتم تقولون أن الأرض تدور .....فإذا كانت تدور فسوف تعرق.....والنفط ما هو إلا عرق الأرض !
.. يا ربي كم يبدو تفسيره مقبولا للوهلة الأولى...عرق الأرض ؟!
.. ولكن يبدو لك بان كلمة عرق نفسها كلمة غريبة !
.. تعترض : هذا ما علمونا في المدرسة....... فيقول والدك : وهل تصدق كل ما يعلمونك في المدرسة ؟
.. ينظر والدك باتجاه الغرب .. هنالك سحب سوداء داكنة تتجمع في السماء .. ربما سيأتي المطر!
.. لقد عرفت أن أباك يشم رائحة المطر كما تشمها الإبل
.. يغرس والدك عصاه في الرمل ليعرف موعد صلاة العصر . فإذا بلغ طول ظلال العصا ضعفي طولها الحقيقي فهذا موعد صلاة العصر !
.. بعد أن أنهى والدك صلاته كانت العاصفة فوق رؤوسكم .. استبشر خيراً وضحكت أساريره وهو الذي لا يعرف الابتسام !
.. لكن المطر لم يسقط عليكم .. فقد غيرت العاصفة اتجاهها وولت صوب البحر!!
.. كانت الإبل عطشى والمطر يسقط فوق الماء وأنت ووالدك وإبلكم تتأملون البحر !
.. حزن والدك كثيرا وقال لك : أنا ذاهب للخيمة لجلب بعض الطعام .......عليك بحراسة الإبل ..
.. بعد أن تركك وحيدا...تفكر مرة أخرى بقيد الجمل الفحل...تتجه ناحيته... تفك قيده... !
.. النوق تنظر ناحيته...تعتري الجمل هستيريا غريبة...يتجه ناحية النوق ! .. النوق تنفر منه... !
.. خلال لحظات تغير كل شيء...تهرب النوق باتجاه .. (( الشمال )) .. !!
.. الجمل يطاردها... تستغرب كيف أن هذه الحيوانات الغبية تحولت إلى مخلوقات غريبة ...هائجة
.. يخرج الزبد من أفواهها وهي تزمجر وتعربد راكضة بإصرار نحو الشمال ..!!
.. عندما شاهد والدك ما يحدث ركب ورجال القبيلة خيلهم لإيقاف هيجان الإبل ..الويل لك....الويل لك !
.. أين ستهرب ؟ تتجه ناحية البحر...تخلع ملابسك وتنزل عاريا في الماء...لا يوجد في القبيلة من يعرف السباحة
.. لا يستطيعون الوصول إليك...البحر سيحميك من غضبهم .. !
.. كل ما مر بك أحدهم كان يصرخ : لماذا فككت قيد الجمل ؟ لا أدري ...لا أدري...
.. لقد عرفت سر قيد الجمل .. فأنى لهم أن يعرفوا سر تكون النفط ؟
.. عرفت الأسرار كلها... ووجدت وردة خضراء... هنا في هذا الخليج...لم يستطع جيمس جويس أن يجدها في كل أوربا...!!!