أعتاد الاب ان يقص على ابنه حكاية قبل نومه وكان الابن شغوفا بقصص ابيه وعوالمها السحرية وبتلك الطريقة التي يمزج بها خلطات الخيال والواقع حتى لكأن الطفل الصغير يحلق في عالم قوس قزح فينام هانئاً مطمئناً منتظراً حكاية اليوم التالي:

- واو، يا ابي، لقد وعدتني ان تقص علي قصة من قصص الكبار هذه الليلة.
- نعم يا بني ، لكن قصتي لهذا اليوم فريدة من نوعها، مثيرة في احداثها وغرائبها. كان ياما كان في قديم الزمان وقبل ان تولد انت يا ولدي الصغير، كان يوجد بلاد تتوسط العالم من كل الجهات ويعيش فيها شعب يسمى الشعب العربي.

- العرب، يا ابي؟ ياله من اسم غريب
- نعم يا بني، وفي وسط حي من احياء العرب، نشأ وترعرع الفتى حمزة، حتى بلغ من العمر خمسة عشر عاماً وبلغ مبلغ الرجال. كان حمزة يعيش في عائلة فقيرة، ابوه موظف في وزارة اعلام الدولة يكتب المقالات في مدح الزعيم القائد لقاء ثمن بخس، وأمه كانت مناضلة في اتحاد النساء، وله ثمانية اشقاء يكبرونه باعوام. ومع ان عائلته فقيرة الا انها كانت متماسكة ومتحابة.

- اتمنى ان حمزة كانت له شقيقات يا ابي.

- فكر الاب لحظة وقال: نعم كان له ثلاث شقيقات، وكان حمزة يدرس في ثانوية قريبة مع اصدقاءه ممن كبر معهم خلال سنوات دراسته المعدودة. ومثل كل المراهقين اعتاد الشبان الصغار على الوقوف قرب مدرسة للاناث يعاكسوهن حينما تنتهي حصصهن الدراسية. كان حمزة يشعر بالذنب في داخله مما يفعل ولكن صديقه فاضل اخبره ان هذا الامر طبيعي. وان الفتيات يرغبن في دواخلهن ان يتم معاكستهن.

- انهن يردن ذلك قال فاضل مستهزءاً، ولماذا تظن انهن يقضين ساعات امام المرآة وايام في شراء الملابس؟ لاتكن غبياً يا حمزة وخصوصا وانت من عائلة تقدمية وابوك اعلامي كبير.

- دعكم من النساء ومعاكستهن، صاح شهاب، ما رأيكم ان تسهرو عندي؟ عندي مجموعة افلام وثائقية ممتازة اذا فهمتم ما اعني.

- لكن...انا ...لا...بدا حمزة متردداً من شيء لم يفعله بحياته
- لاتكن جباناً يا حمزة، واذا كان على اهلك فقل لهم انك ذاهب لتدرس مادة الجبر عندي في البيت. اطمئن لن نقل لاحد.


- وهل ذهب حمزة يا ابي؟
- اوه، هذا ما سأخبرك به غداً يا بني.

---

قال الاب لابنه في اليوم التالي: ان حمزة ذهب الى بيت صديقه على الموعد، استقبل شهاب صديقه حمزة بابتسامة خبيثة وهو يقول: لقد جئت ...اسرع شهاب الى داخل غرفة الضيوف وهو يصيح: لقد جاء... لقد جاء، قلت لكم انه سيأتي.

دخل حمزة الى غرفة الضيوف فوجد فاضل يعد جهاز التلفزيون ويحاول ربطه بمشغل اقراص ليزرية من النوع الرخيص والى جنبه وقف عماد يرتب المشروبات الروحية، بدا على حمزة التردد

- مالك؟ صاح عماد؟ تبدو كمن رآى شبحاً؟

- حمزة: انا ...انا ...لم اكن اعلم انكم ستحضرون خمراً معكم، فانا لا اشرب

ضحك الاصدقاء من كلام حمزة حتى استلقوا على ظهورهم من الضحك، قال فاضل: ولماذا لاتشرب؟

- الخمر حرام : قال حمزة.

- قال عماد: ما هذا؟ شاب مثلك من عائلة تقدمية يفكر بهذه الطريقة الرجعية؟
- عندي سؤال، قال شهاب واضاف: لو انني اردت ان اسيطر عليك واسلبك مالك وارضك وكل ما تملك فماذا ستفعل؟
- سأرفض واقاومك قال حمزة ببداهة.
- شهاب: وماذا اذا قلت لك انني افعل هذا بامر من قوة كونية تفوقك وتفوقني وانك لاتستطيع ان ترفض او تختار لان هذه القوة الكونية هي من وضعني بهذا الموضع وما تضعه القوة الكونية هذه لايزال، وقلت لك ان هذه القوة الكونية هي اله خلقني وخلقك وانه سيعوضك عن صبرك معي بما تشاء بعد ان تموت؟ وانك اذا رفضت فان مصيرك هو الموت والخزي ما بعد الموت؟

ان طبقة الاقطاع لم تجد افضل من ان تزرع وعياً دينيا مزيفاً في عقول البسطاء حتى تسيطر عليهم وتمنعهم من المطالبة بحقوقهم.

- نعم، انهم يريدون ان يسيطروا عليك يا حمزة، لماذا الخمر حرام؟ لماذا عدم المساواة بين الرجل والمرأة؟ ولماذا يسيطر التخلف على الشارع العربي؟ ولماذا يموت الناس في كل مكان؟ قال فاضل بحماس.

- حمزة: ولكن ... ما علاقة الاقطاع بالدين؟

شهاب: انظر يا صديقي، ماذا يعمل والدك؟
حمزة: يعمل في وزارة الاعلام؟
شهاب: ولماذا هو فقير اذن ما دام يعمل؟ لماذا هناك فقراء واغنياء؟ لماذا تجد صديقنا رياض يأتي الى المدرسة بسيارة فارغة وانت لاتجد ما تأكل؟ لماذا هو غني وانت فقير؟ ان اباه لايفعل شيئاً، انه يجلس وينهال عليه المال من جهد العمال الذين يعملون في مصانعه وبينما هم يتضورون جوعاً يستمر هو وابنه في ركوب السيارات الفارهة.

هل تظن ان هذا عدل؟ هل تسمي هذا عدلاً؟

- حمزة: لا ...لا اظن انه عدل.

- اذن اشرب معنا يا مجنون، قال فاضل وهو يشغل مشغل الاقراص الليزرية.

شرب حمزة...وابتسم اصدقاءه بخبث حينما صار حمزة واحداً منهم.

البقية غداً